ما زال الامام الصادق يعيش أحلام اليقظة ؛ فمتى يستيقظ؟!!

 


 

د. ابوبكر يوسف
22 December, 2010

 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا بلاغ للناس


ها هو إمام الانصار السيد/ الصادق المهدي يطل علينا تارةً مناشداً وداعياً رفاق " التجمع العريض" بإنهاء حكومة البشير وتارة يهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور بتحريك الشارع ، وتارةً أخرى  يطالب بحكومة موحدة  وطنية ومؤتمر مائدة مستديرة ؛ وما زلت في دهشة  لا أفهم لِمَ أصراره على أن تكون تحديداً مستديرة ؛ فلماذا لم يقترح أن تأخذ شكل المعين أو المكعب أو المربع أو المستطيل وقد طال التطور كل الاشكال الهندسية ؟! ألم يتأثر خطابه بحتمية تعاقب الأزمان والتطور الذي أصاب كل شيء حتى وصلنا إلى تقنية النانو " التقانة المتناهية الصغر"  أم أن تمسكه من باب من " ساب قديمو تاه"!!.

لا شك أن السيد/ الصادق مفكر له وزن والكثير من النظريات المدهشة وكذلك يحظي الرجل باحترامنا جميعاً خاصة في مجال التنظير الفكري سياسياً واقتصادياً واسلامياً - وليس" اسلاموياً "   بل يمتع الرجل بعبقرية فذة في استنباط المصطلحات التي لم يسبقه إليها مفكر؛ لكن مشكلة الكثير من المفكرين الدهاقين الأفذاذ أن نظرياتهم لا تنجح حين تُنزّل لأرض الواقع ؛ أي محك الفائدة والاستفادة والافادة ؛ فالمعروف أن المحك هو النطبيق العملي وعنده نتلمس مدى النجاح من الفشل ؛  أيها القاريء النظرية الماركسية التي إنهارت بانهيار الاتحاد السوفيتي بعد أكثر من سبعة عقود من بداية تطبيقها وعد فشلها قيل لنا أن الخطأ كَمَنَ في التطبيق وليس في ذات النظرية؛ فتوكلنا على الله واشترينا التبرير الواهن رغم علمنا أن 18%  من الشعب الروسي يؤمن بها بينما قيلأعلن في أيام الاتحاد السوفيتي أن نسبة المؤمنين بها وبنجاحات تطبيقها هي نسبة( 99.99999% ) ؛ ما علينا ؛ بالمقابل تعالوا إلى مبحث  آخر وهو أننا نجد إن المخترعين مثل إديسون وماركوني أصابت نظرياتهم وأبحاثهم العلمية هدفها وخدمت الانسانية جمعاء. أما الساسة بدءً من لينين مروراً بإستالين ثم هتلر ثم بن غوريون ؛ فجميعهم كانوا وبالاً على الانسانية جمعاء لأنهم كانوا يُنظّرون ويؤمنون بأفكارٍ ّ أصّلوا لها وروجها الاتباع فأصبحت تنسب إليهم وفرضوها على شعوبهم فماذا كانت النتيجة من 1986- يونيو 1989 ؛ النتيجة كانت أن أصبح السودان يتسول قوته وأن جيشه قد انهار وأن شعبه أصبح يقف بالليالي في الصفوف ينتظر بضع رغيفات أو حفنة سكر أو لترات قليلة من الوقود؛ فليتهم ما فكروا  واتحفونا بتلك النظريات الكارثية ؛ فلئن فعلوا لكانوا قد كفوا الانسانية السودانية التي تعذبت على أياديهم " الطاهرة "!! وبال نظرياتهم فإستراحت مما جروه من وبال إبادات واضطهاد عليها . ولكن ما عسانا أن نفعل وهم السادة الذين ميزوا أنفسهم حتى على أتباعهم فاستعبدوهم باسم الدين الذين يتنكروا لأصوله الآن يبتغون بذلك عرض الدنيا وكرسي الوزارة بعد أن بلغوا أرذل العمر بـ ("ذ " ذنب وليس" ز" زرع) !! . هكذا دأب السادة فكما فرضوا علينا فرض العين بأنهم: (ولدوليحكموا) الرعاع من أمثالنا كان الاتباع يهبون اصواتهم كفرض عين للتبرك بهم  إذ وسخروا الاتباع باسم الدين حتى كانوا يمنحونهم - أي "المحتطبون" -  صكوك الغفران والدخول للجنة مع الاعتذار للأستاذ البوني فحاطبه غير حاطبهم.!!

