مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها... كمثل قوم ركبوا سفينة ، فأصاب بعضهم أسفلها...وأصاب بعضهم أعلاها o فكان الذين في أسفلها إذا إستقوا الماء، مروا علي من فوقهم فأ ذوهم o فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقا ،فإستقينا منه، ولم نؤذ من فوقنا فان تركوهم وأمرهم ، هلكوا جميعا”
"كل الحقائق العلمية الكبرى تمر (عند اطلاقها) بثلاثة مراحل: أولا، الناس يقولون انها تتعارض مع الكتاب المقدس؛ وبعدها يقولون انه سبق اكتشافها من قبل؛ وأخيرا، يقولون انهم كانوا دوما --ومنذ البدء -يؤمنون بها” ! الجيولوجي جان أغسيز (Jean Agassiz) ، (1807-1873)
"أنهم في البداية سيتجاهلونك .. ثم يسخرون منك .. ثم يحاربونك .. ثم تنتصر " (غاندي)
"إثيوبيا وافقت على التفاوض مع مصر بشأن توزيع مياه النيل إذا تخلت مصر عن "اتفاقية (مياه النيل لعام) 1959 " (لكن)"! "مصر رفضت "! (Whittington, D. & K. Haynes , 1985 )43
حتي لا نغرق في بحر المعلومات ونموت عطشا للمعرفة الحقيقية -- "أعطوا الحاسوب فرصة ! ": من خلال اطلاق "سيناريوهات المحاكاة (Simulation)" على شاشات الكمبيوتر كبديل للحرب علي الأرض والجو ، "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا " " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" (البقرة253)
من الخطأ تحويل نزاع سياسي هندسي الي نزاع قانوني
مفاوضات سد النهضة واطار عنتبي – ك"القانون" في تعبير الفقيه فازنبيرغ — ينبغي أن تكون "ممارسة (تمرين) لأرساء استقرار النظام" ) أقرأ هنا النظام المائي لحوض النيل( لعقود قادمة، وليس لأتفاق حول مشروع ما مهما بلغت أهميته!
التباين التكاملي بين مصالح الأحباس العليا والسفلي يمكن له أن يكون المحرك والحافز القوي الذي يدفع بالمتفاوضين لأستثماره بتركيز الاهتمام على المكاسب المحتملة المشتركة لكل الأطراف
استثمار الصياغة الواضحة "للقانون الدولي الأجرئي" في شرط الإخطار المسبق (“Procedural International Law”) قمين بأن يؤثر علي ا"لقانون الدولي الموضوعي – كما سنري لاحقا في حلقة "الحلول"، ان شاء الله
لكن لا أحد يمكن أن يحلم أن ترضي دولا بأن تموت عطشا — في سبيل أن تحقق دولة اخري هدفا سياسيا هو دون شك التحكم في مياه النيل الأزرق – فانتاج 5000 ميقاوات يمكن تحقيقها بسد أصغر وبسبل كثيرة كما سنري لاحقا ، ان شاء الله
**************
مسوغات هذه الدراسة: قال تعالى:"وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه"(آل عمران 187). عندما قرأ رسول الله (ص) الآية أعلاه ، قال (ص): " ما علم الله عالماً علماً إلا أخذ عليه من الميثاق ما أخذ على الأنبياء, لتبينه للناس و لا تكتمونه".،واذا كان هذا هو شأن السماء، فقضاء ألأرض أجمله "أبو كعب" (صاحب البردة الشهيرة) وحكيم شعراء الجاهلية زهير بن أبي سلمي حين قال "ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله علي قومه، يستغن عنه ويذمم"، وقد جاء في الأحاديث الشريفة " قيدوا العلم بالكتاب" و" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَنْتَزِعُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا"
وعليه فكاتب هذا المقال يهدف في هذه النفحة من موائد الرحمن الفكرية إلى أربعة أمور: لفت النظر للتعقيدات الفنية التي تسم قضايا المياه المطروحة علي الساحة اليوم ، وأبعادها الفنية والأستراتيجية والبيئة والسياسية والقانونية ، وذلك بالرجوع الي العلوم التي لها القول الفصل في هذا الشأن، استجابة لدعوة القران الكريم لذلك حين قال "واسألواأَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ "(النحل 43) ، وان كان لنا أن نصغي لأحد هنا ، فللأصمعي -- راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة حين يقول "يسأل عن كل صناعة أهلها" وحينها سنجد أن الكلمة الأخيرة في هذا الشأن هي عند منتسبي العلوم (الهيدرولوجيا -- و الهيدروجولوجيا، الليمنولوجيا والبيئة الخ)، رغم الأسهام المعتبر والمقدر من جانب العلوم الأنسانية (القانونية والدبلوماسية الخ) في هذه القضايا ، وتلك حقيقة يجب ألا تغيب عن ذهن أحد، "فالخيل أعلم بفرسانها"كما يقول المثل العربي في وجوب تفويض الأمر الي من يحسنه والأستعانة بمن يتحقق به الأمر دون غيره الأمل في أن ترسخ هذه المباحث مشروعية حقوق السودان الكبري في مياه النيل الأمل في أن يتمكن التحقق العلمي في هذا الأمرمن دفع السودان، لينطلق لتحقيق دوره الوفاقي في الوصول لحل عادل ومقبول لثلاثية قضايا مياه النيل الحالية ، انطلاقا من الأية الكريمة : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس" (البقرة 143) و"مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا" (النساء 85) دون التفريط في حقوقه المائية أو الأستهانة بالمخاطر المائية التي تنطوي عليها بعض التطورات المستحدثة علي الساحة ، و سنستدعي ان شاء الله للشهادة علي مدار مباحثنا هنا كثيرا من المعارف والعلوم المائية المرجعية في هذا الشأن والتي توارت – للأسف -- عن المشهد، رغم الأمر القراني الذي لا لبس فيه:"وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا" (البقرة282) ولاينبئك مثل خبير" (فاطر 14) الأمل في أن يكون لنا بهذه المباحث قدم صدق عند ربنا : " قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ" (سبأ 47) ، وان كان في "موائد الرحمن الفكرية " هذه من علم ينتفع به، فنسأل الله الكريم أن يجعله صدقة جارية للوالدين – عليهما الرحمة -- وفق الحديث الشريف "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا... من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفع به"
قنوات حل النزاعات المائية:
هناك أربع قنوات لحل النزاع المائي الحالي في حوض النيل والتي يمكن لدوله تلمسها ، وهي تغطي طيف واسع من الحلول السلمية وتتراوح بين : • المفاوضات • قواعد المجاملة الدولية(Rules of Comity ) • الوساطة (Mediation) ، • الفصل القضائي(Litigation)، والذي يتمثل في: التحكيم الدولي (Arbitration) والحكم القضائي (Adjudication)
والمتشاطيء الفطن يعرف بحسه الذكي متي يلجأ الي أيا منها ومتي يحجم عن السيرفي مسارب الدهاليز المظلمة لبعضا منها ! ومن جانبنا سنعود لها لاحقا ان شاء الله لنعطه البينة المادية لخياره الذكي! لكننا سنخصص هذه الحلقة لأولاهما وهو مسار المفاوضات، وسنشرح متطلبات ومالات قنوات حل النزاع الأخري في الحلقات القادمة ان شاء الله
تقنية المفاوضات و التخطيط لمفاوضات المياه: بينما نجد أن شركات الطيران – متمثلة في قائد الطائرة وداعميه علي الأرض- تتبع طرقا منهجية في تخطيط كل رحلة جوية ، بل ونجد حتي الفرق الرياضية -- متمثلة في مدريبيها - تقترب من اتباع مثل هذا المنهج العلمي في اعداد خططها لمنازلة خصومها في الملاعب الكروية ، لا نكاد نري شيئا من هذا القبيل في مفاوضات مصيرية كمفاوضات مياه النيل! دعنا اذا نسرد هنا ما ينبغي القيام به في مثل هذه المفاوضات أو في رصيفتها من المفاوضات السياسية . فمثلا هناك ست مراحل لمثل هذا التخطيط : المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل التفاوض : والتخطيط هنا -- بالنسبة لدول الأحباس السفلي مثلا—أشبه بأعداد قائد الطائرة ل"قائمة قمرة القيادة المرجعية " Pilot’s “Cockpit Checklist” ، لكنه في مثل مفاوضات سد النهضة أو اطار عنتبي يخاطب الهموم التالية لتلك الدول: • "تحديد القيمة"(Value Identification:)، أي استجلاء القيم أو الأهتمامات الأكثر أساسية التي قد تحرك الأطراف بعيدا عن المساومة الموضعية (Positional Bargaining) الي المفاوضة المصلحية (Interest Bargaining)" • "تحديد القضايا" التي تقف وراء مواقف الأطراف المتشاطئة ، على سبيل المثال : قضية السيادة العوامل المؤثرة في تحقيق الأهداف ( علي سبيل المثال عقيدة قانون المياه الدولي International Water Doctrine) المنطبقة علي الحالة • احتياجات دول الأحباس العليا • تحليل أهداف (Goals/Objectives ) دول الأحباس العليا : "القدرات" ( ما هي قادرة على القيام به نظريا ) و"النوايا" ( ما هي بصدد القيام به ) • تحديد ما تأمل دول الأحباس السفلي تحقيقة من أهداف واقعية (Goals/Objectives) ، من خلال مضاهات "النوايا والاحتياجات"، في مقابل "القدرات والموارد المتاحة" المرحلة الثانية وتكون على غرار " خطة الطيران " التي يعدها الطيار لكل رحلة(Pilot’s “ Flight Plan”) وتنطوي علي : • اعداد خطة مفصلة للتفاوض، تتضمن: تحليلالقضايا السياسية والاقتصادية و الفنية والقانونية تحديد الأمور التي يمكن لدول الأحباس السفلي والأحباس العليا التنازل فيها، المرحلة الثالثة: صياغة عدة سيناريوهارت عمل ) (Courses of Action المرحلة الرابعة : تقييم سيناريوهارت العمل تلك المرحلة الخامسة : اختيار سيناريو العمل الأفضل واختياروسائل التكتيك المناسبة لأنجازه المرحلة السادسة: تقيم مسار المفاوضات عند كل منعطف (Post-Negotiation Review): "أي من الافتراضات الخاصة بنا قد تحقق؟ وماهي الأفتراضات التي لم تتحقق؟" "أين كان الخلل في إستراتيجيتنا العامة ؟" "هل نجحت التكتيكات الخاصة بنا في تحقيق المراد ؟ أين الخطأ في ذلك ان وجد؟"
ضرورة المتابعة والتقييم لسير مفاوضات سد النهضة واطار عنتبي: هناك -- اذا -- حاجة في كل منعطف تفاوضي لوقفة مع النفس من قبل كل اطراف النزاع الحالي في حوض النيل لرصد وتقييم مسار المفاوضات الجارية أوالتي توقفت حول سد النهضة اواطار عنتبي وهناك علي الأقل أربعة أسباب لمثل هذه الوقفة: • أولا :لتقييم درجة تحقيق الأهداف • وثانيا: للتحقق من: نجاعة الافتراضات السابقة ونجاعة الأسترتيجية التفاوضية والتعلم من الأخطاء في كليهما • وثالثا :للحكم على إدارة الصراع الحالي • ورابعا: لتحسين التخطيط المستقبلي
أسس "نظرية التفاوض": أسس "نظرية التفاوض" هي: تحليل عملية التفاوض الجانب السلوكي في اتخاذ القرارات ، تحليل القرارات "نظرية اللعب أو المباريات"(Game Theory) وهذه الأسس هي ما سنهتدي به هنا في هذه الحلقة من "شهادتي للتاريخ"
المفاوضات وألية الأقناع الراشد (Rational Persuation): المفاوضون المهرة يسعون عادة "لتثقيف" خصومهم - على سبيل المثال: على المزايا طويلة الأجل لنهج الحل المشترك للمشاكل(Joint Problem-Solving)، (كبديل ل"المساومة (Bargaining) ، مثلا من خلال : التأكيد على أجندة “الفوز للجميع” Win-Win))، وتحويل "معضلة السجين" (The Prisoners Dilema) المعروفة لدارسي بحوث العمليات" والعلاقات الدولية) لربح للطرفين مساعدة الغريم لفهم أفضل للمشكلة التعليم عن طريق "ضرب المثال" من خلال: لفت االنظر للسوابق الدولية في شأن القضية المطروحة مساعدة الغريم في حل مشاكله المحلية توسيع فضاء (رقعة)الحل: من خلال توسيع إجمالي المنافع التي ستوزع علي الأطراف، على سبيل المثال، عن طريق: اجلاء فوائد إضافية يمكن تبادلها ايضاح جوانب العدالة والإنصاف في توزيع الفوائد إدارة جمهور الناخبين : علي كل مشاطئ الأخذ في الأعتبار مشاكل إدارة "مجموعات الضغط"، لديه ولدي غريمه على حد سواء
معايير التقييم لسير المفاوضات الجارية حول سد النهضة واطار عنتبي:
معايير التقييم لسير المفاوضات الجارية تمثل أفضل مؤشر للحكم علي نجاعة ادارة الصراع الحالي حول مياه النيل – وهي تتمحورحول الأجابة علي أربعة أسئلة، وهي: متطلبات الوصول لأتفاق ما نوع الأتفاق المطلوب تحقيقه؟ من بين قنوات حل النزاع المائي الأربعة عاليه ، ما هي القنوات المتاحة الأن؟ ماهي المسارات المحتملة للمفاوضات ؟
