مبادرات: الاجراءات المالية: حبس النقود و تغيير العملة هل من حلول؟
تزداد الحيرة في تناول موضوع الاجراءات المالية الأخيرة، فقد وضعتُ لها عنواناً "العملة، المال و الحياة " بدءاً و لكن الأقرب هو ما تجدونه من إجراءات مالية تم إتخاذها لمواجهة التضخم و لم تجدي و أعقبها حبس للنقود في بيت الطاعة كما أسماه حمدي و لم يكن البيت جاذباَ و أخيراً تغيير غير شامل للعملة، للورقة الكبيرة و التي فاتها المنع في التغيير الأول للعملة حيث ذُكر بأنها من أسباب التضخم و صدر قرار فطير بوقفها مع الورقة الأكبر من فيئة المائة جنيه و ها نحن نعود لمزيد من الاجراءات شبه العسكرية و الأمنية لأحد شئون الحياة ! والحياة شأن للجميع و لهم فيه رأي! و ينبغي أن يُسمع ويستأنس به !
يختلف الناس في تعريفهم للمال و للعملة في كافة أشكالها ! هل هي مستودع للقيمة ؟ أم هي العمل متجسداً و له خوار كعجل موسي ! لنبسط الأمر و نشبه العملة بالماء أو الدم ، فهي عامل مساعد لتفاعلات ديناميكية تتم في حياتنا و تتحرك من موقع لآخر في حرية تامة أو هكذا يجب أن تتحرك ! الماء يتحرك في دورة معروفة من عل ألي منخفض و في طريقه يتبخر بعضه ليصير سحاباً و يهبط كرةً أخري في أي مكان وفقاً لعوامل جغرافية وقد يجري في الأنهار و يفيض و قد يصل للبحار و المحيطات أو للبحيرات علي اليابسة فيحبس إلي حين أو يسقط علي القطبين فيتجمد بعضه لآماد بعيدة و يصبح كالآثار القديمه و له مع ذلك قيمة لا يعرفها إلا أهل العلم و لما دونهم لا يجلب كسرة خبز و لمن يعرف قيمته فهو كنز لمعارف.
المال في شكل العملة يتحرك ليبني مصنعاً أو مدرسة ، جامعة أو معملاً ليصنع حياةً ، يخضر أرضاً أو يصنع فرحاً و سعادة في حفل عرس. يحرك منتجات صناعية أو غذائية أو خدمية.
المال في شكل العملة هو عمالة متحركة من موقع لآخر علي البسيطة و ليس في بلدة واحدة أو في بلد واحد، فقد أضحي عالمنا موحد بالتكنولوجيا و الاتصالات و المواصلات- المسافات تتقلص و روابط القبيلة و القومية تضعف. و من هنا تأتي قوة العملة وفقاً لحركتها و الرغبة في إمتلاكها و الحصول عليها،و هو ما نراه في الدولار، لما تجلب من خدمات أو منافع مادية و هكذا نري الدولار و يراه العالم و قد بدأ الايوان الصيني أو الرينبي يشق طريقه، نتاج العمل و المثابرة و الجهد الذي يبذل. في الفكر و الذكاء الوقاد الذي ينميها، في ريادة الأعمال، في الابتكار و الاختراع و في الاكتشاف، في البحث العلمي وفي التكنولوجيا وهي كلها أنشطة ديناميكية لا تتوقف، أنشطة حرة و أي قيد يضر بها و يوقف نموها!
لم تعد الحلول الأمنية للاقتصاد منجية من الهلاك، إذ المال في شكل النقود لن يتم تقييده أو حبسه في خزائن محروسة أو بنوك غير جاذبة! تأتي قيمة العملة من الثقة فيها فان ضاعت الثقة لن ينفع أي إجراء- بضياع الثقة ضاع الكثير ! و حتي الطباعة لن تجدي فتيلاً.
من صنع المشكلة لن يقدر علي حلها! إن الاقتصاد و المال من الأهمية بألا يترك شأنه للاقتصاديين و حدهم ! المال هو الحياة ! لذلك ثمة حاجة لبرلمان للمال غير تقليدي أو قل برلمان للاقتصاد ينظر في شئوون المال في حرية تامة و يتخذ قراراته ليس بالاغلبية و لكن بالتراضي و التوافق! برلمان تجتمع فيه عقول جميلة- عقولاً تتحلي بالمعرفة و الفهم ! عقولاً تنظر دون مصالح ذاتية أو تضارب للمصالح ! من إشتغال بالتجارة أو غيرها. قول قديم لابن خلدون"من إشتغل بالتجارة و أمور الحكم، يضيع الحكم و التجارة" أو هكذا قال !
إن النظر للمال في شكل العملة كسلاح يجب وضعه في مخازن آمنة، لتتمكن جهة ما من إسستخدامه عند الحاجة لهو نظر قاصر غير منتج، نظر لا يري الأنشطة الأخري التي تحتاج للمال و للحركة و الحرية – الكثير من الحرية ! هذه النظرة الأمنية و العسكرية خاطئة و خطلة ، بل مدمرة للبلاد و للناس و الحياة. نراها الآن في صفوف طويلة أمام الصرافات و في زحمة البنوك ، في الثقة التي ضاعت و ذهبت – ثقة شاهدناها في بلاد أخري: في لبنان حين إنهار بنك أنترا و في اليونان حين إنهار إقتصادها و في ولايات أميركا المتحدات في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، فيما عُرف بالكساد الكبير ! حيث فقدت العملة قيمتها و هو ما يحدث الآن! إننا مقدمون علي إنهيار جميل سينقذ الناس من الانهيار العنيف ! سيناريو لم يتصوره أحد أو يخطر علي البال و قد يكون فيه خير كثيرللناس بذهاب نظام الانقاذ في هدوء، لقد أذن أوان الهروب الكبير!