أعلن ووعد السيد الامام بأنه سيطرح أفكاره " الانقاذية " هذه على قواعد الحزب وأنه بحلول يوم 26/1/2011 إن لم يلتزم " تجمع المعارضة العريض "  بأفكاره ومقترحاته تلك؛ فأنه سيعتزل العمل السياسي وأكد الاعتزال ولم يقل " أنه ربما سيعتزل" ؛ أليس كان من الأجدر أن يتشاور الامام مع قواعده وفق الأصول الممارسة الديمقراطية داخل الهياكل  الحزبية المؤسسية أم أن  قواعد الحزب التي يزعم لا يحق لها أن  تبدي رأياً  فمبدأ وصاية السادة بالضرورة هو تفويض  ديمقراطي أو أنها آخر من يستشار؟!

 أمام سيدي الإمام الصادق فرصة ذهبية وهي اللجوء إلى دولة الجنوب الناشئة والاستقواء بها مثلما فعل أيام  لجوئه لليبيا أيام حكم فترة الرئيس الراحل جعفر نميري وبعدها دخل الخرطوم الغزاة الآتون عبر الصحراء من ليبيا حيث كان لهم " تجمع معارضة " هناك ؛ غزاة أطلق عليهم النظام آنذاك " المرتزقة " ومع ذلك لم يسقط نظام نميري وبعدها جلس الصادق مع النظام محاوراً واسترد أموال الدائرة وعقاراتها بحمد الله ثم بفضل عبقريته التفاوضية مع نظام النميري .!!

 المضحك المبكي أيضاً أن هناك بعض من الصُحفيين الذين استغلوا الفضائيات والصحف العربية والذين تسبغ عليهم تلك الفضائيات لقب" القيادي" بحزب الأمة  مثلاً  بغرض جذب المشاهد  وبعض هؤلاء هم  ممن حصل على جنسيات دول غربية فشعروا بأن الفرصة اتيحت لهم للهجوم على الوطن بحرية لا ضابط لها لزوال عامل الانتماء والهوية  ؛ فالتنازل عن الهوية أصبح وسيلة لتحقيق غاية ليس لهم فيها ناقة ولا جمل ؛ وهذه الغاية  هي الهجوم على السودان دون تفرقة بينه وبين النظام تنفيذاً لأجندة الغرب وتنفيذهم لها أما من باب رد الجميل للغرب الذي أغدق عليهم هويته وإعانات الضمان الاجتماعي . ومن هؤلاء من  أثار دهشتي والذي استضافته أحد القنوات اعربية المعروفة بميولها المتغرب والمبرر لكل ما تفلعه إسرائيل في منطقتنا وقيل عنه عند تقديمه الصحفي والاعلامي ابوهريرة و" القيادي بحزب الأمة " يتحدث لكم من واشنطن  ليُسأل عن مآلآت حق تقريرالمصير للجنوب؛ فانبرى محملاً الانقاذ مسئولية منح الجنوب حق تقرير المصير وكأنما ذالك فقد هو المآل الوحيد ؛ أو كأن هذا لم يكن من أول وأهم مقررات مؤتمر التجمع بأسمرا عام 1995 والذي كان حزبه – الذي هو أحد قيادييه كما قُدم للمشاهد -  أحد أهم مؤسسيه  وأيضاً كأنما حزبه لم يكن قد تحالف واستقوى مع الحركة يومذاك ودمج متمرديه مع متمرديها؟ فسبحان الله الذي لا ينسى ولا يغفل ولا ينام !!.. كنت أتمنى أن يدرك هو وأيضاً معاوية ياسين الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط " الخضراء" أن المزايدات والنفاق السياسي والاعلامي ما عاد يجدي وأصبح ورقة مكشوفة ورخيصة ؛  فذاكرة الشعوب حديد. فالشعب السوداني يعلم ماذا كان حاله في  الفترة ما بين 1986-1989 يوم كان الامام وابناء عمومته والمحاسيب جاثمين على صدر وزارة مهترئة متصدعة أفرزت يومها عريضة الجيش المشهورة وقولة  طيب الذكر المرحوم – بإذن الله – الشريف زين العابدين الهندي ذاك الرمز الفذ الذي ضرب مثلاً في المعارضة النزيهة وفرق في تعامله بين الوطن والنظام و الذي قال " لو جا كلب واستولى على الحكم ما حنقوليهو جر)!!. إذا كان هذا قول رئيس حزب مؤتلف مع حزب الإمام فما بالك بعامة الشعب ؛ نحن الرعاع.!!
إن أجمل خدمة قدمتها الانقاذ لأبواق كثير من الاحزاب التي تكلس بعضها وأقلامه المرتزقة هي تلك فرصة للجوء لسفارات الغرب في الخرطوم أو عبر بلد ثاني  في زمن العثرة الذين تركوا الشعب يكابده بعد أعوامٍ حكموا فيها أطلق عليها " أعوام الرمادة من 1986- حتى يونيو 1989"  ذلك تحت ستار وشعار معارضة النظام "الاسلامي" ومصادرة  حرية التعبير فسقطت الأقنعة . يومها سقطت اقنعة النفاق والرياء والتدليس من على وجوههم وظهرت حقائقهم المجردة للشارع السوداني ؛ فمن كان يدعي الاسلام يومها تنكر له  بعد الانقاذ حتى وصل به الأمر لوصفه وأسبغ  عليه مصطلح النظام "الاسلاموي"!! .