متطلبات الوصول لأتفاق: لكي تتمكن الأطراف المتشاطئة من الوصول لأتفاق بينها ، ينبغي توفر العناصر الأتية: وجود اليات متنوعة لتسوية النزاع وضوح القيم الأكثر أساسية التي قد تحرك الأطراف بعيدا عن "المفاوضة الموضعية" Positional Bargaining) الي "المفاوضة المصلحية"( Interest Bargaining) سعة فضاء الحل (مثلا تبادل المنافع في الصناعة الخ) القدرة على التكيف مع جديد المعلومات العلمية ، فالنزاعات المركبة (كما قضية مياه النيل) تميل إلى أن تكون دينامية على مر الزمن -- على سبيل المثال عدم اغفال رؤي "الهيدرولوجيا الجديدة"( والتي سنتناولها لاحقا) القدرة علي توقع وتصور والأقراربحجم الأضرار المستقبلية لمشاريع المياه (كالأثار الجانبية للسدود الخ) القدرة علي الرصد وتقيم الأداء إدارة مجموعات الضغط :أي ينبغي علي كل فريق أن ياخذ في الأعتبار الظرفية السياسية لديه ولدي غريمه معالجة قضية "عدم اليقين" (Uncertainties) في المجال العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي الخ) ، على سبيل المثال: • التباين الشديد في حجم التصرف المائي المائي الموسمي والسنوي • الزيادة المضطردة في تعداد السكان • التوسع في تطوير المشاريع المروية • التدهور في جودة المياه السطحية وتلوث المياه الجوفية الخ تحسين جودة المدخلات العلمية والتقنية للمفاوضات (مثل توفر مدخلات احصائية مائية محايدة وموثوق بها وسهل الوصول اليها عبر الإنترنت أوغير ذلك التطورات في متن القانون الدولي للمياه زيادة الكفاءة في استخدامات المياه الأحساس المتزايد بضرورة الأخذ بمعايير العدالة والأنصاف في قضايا المياه دفعا للصراعات العنيفة وفي هذا الصدد، يمكن الأخد بثلاثة نصائح قيمة من مهني عريق: وهو ليس الا "دليل الخدمة الدبلوماسية البريطانية" الذي يقول: "المفاوضات حريه بها أن تسير بسلاسة أفضل إذا أقبل كلا الجانبين الي التفاوض تحدوهم الرغبة في "خلق قيمة" (Create Value) ، أو لتلبية الأحتياجات الخاصة ليس بهم فقط ، بل وبالطرف الآخر. المفاوضون الناجحون يبدأون بافتراض التعاون (والتكامل) في المفاوضات أو Collaborative (Integrative) or Win-Win Negotiation والهدف هو تحقيق اتفاق يشعر فيه كلا الطرفين بالرضا! و المفاوضين المهرة يعملون علي المساعدة في تثقيف الخصم (على سبيل المثال في مزايا الحل المشترك للمشاكل (Joint Problem-Solving)"
ما نوع الأتفاق المطلوب تحقيقه؟ توازن القوي أم توازن المصالح؟ كيفية تحقيق "أمثلية باريتو" (Pareto Optimality) في الموارد المائية المشتركة : • " أمثلية (أوكفاءة) باريتو (Pareto Optimality or Efficiency)"، تعني أن لا يوجد هناك اتفاق أخر – غير الأتفاق المنجز -- من شأنه أن يجعل كل الأطراف أفضل حالا . وفي اطار هذه المفاوضات ، يعني هذا "توازن المصالح" ، بحيث أن أي تغير في الأتفاق المنشود – عندما يتم الوصول اليه – قصد به جعل مشاطئ ما أفضل حالا ، سيجعل المشاطيء الأخر أسوأ حالا.
أين تقف المفاوضات الأن؟ في كلا مساري مفا وضات سد النهضة أو اطار عنتبي ، نجد نفسنا الأن فيما يسمي "بالجمود السياسي" ((Political Gridlock، والتعبير نستعيره هنا من علوم هندسة المرور، فالوضع التفاوضي الحالي أشبه بالوضع الذي ينشأ عند تقاطعات الطرق عند ازدحام المرور، عندما لا تستطيع المركبات التقدم للأمام وعبور التقاطع ، أو التراجع للخلف (!) بسبب دخول العربات -- المتلهفة للوصول لأهدافها -- للتقاطع المتزامن مع تغير اللون الي اخضر للعربات من الطرف الأخر، قبل ان تعبر الأولي التقاطع مما يؤدي الي توقف كل العربات عند منتصف التقاطع :المفارقة هنا ان هذه اللهفة تؤدي الي تعطيل الجميع بما فيهم السائق "المسرع" نفسه !
صعوبة المفاوضات الحالية بالمقارنة بمفاوضات مياه النيل السابقة: هناك أربع نقلات تسم مفاوضات سد النهضة واطار عنتبي الحالية وتميزها عن مفاوضات مياه النيل لعام1959 بين السودان ومصر ، مما يجعل المفاوضات الحالية أصعب مراسا: خروج المفاوضات الحالية من سعة الأتفاق الثنائي(Bilateral Agreements) كما في مفاوضات مياه النيل لعام 1959)، فالأتفاق الثنائي هو: الأكثر اتساقا مع مبدأ “السيادة الوطنية” و يوفر -- بمرونته تلك -- فرصا أوسع لتبادل المنافع المشتركة وتسوية مسائل الخلاف في السياق العام للعلاقات المتبادلة بين طرفي النزاع و يكون فيه الأتفاق عادة لفترة زمنية محدودة ودخول الأطراف المتفاوضة حاليا في ضيق ”الأتفاقيات متعددة الأطراف (’Multilateral Treaties) (كما الحال في مفاوضات سد النهضة أو طار عنتبي) ،فالأتفاقيات متعددة الأطراف هي عادة: ذات الهياكل الأكثر جمودا في بنيويتها والأطول استدامة و تنطوي علي التزامات متطابقة يجب القيام بها تجاه جميع الأطراف المتعاقدة، مما: لا يدع مجالا لتقييم فردي للحقوق ويصعب فيها تحقيق الموازنة بين التنازلات للغريم والمكاسب التي يمكن جنيها من أطراف متعددة ومتنافرة المشارب والمصالح وتزامن كل ما سبق مع التحول عن "دبلوماسية المياه" (Hydro Diplomacy، كما في مفاوضات عام1959) والتي عنت: بهيكلة النظام المائي للنهر وحصرت نفسها علي مستوي تعريف الأهداف المرجوة من الأتفاقية (Know-what) وتحديد المعرفة والدراية الهيدرولوجية (والهيدروليكية) المطلوبة للتشغيل الأمن للنظام الجديد الذي أطلقتة اتفاقية 1959 (Know-How) ثم ولوج الأطراف الي عالم ”تسيس قضية المياه“ (Hydropolitics) الدولي: والذي وظف أجندته لتوسيع نفوذه في المنطفة وتأجيج الصراع بين دول الحوض من خلال خلق تحالف غير منطقي يخدم أطرافا خارجية أكثر مما يخدم منتسبيه
تحليل عملية التفاوض: توازن القوي بين دول حوض النيل:
لكن ماذا يجعل موقف دولة ما أقوي في الصراع المائي التفاوضي مع الخصم؟ يمكن في هذا الصدد ان نذكربايجاز ستا من العناصر التي تشكل قوة الموقف التفاوضي لدولة ما ،علي سبيل المثال: المعرفة والخبرة متمثلة في : طبيعة البيانات المتوفرة للطرف المفاوض، توفررؤي واضحة لتطوير أنماط متعددة من التعاون المائي الخ توفر المهارات الفنية لدي الطرف المفاوض (الهيدروليكية --كهندسة تصميم السدود و قنوات الري وضبط النهر و توليد الطاقة الخ ، و الهيدرولوجيا -- كتقدير تدفق المجاري المائية والري والصرف الخ والخبرة العملية لدي الطرف المفاوض (كما تعكسها الأعمال الهندسيةالقائمة و الهادفة إلى تسخير النظام النهري)، سعة مدارك فريق الطرف المفاوض في قضايا مياه النيل: فمثلا ، في ورقته بعنوان"الترتيبات القانونية و المؤسسية لإدارة الموارد المائية"، يقول جون وتربيري42: "في موازانات الفرص الاقتصادية والاجتماعية والتكلفة وتحديد الميزة النسبية ، ينبغي أن يكون المفاوضون على دراية ليس فقط في: هندسة الهيدروليكيا / تصميم السد / قنوات التحويل / ضبط النهر / توليد الطاقة الهيدرولوجيا / تقدير تدفق المجاري المائية الهندسة الزراعية / الري والصرف / إدارة مستجمعات المياه القانون الدولي، ولكن أيضا في: تحليل التكاليف والمنافع" / بحوث العمليات".
و ويتنغتون (Whittington) و وتربيري (Waterbury) وماكليلاند( McClelland) 44 في ورقتهم بعنوان"من أجل التوصل إلى اتفاق جديد لمياه النيل"، كانوا قد أشاروا في هذا الصدد الي أن "المشاطئة من الأحباس العليا لديهم عدد قليل جدا من ذوي الخبرة الهيدرولوجية اللازمة )أو معرفة التاريخ من جهد إدارة مياه النيل ) للمشاركة بفعالية في أية مفاوضات15" (وليس) لديهم نماذج محاكاة محاسوبية تشغيلية لحوض النيل بمجمله ... التي يمكن استخدامها لفحص ... عواقب سيناريوهات مختلفة لإدارة (الموارد المائية) 15.. اضافة لما سبق ،فأن مما يجعل موقف دولة ما أقوي في الصراع المائي مع الخصم ، هناك أيضا: درجة التعقيد والحنكة في تطوير اجراءت تشغيل الخزانات (Reservoir Operating Rules) والسياسات المائية الناجعة الخ) واختيار الأستراتيجية الملائمة للمفاوضات ، والتي هي دالة (Function of) علي ميزان القوي علي الأرض والألمام "بقوانين المياه الدولية" وتلمس الدعم للموقف االوطني في ذلك"القانون" ( كما في حالة دول الأحباس السفلي) أو الأنكفاء علي مذهب السيادة الوطنية ( كما في حالة دول الأحباس العليا) والسلطة السياسية وتحالفاتها ونفوذها الأقليمي أو الدولي الخ... والموقع المؤثر في أعلي أحباس النهر في مقابل الحقوق المائية المكتسبة بسبق الأستخدام في أدني أحباس النهر الحظ الوافر من الطاقة في أعلي أحباس النهر— وهي ميزه نسبية تَمَحَّقَ وتتاكل مع كل سد تفتتحه أثيوبيا مثلا --- في مقابل الحظ الوافر من السعة التخزينة في أدني أحباس النهر وهي ميزه نسبية تربو مع كل سد يشيده السودان او مصر! الوفرة في 'الأراضي الصالحة للزراعة في أدني أحباس النهر ، في مقابل الوفرة المائية في أعلي أحباس النهر
هذا التباين التكاملي بين مصالح الأحباس العليا والسفلي يستدعي الي المخيلة نموذج "التزاوج الممتام"، الذي يسم كل مناحي الحياة كسنة ربانيىة، ويمكن له أن يكون المحرك والحافز القوي الذي يدفع بالمتفاوضين في المفاوضات الحالية لأستثماره بتركيز الاهتمام على المكاسب المحتملة المشتركة لكل الأطراف: اذا فمفتاح "حل المشكلة" هو أن يستشف كل مشاطئ أين تكمن مصالح الطرف الأخر الحقيقية ثم ينسجها بابداع خلاق في صلب مصالحه وصولا الي اتفاق المنافع المتبادلة المنشود! سنعود لهذه النقطة بالتفصيل في الفصل المخصص للحلول والتي سنتطرق فيها بالتفصيل --ان شاء الله-- لأليات كسر الجمود الحالي:(ك"توسيع الفطيرة" ، التعويضات ، التنازلات المتبادلة-Logrolling-، خفض التكاليف ، "التجسير"-Bridging)الخ
الجانب السلوكي في اتخاذ القرارات: النهج التنافسي في مقابل النهج التعاوني -- توازن القوي أم توازن المصالح؟ o " لا علاقة للسياسة بالأخلاق"! (نيكولو مكيافيلي) o "وأؤكد أن مبدأ مكيافيلي هو أكثر وجودا اليوم مما كان عليه قبل أربعة قرون"! (بنيتو موسوليني) o "في السياسة ليس هناك شرف وليس هناك ما هو جدير بالأزدراء " ! (بنيامين دزرائيلي)
علامات التعجب عاليه – لمن فاته ادراكها – تشيء بذَمَّنا لمثل هذا السلوك الذي وسم بعض مواقف الأطراف في النزاع ، ومظاهرالجمود الحالي في المفاوضات الثلاثية (Gridlock) ، يمكن فهمها من خلال نموذجي المفاوضات المتاحين ، فأية مفاوضات تتراوح سلوكيا بين قطبين: النهج التنافسي ( (Competitive Approach ، والذي يري: "المباراة صفرية" ، Zero Sum,Win-Lose) المصالح متضاربة والموارد محدودة ، فينبغي اقتسام "القيمة" الموجودة. الأستراتيجيات الغالبة في هذا النهج تشمل: • المناورة والمساومة (Bargaining) • الإجباروفرض الأمر الواقع، • و حجب المعلومات هذا – اذا -- هو "نموذج التخاصم" السائد حاليا والمدفوع بميزان القوي المائل ظاهريا بقوة لمصلحة دول الأحباس العليا ، وفيه يتصور البعض أن المشكلة هي في تصادم المصالح ، لينخرط في "المساومة" (Bargaining) و"التنافس الأستلابي" ( Predatory Competition) الذي اتسم بثلاثة سمات غير خافية للعيان: • أولا :تكتيكات التحكم في المفاوضات: في بنود جدول الأعمال و في التوقيت الخ • وثانيا: تكتيكات الضغط: كمفاجأة الخطوة الصادمة علي الأرض ،لفرض الأمر الواقع • وثالثا :سياسات "فرق تسد "للخصم المتحالف الخ ولهذا يتم التحدث عن "حل النزاع" – لا "حل المشكلة" ، و سنأتي – ان شاء الله -- بالتفصيل لاحقا لتحليل ميزان القوي بين الطرفين النهج التعاوني : (Collaborative Approach)والذي يري: فوز الطرفين معاWin-Win (Non-Zero) Game وأن المصالح ليست بالضرورة في صراع وأن الموارد متغيرة ويمكن خلق "قيم" (موارد) اضافية بحيث يغادر كلا االطرفين المفاوضات وهو يشعر بأن لدية "قيمة" أكبر من ذي قبل والأستراتيجيات الغالبة في هذا النهج تشمل: • التعاون، • تقاسم المعلومات، • والمشاركة في حل المشاكل.
