ما بين سنغافورة والسودان: كيف نستفيد من هذه التجربة التنموية العظيمة؟!
(إهداء وعزاء إلى الباكين والمتباكين على ضياع ربع أرض الوطن العزيز)
(1 من 2)
فروق شاسعة تفصل ما بين أوضاع سنغافورة والسودان. ومع ذلك فيمكن للحكومة السودانية والشعب السوداني الإفادة العظمى من تجربة هذه الدولة الصغيرة الناهضة، أو التي نهضت فعلا وحققت لشعبها جل ما كان يطمح إليه، أو قل إنها حققت له أكثر مما كان يطمح إليه أو يخطر له على بال!
دولة المدينة الفاضلة:
سنغافورة دولة صغيرة مما يمكن أن يسمى دولة – المدينة.
City- State
أي الدولة الصغيرة القائمة على أساس مدينة أو حاضرة واحدة، خلاف الدولة القومية.
Nation- State
التي تقوم على أرض شاسعة وتضم مناطق ومدن وقرى متكاثرة.
ودولة المدينة كانت محط أحلام الفلاسفة الغابرين، وعلى مستواها التحليلي أنشأ أفلاطون جمهوريته اليوتوبية، وأقام الفارابي مدينته الفاضلة.
وخطط مكيافللي فلسفته المرعبة (وإن كان قد رمى إلى توحيد إيطاليا كلها على نواة دولة - مدينة فلورنسا!).
وكتب روسو فصول فلسفته الرومانتيكية الحالمة في العقد الإجتماعي على نطاق حدودها!
الدولة الأشد ازدهارا:
وبالإضافة إلى سنغافورة توجد بضعة مدن – مدينة، في عالما اليوم، مثل إمارة موناكو، وبعض مدن نيو إنجلاند، وكانتونات سويسرا.
وهي كلها مدن عامرة مزدهرة، ولكن سنغافورة أشدها عمارا وازدهارا، وهي تختلف عنها في ناحية واحدة مهمة هي التي دعتنا لإنشاء هذا المقال لمضاهاة وضعها بالسودان.
دولة لا ديمقراطية:
تختلف سنغافورة عن دول المدينة الآنف ذكرها، في أنها ليست دولة ديمقراطية على النمط الأوروبي.
فلا هي ذات ديمقراطية مباشرة، بمعنى أن يجتمع سكان الدولة كلهم على صعيد واحد لمناقشة المشاكل، واتخاذ القرارات، وتنفيذها.
ولا هي ديمقراطية تمثيلية يتنافس فيها حزبان قويان، أو أحزاب متعددة، ويعطي السكان أصواتهم لمن يأتوا نوابا ليمثلونه، ويختارون بدورهم الجهاز التنفيذي.
في سنغافورة حزب غالب، يكاد ينال جميع الأصوات، ويحوز رضا المواطنين في أغلبيتهم الساحقة، وهذا شيئ عزيز في الوجود، أن يصوت الناس في اتنخابات حرة نزيهة، وفي كل مرة يعطون بمحض إرادتهم، أصواتهم بهذ القدر الإجماعي أو شبه الإجماعي لحزب واحد!
وإذا كان البعض قد سمى هذه الظاهرة بالدكتاتورية الناعمة، فهي تسمية ظريفة وإن لم تكن مصيبة.
لأن النظام السياسي السنغافوري يمكن أن يسمى كذلك إذا اقتصر النظر على المظهر دون الجوهر.
وإلا فجوهر ذلك النظام لا يمكن أن يعد دكتاتوريا أو سلطويا لأن الشعب يختار حكومته مرة بعد مرة وهو عنها راض.
ورضا الشعوب عن حكوماتها مطلب عسير نادر.
فإن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل. كما قيل في حِكم الشعر!
ولكن أهل هذه الدويلة الصغيرة حجما، والكبيرة قدرا، قد خرجوا عن نطاق تلك الحكمة الشعرية السياسية الانطباعية القديمة، ومنحوا ولاءهم المتجدد لحكومة تخدم الشعب بما يريد وتزيد.
القابلية للنهضة .. لا للإستعمار:
انفصلت سنغافورة عن ماليزيا في عام 1965م، وعالجت سراعا اشكالات ما بعد الإستقلال، وحسمت خياراتها السياسية والإقتصادية بشكل نهائي. وقضت على ما أسماه فيلسوفنا العظيم مالك بن نبي بأوضاع (القابيلية للإستعمار).
