ما يبقى من قصة لبنى البائخة … بقلم: د. محمد وقيع الله
27 September, 2009
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]
بعد أن انجلت مشاهد قصة لبنى التي أثارت الرأي العام المحلي والخارجي حينا من الدهر، نريد أن نتوقف عندها وقفة عابرة ، لنحلل بعض مخلفاتها ومعانيها الخفية أو التي كانت خفية.
ولا تعدو القصة في مجملها أن تكون من النوع الذي لا يجمل أن يحفل به أحد، وما كان ينبغي أن يبرح الحديث عنها ساحة المحكمة التي نظرتها، وقضت فيها بالحق.
إلا أن بطلة القصة، ومن هم وراءها، وكلهم غواة إعلام، وعشاق شهرة، ودعاة تشهير، رأوا فيها فرصة سانحة لشغل الرأي العام السوداني والعالمي بهذا الضرب من الإرجاف، واستثماره فيما ظنوا أنه سيؤذي الإنقاذ، ويزعزع سمعة السودان، وينال من حكم الشرع الحكيم.
الهدف السياسي المشبوه:
وها هي صاحبة القصة تكاد أن تفصح عن غرضها في تحدي الدين والشريعة، وتقارب الإبانة عن مرامي من دفعوها لتحقيق هذا الكيد، عندما ذكرت أنها لبست هذا الزي الذي ضبطت به، خصيصا من أجل التحدي والمناجزة، أي تحدي سلطة الدين والشريعة. وتمنت أن لو كانت تقدر على لبس ما هو أشنع منه وأزرى، وهو الزي الذي قالت إنه يفصله المنفصلون عن الدين، ويسمونه بزي فصل الدين عن الدولة. قاتلهم الله أنى يوفكون.
وهذا هو نص ما قالته بلفظها الذي ما فيه قوام ولا احتشام:" يا ليتنى كنت املك قواما كبنات الروم او خصرا كخصر الهنديات .. يشجع لارتداء " فصل الدين عن الدولة " ولكن للأسى لى " تمبلة " غير مشجعة لابرازها.. بل اسارع لاخفائها بالقمصان الواسعة ليس ورعا .. انما اخفاءا للعيوب .. وعموما اشكر لشرطة النظام العام حسن ظنها فىّّ!!
ولا ريب أنها تشير بمؤخرة قولها هذا غير الورع إلى ما أثبتته شرطة الآداب من صفة الزي الذي كانت ترتديه، وهو الزي الذي خيل إليها حلمها القاصر، وخبالها الآسر، أنها حينما تلبسه إنما تلبس به لبوس الفكر العلماني الطاغي، وتمارس به النضال السياسي العارم، وتتمكن عن طريقه من فصل الدين عن الدولة السودانية الإنقاذية الراسخة.
وهو الفصل العلماني القسري القهري المستبد الذي لم يحققه ممن هم أقوى منها بأسا ومراسا من رجال حملوا السنان وصاولوا الدولة زمانا ثم استسلموا لحكم الحق.
ثم قال قائلهم أخيرا، في مقام الاعتراف وتبرير التراجع: إن وسطاء نيفاشا نصحونا وطلبوا منا عدم معارضة الشريعة الإسلامية، لأنهم لم يرصدوا مظاهرة واحدة قامت ضدها منذ أن طبقت في عام 1983م.
وهذا القول الذي جاء به زعيم التغريبيين الشائخ، منصور خالد، أحرى أن يتدبره صغار أولي الأحلام، وغير أولي الأحلام، من جمهرة الطَّغام، الذين أثاروا أخيرا هذا القَتام.
من يصدق هذه الدعوى؟
ودعوى لبنى في معارضة الشريعة وتحديها، رغم أنها دعوى لا تشرف صاحبتها، ولا تشرف أحدا، إلا أننا مع ذلك لا نصدقها فيها.
وسبب إنكارنا عليها هذا الشرف غير المشرِّف، أن هذه السيدة، وهي ربة قلم، لم تمارس- فيما نعلم - نضالا فكريا، أو إعلاميا، أو سياسيا، أو نضالا من أي نوع، قبل اليوم، ضد الشريعة.