اذا، فالمقاربة البديلة "للنهج التخاصمي" السائد حاليا تتمثل في "نموذج الحوار" (النهج التعاوني) ، الغائب الأن والذي يحركة تقدير احتياجات الطرف الأخر و"توازن المصالح" (لا توازن القوي) ،وتكافؤ أطراف الحوار ، فالعطشي "تتكافأ دماءهم" أيا كانوا (قياسا بالحديث الشريف) ، لينخرط الجميع في"حل المشكلة" من خلال تبادل المعلومات بشفافية كاملة وطرح مشاريع التعاون المشترك ، اذا نحن نقول أن التفاوض هنا – كالقانون في تعبير الفقيه فازنبيرغ— ينبغي أن يكون ممارسة (تمرين) لأرساء استقرار النظام المائي لحوض النيل لعقود قادمة ، ولا غرو فالمتشاطئة من دول الأحباس السفلي (السودان ومصر) ، لكي تتمكن من أدارة أنظمة الري في بلديهما ، هما في حاجة ماسة -- في جميع الأوقات -- إلى معرفة تدفقات المياه النازلة من الأحباس العليا من حوض النيل،وكيف تعمد دول تلك الأحباس (أثيوبيا ويوغنده وجنوب السودان الخ) الي تعديل هذه التدفقات عن طريق قوانين تشغيل خزاناتها (كخزان النهضة) وسحب المياه للري ، وها هي مصر – في اجتماعات "الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل " (في فبراير2014) ، تطلب: "تزويد الهيئة بالموازنات المائية لسد (تكيزى) الإثيوبى المقام على نهر ستيت-عطبرة وطريقة تشغيله والتصرفات المائية الخاصة لإنتاج الطاقة الكهربائية وحجم الطاقة المنتجة بالفعل وتوقيتاتها". ومناقشة " إنشاء السودان سدين على نهرى عطبرة وستيت ، ونتائج تعلية خزان الروصيرص، التى تتم وفقاً لاتفاقية1959 "(موقع الفجر 16-2-2014)
هناك أربع ثقافات ومناهج عمل (معالجات) مختلفة لمقاربة قضية مفاوضات حوض النيل الجارية حاليا، فهناك: المنحي السياسي (Hydropolitics) المنحي الدبلوماسي(Hydrodiplomacy) المنحي القانوني المنحي الفني -- ارجاع القضية للفنيين (Know How)
مناهج العمل هذه بعضها شبه معطل حاليا ، وبعضها ملتبس وبعضها أفتي فيه "بلا هدي ولا كتاب منير " ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ) رواه البخاري ومسلم ، وقال سحنون بن سعيد : "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما ، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه"، وقال مالك : من فقه العالم أن يقول : " لا أعلم " ، قال ابن أبي أويس : "سئل مالك عن نيف وعشرين مسألة فما أجاب منها الا في واحدة … ويقول في الباقي لا أدري"، وقال الشعبي : " لا أدري " نصف العلم ، ونحن هنا سنتناول فرز بعضا من جوانب هذا الخلل علي ان نتمه في الحلقة القادمة ان شاء الله
المنحي السياسي :هل هذا النزاع في جوهره "سياسي"، وبالتالي اخفاق المفاوضات مرده الي ضعف أو غياب مثل هذه المقاربة؟ دعنا نبدأ بما هو مطلوب: أركان السياسة االمنهجية والإبداعية المائية المطلوبة: أركان أو عناصر مثل هذة السياسة المفقودة حاليا ، تتمثل في : صياغة أهداف واقعية للموارد المائية تحديد القضايا والعوامل المؤثرة عليها تحليل قضايا ومعلومات المياه ، بما في ذلك تقييم: • أهداف (نوايا) المتشاطيء الأخر— وفق عقيدة تكون عملية وفنية وتكتيكية ومبنية علي نوايا المتشاطيء الأخر • قدرات المتشاطيء الأخر على تحقيق تلك الأهداف -- انطلاقا من عقيدة محافظة واستراتيجية ومبنية علي ما يستطيع المتشاطيء الأخر القيام به واعتماد أحد الفلسفتين (المنهجين) عاليه، حسب مقتضيات الحال صياغة عدة خطط عمل تقييم خطط العمل تلك و اختيار الأفضل ، مع اختيار وسائل (أدوات أو قنوات) تحقيقها (على سبيل المثال "التعاون الإقليمي"، "الأمن المائي الجماعي" الخ) وضع "خطة عمل" (Game Plan)، أي استراتيجية لتحقيق تلك الأهداف
الأخفاق الواضح هنا تمثل في تسيس الماء وفي عدم ادراك البعض أن النظام العالمي ليس سياسي فقط: بل هو يشمل أيضا أنظمةعالمية راسخة للمياه والبيئة والهواء والنقل البحري، والاتصالات، تسيس الماء: من االممكن القول إنه، خلال النصف الثاني من القرن العشرين،تم احلال التكنولوجيا أولا، ثم الدفع ب "الماء المسيس" موخرا ، الي بؤرة اهتمامات السياسة والعلاقات الدولية . بعض الأهداف السياسية العريضة التي يسعى حملة راية "الماء المسيس" الي تحقيقها تشمل : توسيع رقعة التأثير الوطني علي المجال الحيوي للقطر اكتساب مزايا وطنية علي حساب دول الجوار زيادة القدرت الفنية الوطنية في مجال المياه اعلاء شأن المردود السياسي من "التحكم الوطني بالسدود" ، كما في حالة السد العالي فيما مضي، و"التحكم الوطني بالمياه المشتركة" –وهو الأخطر وقعا علي دول الجوار- كما في حالة سد النهضة حاليا ، اعلاء شأن ذلك المردود السياسي علي العقلانية الجماعية (Collective Rationality) لدول الحوض المتمثلة في تقليص فاقد التبخرمن الخزانات وفق ما يمليه مبدأ "الوحدة الهيدرولوجية" لنهر النيل، عند توطين السدود !
تحالفات حوض النيل بين مفهومي "الجغرافيا السياسية" و"السياسية الجغرافية الطبيعية" :
• "الجغرافيا السياسية" (Political Geography) تقدم التفسير الجغرافي الثابت (Static) للسياسية وهي مرتبطة بالجوار ، وبالبنية السياسية لدول الجوار ،و لأنها تعاني من"الميوبيا" (قصر النظر) فهي تبقي عيناها مركزة على مشهد" ما بعد الأحداث "الثابت ! أما "السياسية الجغرافية الطبيعية" (Geopolitics) ، فهي تعبير ابتدعه رودولف كيلين (Kjellén)، لتحليل الدورالأستراتيجي و العلاقات السببية بين الحيز الجغرافي والتاريخي و العلوم الاجتماعية (حيث الموقع والحجم) والسلطة السياسية ( أيضا من حيث الموقع والحجم) ، و الموارد ، وتمثل التفسير السياسي الديناميكي للجغرافية وهي معنية بالنظام “الجيو –سياسي" وديناميكيته ، أي بجماع علاقات ومصالح الأطراف الفاعلة في السياسية الدولية ، ولأنها تتسم ب" بالهايبرمتروبيا (مد النظر) فعيناها متعلقان "بالكرة المتحركة" أمامها على نطاق المنطقة والفضاء و العنصر الجغرافي وديناميكيتة ،دون أن يغيب عن بصرها مشهد ما" قبل الحدث"وتداعياتة المتغيرة والماثلة أمام عينيها! • اذا ، يمكن القول مما سبق، أن" الجغرافيا السياسية " (Political Geography)- و ليس "السياسية الجغرافية الطبيعية" (Geopolitics)، مع قصرنظرها ،هي التي تفسرتحالف أثيوبيا مع البلدان الاستوائية، رغم وجودها في منظومة حوض النيل الشرقي !وهي –أي افتراض ان أثيوبيا منطلقة من دوافع "جيو- سياسية"(Geopolitics)، كان أيضاأحد افتراضات دول الأحباس السفلي الخاطئة التي أدارت بها مفاوضاتها مع أثيوبيا ، حتي الأن ، لينتهي بها المطاف الي المأزق الحالي!