وباشرت تنفيذ مهام النهضة، تاركة معظم الدول الآسيوية من حولها تضج في لغو قضايا الهوية، والإثنية، والصراع الديني، ومطالبات تقسيم الثروة التي لم تتحقق ولم تتراكم بعد.
وهي القضايا الجدلية التي يهوى الحديث فيها، ويدمنه، مثقفو البلاد المتخلفة، المتخلفين ثقافيا أكثر من مثل شعوبهم!
انطلقت سنغافورة على التو في مضمار النهضة، تاركة البلاد الآسيوية المعطوبة بمثقفيها، من منقوصي الثقافة، غارقة في مشاكلها القديمة التي جرتها إلى مشاكل أوخم منها، مثل مشاكل الجريمة المنظمة، واستفحال أدواء المخدرات، والدعارة، والإتجار بالبشر، وتكاثر الأطفال غير الشرعيين، وتفشي البطالة، واتساع أحياء الفقر التي تتوالد فيها تلك الأوبئة والآفات.
الجهاد المدني السنغافوري:
لقد كان من شأن سنغافورة أن تعافت سراعا من أمراض القابلية للإستعمار وأعراضها فور أن شدت المئزر، وانخرطت في حركة (الجهاد المدني) الحقيقي، جهاد التنمية، لا جهاد التصاخب بالشعارات والتنافس على مناصب الحكم التي ابتلي بها سياسيو المعارضة في السودان.
وظل فيلسوفها العملي وأبوها الروحي الزعيم لي كوان يو يشرف على وضع الخطط الكبرى الذكية المرنة.
ويوجه البلاد نحو الإنجاز بغض النظر عن تفاصيل الآيديولوجيا والشعار.
وسبق بهذا المنحى البراغماتيكي جاره زعيم النهضة الصينية الحالية، دنغ هسياو بنغ، الذي اشتهر لاحقا بحديث لون القط الذي لا يهم (ولا يفرق!) طالما أنه قادر على اقتناص الفأر!
وهذا نمط من التفكير صحيح، ففي المقصد النهائي، يقاس أداء الدول في مسار التنمية وجهاده المدني الحقيقي، بارتفاع معدلات الإنتاج والنمو.
والشعوب لا تأكل من الشعارات الخرقاء والمثاليات الجوفاء، وإنما تقتات من عائدات التنمية العملية المتزايدة بوتائر أسرع من معدلات نمو السكان وتسارع أقدار استهلاكهم.
كفاءة القطاع العام:
وفي هذا المدى انطلقت سنغافورة بعيدا عن النمطية السائدة، ولم تستورد نهجا تنمويا ولا سياسيا تلزم به نفسها.
ولذلك انطلقت تؤسس لجهاز اقتصادي كفء، تملكه الدولة لا القطاع الخاص.
وهو جهاز ضخم يضم المصانع، والمتاجر، والمساكن، والمستشفيات، والمدارس، والكليات، وخطوط الطيران، وشركات الاتصالات، ويحيط بالمجتمع ويستوعبه ويسبق نموه بالنظر المستقبلي النافذ.
ولا ينتظر وقوع مشكلة حتى يشرع في حلها، بِلْه أن يدعها تتمادى حتى تصبح كارثة، وإنما يتحسب لها قبل أن تقع بزمان طويل.
وهكذا نجت سنغافورة من مشاكل تحتم وقوعها في بلا أخرى عرف سياسيوها ومخططوها، بقصر النظر وتقاصره، كسياسيينا ومخططينا (العشوائيين!) الذين لم تدلهم أي تجارب عمرانية قديمة أو متقادمة على ضرورة التحسب لمشاكل بدهية الوقوع مثل المرور، واتخاذ حلول لها، ما كانت لتكلف شيئا لو أنها اتخذت في الوقت المناسب.
أما في سنغافورة فهي مع ضيق مساحتها، واحتشادها بالخلق، فلا تكاد ترى فيها أثرا لاختناق مروري حتى في ساعات الذروة.