فلماذا نصدقها اليوم في انتحال هذه الدعوى لمجرد أنها رفعتها رداء تغطي به وزر ضبطها بذلك الزي الذي أدينت به؟
وهو الزي الذي شكك البعض، ولا ندري إن كانوا محقين أو غير محقين، أنه ذلك الذي ظهرت به في أجهزة الإعلام، وزعمت أنه ذات الزي الذي ضبطت به في المقهى اللاهي الصاخب.
وقد جاء في حيثيات المحكمة وصفا مقززا للزي الذي ضبطت به، ما كنا نحب أن نسمع به، ولا أن نعرف تفاصيله، ولا نريد أن نتحدث عنه الآن، ولا بعد الآن.
لماذا لم تستأنف لبنى الحكم؟
ولم تشأ لبنى أن تتحدى حكم المحكمة الذي أدانها بلبس ذلك الزي، إلا بمقال صحفي قصير النفس، ليس فيه شيئ غير المهاترة، التي نقلنا طرفا منها في مطلع هذا القول، وقد كان بإمكان لبنى أن تستأنف هذا الحكم، الذي تحتج عليه، إن لم يكن منصفا.
وهكذا ثبت عليها حكم الإدانة، وإن اختلف نوع العقوبة. ولم يكن نوع العقوبة بالأمر الجوهري المهم أو الأساس في الدعوى.
بل كانت العقوبة التي نالتها عقوبة ماهرة، محكمة، أنهت بسلام تلك المعركة التي ثارت في غير معترك، وخسرتها لبني بجدارة، وخسرها جميع أنصار الباطل، الذين أثاروا كل هذا الضجيج والعجيج والهراء في الفضاء الإعلامي المحلي والدولي، بينما لم تثر تلك المعركة إلا اشمئزاز أهل السودان، وأرباب الحشمة، وحراس العقيدة، وحماة تقاليد العفاف في كل مكان.
تأصيل الحكم:
ولا ريب أن القاضي الفاضل الذي نظر القضية، قد جاء ببرهان ساطع على بعد نظره وتروٍّيه، وقدرته على التحقيق، وأكد بحيثياته على جدارته الأكاديمية البحثية، عندما قام بتأصيل الحكم الذي أصدره، على أساس من الشرع الحنيف، مع الموازنة بالقوانين الوضعية، التي جاء بها لبلادنا من تحالفوا لبنى في تحدي حكم الشرع. فذكر القاضي العالم من مادة القانون الجنائي السوداني القديم هذا النص:
(Whoever to the annoyance of others does any obscene or indecent act in a public place, Shall be punished with imprisonment for a term which may extend to one year or with fine or with both)
وهو نص كاف لإدانة لبنى.
ثم جاء القاضي بما يعزز مادة هذا النص من قانون العقوبات الهندي، مشفوعا بشروح وتعليقات أستاذنا العلامة البروفسور محمد محي الدين عوض، الذي مارس التدريس الجامعي الرصين زمانا طويلا ببلادنا.
وبعد ذلك كله لم يشأ القاضي النبيه اليقظ، البصير بفقه الواقع، وبفقه السياسة الشرعية والدولية، أن يمضي عقوبة الجلد، واستخدم عوضا عنها خياري الغرامة أو السجن.
ثم قام اتحاد الصحفيين السودانيين بواجبه الوطني والمهني فدفع الغرامة، حتى يهدر الفتنة، ويحبط المؤامرة، ويرد الكيد، و يبطل الاستهداف الإعلامي العالمي.
ولم ترفض لبنى هذه الأريحية النبيلة، التي كان بوسعها أن ترفضها، إن كانت جادة في ادعائها بلزوم الحبس.
كما كان بوسعها أن تستأنف حكم الإدانة القضائية، لتحصل على حكم بالبراءة، إن شاءت. ولكنها وهي الأعلم بهشاشة موقفها، وبقوة الشهادات الموثقة، الدامغة، التي قدمها شهود الاتهام ضدها، آثرت أن تتقهقر، لتسحب ذيلا طويلا للهزيمة والخيبة والخذلان.
مخادعة الرأي العام:
وهكذا بادت تلك المؤامرة المريبة السخيفة التي وكلت هذه المرأة المسكينة ببطولتها. وانهارت فصولها فصلا بعد فصل.
