ما بين وعكتي وانقلاب البرهان !!

 


 

 

صحوت فجر الثلاثين من سبتمبر بألم حاد في القلب، بينما كنت أعد العدة للانخراط في مسيرات ذلك اليوم احتفالاً " قيدومة" بذكرى أكتوبر ، واستعراضا لعضلات الشارع الذي كان يحس بأن المكون العسكري ينطوي على نية انقلاب على الوضع الراهن لفرض ارادة اليمين ممثلاً في الفلول و الدولة الاخوانية العميقة و قيادة الجيش المتربصة أصلاً بالديمقراطية. و انتهى بي الأمر في كنف (مركز القلب) بأركويت حيث تم فحصي و تعريضي لعملية قسطرة تشخيصية أوضحت أن الصمام الأورطي شبه مسدود، و على الفور شرعنا في الاتصالات والتجهيزات للمغادرة نحو القاهرة؛ بينما كانت تتناهى الي مسمعي بالمشفى أصوات الشباب الداوية و المدوزنة من كافة الشوارع بالمنطقة .

وصلت للقاهرة و أجريت عملية جراحية تسمى "تاڤي" أي تغيير الصمام بالقسطرة وليس بفتح الصدر ، ولقد تمت في يوم الخميس /21/10/21 ; و في اليوم الذي غادرت فيه مستشفى المعادي قام البرهان بعملته البئيسة الخؤونة ، فانقلبت فرحتنا بنجاح العملية إلى خيبة أمل و شعور مرير بأن الثعابين العسكرية ما انفكّت تلتف حول أرجلنا .

بيد أن شعب السودان فاجأ العالم مرة أخرى في الثلاثين من أكتوبر بمسيرات تريليونية عابرة للأقاليم و القارات ليس لها شبيه في تاريخ البشرية. ثم عادت الجماهير لبيوتها ملتزمة بعصيان مدني شامل و تتريس كامل للشوارع بكل المدن والقرى.

ولقد أجمع المراقبون على أن الفريق البرهان وجد نفسه في وضع فاضح ومحرج للغاية ، إذ يبدو أن حساباته الفطيرة كانت مؤسسة على دردشات بيوت العزاء و المنتديات السودانية ، حيث ينظّر المنظرون و يشرشحون الحكومة و حاضنتها، فأدعى أن تلك الهمهمات شيئا مهما، و فات عليه أن المؤشر الفولاذي الصلب لمسار ثورة ديسمبر كان قد تم وضعه في ٢٠١٩/٠٤/١١ عندما أطيح بنظام الأخوان الاستبدادي الى الأبد ، و فات عليه أن حكم العسكر للسودان اصبح مستحيلا إلى يوم الدين .

وهذه على كل حال فرصة لتصحيح العديد من الأخطاء :-
١) يتطلع الشارع إلى الزعيم الشجاع د.عبدالله حمدوك أن يستمر في تصديه لقوى الردة والرجعية ، وفي اصراره على تكوين حكومة كفاءات من الوطنيين المستقلين ، دون أي استثناءات لمن يسمون بممثلي الحركات الحاملة للسلاح التي جاءتنا بالمحاصصة البغيضة وفرضت علينا وزراء معطوبين وغير أكفاء ؛ فلا عودة للمحاصصات الحزبية والمناطقية ، ولا عودة لحركات عرفنا أنها فقط تسعى لتقتسم كيكة الخرطوم، ولا علاقة لها بالجماهير الكادحة البائسة التي لازالت ترزح في معسكرات النزوح واللجوء بدول غرب افريقيا.

٢) أي تنازل للجهات القادمة من سلام جوبا يعني استمراراً في عرقلة مسيرة الثورة و اغراقها مرة أخرى في المماحكات والجرجرة والتلكؤ فيما يختص بالتعيينات الجديدة- مثل أجهزة العدالة الانتقالية ، وقيادات المؤسسات الأمنية والشرطية ،والمجلس الاستشاري، ووكلاء ومدراء الوزارات ، والمفوضيات المنصوص عنها في الوثيقة الدستورية : الانتخابات والسلام والفساد والخدمة المدنية ، والمؤسسات شبه الحكومية الخ

٣)وينتظر الشارع الثائر من رئيس وزرائه أن يقوم بتعيين وزراء ووكلاء وزارات بلا تأثير من مستشاريه السابقين الذين لم يكونوا موفقين في كثير من الحالات؛ وحيث أنه لابد لرئيس الوزراء من مستشارين حكماء ، فدونه رجال السودان الذين يتلألأون في سماء بلادي - مثل البروف مهدي أمين التوم والبروف محمد أمين التوم والبروف أحمد حسن الجاك والبروف فاروق محمد ابراهيم والبروف محمد يوسف أحمد المصطفي والبروف عطا البطحاني والبروف أسماء السني.

٤) لابأس بمجلس السيادة الذي رشحت أخباره ، ولا داعي لتشقيق الشعيرة بشأنه طالما هو تشريفي فقط. ولكن يجب ألا يفرض المكون العسكري أي مظهر لتصفية الحسابات الشخصية، مثل استبعاد العضو محمد الفكي سليمان ، الذي يقصد باستبعاده قتل لجنة التمكين. إن العداء المرير الذي يكنه المكون العسكري لهذه اللجنة يشكل أهم نقاط ضعفه، فهذه اللجنة هي أيقونة الثورة المقدسة لدى الشارع السوداني، ودونها خرط القتاد.

٥) ويأمل الشارع السوداني من رئيس وزرائه ألا يتردد في تعيين وزيرين مدنيين ، من العسكريين المتقاعدين، لمنصبي وزير الداخلية والدفاع.

وهكذا، فإن الرياح كلها تهب في أشرعة الدكتور حمدوك، وعليه ان يتمتع من شميم عرار نجد، فما بعد العشية من عرار .

إن صاحب الكلمة النهائية هو الشارع السوداني ، واذا عاد المكون العسكري للجرجرة والمماطلة التي صبغت العامين المنصرمين ، فإن الشارع سيخرج مرة اخرى واخيرة مطالبا بذهاب المكون العسكري بكلكله وبوضع المدنيين في قيادة الدولة ، أي تحقيق مبدأ مدنية الدولة التي ظل الشارع السوداني يطالب به منذ ديسمبر ٢٠١٨.

والسلام.

fdil.abbas@gmail.com
////////////////////

 

آراء