ذلك أن سياسييها المتفرغين لقضايا التنمية لا لقضايا الصراع على كراسي الحكم، انتبهوا بدارا إلى خطورة مشكلة المرور، فصمموا الشوارع فسيحة واسعة، تنساب فيها حركة السير بلا تعثر ولا عناء.
وشجعوا الناس على استخدام المواصلات العامة، وأغلوا أسعار السيارات الخاصة بالضرائب الباهظة بحيث يزهد فيها الناس رغم ثرائهم الملحوظ !
إعدام تجار المخدرات:
وانتبه هؤلاء السياسيون والمشرعون إلى ما تأتي به قضايا التنمية، ويفرزه الثراء من مشاكل اجتماعية، وعلى رأسها إدمان المخدرات والتحلل والأخلاقي، فصنعوا حواجز هائلة دونها.
وفي مجال مكافحة المخدرات، مثلا، لم يجعل القانون السنغافوري للقاضي إلا من خيار واحد فقط، يواجه المدان بالاتجار بالمخدرات، وهو خيار الإعدام شنقا حتى الموت.
وجلد ابن الأكرمين الأمريكي:
وأما أدنى جريمة تهدد حالة السلم العام، فعقوبتها الجلد لا غير !
وهل نسي الناس بعد قصة ابن الأكريمين، الأمريكي، الذي قام بإتلاف إحدى السيارت، في الشارع العام، وحكمت عليه إحدى محاكم سنغافورة بالجلد، ولم تبال حكومة سنغافورة بضجيج المجتمع الأمريكي، وضغوط حكومته، والجهود والوساطات الكثيفة التي استهدفت تغيير الحكم أو إلغائه، وأصرت على تنفيذه، وإن كانت قد خفضت عدد الجلدات.
وما كان إصرار سنغافورة على إمضاء حكم الجلد على الفتى الأمريكي الضال، إلا تعبيرا عن الحزم والعزم على الحفاظ على ضبط حالة الأمن والاستقرار، وذلك حتى لا يتجرأ شخص آخر، مهما كان، على الإفساد في الأرض وبث الفوضى وسط الناس.
وفي تصور حكام سنغافورة - وهم محقون في ذلك - فإن تقويض حالة الأمن يؤدي لزاما إلى تقويض الجهود التي يبذلونها في سبيل التنمية والعمران.
ولا تنمية ولا عمران بلا أمن متين مكين ركين كما قال ابن خلدون!
(إهداء وعزاء إلى الباكين والمتباكين على ضياع ربع أرض الوطن العزيز)
2-2
تبلغ مساحة سنغافورة 692 كيلو مترا مربعا، أي أقل من مساحة العاصمة السودانية المثلثة .
ويبلغ عدد سكان سنغافورة 4,7 ملايين نسمة.
وقد بلغ إجمالي الإنتاج المحلي لسنغافورة للعام الماضي 2010م، حوالي 251 بليون دولار ( مقارنة بنحو 92 بليون دولار للسودان).
وبلغ معدل إنتاج الفرد في سنغافورة للعام نفسه، 54 ألف دولار، (مقارنة بنحو ألفي دولار للفرد في السودان).
وبلغ إجمالي الصادرات السنغافورية لهذا العام 273 بليون دولار، (مقارنة بنحو 9 بليون دولار للسودان) .
كما بلغ إجمالي الواردات 243 بليون دولار، (مقارنة بنحو 7 ونصف بليون دولار للسودان) .
ووصلت حصيلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها إلى 189 بليون دولار.
ويتركز الإقتصاد السنغافوري على الخدمات والصناعة، وأهم الصناعات السنغافورية هي الإلكترونيات، والأدوات الكهربية، وأدوات حفريات استخراج النفط، وتكرير النفط، والصناعات المطاطية، والصناعات الغذائية، وإصلاح السفن.
وقد بلغ إنتاج الكهرباء 42 بليون كيلوات يستهلك أكثرها ويصدر أقلها إلى الخارج، (مقارنة بنحو 4 بليون كيلوات هو مجمل انتاج كهرباء السودان الذي لا يكفي للإستهلاك المحلي!)
ورغم أن سنغافورة عانت من متاعب التراجع الإقتصادي العالمي خلال الأعوام ما بين 2001 -2003 م إلا أنها استعادت نمط نموها السابق خلال الأعوام الماضية، فاتصل معدل نموها الإقتصادي بحوالي 7 % سنويا حتى عام 2008م، ثم تراجع قليلا في العامين الأخيرين.