فمنذ المطلع انكشفت مخادعة القوم للرأي العام، عندما تردد مرارا وتكرارا أن لبنى تتمتع بالحصانة القانونية ضد المحاكم السودانية.
وهي الحصانة التي قيل إنها استمدتها من عملها بالأمم المتحدة، المنظمة العالمية الدبلوماسية العظيمة، التي يريد أمثال لبنى امتهانها، والعبث بها، وجرها إلى الانشغال بما لم تؤسس من أجله.
فكل من عمل محررا، أو مخبرا، أو سائقا، أو بوابا، أو طباخا، بالأمم المتحدة، يريد أن يستغل سلطته الضئيلة بها ليوجهها ضد بلادنا الشريفة.
وقد جاء انكشاف هذا الزيف للمحكمة التي مثلت لبنى أمامها، ثم للرأي العام السوداني قاطبة، عندما قام القاضي بممارسة مهامه باقتدار مهني، وخاطب وزارة الخارجية السودانية، للتبين والتثبت من أصول الدعوى، فاتضح من رد وزارة الخارجية السودانية أن الأستاذة لبنى لا تحظى بشيئ من الحصانة المدعاة، وأنها لا يمكنها أن تلوذ بشيئ وهمي مثل ذلك، وأنه ليس بحوزتها أي عاصم يعصمها من حكم القانون.
وإذ ذاك فقط تراجعت الأستاذة لبنى تراجع المراوغة التي يجيدها رهطها من أهل الزيغ، فقالت إنها لا تريد أن تستخدم حصانة الأمم المتحدة، وبظنها أن مثل ذلك التظاهر الباطل يمكن أن ينطلي على الناس، ويظهرها أمامهم بمظهر الأبطال المحاربين.
والسؤال الذي يمكن أن يوجهه الآن كل من أُخذ بدعوى الحصانة وخُدع به بادي الرأي هو: لماذا لم تعترف لبنى بأنها لا تتمتع بتلك الحصانة ابتداء؟ وهل ظنت آثمة أن تلك الدعوى الزائفة يمكن أن تنطلي على المحكمة، وعلى الحكومة، فتخلي سبيلها فرَقا من سطوة المنظمة الدولية التي كم استخدموها ضد بلادنا فما أجدتهم فتيلا؟.
مودة تحدي القانون:
هذا بعض ما انهار وانقضى من قصة لبنى البائخة، ولكن يبقى منها أنها شرعت لقبيلها من سدنة المعارضة، ومدمني الشغب، سنة تحدي الشريعة والقانون بشكل عملي.
فلنتهيأ منذ الآن لنسمع من يرتكب وزر السرقة الحدية، ثم يقف متفاخرا متحديا معلنا اعترافه بما اجترح من الإثم ويقول: ها أنا ذا قد ارتكبت جريمة السرقة الحدية بسرقتي لمال ذي نصاب وحرز فإن قدرتم علي فاقطعوا مني اليمين.
أو نستمع لمن يأتينا مجاهرا بتحديه شرعة القصاص، فيعلن أنه قتل نفسا بريئة بغير حق، ثم يتحدى القضاء والدولة أن تقيم عليه الحد.
ودعك من التحديات الأدنى للمشاغبين من مدمني الخمر والمخدرات والمتبرجات اللاهيات بمقاهي الليل.
إن الرواية لم تتم فصولا:
وليس ذلك هو كل ما يبقى من قصة لبنى البائخة، فاعتقادنا راسخ أن رواية الكيد الإعلامي للإنقاذ لم تتم فصولا.
ولا شك أن فصولا منها وقصصا وروايات أخرى ستتوالى وتترى ونراها عن قريب.
ولكن - ويا لسوء حظ من يهوون إثارة هذه المعارك المفتعلة المغرضة- فإن الإنقاذ قد اكتسبت خلال سنيها العشرين منعة وحصانة كبرى من مثل هذه المكائد ومن مثل هذا الصغار.
لم تكتسب الإنقاذ تحصينها من المصادر المشبوهة التي يكتسبون منها تحصينهم الزائف وإنما اكتسبته من تأييد الله الواحد القهار.