ما كنت الوليد العاق …, لا خنت لا سراق
حسين الزبير
3 April, 2014
3 April, 2014
ما كنت الوليد العاق ..., لا خنت لا سراق
ما كنت الاناني البطيني ... و لا كنت عابد الشهوات
كنت حد السيف ... فيما يخص قضية الشعب
كنت الفارس المقدام .... في ساحات النضال
منو القدرك منو الزيك
حسين الزبير
hussain772003@yahoo.com
محجوب شريف كان من ذاك النوع النادر من الرجال، الذين يشار لهم في التراث النوبي بانهم يبحثون عن العورات و يغطونها، و العورة هنا الحاجة و قلة الحيلة. و الذي يكتسب هذه الصفة تكتمل عنده كل صفات الخير و الاقدام و الشهامة. تعالوا نبحث في شعره عن صفاته العظيمة.
(1) محجوب الانسان
كتبت مقالا في العام الماضي بعنوان "الانسان الانسان" قلت فيه:
" لذا فان فكرة الانسان الانسان، و الانسان الحيوان ليست شريحتين، بل هي نقطتين علي خط متصل (Continuum) ، في اقصي نقطة علي هذا الخط علي اليمين اعلي درجات الصفة الموجبة ، اي الانسان الانسان الكامل. و علي الجانب الآخر في اقصي درجات الصفة السالبة الانسان الحيوان الكامل. الا انني رغم تعاملي مع البشر خلال عمري الطويل، لم اقابل شخصا يمثل الانسان الحيوان الكامل، و لكن استطيع ان اشير الي شخص سوداني بلغ درجة الكمال في صفة الانسان الانسان، الا و هو الزعيم الراحل الاستاذ محمد ابراهيم نقد ، الذي لغي قطعة الجبنة من حياته ، و ظل يصارع الشرك الذي صنعه الانسان لظلم اخيه الانسان لآخر يوم في حياته ، من اجل رفاهية غالبية الشعب السوداني و نماء المجتمع."
يومها لم اذكر شاعر الشعب ، آملا ان لا ياتي يوم شكره قريبا ، و لكن اليوم و بالفم المليان اقول ان محجوب شريف ، انسان انسان آخر في حديقة اليسار "لغي قطعة الجبنة من حياته ، و ظل يصارع الشرك الذي صنعه الانسان لظلم اخيه الانسان لآخر يوم في حياته ، من اجل رفاهية غالبية الشعب السوداني و نماء المجتمع." و اليوم و قدجاء يوم شكره تعالوا نبحث عن الانسان في شعره . الصور التي تاتي في خاطر الانسان هي الصور التي يكون مهموما بها ، يفكر فيها باستمرار، و عندما يكون الا نسان مبدعا تأتي هذه الصور ابداعا بديعا، ان كان شعرا او لوحة او مسرحية. تأملوا هذه الصورة:
بين العمل والبيت
فصّد جبينها عرق..
أم اليتامى بكت
لمن حسابها فرق
ماهية تمشي السوق
مركب مصيرها غرق
حق اللبن والزيت
الكسرة والكراس
هم في عيونها برق
الما بحس ما بهم
والخان همومو سرق
هذا المرتب تب
ما بسدها الفرقة..
القعدة في المكتب
والإمضا في الورقة
العبرة في الخبرة
الأيدي لو تعمل
جرح الزمن ببرا
اتباصرت مكنة
ماكوكها يتقدّل
بين خيطها والإبرة
زي ما القلب ساساق
الخطوة ساساقة
وعيونها منتبهة
تباري زقزاقها
لا شك ولا شبهة
والسترة أشواقها
والشفع القصر
والدمعة رقراقة
يا حليل شريك العمر
الدنيا فراقة
اتيقنت أحسن
من تبقى نقناقة
انسان مهموم بالفقراء و المساكين ، يعتز باعتزازهم بكرامتهم، و جهدهم المضني في سبيل العزة و السترة. انظروا لهذه الصورة الرائعة:
تدّي الولاد بصة
وتجرب القصة
وتقلّب الحلة
جاهز عمل بكرة
أسأل تقاريرها
السرية والسمعة
هل ركلست يوماً
حتى ولو جمعة
مشكورة في المكتب
مستورة في الحِلة
رغم الشجن هبت
لم تعرف الذلة
ما فارقت سرباً
تتفهم الموقف
تستدرك العلة
(2) محجوب المحب لوطنه
لا اعرف شاعرا احب وطنه بالصورة التي احب بها محجوب شريف وطنه و شعبه، و هو الذي عرف نفسه ببطاقة شخصية لا لبس فيها و لا غموض فهو انسان ينتمي للشعب و الوطن:
الاسم الكامل
انسان
الشعب الطيب والدي
الشعب حبيبي وشرياني
اداني بطاقة شخصية
من غيرو الدنيا وقبالو
قدامي جزائر وهمية
لا لون
لا طعم
لا ريحة
وايام مطفية مصابيحها
زي نجمة بعيدة ومنسية
المهنة :
بناضل وبتعلم...