كفاءة القطاع العام:
وهذه النجاحات الإقتصادية الفائقة ما كان لها أن تتم على أساس من أداء القطاع الإقتصادي العام، لولا قوة الحكومة السنغافورية، ونظافة أيدي ولاة الأمور هناك، ولولا قوة الشعب السنغافوري ونظافته ووطنيته كذلك.
وفي ذلك برهان على أن القطاع العام ليس رمز الفشل الإقتصادي وسببه الأساسي بالضرورة، كما يقول البعض.
فالقطاع العام يمكن أن يدار إدارة علمية مثالية تماثل إدارة القطاع الخاص، هذا إذا سمت ثقافة الشعب السياسية وطهرت ذمم قادته.
فحينها يصيب الخير المجموع، ولا يخص أفراد النخب التي تتسارع لالتهام مصادر الثروة قبل أن تتكون، وإلا فكم من شركة عندنا قضى عليها الحكام ومحاسيبهم من الإداريين الفاسدين المفسدين وهي بعد في المهد؟!
لقد تكونت الثقافة السياسية عندنا، ويمكن أن نقول الثقافة الوطنية أيضا، على الحس الفردي، والطابع الانتهازي، والتسابق نحو الغنم العاجل لا الآجل.
فليس عارا عندنا أن ينهب الموظف الكبير من أموال القطاع العام، وإن كان عاره في الحقيقة أعظم من عار سراق الليل، الذين يقفزون على بيوت الناس لسرقة مسترخص المتاع، فهؤلاء شرهم محصور مقصور على أضيق نطاق.
ومع أنك لا تكاد تجد أحدا يجادل ويحتج على تناول أيدي سراق الليل بالقطع، لكنك ترى وتسمع من الكثيرين من المثقفين وأشباههم ممن يتسارعون لإعلان الاحتجاج وراء الاحتجاج، ويجئيون بالشبهات تلو الشبهات، للدفاع عن سراق المال العام!
إن الكثيرين من مديري شركات قطاعنا العام، والمتنفذين فيها، لا يرون أن تلك الشركات هي مال الشعب ومجمل استثماره، ولا يرون أنهم مجرد أجراء اختيروا لإدارتها وتنميتها، ولا يظنون أنهم مسؤولون عن الخسائر التي يمكن أن تحيق بها!
وإنما يحسبون أن تلك الشركات إنما أنشئت خصيصا لخدمتهم هم، وخدمة أهليهم وأقاربهم، فوظائفها ليست معروضة في السوق الحر للأكفاء ممن يمكن أن يؤدوها باقتدار، ويؤسسوا لنجاح تلك الشركات.
وإنما هي وظائف محتكرة لأهل المديرين والنافذين في وأصدقائهم ومعارفهم، حتى ولو كانوا من أعجز العاجزين!
ولذلك فلا غرو ان تعجز شركات القطاع العام عن تحقيق ما أنيط بها من مهام، حتى ولو كانت كل أسباب الفوز الأخرى في صالحها.
فقد ابتليت الكثير من هذه الشركات بقادة إداريين موبوئين بداء الفساد. والقائد الموبوء بداء الفساد هو إنسان ميت ضميريا، ولا يمكن أن نتوقع منه غيرة أو احتراقا من أجل إنجاح مشاريع القطاع العام.
التفسير الثقافي لا يكفي:
ومع وجاهة الدفع السابق، إلا أن تفسير الأمور بالعامل الثقافي وحده فيه تبسيط شديد في التحليل والتعليل.
ولذلك فينبغي أن نبحث عن عوامل أخرى قد تجلي لنا وجه الظاهرة على وجه التفصيل.
وهذا ما ينبغي أن تنبري للقيام به عقول مدربة مختصة تبحث في دقائق الأمور، وتستجليها عن قرب، أقصد بذلك مراكز الأبحاث السياسية التي انتشرت في بلادنا أخيرا (كمودة!) ولم ينجز أي منها بحثا يؤبه به !
إن أساليب إدارة القطاع العام السنغافوري ربما انطوت على أسرار غير متاحة لنا، كانت هي سبب قوته وكفاءته.