إن كان الحديث عن حرية الصحافة فعدد الصحف المعارضة في الخرطوم تشكل السواد الاعظم من الصحف ولديها حرية أتحدى أن يجرؤ أي منهما أن يكتب حرفاً ناقداً عن تلك البلاد التي تملك تلك الصحف أو الفضائيات وحتى لا يكون الأمر كما يقول المثل " أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة " ولكن لا عجب ولا غرابة فالمرؤ على دين خليله.  إن حرية الاعلام في السودان شهد بها القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة ولا أظن أن شهادته مجروحة ؛ فكثيرٌ من القنوات الفضائية السودانية لا تكل ولا تمل من جلد شمال السودان والجلابة وذلك لتبرير محاربتهم ومعارضتهم للانقاذ وعلى مدار الساعة ؛ أنا لا أدافع عن الانقاذ ولكني أدافع عن المبدأ ؛ فهل هذه هي حرية الاعلام التي نرتجي ونتوقع؟! ..  حمم تطلق ليل نهار منها المكشوف ومنها المستتر ومع ذلك لم نسأل مَن ومِن أين تمول تلك القنوات وعلى سبيل المثال تلك (الابنوسية) والتي يروج لها على أنها مثال الاعلام الحر الذي يبشرنا بسودان جديد.. فهل أسقط في يد أصحاب الشمال وانتهت مهامهم بعد أن كانوا أكثر جنوبيةً  من أهل الجنوب أنفسهم ؛ فهل وجدوا أنفسهم في " النقعة " وضربت بهم  الحركة الشعبية " الدلجة " فيبحثون عن دور يحفظ ماء الوجه المُهدر؟!

لن استغرب إذا طفح الكيل وبلغ السيل الزبا وثار الشارع في انتفاضة شعبية عبر اغلبيته الصامتة التي حينما تفطر عن الصمت تتفجر في  شكل ثورات شعبية تستهدف الذين صبر عليهم وصمت فالمرجح أن يثور في يومٍ ما ضد كثيرٍ من الأحزاب المتكلسة التي توالد من ظهرها مزدوجي الجنسيات ربما بحجة "عولمة الاعلام الحزبي" ؛ رغم أن اعلامهم غارق في الانتماءآت الحزبية الضيقة والتقوقع المحلي والتشرنق المصلحي ولا يذكرون العالم والعولمة أو ما يسمى تدليسا" "بالمجتمع الدولي" إلا حين مد يد الارتزاق والتسول بإسم السودان!! .. إنها عولمة " التسول والارتزاق أو " منظمات المجتمع الدولي" التي تحشدهم وتمدهم بتذاكر سياحية مخفضة وفنادق  تقرر أعداد نجومها حسب الثقل فمن ثلاث إلى أربع إلى قلة تحظى بالخمسة نجوم. وكل هذه المنظمات وإن اختلفت مسمياتها ولافتاتها فهي ذات مرجعيات استخبارية توظفها لتنفيذ أجندات معينة ولا تخفي ورائها إلا التآمرالدنيء تجاه الأوطان ومواطنيها الصابرين على " بلاوي عقوق وجحود الابناء الجانحون!!