من الحلول التي أراها:
• البدء في مشاريع كبيرة لتشغيل أعداداً كثيرة من الناس- نفير لتوفير الغذاء و الطعام للناس و للصادر.( شبيه لما أسماه أحد رؤساء أميركا النابهين" المشروع الكبير"
• الاهتمام بالثروة الحيوانية ،رعاية و تصديراً بعد توفير الغذاء للناس
• مشاريع صغيرة للتعدين الأهلي بمساعدة الدولة ، تعمل في إنتاج المعادن كافة ، خاصة الذهب و بيعها في حرية كاملة هنا و في خارج البلاد
• إصدار عملة ذهبية تحفظ للناس حقوقهم كمستودع للقيمة و كمانع للتهريب و صاد له.و لاعادة شئ من الثقة المفقودة.
• إنشاء بنك للذهب ، يتم فيه إيداع الذهب نظير عائد مالي شهري أو سنوي- مثلاً لكل كيلوجرام من الذهب 1000جنيه شهرياً.علي أن يعمل البنك مع بنوك العالم في تحريك مخزونه و إيداعه بضمانات و بالتأمين الشامل من قبل جهات معروفة ، مثل اللويدز للتأمين أو غيرها.كما يعمل في تمويل التعدين.
• إبتعاد بنك السودان من الأنشطة الأخري التي تشتت جهده، مثل التمويل الأصغر و شراء الذهب أو إصدار السندات المالية. فلتترك هذه الأنشطة للجهات المختصة. و ليتوقف دوره في إصدار العملة و وضع سياساتها و في الرقابة علي البنوك.
ولتتبع هذه الاجراءات الاقتصادية و المالية إجراءات أُخري سياسية: حريات لا حدود لها،سحب القوات السودانية فوراً من اليمن إلي الحدود السعودية – اليمنية، مع إعلان للدفاع عن السعودية بدون حدود، كحل وسط بين السحب النهائي و الدعوة لانهاء الحرب العبثية.و الاعتزار للشعب اليمني و ليس للحكومة اليمنية!
إعلان الحياد التام للسودان و تسليم المتهمين الذين إستدعتهم المحكمة الجنائية الدولية، لتأكيد وقوفنا مع العدالة و تحمل نتائج الحرب في دارفور بشجاعة و الذهاب إلي المحكمة رافعي الرؤؤس ، فهنالك إتهام قد لا يثبت و المتهم برئ حتي تثبت إدانته.في ذلك عودة للشرعية الدولية – أمرٌ إذا ما وجد قبولاً، قد يساعد في الخروج من الأزمة.
ودعوة لسياسة خارجية مبنية علي القرب الجغرافي و التاريخي و البدائل، فلا معني لعلاقات مع إندونيسيا ،إذ تكفي ماليزيا، لا داع لسفارة في الأرجنتين و فنزويلا و البرازيل- فهي جغرافياً و إقتصادياً غير مجزية!
دول الخليج تكفي فيها سفارة في دولة الامارات و ربما قنصليات في الامارات الأخري، أوروبا الشرقية قد تكفي سفارة واحدة و كذلك في أوروبا الغربية ،مع سفارة في لندن ،في بكين و في موسكو و في دلهي و في واشنطون.و لتقم السفارات بكافة الأنشطة بما في ذلك الأنشطة القنصلية ، إن كان ذلك ممكناً عملياً.
و تقليص الحكومة إلي حدها الأدني ! حتي لا تتقلص إلي الصفر بالضرورة ، بيدي لا بيد عمرو...
التخلص من الأبراج الحكومية، مع ضمان وجود المؤسسات الحكومية بها إلي أجل طويل مثل برج الاتصالات و برج وزارة العمل و وزارة العدل و...كبداية لتخفيض الصرف الحكومي، و تخصيص عربة حكومية واحدة للوزراء و غيرهم من كبار الموظفين و في كافة مؤسسات الدولة الأخري.
إستخدام عقارات الدولة بشكل رشيد و نقل كافة المؤسسات و الشركات و الوزارات إلي البيوت الحكومية.
البدء في بيع المؤسسات الناجحة، مثل شركات السكر و أنصبة الحكومة في الشركات الأخري، مثل كنانة و النفط و سوداتل- مع ضمان إستخدام العائدات في إنشاء مؤسسات و شركات جديدة في المجالات الواعدة:السكر، النفط و التعدين.مع تخفيض للضرائب و الجمارك و كافة الرسوم الأخري إلي حدها الأدني، مما قد يدفع الأعمال و الأنشطة الاقتصادية و يوفر فرص عمل لأعداد كثيرة من المواطنين.
أيضاً من المهم إعادة النظر في إعادة مؤسسة الماشية و اللحوم، خاصة مع بيع نسبة من أسهم بنك الثروة الحيوانية و إدراك من تبقي من الملمين بشئون الماشية و خبرائها، كذلك مؤسسة التعدين،و المؤسسة الزراعية و غيرها، حتي لا نفقد ما تبقي من خبرات في هذه المجالات.
وهكذا يمكن أن نحدد مجالات أخري لتوفير أموال الشعب و تخفيف الاحباط و تحريك النشاط الاقتصادي و التجاري.
علينا بالتفكير الابداعي و له في و لايات أميركا المتحدات معاهد و مراكز تنظر فيه و تنميه. فما زال هنالك متسع للابداع و التفكير بشكل مختلف، خاصة في الشؤون الاجتماعية و المالية و في أمور الحكم و بناء الدولة.فكروا خارج الصندوق!
a.zain51@googlemail.com
/////////////