ما هي أبعاد العدالة الانتقالية؟ وما أهميتها بالنسبة للسودانيين في سياق العملية السياسية؟ .. بريسيلا هاينر الخبيرة مستقلة في شؤون العدالة الانتقالية في بعثة يونيتامس

 


 

 

يتحضر السودان لعقد المؤتمر القومي تحت عنوان "نحو نموذج سوداني للعدالة والعدالة الانتقالية" في قاعة الصداقة بالعاصمة الخرطوم.

وكانت قد عقدت مؤخرا ورش إقليمية في أنحاء البلاد. ويبدأ المؤتمر القومي مساء السادس عشر من الشهر الجاري ويستمر لأربعة أيام ونصف (16-20 مارس).



للوقوف على بينة من مفهوم العدالة الانتقالية وأهمية انخراط السودانيين في هذه النقاشات، حاور قسم الاتصالات الاستراتيجية والإعلام ببعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) السيدة بريسيلا هاينر، وهي خبيرة مستقلة في شؤون العدالة الانتقالية في البعثة، التي شرحت مفهوم العدالة الانتقالية وتطورها عبر الزمن. كما تطرقت إلى أهمية أن يشارك السودانيون في الورش والمؤتمرات المعنية حتى يتمكنوا من صياغة ما يناسب بلادهم.

وقالت في هذا السياق: "أود أن أشجع السودانيين على محاولة التعلم واغتنام فرصة هذا المؤتمر القادم، والذي سيتم بثه مباشرة، -وبالطبع من السهل مشاهدته عبر الإنترنت- اغتنام الفرصة للاستماع. لدينا العديد من الخبراء الوطنيين الممتازين الذين سيكونون جزءا من اللجان، وسيشرحون وجهات نظرهم وما يرونه ضروريا للسودان. ولدينا أيضا عدد من الخبراء الدوليين الممتازين الذين سيحضرون، والذين سيتحدثون عن كيفية معالجة بلدهم لبعض هذه المسائل. لا يمكن نسخ أي شيء. لا يمكن استيرادها (العدالة الانتقالية). على الناس أن يفكروا في السودان بشكل مختلف عن أي بلد آخر."

ما هي العدالة الانتقالية؟

قد يبدو مصطلح العدالة الانتقالية مصطلحا محيرا من نواحٍ عديدة، قالت السيدة هاينر، "لا أعرف ما إذا كنت أريد تسميته مصطلحا غريبا، لكن في بعض الأحيان يعتقد الناس أن ذلك يوحي بنوع مختلف من العدالة أو بأنها (العدالة الانتقالية) نوع أقل من العدالة أو أنها نوع من أنواع العدالة المشوبة بالمثالب، وهذه ليست النية على الإطلاق.

العدالة الانتقالية مصطلح فني تم اكتسابه في الممارسة العملية على مدار العقدين أو العقود الثلاثة الماضية، تشرح السيدة هاينر، "ولكن لا يُقصد به تنحية أي شكل من أشكال المساءلة جانبا. تشمل العدالة الانتقالية محاكمات المساءلة الجنائية، وتعزيز القضاء، والعمل مع المحاكم الدولية."

لكن السبب الذي جعل العدالة الانتقالية تُعرف بمصطلح فني هو أنه أصبح واضحا منذ عدة عقود في بلدان مختلفة حول العالم أنه حتى عندما يمكن أن تكون هناك محاكمات وطنية -وبالطبع، هناك قيود في العديد من السياقات لإجراء محاكمات وطنية ناجحة-، ولكن حتى عندما يكون هناك محاكمات وطنية أو دولية، هناك شعور بأن هذا غير كافٍ في الواقع. فهناك العديد من الاحتياجات الأخرى للضحايا والمجتمع ككل، بحسب السيدة هاينر.

"والفكرة من ذلك هي محاولة العمل بطريقة تعاونية بحيث يمكن للعناصر المختلفة للعدالة التي تركز على العدالة والعدالة الوقائية والعدالة التصالحية أن تعمل معا. لذا فإن العدالة الانتقالية تشمل الملاحقات الجنائية. وتشمل البحث غير القضائي عن الحقيقة. وقد وضعت بعض البلدان لجانا وطنية للحقيقة لتحاول التحدث مع أكبر عدد ممكن من الضحايا والناجين والشهود، في محاولة لقول الحقيقة ككل حول ما حدث في البلاد."

في بعض الأحيان، في كثير من الأحيان، قد توصي لجان الحقيقة بإجراء مزيد من الملاحقات القضائية أو بأن يكون هناك أنواع أخرى من البرامج لإيلاء الاهتمام للضحايا الذين تحدثوا إليهم، أو إجراء أنواع معينة من الإصلاحات. إذا قد يكون عمل لجنة الحقيقة واسعا جدا بما في ذلك عمليات البحث، وأخذ الشهادات، ولكن أيضا الخروج بتوصيات والعمل حقا على تنفيذها.

ما هي أبعاد العدالة الانتقالية؟ وما أهميتها بالنسبة للسودانيين في سياق العملية السياسية؟

برامج تعويضات تركز على الضحايا

ولكن كيف يمكننا حقا مساعدة الضحية في الحصول على العدالة ثم لاحقا منع حدوث مثل هذه الانتهاكات في المستقبل، سألنا السيدة هاينر، فقالت إن جزءا مما تطور وأصبح أقوى، ولكنه في الواقع صعب للغاية هو "برامج جبر الضرر التي تركز على الضحية". وأوضحت أن هذا عنصر آخر للعدالة الانتقالية، عنصر مهم للغاية، مشيرة إلى أنه يمكن بناء ذلك بطرق مختلفة، ليس فقط على أساس التعويضات المالية، ولكن على أساس التعويضات المجتمعية والتعويضات التصالحية.