وهذه أسرار ينبغي أن نعرفها عن كثب، وهنا يمكن أن تبعث هذه المراكز، التي تدعي الإنتساب إلى البحث العلمي، بعض الباحثين النابهين الناضجين، إلى سنغافورة، في مهمة بحث علمي، محدد الإطار، ليأتوا لنا بما قد يكون السر الكامن الذي يفسر لنا سبب هذا النجاح المرموق، ويكون درسا لنا عسى أن تفيد منه سائر مؤسسات البلاد.
وحدة التحليل الصغيرة:
وهذه مهمة بحثية ضيقة المدى، يحبط جدواها حديث المثقفين المستفيض، المستطيل، المسترسل، الذي يشبه حديث الشعارات، عن ظاهرة النمور الاقتصادية الآسيوية، والنهضة الإقتصادية في الباسفيكي، والانطلاق التنموي في جنوب شرق آسيا، فهذا حديث فضفاض لا يغني ولا يفيد، إلا على مستوى العبرة العامة، لجمهرة العامة، وقد كان!
أما من أجل اكتساب الفائدة العملية القابلة للتطبيق من تجارب هذه البلاد الناهضة، فلابد من حصر الوحدة التحليلية، وتحجيمها قدر الإمكان، وذلك حتى تقتصر مادة البحث على المطلوب فقط، ولا تتعداه إلى أحاديث المثقفين المرجفين.
(قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ).
أسئلة البحث:
والمطلوب في حالتنا هذه هو أن نعرف فقط، وعلى وجه التحديد، كيف يدار القطاع العام السنغافوري بكفاءة عالية تحقق هذه الأرباح الطائلة التي استعرضنا طرفا منها في مطلع هذا المقال؟!
وهل للقطاع العام السنغافوري معايير موضوعية محددة، في شؤون التوظيف، والمتابعة، والمراقبة، والتقويم، والإثابة، والعقاب؟!
وكيف تنفذ هذه المعايير على أرض الواقع هناك؟!
وما هو المصير الذي تواجهه الشركات الخاسرة، أو تلك التي لا تحقق نجاحا في حدود المطلوب؟!
هل تلغى؟! أم تستبدل إدارتها بكادر جديد؟!
وإذا ما ألغيت إحدى الشركات، فهل يكون إلغاؤها هو العقاب المناسب الذي يحيق بمنسوبيها؟!
وبالتالي يحذر كل منهم من مثل هذا العقاب الساحق، ويتسابقون في التفاني في الإنجاز منذ البدء، ويتآمرون بالمعروف، ويتناهون عن المنكر، في مجال العمل الإنتاجي المثمر، ويضربون بأيديهم، ونعالهم، على أيدي الفاسدين، المفسدين، المهملين، المقصرين، وأقفيتهم ؟!
دعنا ننجز هذا أولا:
إن الإجابة على هذه الأسئلة الملحة وأمثال لها تسهم كثيرا في تفسير أسرار نجاح القطاع العام السنغافوري في تنفيذ ما أكل إليه من مهام النهضة بالإقتصاد.
ولكن لا يعني ذلك أن تقتصر آفاق البحث العلمي المطلوب عليها وحدها، باعتبار أنها هي وحدها سر النجاح.
فالنظام التعليمي السنغافوري الذي يزود هذه الإدارات بالكوادر المتفوقة، يستحق أيضا أن يكون موضوع بحث عميق منفصل.
ولكن دعنا ننجز البحث الأول وحده الآن، وذلك حتى لا نقع في محذور التعميمات التي تحدثنا عنها سابقا، وقلنا إنها قد تسطح البحث، وتخفي الحقيقة عن الأنظار.
وفي الحقيقة فإننا ما نبهنا في هذه السانحة إلى موضوع النظام التعليمي السنغافوري، إلا لنشير إلى أن التركيز على عامل وحيد، لا يمكن أن يهدي وحده لتقصي أسرار الموضوع.
ولذلك فليكن هذا الموضوع عن النظام التعليمي السنغافوري، مشروع بحث مؤجل، ريثما تنجز لنا جهة علمية مسؤولة، الموضوع الذي طرحناه في البحث الأول، عن أسرار نجاح القطاع العام هناك.
وقد تساعد نتائج البحث الأول وتوصياته في تحديد إطار هذا البحث الجديد.
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]