تلميذ في مدرسة الشعب
المدرسة..
فاتحة علي الشارع
والشارع فاتح علي القلب
والقلب مساكن شعبية
و في عام 1971 ، يوم اقالة بابكر النور و هاشم العطا و فاروق حمد الله، كان اول مرة اشاهد فيه شاعر الشعب ، اعتلي المنصة في جامعة الخرطوم و قال " السلام عليكم يا ملاذ شعبي عند الملمات" و انشد لحبيبه الشعب:
هلا هلا يا شعبنا هلا هلا
يا والدنا ... يا سيدنا
يا سيادة يا ارادة يا قيادة
البتعرف لالا مكانها وين و مكان نعم
ليك انتمي و بيك احتمي
و المستحيل رد الجميل
يا ابو الحسب يا ابو النسب
يا شعبي يا قاسي الغضب
و ظل عبر مسيرته الطوية الحافلة ، بالمواقف المضيئة و النضال الجسور ، يعبر شعرا عن عظمة الوطن و حبه للشعب. اقرأ هذه الابيات و انظر ماذا يعني له الشعب ، و انظر كيف يفرق بين الانسان الانسان و الانسان الحيوان ، عابد الشهوات ، اي قابيل:
يا شعبنا
يا والداً أحبنا
يا من وهبت قلبنا
ثباتك الأصيلا
إليك هذه الرسالة القصيرة الطويلة
إليك من زنزانة تخاصم الفصولا
إليك رغم أنف كل بندقية
وطعنة شقية
وحقد بريرية
إليك الحب والسلام والتحية
إليك يا حبيبنا وبعد
أدبتنا
أحسنت يا أبي
فلم نتابع الهوى
لكنما قابيل ما أرعوى
كالذئب في حظيرة عوى
وكم غوى
وتابع الهوى
وتاه في الأنا
أراد للدماء أن تسيلا
ونحن مثلما عرفت يا أبي
بفضلك الكريم
من أشرس الرجال حينما نقاوم
نموت لا نساوم
ندوس كل ظالم
ونفتح الصدور للمدافع الثقيلة
ومن هنا
أبناءك الرفاق أقسموا
فصيلة فصيلة
أن يثأروا لحرمة الأمومة الجليلة
لطفلة جميلة
تنفست قليلا
تمددت قتيله
رصاصة في قلبها
وطعنة في جنبها
ولم تعش طويلا
لكنما
مليون مثلها سينجبوا
النضال يا أبي حقيقة
وأجمل الأطفال قادمون ساعة فساعة
عيونهم أشد من عيوننا بريقاً
صدورهم بما وهبت أكثر اتساعا
سيوفهم تزيد من سيوفك الطوال طولا
و كانت تلك سيرته حتي يوم الاثنين 31 مارس ، يوم احس بدنو اجله، و ترك وصيته للمخلصين من ابناء الوطن ، و قال لهم : بل متجدد تنهض تاني:
من وجداني
صحة وعافية
لكل الشعب السوداني
القاصي هناك والداني
شكرا للأرض الجابتني
والدرب الليكم وداني
يا طارف وتالد
يا والد
النيل الخالد شرفني
واحد من نسلك عداني
انت الأول وما بتحول
وتب ما عندي كلام بتأول
انت الأول
وكل العالم بعدك تاني
يا متعدد وما متشدد
ما متردد ... ما متردد
ملئ جفوني بنوم متأكد
بل متجدد ... تنهض تاني
اما جسارته في النضال و مقاومة الظلم و الظالمين ، فذاك في التاريخ مدون ، و لا يحتاج لشرح.
(3) الموت عزال
كلمات يرددها اهلنا كلما اختطف الموت عزيزا لدينا، و العزيز يكون عزيزا لاسرة ، او لاصدقاء ، فما بالكم عندما يكون العزيز هو عزيز الشعب السوداني كله ، نصير اليتامي و الغلابا!! لكن لا نقول الا ما يرضي الله، لا حول و لا قوة الا بالله ، هنيئا للذين سبقوك الي دار البقاء بمقدمك ، و القائمة طويلة ، لكني ساقصرها علي من سبقوك من حديقة اليسار بعد "نكسة" نيفاشا: التيجاني الطيب ، محمد ابراهيم نقد ، محمد سالم حميد ، سعاد ابراهيم احمد ، و الكابتن محمد علي صديقك و توأم روحي.
رب لا نسأل رد القضاء و لكنا نسألك اللطف فيه لشعب السودان قاطبة ، و لاسرة الفقيد بصفة خاصة. و نسألك يا ارحم الراحمين ان تتقبله عندك مع الصديقين و الشهداء و حسن اؤلئك رفيقا.
و آخر دعوانا ان الحمد لله رب اللعالمين و الصلاة و السلام علي اشرف الخلق و المرسلين.