ما هو عارف قدمو المفارق

 


 

 

سبانا المبدع د. عبد الكريم الكابلي: نورانية الروح في المنجز الإبداعي والفني للكابلي
زرياب السودان وكروانه: ساحر البهجة (1)

ديباجة:
استأذن القارئ وليسامحني على جراتي للكتابة عن المنجز الإبداعي والفني للفنان المتفرد د. عبد الكريم الكابلي الذي يعد زرياب السودان. ان هذا البوكية يجمع فيلق من القصائد والألحان وسلاسة الأداء للسهل الممتنع والمعقد المركب. اجزم بانه ومن الصعب او ربما من المستحيل ان نصف مجمل الأزهار فيه بألوانها وشذاة وعبقها المعتق الفواح، إذن فسوف أتناول جزء يسير مما قدمه هذا العملاق الأسطورة.

"اخفي الهوى ومدامعي تبديه/واميته وصبابتي تحييه/ ومعذبي حلو الشمائل أهيف/ قد جمعت كل المحاسن فيه/ ........../يا محرقا بالنار وجه محبه / مهلا فان مدامعي تطفيه/ احرق بها جسدي وكل جوارحي/ واحرص على قلبي فإنك فيه/ ان أنكر العشاق فيك صبابتي/ فانا الهوى وابن الهوى وابية " (ابن الفارض)1

" ليلة المولد" ياسر الليالي
محمد المهدي المجذوب
مهدت قصيدة " ليلة المولد " كما ذكر محمد المهدي المجذوب الطريق للشعر القومي فتأثر بها المغنيون والتشكيليون والموسيقيون (المجذوب: 2013)2
يبعث الكابلي الروح في كل قصيدة يختارها لتصبح القصيدة ولحنها عملا إبداعيا مكتمل العناصر وباعثا للجمال والتأمل بمعنى معبرا وملامسا للأحاسيس وأدق المشاعر واخذ. ينسق الموسيقى والايقاعات المختلفة لتتسق مع نص القصيدة ومدلولاتها ويرسل الألحان شلالا رويه. ان المنجز الإبداعي لعبد الكريم الكابلي يشتملً على عدة عناصر من بينها: اللحن، والاداء، واختيار النص الشعري المعبر مما اكسب منجزه الإبداعي خصائص تميزه وتجعله متفردا عمن سواه.
اختار الكابلي "ليلة المولد" للشاعر محمد المهدي المجذوب الذي أبدع في وصف 'حلبة المولد ' حتى تكاد ان تحضرك لحظات تلك الليلة بنورانيتها فتحلق بروح الدرويش الذي تتملكه لحظات انفصال روحة عن جسده ليحلق في فضاءات روحانيته وعوالم نورانية وسرياليه تبعده عن الماديات والواقع فيسبح فيها بعيدا ليرى من خلالها النعيم الموعود فتدركه
الأماني ان لا يعود للواقع وقد يقع كالمجدوب مغشيا عليه.

تفكيكية النص الشعري ودلالاته
تدرج محمد المهدي المجذوب في البناء الشعري لقصيدة " ليلة المولد" حيث وضع حجر اساسها من عبق الروحانيات والصوفية الدالة على الزهد والدلالات القرآنية مثال: 'علم بالقلم ما لم يعلم 3. (سورة الفرقان: أية: 46-45)' ،وحكمة الخلق والقوى خرجت من ذرة العدم (سورة الروم : الآية 54 ') ، وقد خلق الانسان من العدم ونفخ فيه الروح من الذات الالهية : ( سورة السجدة: اية 9), وحكمة البقاء' ، والخير يكمن في الشر ودليل ذلك في سورة الكهف وقصة سيدنا موسى مع العبد الذي أتاه الله علما فكانت كل الأحداث ظاهرها شرا وتحمل في أحشائها خير ( الآية 65-82 ص 301-302 )، ثم ينقلنا الي الصلاة على المصطفى وعندها اسرى بنا الى ميدان عبد المنعم ويبدا في وصف سيسيولوجيا المكان والاتكاء على الرمزية فكانت الخيام المتزينة والمعلنة للهيام ، وانين النوبة ورنينها ، والطبول في وسط الغبار والحلقة ماجت في مدار ، ورايات طوال وغبار كالجبال ، ومظاهر البهجة والنشوة وقد سرت في وسط القوم.