الائمة هم القدوة ؛ فأي قدوة نرى اليوم أمامنا؟! ، إنها قدوة تتعامل مع الآخر بلغة " يا تشربي يا نكسر قرنك" ، فالامام الصادق هدد " تجمع المعارضة العريض" بالاعتزال بعد 26/1/2011 وهو تاريخ اندلاع الثورة المهدية وكأن ما زال هذا التاريخ معروف للأجيال الصاعدة يلهب به حماستهم الوطنية ويدغدغ به العواطف!! . الإمام قد أبلغ الناس بيانه وأمهلهم اسبوعان بعد الاستفتاء !!. امام رجل ذكي فقد  احتفظ بخط رجعة حتى لا يعتزل ؛ إذ قال أنه سيرجع بالأمر إلى قواعد حزبه قال تحديداً " سأرجع الأمر" ولم يقل " أرجعت الأمر" . الممارسة الحزبية الراشدة والمتأصلة ديمقراطياً تقول بأن أي رئيس حزب يحترم قواعده الجماهيرية وتنظيماته الهيكلية ويؤمن بالديمقراطية لا بد بل و يتوجب عليه أن يعود لقواعد حزبه قبل أن يتخذ قراره مهدداً بالاعتزال أو يهدد بتحرك قواعد حزبه ؛ فمن فوض من في هذه الحالة؟! هل فوض الحزب رئيسه أم أن الرئيس اختطف مؤسسية حزبه ؟! . ولكن يبدو أننا أمام  نمط جديد  لنظرية جديدة للامام الصادق في عالم الديمقراطية التي ينبغي أن تمارس داخل الأحزاب وحريٌ بنا أن نسبغ عليه مصطلح " ديمقراطوي " وهي على وزن " اسلاموي"!!. فكم باسمك أيتها الديمقراطية تغتال الديمقراطية التي يتباكى عليها ويذرف عليها الإمام دموعاً لا ندري أهي دموع حسرة حقيقية أم دموع تماسيح؟! .. ومع كل القرائن والشواهد والادلة نُسلّم ونقول: الله هو وحده العليم ببواطن ونوايا البشر ولكن م كيف لنا أن نبرر وهؤلاء كانت لنا معهم تجارب عملية تذوقنا فيها طعم الحصرم ؛ فليس من المعقول أن نسلم أنه بالديمقراطية وحدها يحيا الانسان أيها الامام وتابعَيه ابوهريرة الذي تحدث من واشطن ومعاوية يسين الذي يحرض بقلمه أو ربما يراهن على الثورة الشعبية ويحشد لها المغتربين في دول المهجرعبر الصحيفة الخضراء ولا أدري كيف لهم أن ينفذوا رغبة معاوية وهم في دول الاغتراب وهم يبحثون عن رزقهم كداً وعرقاً وهو يرتزق بالكتابة ضد بلده ؛ عموماً هذان مثلان  للجحود وهما من ثلة الناطِقين باسم السادة !!.

ليت بين الاتباع من يملك الشجاعة ويتحلى بممارسة ديمقراطية راشدة فيتجرأ ويقول للإمام :  كفى ترجل أيها الفارس ؛ فقد تعب الفرس وشقيت الفلاة التي تجري على ظهرها من دوس حوافرفرسك وكفي بالمهر أن تقوم المقام البديل ، ومع ذلك علينا جميعاً أن نقر بأن الدوام لله وهو وحده فهو الحي الدائم الذي لا يفوت ولا يموت . أما رأيي الشخص فهو القول: بأنه قد آن لك أن تستريح لنستريح أيها الامام.. وأن تسكت تلك الأبواب وتبحث عن مصدر رزق شريف مبلل بالعرق ومزداناً بالكدح عسى أن تغسل عار الارتزاق باسم الوطن .. والله المستعان به على كل الابتلاءآت!!

 (abubakri@mvpi.com.sa)

 

آراء