وهناك عنصر آخر أيضا، بالإضافة إلى ذلك، ما نسميه العنصر الرابع للعدالة الانتقالية هو "الإصلاحات المؤسسية"، على حد تعبير الخبيرة المستقلة.

"لا يكفي محاسبة الأشخاص في الماضي فقط إذا كنت تعتقد أن هذه الانتهاكات بطريقة ما قد تستمر في المستقبل. غالبا ما تكون الأولوية الأولى للضحايا هي، نعم، يريدون العدالة، يريدون الحقيقة، يحتاجون إلى تعويضات وخدمات. لكنهم أيضا - لقد لاحظت بشكل كبير أنهم يريدون أيضا ضمان عدم تكرار هذه الأنواع من الانتهاكات في المستقبل."

وقالت بريسيلا هاينر إن التركيز يجب أن يكون قويا على الإصلاحات الضرورية في عدد من القطاعات، بما فيها الإصلاح القضائي أو إصلاح قطاع الأمن، خاصة في حال كان هناك أشخاص ارتكبوا انتهاكات وتحتاج إلى معالجة بطريقة أو بأخرى. وأضافت أنه ينبغي أن يكون ذلك أيضا جزء من برنامج وخطة العدالة الانتقالية.

"إذا، يتعلق الأمر بمجال عمل يركز على الضحايا في العدالة الانتقالية بشكل عام،" بحسب بريسيلا هاينر، موضحة أنه "هي تتجاوز محاسبة المتهمين في المحكمة كلما كان ذلك ممكنا ومتى كان ذلك مناسبا". فكل دولة تتعامل مع هذا السؤال بطريقة مختلفة للتركيز بشكل كبير على احتياجات الضحايا. ويجتمع كل هؤلاء العناصر معا لتشكيل عدالة انتقالية.

والعدالة الانتقالية متجذّرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويقع على عاتق الدول التزام بتوفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وتلبية حقوقهم في الحقيقة والعدالة والجبر. ومن أجل الوفاء بهذا الالتزام، وكي تكون العدالة الانتقالية قادرة على المساهمة بفعالية في السلام والمصالحة المستدامين، لا بد من اتباع نُهج شاملة. وتسعى مثل هذه النُهج إلى إحراز تقدم على مستوى جميع أبعاد العدالة الانتقالية وبطريقة متكاملة.

ما أهمية أن يشارك السودانيون في ورش ومؤتمر العدالة الانتقالية؟

وأوضحت الخبيرة المستقلة أن "ما رأيناه بوضوح شديد في جميع أنحاء العالم هو أنه إذا حاولت دولة ما طي صفحة الماضي دون معالجة ما حدث، فعادة ما لا تسير الأمور على ما يرام، - لا تسير الأمور على ما يرام بالنسبة لأولئك الذين نجوا من العنف أو الذين فقدوا أحباءهم. ولا تسير الأمور على ما يرام بالنسبة للبلد ككل."

وفي هذا السياق شجعت السودانيين على محاولة التعلم واغتنام فرصة هذا المؤتمر، الذي سيتم بثه على الهواء مباشرة، الذي تسهل مشاهدته عبر الإنترنت، للإنصات، مشيرة إلى أن هناك العديد من الخبراء الوطنيين الممتازين الذين سيكونون جزءا من اللجان، وسيشرحون وجهات نظرهم وما يرونه ضروريا للسودان. كما أن هناك أيضا عدد من الخبراء الدوليين الممتازين الذين سيحضرون، والذين سيتحدثون عن كيفية تعامل بلدانهم مع بعض هذه المسائل. وشددت في هذا السياق على أنه "لا يمكن نسخ أي شيء. لا يمكن استيرادها (العدالة الانتقالية). على الناس أن يفكروا في السودان بشكل مختلف عن أي بلد آخر. إنه ليس مثل أي دولة أخرى."

وأوضحت السيدة هاينر أن هنام العديد من الأشياء التي حاولت دول أخرى القيام بها بشكل صحيح وخاطئ، وهناك أشياء قامت بها بشكل صحيح مع الكثير من العمل والكثير من الإبداع. "هناك حقا جزء إبداعي من العدالة الانتقالية يمكنك من خلاله مطابقة المكونات المختلفة للعدالة - القضائية وغير القضائية - من أجل التوصل إلى برنامج وسياسة وخطة تساعد البلد ككل."

وأعربت عن أملها في أن ينصت السودانيون، ويفكروا تفكيرا ناقدا في ما يهمهم أو ما لا يهمهم ويعتقدون أنه لا يصلح للسودان.

"هل هناك أي شيء يعتقدون أنه سيكون مفيدا لقضيتهم الخاصة أو للبلد ككل؟ من ثم يشاركون في المحادثة. هذه حقا البداية."

ولفتت السيدة هاينر الانتباه إلى ورش العمل العديدة حول العدالة الانتقالية التي انعقدت على مر السنين، "لكن هذا المؤتمر هو تركيز وطني على القضية وهو حقا بداية محادثة وطنية للتوصل إلى أفضل سياسة للسودان، وما الذي يريده السودانيون والذي يعكس الاحتياجات الحقيقية للشعب السوداني."

"أعتقد أنه يجب أن يشارك الجمهور في المحادثة. آمل أن تكون هذه بداية فرصة."
https://unitams.unmissions.org/ar/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9%D8%9F-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9%D8%9F

 

 

آراء