بورتريه المعراج من حلبة المولد الى فضاء الروحانيات
شُيد البناء الشعري لقصيدة " ليلة المولد" ودلالاته والنص الروحاني وقد تجلت عبقرية الكابلي في ادخال اسم الجلالة وتكراره الذي يمنح النص الشعري إيقاع موسيقي مفخم للحن وتراكيب وجمل لحينه معقدة ، وتكراره يعطي جرس موسيقي وايقاع اكثر بعدا ليكسب الروح قوة وخفه فتحلق في عوالم سريالية، وهذا الوصف الدقيق لحالة من هم في حلبة المولد لا يتأتى الا لمن سلك الطريق حالما بانة على موعد مع الذات الإلهية والحضرة المحمدية . وقد اختار إيقاع المارشا ت لترديد اسم الجلالة: " الله...الله....الله" وأدانت انفس القوم عناقا... واصطفافا/ وتسابقوا نشوة طابت مذاقا/ الله....الله....الله/جل جلال الله...جل جلال الله/وعلى فوق صدى الطبل الكرير/الله جل جلال/ كل جسم فيه خرير/ومشى في حلقة الذكر فتور/ الله جل جلال الله/لحظة يذهل فيها الجسم والروح تنير/وعيون الشيخ أغمضنا على كون به حلم كبير / جل جلال الله.... جل جلال/ ويزيدها قوة واستمرارية هو الإنشاد والصلاة على الحبيب المصطفى فكانت هذه الأبيات من القصيدة تعبر عن ذلك: "وفتى في حلبة الطار يتثنى ويتأنى/ وبيمنها عصاة تتحلى/ لعبا حركة المداح غنى/ رجع الشوق وحنا/ وحواليه المحبون يشيلون صلاة وسلاما/ ويذهبون هياما / ويهزون الوصايا ويصيحون به: أبشر لقد نلت المراما /صلى يا ربي على المدثر/ واعني وانصر بشفيع الناس ليوم المحشر/ الذي يسقى صفاء الكوثر" ( 4). ان المعمار الشعري لقصيدة " ليلة المولد" وحمولة النص لتصوير الواقع والمكان ينقلك الي عالم النورانيات فتغمصك روح الدرويش كما وصفها محمد مفتاح الفيتوري : " يا ياقوت العرش/ دنيا لا يملكها من يملكها/أغنى سادتها الفقراء/ الخاسر من لم يأخذ منها / ما تعطيه على استحياء/ والغافل من ظن الأشياء هي الاشياء /تاج السلطان الغاشم تفاحة/تتأرجح اعلى سارية الساحة!/تاج الصوفي يضئ /على سجادة قش / صدقني يا ياقوت العرش/ ان الموتى ليسوا هم هايتك الموتى/ والراحة ليست هايتك الراحة /........لن تبصرنا بماق غير ماقينا/ لن تعرفنا / معالم نجذبك فتعرفنا وتكاشفنا/ أدنى ما فينا قد يعلونا/ يا ياقوت /
يكن الأدنى/ تكن الأعلى فينا " (قصيدة ياقوت العرش ( 5) . وهذا البورتريه يصور وبشدة فوتوغرافية المشهد ودلالاته النورانية.