هشاشة التحالفات المائية :
"لا علاقة للسياسة بالأخلاق"! (نيكولو مكيافيلي) "وأؤكد أن مبدأ مكيافيلي هو أكثر وجودا اليوم مما كان عليه قبل أربعة قرون"! (بنيتو موسوليني)
• في عام 1985 ، كشف كتاب أمريكي أن"إثيوبيا وافقت على التفاوض مع مصر بشأن (اعادة) توزيع (أنصبة) مياه النيل إذا تخلت مصر عن "اتفاقية (مياه النيل لعام) 1959 " (لكن)"! "مصر رفضت "!43
ويبدوأن أثيوبيا الأن قد نجحت في مسعاها ، جزئيا ، ولكن مع السودان لا مصر–— غير أن هذا الأمر ينبغي أن يعيد الي المخيلة عبرة "أوبرا بوتشيني" المسماة "لا توسكا" وبطلاها الفتاة "توسكا" ورئيس الشرطة، والتي توضح أوجه القصور في التفكير الاستراتيجي الفرداني : فمن شاهد أو قرأ القصة و"أسقطها" علي حال مفاوضات مياه النيل الحالية ، سيصل الي قناعة الي أن المطلوب في مثل دبلوماسية المياه – كما في فاجعة "توسكا" و"رئيس الدرك"المأساوية-- أكثر من حساب المرء لمكاسبه الشخصية حصريا ، إذا كان سيتم الوصول الي أفضل القرارات للجميع ( أقرأ هنا " البقاء معا علي قيد الحياة")! فالعبرة المستقاة من تلك الأوبرا أنه "لا يمكن اقناع كل من "توسكا" و"رئيس الشرطة" بصورة فردية ، بأن من "حفر حفرة لأخيه وقع فيها " : فقط حجة موجهة إلى كل منهما (وفي نفس الوقت) لديها القدرة للوصول الي عقليهما ، أي أن العقلانية الجماعية (Collective Rationality) وحدها فقط هي القادرة علي اقناعهم بتجنب فخ اغراء التحالفات التي تتجاهل مصالح الشريك الطبيعي!"— ف " كَما تَدينُ تُدان" ! وبالمقابل، فان هشاشة التحالفات المائية –في ظل التصويت بالأغلبية—(Majority Rule) ، كما تصر علي ذلك دول الأحباس العليا: o تعمل علي تأطير عملية صنع القرار في ثنائية ”المباراة الصفرية“(Zero-Sum, Win-Lose Game) o وتتجاهل احتمالات الحلول الوسطي أو تبادل المنافع o وتؤدي الي تشجيع بناء التكتلات و التحالفات الهشة o وتؤدي الي ”ظاهرة ”طغيان الأغلبية“ (Tyrany of the Majority)
اذا ، فحين ظن مفاوضو السودان ومصر أن تلك التنازلات عن مبدأ الأجماع ومبدأ الأخطار المسبق ستسهل الوصول لأتفاق مع دول الأحباس العليا ، أفضت تلك الخطوات الي: فقدان آلية فض النزاع بطريقة "حبية"- بحيث لم يبقي الا الصراع ، والصراع المفتوح علي كل الأحتمالات ! غياب توفر توجيه (هدي أو ارشاد) لدول الأحباس العليا – كأثيوبيا — بشأن كيفية المضي قدما بالأستغلال المشروع (القانوني) للاستفادة من المياه في أراضيها دون الأضرار بمصالح المتشاطئة الأخرين،وذلك بسبب الصياغة الغامضة لقانون المياه الموضوعي اذ لم يبقي في الساحة الا هذا القانون الملتبس اطلاق العنان "لتنافس افتراسي" (Predatory Competition) لا تحكمه أي ضوابط قانونية واضحة، ويجادل فيه الجميع ب "لَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ" ،
وربما يكون تغييب هاتين المبدأين قد سد الأن الطريق أمام الحل السلمي، ولو الي حين :فالوضع أشبه بألغاء قوانين لعبة الكرة في مباراة تنافسية حامية ، أو الغاء قوانين المرور وقت الذروة ! وللقاري الكريم أن يتخيل ماذا سيحدث في الحالتين ، دعنا نرفد القضية ببعض الحيثيات:
ففوق ماتقدم، نقول بأن من ينشد الأجابة علي السؤال المطروح علي الساحة حول أسباب أخفاق جولات المفاوضات العديدة السابقة -- حول سد النهضة أو اطار عنتبي-- في الوصول الي توافق بين أطراف النزاع ، عليه أن يتحري أيضا، بجانب مدي "وضوح المنهج التفاوضي الأمثل لمقاربة هذا الملف" الذي أشرنا اليه: • مدي وضوح القيم الأكثر أساسية التي قد تحرك الأطراف بعيدا عن "المفاوضة المؤسسة علي المواقف " الي "المفاوضة المؤسسة علي الفائدة المستدامة" • ضيق تصور فضاء الحل (مثلا تبادل المنافع في الصناعة الخ) • مدي قدرة الأطراف المتفاوضة على التكيف مع المعلومات الجديدة ( فالصراعلت المركبة كصراعات مياه النيل ، والتي تميل إلى أن تكون دينامية على مر الزمن، على سبيل المثال النقلة المعرفية من : o "الهيدرولوجيا الكلاسيكية" ، والتي تفترض أن قياسات المناسيب المائية والأيرادات ، صالحة احصائيا ، لأنها نتاج ظروف طبيعية ثابتة—علي المدي البعيد— الي: o الهيدرولوجيا الجديدة“والتي تري أن البيانات السابقة لتصريف النهر أصبحت غير موثوق بها ، بسبب: التدخلات البشرية وتأثيرها علي الأنسياب المائي تغير الأنماط المناخية وبالتالي، فان العلاقات القديمة (مثلا بين كثافة وتوزيع الأمطار والتبخر واستجابة النهر ، الخ ) لم تعد قائمة ولا ينبغي أن يعتد بها ، وعليه فان الأمال العراض المعقودة الأن علي الكثير من الخيرات الأتية مع سد النهضة “ستبقي عبثا "في انتظار غودو " ” لأنها مشروطة بأمور قد لا تتأتي أبدا، "كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ" (النور39) ، كما سنبين ذلك من ناحية فنية -- وبالتفصيل -- لاحقا ان شاء الله • استحضار واستذكار تضاريس الساحةالعلمية والقانونية والمجتمعية التي تلقي ظلالها علي المتفاوضين • كيفية معالجة الأطراف لقضايا عدم اليقين (العلمية والتقنية والاقتصادية والسياسية الخ) ، على سبيل المثال: التفاوتات في التدفقات النهرية ( (High Variance of Streamflow أمال التوسع في تطوير مشاريع الري والزراعة مخاوف التلوث وتدهور جودة المياه السطحية و الجوفية النمو السكاني المتسارع في حوض النيل الخ • العدالة والإنصاف -(Equity) – "رحم الله امرأ سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى"، كما جاء في الحديث الشريف: • أقرار الأخ "الأعلي حبسيا" بوجود أضرار محتملة وبالغة بمصالح الأخوة المتشاطئة في أدني الأرض– بل بوجودهم -- وتصور حلول ناجعة لدرء تلك المخاطر • الأخد بعين الأعتبار لدي الأخوة "الأدني حبسيا" وحساسيتهم لموقف جمهور الغريم "الأعلي حبسيا" (ناخبية ومجموعات الضغط لديه) ، وهو "بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ " لمفاوضيهم ، وادارة الغريم لتلك الضغوط المجتمعية عليه (Constituency Management)
• وأهم هدف لمخرج المفاوضات المأمول - كما أشرنا عاليه – هو أن تتحقق فيه— بقدر الأمكان " أمثلية (أوكفاءة) باريتو (Pareto Optimality or Efficiency)"، بمعني أن لا يوجد هناك اتفاق أخر من شأنه أن يجعل كل الأطراف أفضل حالا ، ويعني هذا الأدراك في معناه العريض "توزيع الموارد بحيث يكون من المستحيل أن تجعل أي طرف أفضل حالا من دون أن تترك الطرف الأخرأسوأ حالا". وفي اطار هذه المفاوضات ، كما يعني هذا الأدراك "توازن المصالح" بحيث أن أي تغير في الأتفاق المنشود – عندما يتم الوصول اليه -- ليجعل مشاطئ ما أفضل حالا ، سيجعل المشاطيء الأخر أسوأ حالا.
معاهدة وستفاليا لعام 1648 ، التي أنهت "حرب الثلاثين السنة"في أوربا، لم ترسي فقط مفهوم "الحدود الطبيعية الثابتة" للدول ، وواجباتها والتزاماتها، بل أرست أيضا عقيدة "ميزان القوي" السياسي ، الذي يلزم الدول بقبول ضبط النفس في تراكم السلطة لتجنب استفزاز الآخرين لتحقيق استقرار النظام السياسي الدولي ، وقد لعبت هذه العقيدة دورا بارزا في تجنيب تلك الدول الحروب الكارثية في القرن التاسع عشر باسقاط هذا المبدأ علي نزاعات المياه في حوض النيل ، يمكنا تصور "ميزان للقوي المائية "(Hydro-Balance of Power) بنفس أهداف ميزان القوي السياسي لكنها تقرأ بمفردات مائية ، أي أن "تلزم كل دول الحوض بقبول ضبط النفس في تراكم “السلطة المائية” لتجنب استفزاز المتشاطئة الآخرين وذلك لتحقيق استقرار النظام المائي والسياسي في الحوض، علي ان تكون وظيفة والية ذلك كالتالي: الحفاظ على حقوق المياه و المعاهدات فتجاهلها ينبئ عن ذاكرة مثقوبة! احتواء توسعية المشاطئ الذي قد يخطئ حساب قدراته في مقابل شركاؤه الأخرين في الحوض اعلان منع النزاعات المسلحة في الحوض بسبب المياه " بسط مظلة من "الأمن المائي الجماعي " مثل تلك التي تمنحهاالتنمية المائية المتكاملة والمستدامة للحوض كبديل للتحالفات والتكتلات السياسية الهشة التي لا صلة لها بهدف الأمن المائي!
مواقف الأطراف حاليا من وجهة نظر خبراء الري (والدبلوماسيين) السودانيين: "أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (البقرة 61): "الرأي نائم والهوي يقظان ، فمن هنا يغلب الهوي الرأي" (عامر بن الظرب)
تقيم وجهة نظر خبراء الري والدبلوماسيين السودانيين تم عرضه في دراستين لهذا الكاتب ، • الأولي بعنوان : "أساطير وحقائق: هل فوائد ومخاطر سد النهضة المزعومة حقيقية؟" ، • والثانية بعنوان :"مأزق السجين" في العلاقة المائية الثلاثية بين أثيوبيا والسودان ومصر-- قراءة فاحصة لندوتي الجمعية الهندسية و مركز الدراسات الأفريقية : هل السودان ومصر مدعوان الي لعبة "روليت روسية" ام مخاطر سد النهضة مقبولة؟" ولأهمية هذا الأمر، سنفرد له حلقة كاملة - ان شاء الله - "في شهادتي للتاريخ"، وبتوسع أكبر في الجانب الفني خاصة ، مما جاء في تلك الدراستين والملفت للنظر هنا في الجانب الفني هو الغياب شبه الكامل لمهندسي المياه عن حوارات سد النهضة واطار عنتبي الأسفيرية ، بل وحتي الورقية منها ، علي النقيض من الشفافية الكاملة التي تسم روصفائهم في شمال الوادي ، كما هو بائن في الفقرات التالية ، ولولا تلك الندوتين ما كان لجمهرة الأكادميين خارج دوائر السلطة معرفة موقف السودان الا عند اذاعته عبر وسائط الأعلام ،ان تم ذلك ، وهو وضع قمين بأن يسمح للقلة ذات الحظوة – بسبب احتكارها للمعلومة التفاوضية -- بتطوير خيارات قد لا تخدم الا أهدافها ، أو نفي جدوى خيارات لا تروق لها ،والهمس بها في أذن صاحب القرار بعيدا عن التمحيض الموضوعي من قبل الأكادميين المحايدين ، في قضايا مصيرية لا تهم هذا الجيل فقط ، بل وكل أجيال السودان القادمة – ما بقي من السودان شئء! أو رؤية السياسة المائية (Hydro-politics) من خلال "بريزم" (أومنظار) " جيو -سياسي" افتراضي (Geopolitik” Prism) لم يكن له وجود في خيار أثيوبيا لأستراتجيتها المائية حسب ما حسبت خطأ دول الأحباس السفلي ، مما دفع بهم الي خيارات مبنية علي تأثير العوامل “الجغرا - سياسة” الظرفية (اللحظوية ) ، بدلا من المقاربة "التكنو سياسية" (Techno-Politics) المستدامة وبالتالي السقوط في شراك"الريال- بوليتك"( Real Politics)، حيث تقع الدولة في فخ التضحية بمصالح الموارد المائية الأسترتيجبة لأهداف السياسة الخارجية التكتيكية !
