ما بين مفوضية الإنتخابات ومفوضية الإستفتاء … بقلم: سارة عيسي
سوف يذكر التاريخ السوداني كل من مولانا أبيل ألير ، بروفيسور الأصم ، وبروفيسور محمد إبراهيم خليل ، هؤلاء الرجال وضعوا لبنة السودان القادم ومثلوا نقاط الخلاف داخل الساحة السودانية ، وعندما تم تكوين مفوضية الإنتخابات السودانية لم تتبرم الحركة الشعبية كثيراً ولم تستخدم حق الفيتو للإعتراض على شخصية بروفيسور الأصم على الرغم أنه استغل وظيفته لصالح عمله الخاص ، ولا زال الناس يتذكرون قصة مركزه الذي أشرف على تدريب موظفي المفوضية ، ومن هنا يجب أن أشير أن مولانا أبيل لير كان الشاهد الصامت في تلك العملية ، فبما أن الحركة الشعبية لم تمتعض من سلوك بروفيسور الأصم ، بحكم أن الحركة الشعبية قد استقلت بإنتخابات الجنوب كما فعل حزب المؤتمر الوطني في الشمال ، لذلك لم يحرك مولانا أبيل ألير ساكناً ، وصمت الحركة الشعبية يمكن تفسيره أنذاك أنها تعلم أن الرئيس البشير هو الرجل المناسب لطرح مسألة الإنفصال ، وهي تعلم أن الرئيس البشير ، المطلوب دولياً هو الراجل المناسب لإجراء أخطر عملية قيصرية في بطن القارة الأفريقية ، في تلك الفترة كان دكتور الأصم هو الحاضر في وسائل الإعلام ، وهو الذي روّج النظرية التي كانت تقول أن الإنتخابات السودانية سوف تقوم بمن حضر ، كما أنه هو الذي أبتدع مصطلح المشاكل اللجوستية لتبرير الخطل الذي واكب العملية الإنتخابية ، ولا ننسى أن الشريكين وقتها ، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وافقا على تمرير العملية الإنتخابية ، فالمؤتمر الوطني كان في حاجة إلى توجيه رسالة إلى أوكامبو مفادها أن الشعب السوداني يتحلق حول قائده ، أما الحركة الشعبية فهي حاجة لإقتصار الزمن من أجل إقامة الإستفتاء لتحقيق تقرير المصير .
والآن جاء دور مفوضية الإستفتاء ، وهي مفوضية ذات دور حساس تختلف كثيراً عن مفوضية بروفيسور الأصم التي أختلطت فيها المصالح الحزبية بالمصالح الشخصية ، ومن بعد غياب طويل وإختفاء قسري طيلة السنوات السابقة عاد للعلن بروفيسور محمد إبراهيم خليل ، الرجل الأكاديمي وصاحب التاريخ العريق في حزب الأمة ، في السودان من الصعب أن تجد ما يسميه الناس في لبنان الوزير الملك " النصف زائد واحد " ، والمقصود بذلك هو وجود شخص في المنصب العام غير مجروح بالإنتماء الحزبي أو الجهوي ، فربما يكون ماضي البروفيسور خليل في حزب الأمة هو الذي ينضح الآن ، ونفس سيناريو مفوضية الأصم بدأ يتكرر ، اللجوء لوسائل الإعلام وعرض الخلافات أمام الملأ ، ونسيج العلاقة بين الحزب الحاكم والمفوضية بدأ يظهر رويداً رويداً ، وقد أتضح ذلك في طرح المفوضية لقضية تأجيل الإستفتاء ، فهي تقاسم حزب المؤتمر الوطني في هذا الشعور على الرغم أن ذلك سوف يطيل مدة الإحتقان في الساحة السودانية ، فخلال فترة التأجيل سوف يقوم حزب المؤتمر الوطني بتقوية الجنرال أطور عسكرياً حتى يقوم ببث الفوضى في الجنوب ، عندها يستطيع الحزب الحاكم أن يتملص من قضية الإستفتاء تحت دعاوي أن الأوضاع الأمنية غير مستقرة ، ولا نعلم كيف يكون رد الحركة الشعبية ولكن النتيجة سوف تكون هي الحرب بأبشع صورها ، يقول بروفيسور خليل أن أعضاء المفوضية الحركة الشعبية داخل المفوضية يتعاملون مع العمل ككتلة سياسية ، هذا ليس بالشيء الجديد ، فتنظيم العمل السياسي والإداري في الحكومة السودانية منذ عام 2005 يتم بهذا الشكل ، ولو قام هؤلاء الأعضاء بغير ذلك لفصلتهم الحركة الشعبية كما فعلت مع لام أكول وغازي سليمان ، ونفس المعادلة تنطبق على حزب المؤتمر الوطني ، فقضية الإستفتاء على إنفصال الجنوب تهم المواطن الجنوبي أكثر من نظيره في الشمال ، لكن يجب أن لا نغفل أمراً هاماً سربته الحركة الشعبية ، وهو أن بروفيسور إبراهيم خليل قد هدد بعرقلة الإستفتاء إن لم تتم توافق مجموعة الحركة الشعبية على تعيين صديقه الشخصي كنائب لرئاسة المفوضية ، فإن صح ذلك يكون السيد خليل هو الذي فتح الباب أمام الإستقطاب وخلق نزاعاً بين الشمال والجنوب داخل المفوضية قبل أن تباشر مهامها ، هذه هي أزمتنا في السودان ، يتحول أساتذة الجامعات إلى جنرالات وعساكر عندما يجدون الفرصة لتمثيل الناس في العمل العام ، والمطلوب من رئيس مفوضية الإستفتاء أن يقلل لقاءته الإعلامية مع قناة الجزيرة ، فنقل الخلاف في وجهات النظر لوسائل الإعلام لا يساعد في إطفاء الحريق ، أما تهديده بالإستقالة فهذا خياره شخصي ولا أعتقد أن عجلة الحياة سوف تتوقف لذلك ، كما أنه غير مغصوب على هذا العمل ، فقد غاب بروفيسور إبراهيم خليل عن الساحة السياسية في السودان لأكثر من عقدين من دون أن يحس الناس بذلك .
sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]