كابلي والاشعاعات النورانية والروحانية: منعطف الصوفية وعباءة الشيخ ابو كساوي
ارتدى الكابلي عباءة الشيخ عبد القادر بن الشيخ محمد بن الشيخ حمد {الملقب ب ابو كساوي} وولج من باب التصوف ليبث اللحن في بناءه الشعري المعتق بالروحانيات فيملا النص الشعري بنورانيتها فيتغلغل النص في مخيلة المستمع محدث تفاعلا سينمائيا فيها فتصيبه النشوة وتجري في دمائه. وقد اختار الكابي من جلباب الشيخ ابو كساوي قصيدة مرتكزة على التصويرية والرمزية وأجمل وصف غزلي في راحلته في قصيدته " قالو الحجيج قطع طالب نورا البقع".
كان الكابلي حريفا يعرف كيف يصعد من القرار الى الجواب وكيف يهبط من الجواب الى القرار في انسيابية وسلاسة تنم عن ذائقة فنية رهيفة مدرك تستوقفه مواطن الجمال والإحساس به، ولهذا فهو ذو مذاق خاص في فاكهة الغناء السوداني وحتى في المديح لقدرته على تطويع صوته من غليظ الى ناعم رنان ذو حمولة تطريبيه عالية وهذه المرونة والانسيابية هي السر في ان صوته ساحر وقد امتلك مزمار دَاوُود عليه السلام ولا يمكن تقليدية لما يتميز به من ذلك الجرس الموسيقي الرباني عالي التطريب وبالتالي يصعب استعارته. وفي دوحة المديح غرد على غصن الشيخ ابو كساوي في:” قالو الحجيج قطع طالب نور البقع/ قلبي ازداد وجع /. .....
الإبداع الشعري والبناء الهرمي لقصيدة الشيخ ابو كساوي لرحلة الحجيج والتي اعتمدت على الرمزية في تصوير مقاطع رحلة الحجيج فكانت القاعدة العريضة مباركة بوصف المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وصحبه الكرام، وقد ركز النص الشعري على الرمزية في الدلالة على صفات الموصوف من أصحابه فكان هذا التركيز يمثل القاعدة والمبتدأ التي استند عليها البناء المعماري للقصيدة. وفي القاعدة تهيئه وتأطير ديني ونفحة روحانية ونورانية مليئة بمحبة المصطفي وأهل بيته وذلك يضعك في الطقس الديني والتهيئة لبدا رحلة الحجيج: " قالوا الحجيج قطع طالب نور البقع / قلبي ازاد وجع".
انتقل بِنَا النص الشعري لوصف راحلته الحوراء مستعرضا حسنها وما حباها به الرحمن من مفاتن : " جملي البدوره ما أظن يتوجد/ابيض في لونه وعلي الدبلان يزيد/ افطس قدومه/ قلما مبري باليد/ رهاف انافه/ قام شوفة بي تأكيد/ سمحات عيونه ختما دق ود تبيد/ شارفات أذنيه مكلوفا يا الرشيد/ وزمامه الفضة / اربع تا واق ويزيد/ خناقة الشولق/ غشيم دهب العبيد/ رسنه حريرا/ بارد في مسك الايد/ ان قلت رقبة / كالروقة ألفي الهويد/ مكوكب زوره/ الفدعة العند الايد/ ضامر حشاه/ ما هو البدين عريض/ اذا قلت ذانبه/ فوق الشبرين ما بزيد/ سمحات سيقانه/ كاليد المن حديد/ مدور خفه/ في الوطيه مو عريض/ شارف سنامه/ قبة سيدي العبيد/ طبعه المؤدب / لو عاصي لو عنيد......
عبر الكابلي بالموسيقى عن النص اللغوي فيدفع المستمع للتخيل والتأمل في دلالات النص اللغوي للقصيدة كما ابرز بالتأني واستحضار الجواب للتساؤل باذا الشرطية وقد وضع الثقل جله في استقامة اللغة حتى تبدو للمستمع وهو يصغي وكأنه حوار بين سائل ومجيب، حيث يدلل ذلك على الإحساس والوقفة الفنية ليستمتع بهذا الوصف البديع لراحلته وكأنها تبدو امامك في جمال خلقتها وقد اكملت المزينة تجميلها لتكن تلك الحورية التي نالت حظا كبيرا من الاعجاب. وقد استخدم الكابلي اُسلوب " الديلوج" والحوار بالموسيقى لتطابق النص اللغوي وهو اُسلوب وصفي يختلف من الذي ساقه للنص في قاعدة البناء المعماري للقصيدة عند وصف الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبه فالتنوع في الأداء يدلل على الإحساس بمدلول النص الشعري فينقل لك تلك الوقفة والإحساس بها:
" وقلنا سلاما/ يا سيد رسالة أب زيد/ قال اهلًا مرحب/ أنا قلبي ليك بريد/ انت واحبابك/ الجمبي والبعيد/ تسكنوا قصورا / شامخات بلا تحديد/ ....."
وهنا يهدئ الكابلي الايقاع ليستنطق النص الشعري بتانئ تهيئة للمستمع على انه شارف على الختام:

"وأعيب الراوي ألما وتر القصيد/ ويوم لمات الوعيد/ يمننا النبي السيد/ قلبي ازداد وجع/ حماني القيد منع ".
قدم كابلي ألحان دسمه تناسب فخامة صوته وادائه حيث يلجا الي الصوت المستعار احيانا مضيفا جاذبيه لأدائه متفنن في ذلك مدرك المواطن المناسبة لذلك.
لم يأخذ الكابلي النص الشعري كوحده جامدة بل غذى مساماتها بلحن موسيقيا تغلغل بين جزيئات النص الشعري وخفف من تماسكه، فادخل عليها مستعيرا من الحقيبة صوتا حركيا موسيقيا لخلق وقفه لا تخلو من موسيقية دون أله موسيقية مثل:
" هيهي.... هيههي “ فلم تحدث خللا في اللحن وتبدو كأنها جزء منه وهنا يكمن احساس الكابلي المرهف بالنص ومواضع الابداع حيث لا يجد النص واللحن صعوبة للتغلغل في شرايين المستمع فيحرك الساكن فيهز دواخله طربا محدثا نقله من المديح الي فضاء الغناء والطرب.
يستنطق كابلي الكلمات في النص الشعري بالموسيقى فيسقط في اذن المستمع قبل فضاء المخيلة. فقصيدة الشيخ ابو كسا وي تعتبر من الشعر البصري والمجسم فتخلق لك فضاء للتخيل فتتجسد أمامك الرؤيا للموصوف كوصفه لراحلته وقد لجا الى الرمزية بكثافة فمثلا في وصفه لعيونها شبههم 'بختم دق ود تبيد ' مدللا في ذلك على انها واسعه وكبيرة في حجمها. وهذه القصيدة نظمت في شكل 'كولاج ‘يعبر كل جزء منها عن رحلة الحجيج ولإظهار الجمال البصري والمُتَخيّل لهذه الرحلة وضع كابلي بناء موسيقي موازي وموزون على التركيب البنائي لنص القصيدة ليظهر معالم " الكولاج "
ولم يغفل الكابلي عن إبراز النغمة والمزاج الروحاني للقصيدة عند ارساء النغمة الموسيقية في بناء النوتة ومتعطفاتها الدلالية والإيحائية بخلفيتها الروحانية من الوصول الى جده ... وحلق الشعر ... ورمي الجمرات...وزيارة حبيب الله ومصطفاه.

المصادر
1 1ابن الفارض .' اخفي الهوى ومدامعي تبديه'
https: Adabna.com( available 29 sept 2022), published ( 04-01- 2020)

2جمال الدين، معاوية ( 2013). حوارات مع ايقونات سودانية في الفكر والابداع
. الناشر مركز عبد الكريم ميرغني

3. صحيفة الخليج (2021)
https// alkhalee.ae(. 9May2021 ), (available 3 Oct
2021)
4.صحيفة الراكوبة " ليلة المولد يا سر الليالي"
www.alrakoba. Net. Can. amp project. Org , (available 26/09/2022)

5.الفيتوري،. محمد مفتاح { 2020}. "قصيدة ياقوت العرش 3/10/2020 https : diwandb. com. Available

kargwell65@yahoo.co.uk
////////////////////////////

 

آراء