مواقف الأطراف حاليا -- من وجهة نظر الخبراء المصريون:
في 12-11-2013 وبعد المباحثات التي جرت في الخرطوم وانتهت بتأجيلها، لخص الدكتور نصر علام وزير الري المصري الأسبق، المطالب المصرية وفق رؤيته ، لـ"بوابة الأهرام": في الأتي، ونحن نوردها هنا لأننا سنتناولها بالتحلل في الحلقات القادمة: "تخفيض السعة التخزينية للسد "والتوافق حول سياسات تشغيل السد في أوقات الفيضانات والجفاف و"يتم أخذ الضمانات الكافية حول السلامة الإنشائية للسد واحتمالات انهياره، "ووقف إنشاءات السد حتى يتم الانتهاء من التفاوض مع وجود فترة محددة للتفاوض لا تزيد على 6 أشهر. "وأن تتكون لجان التفاوض من ممثلين وطنيين وخبراء دوليين وأن تكون قراراتها ملزمة للدول الثلاث، والاتفاق على اليه لفض المنازعات إذا اختلفت الدول الثلاث حول نتائج اللجنة و"أنه في حال فشل تلك المفوضات ستكون هناك سيناريوهات من جانب الحكومة المصرية وجاهزة للتعامل مع ملف سد النهضة "، ثم أضاف: "أن ... المعتقد لدى السودانيين هو أن سد النهضة هو مشروع ذو فائدة كبيرة لهم ويوفر لهم الكهرباء فضلا عن تقليل عمليات الاطماء التي يعانون منها، وأنه ليس أمامهم سوى الموافقة عليه” . بينما أشار الدكتور نادر نور الدين أستاذ التربة والمياه بزراعة القاهرة ... الي : حصول (السودان) على وعود من اديس ابابا بمنحهم 2000 ميجا وات بربع ثمنه، "وإن بناء سد النهضة سيمنع عن (ه) الفيضان والطمي ـ حوالي 10 ملايين طن ـ و" أن السودان تحاول أن تزيد من ارتفاع خزان الروصيرص حتى تكون سعته 10 مليارات متر مكعب بدلا من 7، (وهي معلومة – ان صحت – لم يتفضل بها مسؤل سوداني علي مواطنيه) ، ثم أضاف مؤكدا: " أن اتفاقيات مصر مع السودان في 1959 تطالبها بالوحده، وهو ما سيتأثر في حال تقربها من إثيوبيا وتلغي معها الاتفاقية" (الأهرام12-11-2013)-- انتهي وأشار الكاتب اسامة عجاج الي أن " السودان عاد إلى ممارسة نشاطه في إطار مبادرة حوض النيل(وهذه أيضا معلومة – ان صحت – لم يرد ذكرها في وسائط الأعلام السودانية) ، على الرغم من الموقف السابق الذي كان يجمع البلدين بتجميد النشاط، بعد توقيع ست دول على اتفاقية عنتيبي، كما أن هناك جمودا في اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لمياه النيل منذ عام، بسبب الاعتذارات من الجانب السوداني، وهو ما يعطل الاتفاق على سبل التحرك المشترك على المستوى الفني" (صحيفة العرب –القطرية 2014 02-13) انتهي وفي (16- 2- 2014 ) في فضائية دريم2، قال الدكتور شوقي عبد العال أستاذ القانون الدولي بكلية الأقتصاد والعلوم السياسية أن (السودان) "يطالب بأكبر كمية من كهرباء ...السد، مما يدعم بناء السد فضلا عن جدواه الاقتصادية، وذلك بدلا من مقاطعة كهرباء هذا السد في حال عدم تراجع إثيوبيا عن السعة الضخمة لهذا السد، والغريب في الأمر أن تخفيض سعة سد النهضة لن تؤثر على كميات الكهرباء التي سوف تحصل عليها السودان، وفى نفس الوقت سيقلل الأضرار على مصر وعلى السودان أيضًا.”انتهي | ولاحقا قال "وزير الموارد المائية والري المصري لـ الأهرام عن أن مصر لن تحضر أو تشارك في أي اجتماعات جديدة خاصة بسد النهضة إلا بعد التأكد من وجود مبادرات جديدة تتماشي مع التوجه والرؤية المصرية”. " وأشار إلي أن مصر ستتوجه إلي المسارات الأخري، وسيتم اتخاذ خطوات وتحركات منها سياسية ودبلوماسية وغيرها سيعلن عنها في حينها للحفاظ علي حصة مصر المائية بل وزيادتها"..انتهي "وقال الدكتور علاء الظواهري عضو اللجنة الثلاثية لسد النهضة وخبير السدود "إن مصر تحتاج لتدويل القضية علي جميع المستويات واللجوء إلي المنظمات الدولية ..., و إلي المحكمة الدولية بالرغم من ..إن إثيوبيا ودول المنبع لن تقبل باللجوء للمحاكم (سنوضح خطل فكرة المحكمة الدولية لاحقا – حتي لو قبلت هذه الدول بمثل هذا التحكيم!) وذلك بعد التعنت الأثيوبي الشديد” (الأهرام العدد 46419) " (البوابة 18-2-2014) انتهي
و من جانب أخر، لخصت الكاتبة المصرية أسماء نصار موقف اثيوبيا في تلك الجولة كالتي: "ترفض أثيوبيا الآليات التى وضعتها السودان ووافقت عليها مصر لتشكيل لجنة لمتابعة الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والهيدرولوجية لسد النهضة" ".و...تصر على قصر تشكيل اللجنة على 12 خبيرا محليا من الدول الثلاث، ...، ورفضت مقترح إضافة استشاريين وخبراء دوليين وهو المقترح الذى توافقت عليه كل من مصر والسودان" "ويبحث الوزراء... التوصل لصيغة... تشمل ... اكتفاء ... أديس أبابا بتنفيذ المرحلة الأولى من السد لتخزين 14،5 مليار متر مكعب، لإنتاج طاقة كهرومائية حوالى 1200 ميجاوات" )اليوم السابع (12-10-2013 انتهي
المنحي الدبلوماسي: هل حل هذا النزاع في المقام الأول "دبلوماسي "، وبالتالي اخفاق المفاوضات مرده الي ضعف أو غياب مثل هذه المقاربة؟ والدبلوماسية – كما هو معروف - تنطوي على موازنة المنافسة مع التعاون— وهذا موضوع سنتناوله في حلقة قادمة ، ان شاء الله
غير أن الدارس لصراعات الأطراف المتشاطئة في حوض النيل ، سيقف به الرأي في دعوي الحقوق المائية الناشئة في نطاق معاهدات المياه الدولية الي أن: دول الأحباس العليا تتبني عادة نظرية “التدفق الطبيعي” Natural Flow Doctrine)المنبثقة من" القانون العام" (Common Law) و السائدة في شرق الولايات المتحدة ،والتي يمكن مقارنتها في "قانون" المياه الدولى "بمذهب هارمون" من السيادة الإقليمية المطلقة (The (Harmon) Doctrine of Absolute Territorial Sovereignty) وأن دول الأحباس السفلي تستدعي في محاججا تها عادة مبدأ "الحقوق المكتسبة بأسبقية الأستخدام” Appropriation Principle ) (Prior والمبثقة عن القانون التشريعي الأمريكي ، و يعادلها في القانون الدولي مبدأ "سلامة الأراضي المطلقة " AbsoluteTerritorial Integrity Doctrine)) لكن كلا الدعوتين تعتبران "مواقفا متطرفة" في نظر ما يحسب "كقانون دولي" للمياه ، حيث يتم الان على نطاق واسع تقديم فكرة تقاسم الموارد علي أساس مبدأ "الاستخدام العادل والمعقول" “Equitable & Reasonable Use كهدف أمثل للقانون الدولي ! . لكن موارد المياه السطحية -- كمياه النيل --هي "مجمعات مشتركة" (Common Pool Resources ، مثلها في ذلك مثل موارد المحيطات و الترددات الراديوية العالية ، والطيف المداري المتزامن (Synchronous) Orbit Spectrum ، وهي بذلك قابلة أن تطالها لعنة ما يطلق عليه “تراجيديا العموم" (Tragedy of the Commons ) حيث يدفع الجشع و"المنافسة المفترسة" والخشية من نفاد تلك الموارد أو سبق الأخرين اليها ، الأطراف المشاركة للأستغلال المفرط لتلك الموارد وانهاكها ونضوبها المبكر ، بل والي النزاعات والحروب بسببها كما أن مياه الأنهار (الدولية ، كنهر النيل) هي أيضا “موارد شاردة” (Fugitive or Migratory Resource ، يصعب ابقائها في مكانها تحت اليد وقد عبر عن ذلك الفيلسوف اليوناني هرقليطس بالقول" انك لا تستطيع أن تستحم في النهر مرتين“ ، فالنهر الجاري –كما يقول وحيد الدين خان (في كتابه " الأسلام يتحدي"1979) "لا نجد فيه نفس الماء الذي كان يجري فيه منذ برهة ، لانه لا يستقر ومع ذلك فهو نفس النهر ولكن الماء لا يبقي بل يتغير" انتهي، (فمثلا تتراوح اقامة "مياه النهر" المؤقتة في نزلها من مجري النهر في حدود اسبوعين ، وكذلك شأن "المياه في الغلاف الجوي" التي لا تمكث في نزلها لأكثر من عشرة أيام ، "والرطوبة في التربة" التي تبقي في الأرض من اسبوع الي سنة، و"مياه البحيرات" والتي تمتد اقامتها من أيام الي سنين، و"المستنقعات" -- كمنطقة السد في جنوب السودان-- حيث لا يستقر الحال بالمياه في نزلها أكثر من سنين عددا. وأما "موارد المياه الجوفية" --العابرة للحدود او المقيمة --فهي الأطول بقاءا، حيث تتراوح اقامتها من بضع أيام الي عشرات الألاف من السنين). ونتيجة لخاصتي "المشاركة" و"الشرود" ، فان نزاعات أحواض الأنهارالدولية غدت احد أبرز مهددات السلم العالمي اذ أن نظم انسياب تلك الموارد المائية هي واحدة من تلك التقنيات التي لا تحترم الحدود الوطنية وأحد أدوات تقويض سيادة الدول : "ضرب الله مثلا فيه شركاء متشاكسون ، ورجلا سلما لرجل ، هل يستويان" (الزمر29) (أي هل يستوي من يملكه شركاء وهو بينهم موزع ، لا يستطيع أن يرضي أهوائهم المتنازعة ، ورجلا أخرا يملكه سيد واحد ، فهو مستقر علي منهج واحد؟)
وجميع هذه الموارد لا تملكها بلدان منفردة ، و إذا امتلكت، لا تنفذ فيها حقوق الملكية الحصرية علي عكس ما جاء في افادة وزير الموارد المائية الأثيوبي حين قال: “85 من مياه أثيوبيا“(!) ترفد النيل حيث يبدأ الأخرون (بعد ذلك) ملكيتها“(!) ” من يستطيع أن يملي علي أن أستخدم ما في منزلي“(!) ” من حقي الشرعي أن أتحكم في ما في فناء منزلي“(!) “ انتهي (قناة الجزيرة 29-6-2010Asfaw Dingamo) وذاك هو مبدأ السيادة الإقليمية المطلقة (Harmon) Doctrine of (Absolute) Territorial Sovereignty الذي ساد في القرن التاسع عشر ! حين حاجج به "هارمون" النائب العام الأمريكي في نزاع بلده مع المكسيك حول نهر ريو غراندي، والمبدأ يزعم بأن "الدولة لديها حقوق السيادة المطلقة للمياه التي تتدفق على أراضيها، ومع عدم وجود المسؤولية القانونية عن أي ضرر يلحق بدول أخرى " وهو مبدأ قد عفا عليه الزمان الأن!، أما بالنسبة للقول بأن "85 من مياه أثيوبيا“(!) ترفد النيل" ، نستدعي هنا الدراسة التي قام بها هذا الكاتب وأثبت فيها : إن السودان حتي بعد نيفاشا - يرفد النيل ب 25 مليار م3 من ايراده البالغ 91 مليار م3 ويرفد النيل الأزرق ب %31 من مياهه بأن هذه ال% 85 التي تنسب لأثيوبيا وفق "الهيدرولوجيا الكلاسيكية الكمية ، مبنية علي فرضية أن الجريان السطحي المباشرDirect Runoff or Precipitation Excess ، يتكون حصريا من الجريان البري السطحي ، وهي – أي هذه ال 85 % -- في حسابات "الهيدرولوجيا الجديدة" تتضمن اسهام السودان ! فليس كل الأحواض التي ترفد النيل الأزرق تقع في اثيوبيا ، بل يتقاسمها معها السودان بشقيه ، فالنيل الأزرق والرهد والدندر وعطبرة ونهر النيل ، هي أنهر جل نزلها في الأرض السودانية : فمثلا نجد أن 44% فقط من حوض سوباط (حوض نهرBaro) تقع في أثيوبيا و56 % من حوض سوباط تقع في السودان (حوض نهري أكوبو Akoboوالجزء من السوباط داخل السودان بشقيه) وهذا يجعل اسهام أثيوبيا في ايراد نهر سوباط هو (5.7) مليار م3 وليس 13 مليار م3- (أو 1/7 %من ايرد النيل!كما جري بذلك الأعتقاد سابقا !) وبالمقابل نجد أن مساهمة أثيوبيا في أحباس عطبرة والدندر والرهد هو5.57 مليار م3 وليس 11.7 مليار م3 (أو 1/7 %من ايرد النيل!) التي تنسب اليها عادة وعلى الرغم من وصف الهيدرولوجيا الكلاسيكية لمكونات "الرسم المائي لتغير تصريف النهر مع الزمن ) الهيدروغراف)" ، عمليا كمحصلة للثلاث مصادرالأساسية : الدفق السريع" (َ (Quick Flow، والذي يشمل عنصرين مائين: الجريان البري السطحي ( “or “Overland Flow, RS Surface Runoff) التيارات المائية الجانبية السريعة التي تتحرك بصورة أفقية تحت سطح الأرض في الجزء غير المشبع من التربة حتى دخولها مجري النهر (“Interflow” or “Subsurface Runoff”, RI) "الدفق القاعدي" (Base Flow or Groundwater Runoff, RG )، وهو تدفق المياه التي تتسرب من خلال الجزء غير المشبع من التربة (Unsaturated Zone) في اتجاه عمودي حتى تبلغ مستوي المياه الجوفية (Water Table) الا أن الجانب الكمي العملي من الهيدرولوجيا الكلاسيكية (Quantitative Hydrology) يتجاهل عادة هذا التوصيف الثلاثي و يأخذ بفرضية أن الجريان السطحي المباشرDirect Runoff or Precipitation Excess ) ، والمسؤل عن الخاصية الفيضانية لمستجمعات المياه (Watersheds ، يتكون حصريا من الجريان البري السطحي (“Overland Flow, RS ! ( ووفق هذا التصور تحسب اسهامات الدول المتشاطئة للنيل ، ثم يأتي القول بأن:"اسهام اثيوبيا في مياه النيل ب 85 %" من ايراده ، علي أساس أن ينسب لأثيوبيا كل حوض النيل الأزرق (بما فيه الدندر والرهد ويمثلون 4/7 من ايراد النيل) و والأحواض الأنهر التي يبدأ انطلاقها من أثيوبيا -- السوباط وعطبرة (ويمثل كلاهما 1/7 من ايراد النيل) ، والباقي 1/7 ينسب لبحر الجبل) وبهذا جرت المقولة الخاطئة بأن أثيوبيا ترفد النيل ب % 85 من ايراده! ولما كان متوسط الايراد السنوي للنيل الأزرق عند الروصيرص يبلغ(50.2) مليار م3، مضافا اليها 5.57 مليار م3 من الأحباس الأثيوبية لعطبرة والدندر والرهد، و 5.7 مليار م3 من أحباس نهر السوباط ، فان جملة ما ترفد به أثيوبيا النيل هو ( 61.47 مليار م3 أي ما يعادل) 54.59 محسوبة عند اسوان (أو 60 % من ايرد النيل الأكثر تمثيلا والبالغ 91.2مليار م3 ) وليس 85 % المحسوبة علي أساس نسب ايراد كل الأحواض المشتركة بين السودان وأثيوبيا للأخيرة! والسودان بشقيه يرفد النيل ب (50. 78 مليار م3 جلها من الدفق القاعدي ومن التيارات الجانبية ، لكن بسبب التبخر يتقلص اسهام السودان (بشقيه ) الي 26.23مليار م3(أي ما يعادل) 23.70 محسوبة عند اسوان)أي 26% من ايرد النيل الأكثر تمثيلا) "وسودان ما بعد نيفاشا" يرفد النيل ب 32.68 مليار م3 جلها من الدفق القاعدي ومن التيارات الجانبية ، لكن بسبب التبخر يتقلص اسهام السودان الي 27.93 مليار م3 –(وهو ما يعادل25.25 مليار م3 محسوبة عند اسوان أي 28% من ايرد النيل الأكثر تمثيلا) أي "يزيد" قليلا عن اسهام السودان بشقيه بسبب تحميل جنوب السودان عبء فواقد التبخر في الجنوب! وعلى الرغم من تصريف نيمولي يحسب علي اساس 23مليار م3، الا أن حوالى ثلث الماء يدخل في التيار الرئيسي من "نحو أعلي (Upstream) نيمولي ونحو ثلثي الماء يأتي من "نحو أدناها ،(Downstream) ، لذا دول البحيرات ترفد النيل ب (15.67 مليار م3) والتي تمثل ايراد النيل عند نملي، وهو ما يعادل13.16 مليار م3 محسوبة عند اسوان (أي 14% من ايرد النيل الأكثر تمثيلا) ليصبح جملة ما ترفد به هذه الدول النيل هو: • 54.59 مليار م3 من أثيوبيا محسوبة عند اسوان (أو 60% من ايرد النيل الأكثر تمثيلا والبالغ 91.45 مليار م3 ، وليس ال 84 مليار م3 التي اخذت بها اتفاقية مياه النيل لعام 1959كمتوسط لأيراد النيل السنوي) ! • 23.70 مليار م3 من السودان بشقيه محسوبة عند اسوان (أو 26% من ايرد النيل الأكثر تمثيلا) • 13.16 مليار م3 من دول البحيرات محسوبة عند اسوان (أو 14%من ايرد النيل الأكثر تمثيلا) انظر دراسة الكاتب: "جدلية الهوية النيلية للسودان وأبعادها السياسية والفنية والقانونية دولة مصب أو عبور فقط -- أم دولة “منبع” ، واذا كم حجم اسهامها في مياه النيل ؟"
التمييز بين "أخذ زمام المبادرة" (Initiative ) في السياسة الخارجية المائية في مقابل "ردود الأفعال(Reactive Foreign Policy)" "الدبلوماسية المائية" (Hydro-Diplomacy)الحالية والمبنية على ردود الأفعال – كما هي بائنة للعيان في هذه المفاوضات – تتسم بأنها: كونها دفاعية سيئة التوقيت(Mal-a-Propos or ill-timed))، تميل إلى انتظار الأحداث تميل إلى الاستجابة للضغوط الخارجية
في المقابل ، "الدبلوماسية المائية" المبنية على الأخذ بزمام المبادرة – والغائبة حاليا -- هي عادة: لديها مجموعة واسعة من الخيارات ، أكثر كثيرا من تلك المبنية علي ردود الأفعال وذات أفق تخطيط أطول التخطيط الأفق وتحليل أعمق وتنطوي علي اضفاء(أي عكس) صورة "الزعامة الأقليمية" من خلال قوة الأفكار الإبداعية وتتسم بالدفع بمبادرات ومقترحات حسنة التوقيت ، وهو أمر يتطلب: تعريف المرغوب من العلاقات الخارجية، ثم صياغة سياسات لتحقيقها وضع الأستراتيجيات المناسبة لخلق علاقات اقليمية مواتية ومثمرة كما انها تحفز الآخرين لتبني أنماط سلوك مؤيدة لمصالح الوطن وأمنه.
مصادر مثل هذه المبادرات يمكن التماسها في: قاعدة موارد الدولة وقدراتها: دعنا نذكر هنا بالقول المأثور القديم في التفكير الاستراتيجي: "القدرات تخلق نواياها الخاصة" السياسات الإقليمية أو معالجة المشاكل العالمية السياسات التي توظف العلوم والتكنولوجيا لتطوير القدرات الوطنية والعلاقات الخارجية "أوراق القضايا" (Issue Papers) من الخبراء والأستشاريين من خارج المؤسسة حيث أن ومعظم كبار المسؤولين ليس لديهم الوقت لتحضير مثل هذه الأوراق
المنحي القانوني: هل هذا النزاع في جوهره "قانوني"، وبالتالي اخفاق المفاوضات مرده الي ضعف أو غياب مثل هذه المقاربة؟ يقول الفقيه "فازينبيرغ" : "القانون هو أكثر من مجرد مدونة لقواعد رسمية: القانون هوممارسة تأمين "الهدوء" للنظام –‘Tranquillitas Ordinis’ أي حالة من "التوازن في المصالح" (الفقيه ه فازينبيرغ 1962) و جُلّ نزاعات المجاري المائية الدولية تم تسويتها في الماضي عن طريق الاتفاقيات بدلا من اللجوء إلى القانون، ويرجع ذلك إلى: الشك حول وجود "قانون دولي للمياه" أصلا تضارب الرأي حول ما هو جوهر مثل هذا القانون ان وجد ، أو ما ينبغي أن يكون عليه غموض مبدأ "الانتفاع المنصف (Equitable Utilization”)" يجعل التحكيم علي أساسه صعبا للغاية إن لم يكن مستحيلا المحاكم تميل الي تكريس (أو تقديس) حق النقض: فان تم – مثلا – التعريف القانوني لحقوق متشاطيء ما من قبل المحكمة ، فان ذلك المتشاطيء "سيتمترس" (يتخندق) حول تلك الحقوق ولن يبديء أية مرونة في تعامله مع المتشاطئين الأخرين، مع رفضه لأية تعديلات مستقبلية قد تكون ضرورية علي الأتفاقيات التي اتفق عليها سابقا، مما قد يستوجبها تغير الظروف مع مرور الزمن ، كما – مثلا -- في المبدأ القانوني حول "التحلل من الأتفاقيات علي أساس تغيير الظروف"(Clausula rebus sic stantibus) بقبول التحكيم الدولي، تتنازل الأطراف للمحكمة من حقها وسلطتها في تسوية النزاع، وتتحول القضية من كونها قضية سياسية الي أمر يفصل فيه بالحكم القضائي (القانوني)
جميع الخلافات المائية بين الدول ذات السيادة هي خلافات سياسية وليست قضائية - ويمكن فقط أن تحل عن طريق معاهدة أو عن طريق الحرب ، غير أن الوصول لمثل ذلك الوفاق يستدعي ممارسة "أعلى وأندر أنواع الحكمة السياسية"! هذا يعني أن من الخطأ تحويل نزاع سياسي هندسي الي نزاع قانوني ، وهذا ما شهدنا البعض يسعي لعمله دون كلل!
معايير الحكم على إدارة الحوار الحالي : ما هي أسباب اخفاق دول الأحباس السفلي في "دبلوماسيتها الوقائية" الساعية لتغيير هيكلية المواجه؟
في عام 1950 اقترح آلان تورينج معايير لأختبار أداء الحواسيب، سميت لاحقا " اختبار تورينج" ( “Turing Test” ) علي نفس المنوال يمكن لمن ينشد الرصد والمتابعة والتقييم لسير وأداء المفاوضات الجارية والأجابة علي السؤال المطروح علي الساحة حول أسباب أخفاق جولات المفاوضات العديدة السابقة (خاصة دبلوماسية الأحباس السفلي الوقائية - Preventive Diplomacy- حول سد النهضة أو اطار عنتبي)، في الوصول الي توافق بين أطراف النزاع ، عليه أن يتحري ذلك في معايير ادارة الصراعات التالية: ضبابية "قانون المياه" الدولي، حمال الأوجه!خاصة : • اللغة المبهمة والملتبسة للقانون الدولي الموضوعي" Substantive International Law: حول مبد! " الاستخدام العادل" " (Equitable Utilization) والمحاصصة Apportionment) (Water ، بدعوي أن ذلك سينتهي بكل من الدول المتشاطئة لتبني تفسيرهم الخاص للقانون، مما يدفع بهم للتفاوض لحسم الخلاف بينهم ! في مقابل: • وضوح "القانون الدولي الإجرائي" (Procedural International Law) من شرط "الأخطار المسبق" Prior Notification” وقاعدة "لا ضرر ملموس" No Appreciable Harm Rule) ، ، علما بأن : • الصيغة المتبناة من "لجنة القانون الدولي "UN International Law Commission) المنبثقة عن الأمم المتحدة) ، تعطي الأولوية "للاستخدام العادل" على مبدأ"لا ضرر ملموس"! وقد أثبتت الأيام أن الذين اشتروا هذا الأبهام القانوني الموضوعي "مَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ"، وذلك ما سنوضحه عندما نتناول بتفصيل موضوع "الأخطار المسبق" ان شاء الله التغاضي -- من قبل مفاوضي السودان ومصر -- عن شرط "الأخطار المسبق" (المنصوص عليه في المادة 11 من "مشروع الممرات المائية" للجنة القانون الدولي المنبثقة عن الأمم المتحدة ، والذي يلزم الدول المتشاطئة باخطارنظرائها المتأثرين بالأعمال الهندسية التي تقوم بها -- مثل بناء السدود-- وبأستغلالها للمياة المشتركة- مع آلية واضحة تحكم هذا الأمر – وردت في المادتين 12 و13 وغيرهما من نفس المشروع-- سنتناولها لاحقا ان شاء الله) فالتغاضي عن شرط "الأخطار المسبق" و التخلي المبكرعن شرط "الأجماع" ، أفرزا بدرجة كبيرة المأزق الحالي الخطيرللمفاوضات : • فبالنسبة للأخطار المسبق -- أوثق سهم في كنانة القانون الدولي للمياه -- فقد تم تعطيل ألياته القانونية واصبح مجرد اخبار "للعلم"، وكان هذا الكاتب قد اورد في سمنار كامل أهمية هذا المبدأ — حاثا الجميع علي تفعيل ألياته ،فهو: o يحجر علي الدول المتشاطئة العمل من جانب واحد(Unilateral Action)،مع توفيرالية كاملة بديلة للمضي قدما في حل النزاع، سنشرحها لاحق انشاء الله o و يعمل علي إجبار الأطراف المتنازعة على التفاوض o ويدفع في اتجاه تعزيز التعاون المائي بين دول الحوض ، ( مثلا في ضبط تدفق المياه ، والمشاركة في تمويل وتشييد وتشغيل وصيانة المنشئات المائية وفي تطويرأساليب تسوية المنازعات وأبحاث المياه الخ) بل -- وليس اقل اهمية مما سبق – فانه: o يفضي الي تسريع حركة التطورالبنيوي(من نشوء وانماء ثم انبثاق Evolution) "لقانون المياه الدولي الموضوعي "(Substantive InternationalWater Law)
• وبالنسبة للتخلي المبكرعن شرط ""الأجماع" في اتخاذ القرارات ، فقد أفضي هذا التخلي الي فقد الزامية (Obligation)هذا الشرط الهام علي الأطراف المتشاطئة ، وكان هذا الكاتب قد اورد في سمنار كامل اخر عن هذا المبدأ ، مبررات مبدأ الأجماع —حاثا الجميع (دول الأحباس العليا والسفلي) علي أهمية الأصرارعليه ، فهو : o يشجع علي المشاركة والتعاون والمساواة – كل دولة لها حق النقض (Veto Power)عندما تضار مصالحها o يركز علي نقاط الأتفاق دون نقاط الخلاف o يركز علي ايجاد الحلول الوسطية للخلافات o يأمن المحافظة علي الحقوق المائية ليس فقط في الأتفاقيات السابقة بل أيضا يمثل "بوليصة تأمين " لأستدامة الأتفاقيات اللأحقة بعد قيام المفوضية الموعود، o يقطع الطريق علي الأثار الجانبية الضارة للمشاريع المائية والمنشئات الهندسية علي دول الجوار،وهو أمر يستدعي الي المخيلة مقولة الرسول (ًص): "...وإن أخذوا علي أيديهم ، نجوا جميعا“
المنحي الفني -- توازن القوي أم توازن المصالح الفنية؟ هل هذا النزاع في جوهره "فني"، (Technical) وبالتالي اخفاق المفاوضات مرده الي ضعف أو غياب مثل هذه المقاربة؟ وكيف يمكن تحقيق "أمثلية باريتو" (Pareto Optimality ) في مجال الموارد المائية المشتركة؟
لقد سبق لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) ان لفت النظر الي أن القضايا الناشئة ، التي تلعب فيها العلوم والتكنولوجيا دورا محوريا (كتدهور البيئة والتكنولوجيا الحيوية الخ ) ، تتطلب تطوير أشكالا جديدة من الدبلوماسية الدولية للتعامل معها وفي تقرير اخر "لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" تحت مسمي "العلوم والتكنولوجيا والمبادرة الدبلوماسية" ، أشارت الأونكتاد الي أن "التقدم في العلوم والتكنولوجيا قد أصبح هو المحرك للعلاقات الدولية ...وأن معرفة الاتجاهات في مجالات العلوم الرئيسية قد غدت: شرط أساسي للأنخراط في إجراء مفاوضات دولية فعالة وعنصرا هام للنجاح ... ...في تنفيذ أي اتفاقات ... " ."وان اثنين من السمات الرئيسية ... للمفاوضات الدولية (تتمثل في): المعرفة العلمية والتي أصبحت على نحو متزايد أكثر تخصصا... ، ... وتستدعي زيادة مدخلات الخبراء في المفاوضات الدولية ،و أن: تطبيق العلوم والتكنولوجيا في التنمية يتطلب القدرة على دمج ... ... مجالات معرفية متباينة لحل ... المشاكل . وأن الدبلوماسية الدولية الآن تستدعي: تعامل مفاوضو ... الحكومة مع كل من قضايا التخصصية و التكامل " (انتهي)
زيادة مدخلات الخبراء في مفاوضات المياه الدولية تتمثل في تحديد الأثار الناجمة عن سعي المهندس (المصمم) الهيدروليكي " إلى تعديل الدورة الهيدرولوجية الطبيعية The Hydrological Cycle) ، من خلال ما ينخرط فيه من أعمال إنشائية أووسائل غير إنشائية) للدفع بحركة المياه إلى أوقات أوأماكن أكثر ملاءمة للاحتياجات االقومية أو الأقليمية" وقد يكون الهدف (Objective Function: ) هنا هو: تبني تدابير هندسية محددة لزيادة موارد المياه رفع كفاءة "استخدامات المياه التنمية المتكاملة لحوض النهر(Integrated River Basin Development ) وهو في ذلك خاضع لقيود: دينميات حركة نظام حوض النهر(River basin System Dynamics)
القدرة علي التحكم في النهر والحاق الأذي بالأخرين: "مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا علي سفينة فأصاب بعضهم أعلاها ، وأصاب بعضهم اسفلها ، فكان الذين في أسفلها اذا استقوا من الماء مروا علي من فوقهم فاذوهم . فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ! فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا. وان أخذوا علي أيديهم نجوا ونجوا جميعا“ (حديث شريف)
الذراع الطولي لدول الأحباس العليا و بروتوكول السلوك "للنقر" : استخدم الألماني ثورليف شيلدراب-ايبي (Thorleif Schjelderup-Ebbe)–في عام 1921تعبير "بروتوكول السلوك للنقر" (Pecking Order) لوصف النظام الطبقي لدي الدواجن ونوازع الهيمنة لديها حيث يتم التعبير عن الهيمنة في علاقات الدجاج "بنقر" الدجاج الأكبر للأصغر منه ،والذي عليه أن يرضخ لذلك ، لكن بدوره يقوم "بنقر" الدجاج الأصغر منه ، وهكذا دواليك
مزايا حصرية لدول الأحباس العليا -- "اذا أخذت برأس الضب فقد أغضبته" : يمكن هنا استخدام هذا المثال أعلاه لتصور "تسلسل هرمي اجتماعي طبقي للمياه" (“Water Pecking Order”) ، يمكن فيه تموضع قطر ما في الأحباس العليا من نظام النهر، من أن "ينقر" ( أي يلحق الضرر) بالأقطار التي أدني منه في الهايراكية الهايدرولوجية ، وهو ويستطيع ان يفعل ذلك بكثير من الحصانة ، وذلك لأفتقار دول الأحباس السفلي لقدرات مماثلة لألحاق الضرر به فالسيطرة المادية لدول الأحباس العليا علي "مراكز التحكم" في نظام النهر يمكنهم من: • انقاص مقدار الماء أوتقليص مخصصات المياه أوتعديل تاريخ وصولها لدول الأحباس السفلي ، دون أن يكون للأخيرة قدرة اضرارية مماثلة • خفض منسوب المياه من خلال الاستعمال الاستهلاكي للمياه للري إو من خلال تحويلات المجري (Diversions)، أو حتي استخدام الغير استهلاكي للمياه ،مثلا: § كقيام أوغندا قبل سنين بالسحب فوق المقدار المتفق عليه من بحيرة فيكتوريا.لتوليد الطاقة الكهرمائية من سد (أوينسOwens) Nalubaale، حيث تتدفق إلى بحيرة فيكتوريا في فيكتوريا النيل) ، مما أفقد البحيرة 3 % من حجمها المائي، وكمثال اخر § كذلك كان حال التأثير الكبير على الجريان السطحي وانخفاض مستوى بحر قزوين عام 1975 نتيجة تطوير سلسلة من الخزانات علي نهر الفولجا • تعديل معدلات التدفق ، مثلا: § كقيام الهند بوقف تدفق الأنهار الشرقية لباكستان ، في خرق لأتفاق وادي السند(Indus Valley Agreement) الذي توسط فيه البنك الدولي § كما شهد العالم في عام 1860 قيام الولايات المتحدة ، بعكس اتجاه مياه نهرالألقاش (Allagash) في ولاية ماين، ليصب في البحر بدلا من مصبه السابق في نهر سانت جون الكندي • احداث تغيرات سلبية في جودة المياه ، مثلا كالإفراط في التلوث أو باستخدام مجاري النهر كمكب للنفايات غير أن درجة ضبط النهر والتحكم في جريانه –وبالتالي االحاق الضرر بالأخرين-- تعتمد على نسبة سعة مواعين التخزين (Reservoir Capacity ) الي حجم تصريف المياه (Water Discharge Capacity: • فمثلا متوسط التصريف السنوي عند الروصيرص :يبلغ (50.2) مليار متر مكعب بينما السعه الأصلية للخزان لم تتجاوز(3.5 Milliards) وبالتالي حتى بعد تعلية خزان الروصيرص، لا يمكن أن يستخدم هذا الخزان الا في الضبط (التحكم) السنوي علي جزء صغير (7.5 Milliards) من تدفق المياه! • كل سد يتم التخطيط له ، ينبغي أن يوفر تنمية هيدرولوجية كاملة للموقع المختار له وذلك بدرجة معقولة : استغلال مجمل التدفقات المائية (Total Flow) و استغلال مجمل (حجم) الضاغط (فرق التوازن) المائي (Total Head) وتقليص الفواقد (Evaporation & Seapage Losses) ، وذلك بسبب : ندرة المواقع الجيدة لبناء السدود احتمال بروز احتياجات أكبرللطاقة أو المياه الخ في المستقبل ، مما يمكن التنبوء بها أو تقديرها في الوقت الراهن وبالتحديد ، فان من المهم بمكان عدم بناء سدود ذات سعات صغيرة في الأحباس العليا للنهر في مواقع مناسبة لسدود ذات سعات كبيرة، وذلك لأن تنمية هيدرولوجية غير كاملة للموقع المختار في الأحباس العليا من النهر(في دول "المنبع") قد تجعل من الصعب تطوير الأجزاء السفلي للنهر (في دول "المصب") في وقت لاحق لكن من المهم التنبه هنا الي أن موقع سد الهضة الحالي: قد نأت عنه تماما "خطة وادي النيل" ولم تر هذا الموقع صالحا للتخزين المستمر (Over-year Storage ،كما يراد الأن لسد النهضة أن يكون)، بل ولا حتي الأصلح للتوليد الكهربائي (كما هوالغرض المعلن لسد النهضة)! و كان هيرست وبلاك (أبرز الهيدرولوجيين الذين ارتبطت اسماؤهم بدراسات ضبط النيل) قد استبعدا قيام خزان كبير الحجم (Over-year-Storage) في حوض النيل الأزرق بمجمله، عدا في بحيرة تانا كما أن دراسة مكتب استصلاح الأراضي الامريكي ( والتي جاءت بعد ذلك عام 1964) ، قد اقترحت لنفس الموقع ، "سد الحدود" (Border Dam) ، لكن / بسعة 11.1 (وليس 63) مليار م3 وبارتفاع 85 (وليس 145 ) مترا لتوليد 1400 ( وليس 6000) ميجاواتس ولم تر في الموقع مجالا لتخزين مستمر فيه (Over-year-Storage)!
• التأثيرات الهيدرولوجية والجيومورفولوجية للسدود: نكتفي هنا بأيجاز شديد لعرض هذه التأثيرات ، ونأمل أن نتناولها بتوسع اكبر عند تناولنا لتأثيرت السدود التي يجري انشاؤها حاليا في حوض النيل الشرقي والجنوبي علي السودان ومصر ومدي توفر الشروط اللأزمةلأستفادة هاتين الدولتين من تلك السدود ، كما تؤمل بعض الأطراف! باقتضاب شديد تتمثل مثل هذه التأثيرات لسدود الأحباس العليا مثلا—علي: النظم الهيدرولوجية و الهيدروليكية ، وتحديدا علي : كمية المياه ، بما في ذلك: السيطرة على تدفق المجاري المائية (المستوى، والتصريف ، والسرعة) التغييرات في المياه الجوفية (مثلا من خلال التسرب) جودة المياه (الرواسب والمغذيات والتعكر، والملوحة والقلوية) التأثيرات علي نظام الغلاف الجوي ، كما في حالة زيادة التبخر التأثيرات علي نظام القشرة الأرضية ، كما في حالة : التدهور في اسفل النهر (التآكل نتيجة نقاء المياه) الحت و التآكل المبحث الأخر المرتبط بالأخفاق في الوصول لأتفاق في أيا من مفاوضات سد النهضة أو اطار عنتبي يتصل بالسؤال التالي:هل المشكلة في قلة الموارد ( شح المياه Water Scarcity) أم في ادارتها؟ اذ "ان بين الكأس والشفة مزالق كثيرة" كما يقول الشاعر اليوناني "هوميروس! هل المشكلة في قلة الموارد ؟ يبلغ متوسط سقوط الأمطار السنوي في حوض النيل حوالي1660 مليار متر مكعب )%85 جرت العادة - كما أشرنا عاليه - أن تحسب لأثيوبيا و %15 عبر النيل الأبيض)، وهو أقل من نصف ما يسقط علي حوض نهر الكنقو ، غير أن ما يصل منها لمجري النيل تم حسابه لأغراض اتفاقية مياه النيل لعام 1959في حدود 84 مليار متر مكعب فقط (أي ≈ %5) (انظر دراسة الكاتب "جدلية الهوية النيلية للسودان وأبعادها السياسية والفنية والقانونية (2-8) علي الموقع التالي: http://www.sudanile.com/index.php/2008-05-19-17-39-36/1021-2013-09-17-18-02-00/46593--2-8) ويبلغ متوسط سقوط الأمطار السنوي في السودان (بالميلي متر) 1610 (و1000 في جوبا و800 في ملكال و400 في كوستي و150 في الخرطوم و909 في القلابات و800 في الرصيرص و579 في سنجة و400 في مدني و313 في كسلا و50 في عطبرة ثم يكاد ينعدم المطر شمال عطبرة) لكن "أين تذهب هذه الأمطار التي تهطل علي السودان ؟ "(والتي تقدر سنويا ب1610 ميلي متر أو 1093 مليار م3) -- كما تساءل أحد الناشطين الأسفيريينن -- والتي تشكل عصب الأيراد السنوي لنهر النيل ؟ وحينما تساءل المشفقون " ، قيل لهم بأن "تلك الأمطار-- بجانب نصف ايراد بحر الجبل -- تضيع فى مستنقعات جنوب السودان وأن حوالي خمس ايراد النيل الأبيض وامطار المنطقة تضيع بالتبخر والتسرّب في الإنتقال بين ملكال وأسوان ، وفى أوعية السودان التخزينية الصناعية الخمسة" ! وان السودان دولة "ممر"—فالسودان في رؤاهم "لا في العير ولا في النفير": فالنهر الوحيد الذي ينبع من السودان—بحر الغزال - لا يرفد النيل بشيء يذكر ، ولما كان النيل – بداهة -- لا ينتهي مصبه في السودان ، اذا ، "فلا يمكن أن يكون السودان سوي "دولة ممر" كما يقولون ! وهذا من نوع الخطأ الذي قال عنه جوزيف فوشيه رئيس درك نابليون: C’est plus qu’ un crime; c’est in faute ! ذلك لأن السودان ان ذهب لمفاوضات مياه النيل الحالية (عنتبي ) مستبطنا مفهوم "دولة الممر"هذا سيقال له ان نصيبه –ونصيب مصر في عنتبي-- وفي اتفاقية مياه النيل لعام 1959 لا ينبغي أصلا ان يكون اكثر من "رسوم عبور"—تماما كرسوم العبور التي يجنيها السودان الأن من مرور بترول الجنوب عبر اراضيه – ومن المعلوم ان رسوم العبور عادة تدفع لدول الممر نقدا وليس من عين الشيء! وأن شئنا أن نكون اكثر دقة ، فان مبدأ "التدفق الطبيعي" للحقوق المشاطئة ((Natural Flow Doctrine في القانون الدولي للمياه يكفل للسودان -- ولكل دول النيل المتشاطئة الأخري-- اضافة لرسوم العبور ، حقا متساويا في الشرب ورش الحدائق الخ...! ولكن ليس حقا في الري أو في نقل المياه ، و"تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى" (النجم 22)
"هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ" (الأنعام 148)— البينة علي من ادعي واليمين علي من أنكر(حديث شريف): دعنا نتأمل الأية الكريمة:" ،"وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجا“ (النبأ 14): ماذا يحدث لكل الماء النازل من السماء؟ "علم المائيات" يقول بأن هذا الماء يتوزع بين ثلاث أنواع من " الدفق الجاري" (أي Fluxes) ، تنبثق منها عدة مسارات: الجريان البري السطحي ( “or “Overland Flow, RS Surface Runoff التيارات المائية الجانبية التي تتحرك بصورة أفقية تحت سطح الأرض (Subsurface Runoff or “Interflow, RI ”) "الدفق القاعدي" ((Groundwater Runoff or “Base Flow, RG ويقاس أيراد النهر بوحدات "التدفق الحجمي" (Flow Volume Units ) ، مثلا مليون متر مكعب ( (106m3= Million Cubic Meters ويتفاوت متوسط ايراد النيل بين 150 مليار م3 ( متوسط 1878-1952) و 42 مليار م3 (متوسط 1913-1952 ) و 84 مليار م3 (متوسط 1952-1900 ) ، ويبلغ الأيراد السنوي لنهر النيل ≈ 4.3 ٪ من الجريان السطحي السنوي ولقد حسبت اتفاقية مياه النيل لعام 1959 علي أساس متوسط ايراد 1900-1952 والبالغ 84 مليار م3 ، غير أن اعتماد قاعدة أكبر لحساب المتوسط السنوي لأيراد النهربين 1871-1965 مثلا ، يضع الرقم عند أكثر من 91 مليارم3! مايغري بالقول "بشح المياه" هو ان متوسط تصريف نهر النيل يبلغ 43% من تصريف نهر صغيركنهر الأندس (والذي لا يزيد طوله عن 42 % من طول النيل)، و28 % من تصريف النهر الكندي-الأمريكي الصغير(والذي لا يزيد طوله عن 53 % من طول النيل)، و17% من تصريف نده في الطول نهر المسسيبي ، و7 % من شقيقه نهر الكونقو (والذي لا يزيد طوله عن 7 % من طول النيل) ، ويبلغ تصريفه 1% فقط من تصريف نده الأخر في الطول ، نهرالأمازون! ورغم كل هذه الصورة السوداوية نقول ان المشكلة ليست في شح المياه ، فهذا النهر العبقري يقطع نفس مشوار المسيسيبي بأقل من سدس تصريف ذلك النهردون أن تذهب ريحه! وليس ادل علي ذلك من أن النيل -- قبل أن يحبسه السد العالي -- كان يصل البحر وفي جعبته تصريفا أقل من400 m3/s !أي بسبع تصريفه الأصلي! وهو – وفق كلمات المؤرخ الألماني "أميل لودفق" (Emil Ludwig) في مؤلفه الشهير(The Nile: The Life-Story of a River) (مع ملاحظة أن ما بين القوسين هو اضافة توضيحية من هذا الكاتب): (يبدو أنه) " يقلب كل قوانين الطبيعة رأسا على عقب...فهو: يجري في أرض ليس فيها أي انحدار يذكر(مثلا ½1-¼1 سم لكل كيلومتر بين ملكال وكوستي !) ومتدفقا من خلال المستنقعات (دون أن تسد طريقه) والصحارى (دون أي مدد سوي رافد واحد موسمي ،بعد مقرن النيلين) ويجري دون أن يتبخر في فصل الصيف في وقت تتبخر وتجف فيةالأنهار الأخرى. ولتوفر له الطبيعة (!) القيام بهذا (العمل الخارق) ، ابتدعت له فكرة "النهر المزدوج" حيث يسند للشقيق الأكبر(الأبيض والمهيب) ادامة جريان النهر ،بينما تأتي الأبداعات من الشقيق الأصغر" (الأزرق والنزق) ! كل هذا لأنه – كما جاء في رسالة الخليفة الملهم عمر بن الخطاب (رض) اليه –" لا يجري من قبله (أي بنفسه)... بل لأن "الواحد القهار (هوالذي) يجريه" (وفق كلمات الخليفة عمر (رض)، انفاذا لمشيئة الله سبحانه وتعالي بتوفير الماء ليس فقط لكل ساكني حوض النيل، بل لكل كائن حي من خلقه: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ" (ابراهيم 32)"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ" (فصلت 10 ) ... وسنتطرق لاحقا عند الحلقة المخصصه "للحلول" لكيف يتأتي لكل دول الحوض مقابلة احتياجاتها من هذه الوفرة المائية دون اعطاش الأخرين
اذا لا يبقي الا سؤال "هل المشكلة في ادارة هذه الموارد المائية؟" ، وهي قضية سنتناولها ضمن حلقة "الحلول المقترحة"، لاحقا ان شاء الله ،علما بأن تصنيف اليونسكو لعام 1990 "لوفرة المياه"، (4800 متر مكعب للفرد في السودان و3500 ليوغندة و3000 لتنزانيا )، يقسم الدول بين تلك : غير المحصنة (Vulnerable 2000-3000متر مكعب للفرد، وهو يصنف أثيوبيا من ضمن هذه المجموعة !)، و تلك التي تعاني من وطأة (اجهاد) النقص المائي(Stress 0100-2000متر مكعب للفرد ، كمصر) وأخيرا تلك التي تعاني من ندرة المياه(Scarcity 0-1000متر مكعب للفرد، هو يصنف كينيا ورواندا هنا)!
العوامل المحلية التقنية التي تغذي الصراع المائي المحلى والدولى:
في ظل ما يشاع عن شح المياه في حوض النيل ، يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن قضية “كفاءة استخدام الموارد المائية” ستصبح في وقت ما أحد أهم أجندة مفاوضات مياه النيل الحالية، وهذا بالطبع سينطبق علي اتفاقية 59 وسد النهضة واطار عنتبي ، علي نحو سنفصله عند تناولنا لتلك القضايا الثلاث بالتفصيل لاحقا ان شاء الله ، دعنا نكتفي هنا بايراد أنوع الكفاءة التي ينبغي أن توضع علي مائدة التفاوض والتي سوف نعمل علي شرحها في حينه ومحوريتها علي قضية توزيع ايراد النيل بين الدول المتشاطئة ، فهناك مثلا: • الكفاءة الهيدروليكية (مثل شكل المقطع العرضي للقنوات Canal X-Section) • وكفاءة نظم الري (شبكاته ووسائل نقل المياه، والتي قد تتراوح بين 20-50%) • وكفاءة الري على المستوى الميداني -- كفاءة طرق الري (عملية السقيا) و التوزيع ، علي سبيل المثال التحول من اسلوب الري بالغمر المبدد للمياه الي النظم المتحكم فيها بالهدارات (Weir-Controlled System) ، كما حد ث في نزاع نهر الأندس عام 1939 بين السند (التي كانت تروي بالغمر) ومقاطعة البنجاب، وانتهي النزاع بمعاهدة اندوس للمياه بين الهند وباكستان ، وهو سيناريو يمكن ان يتكرر بين دول الأحباس العليا من جانب ومصر والسودان من الجانب الأخر •وكفاءة نقل المياه (والتي قد تتراوح بين 30-50%) • والكفاءة الكلية لمصارف المياه • وكفاءة انتاج واستخدام المياه • “ومعامل التوحيد” (Uniformity Coefficient) •و كفاءة التخصيص (Allocational Efficiency) • “وكفاءة”X • والكفاءة الاقتصادية
أهمية الأرتقاء ب"كفاءة الري" تنجم عن كونها: تقلل من إجمالي المياه التي تستغل في إنتاج المحاصيل –والري هو أكبر مستخدم للمياه في السودان ومصر تحافظ علي إنتاجية التربة تساعد علي التحكم في المياه تؤجل الحاجة لأعمال تصريف المياه
العوامل المؤثرة على الأستخدام الأقتصادي للمياه: (Water Production & Use Efficiency):
يمكن ايراد عدد من هذه العوامل ، مما يسمح به المجال، ومنها: • تحقيق ايراد من مستجمعات المياه (Watershed) يمكن الاعتماد عليه • توزيع متوازن لمرافق التحكم في المياه علي طول الحوض •خفض فاقد التبخر من الخزانات • التقدير الدقيق لمتطلبات المحاصيل من المياه من خلال: الدقة في حساب المقنن المائي (Water Duty )، والذي يستخدم لحساب التصرفات ولحساب السعة التصميمية لقنوات الري (مثلا صممت قنوات الجزيرة ومصر علي اساس مقنن مائي يعادل 30 متر3 للفدان في اليوم) الدقة في قياس المياه) (Accurate Indenting/ Precision Water Metering جدولة أفضل لإصدارات المياه (Water Releases) خفض معدلات فواقد المياه في شبكة الري (والذي يبلغ متوسطه في شبكة الري المصري 25% وفق افادة د محمود أبو زيد لصحيفة القبس الكويتية)– مثلا من خلال خفض التسريب في نقل المياه عبر قنوات الري (والذي قد يتراوح بين 15-45%) • الأرتقاء بالحالة الاجتماعية والاقتصادية للفلاحين • خفض فواقد نقل وتوزيع المياه --- بتقليل التبخر من القنوات مثلا من خلال: تصميم قنوات أضيق وأعمق ، استخدام أنابيب مغلقة (Closed pipe Conduits) الري الليلي (Night Irrigation) •حصاد المياه • استخدام طرق ري كفئة • تحضير أفضل للأرض- التحول من "عقلية الواحة" إلى "عقلية الصحراء" • تبني أسعار للمياه تشجع على المحافظة عليها • الأستخدام العلمي للتنبؤ بالطقس
المسارات المحتملة للنزاع الحالي: يمكن القول أن المسارات المحتملة اليوم ، سوي كان ذلك بالنسبة لسد النهضة أو اطار عنتبي ، تتمثل في الأتي: دول الأحباس العليا قد تشعر أنها حرة في المضي قدما وفق تصورها الخاص لحقوقها رغم اعتراضات المتضررين من الدول المتشاطئة ، ولكن فقط إذا فشلت الدول المتشاطئة في الدفع بالنزاع للفصل من خلال قواعد المجاملة ، الوفاق المتبادل، الوساطة ، التحكيم الدولي، أو التسوية القضائية الخ استمرارمضي دول الأحباس العليا قدما في اجراءاتها أحادية الجانب على الرغم من اعتراضات دول الأحباس السفلي، و هو طريق معيب لأنه يحتمل أن يهدد السلام ويشكل انتهاكا لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي مضي أثيوبيا قدما في مشروع السد ولكن التراجع امام الأعتراض الجدي من المشاطئة الأخرى وتجميد بناء السد حتي الوصول الأتفاق حوله استجابة اثيوبيا لمطالب دول الأحباس السفلي باعطاء الأولوية لحقوق السودان ومصر في قواعد تشغيل السد (Reservoir Operating Rules) ربط قضية السد بقضايا أخرى إعلان نبذ الحرب في حوض النيل استدعاء التكنولوجيا للفصل في النزاع – اطلاق "سيناريوهات المحاكاة (Simulation)" على شاشات الكمبيوتركبديل للحرب علي الأرض والجو، ففي المسرح الدبلوماسي، برزت الأن التقنية في دور " طلائعي" (Avant-Garde أي "الحافة القاطعة") من الدبلوماسية، - وإن كانت "الأقتصاد هو "السلطة الأمرة" للسياسة " كما قال لينين، فان التكنولوجيا أضحت اليوم هي "السلطة الأمرة" للاقتصاد ! سيادة القانون: اللجوإلى قانون المياه الدولي وحل النزاع من خلال التحكيم والمقاضاة وغيرها – أي حمل القضية الي منتدى مختلف، مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة مما قد يعني اطالة الصراع مع ايقاف البناء لكن هل نزاعات المياه الدولية عرضة (قابلة) للفصل القضائي (Litigation)، خاصة "التحكيم الدولي"((Arbitration باعتباره أسرع المسارات لحل المشكلة ، (كما نصح بذلك خبير المياه ووزير الري الأسبق في اجابة لسؤال له عن ”ما هو الحل؟“) ودون ذلك الحكم القضائي (Adjudication)، رغم بطئه؟ واذا كان الأمر كذلك، لماذا تم تسوية النزاعات السابقة حول المجاري المائية الدولية من قبل اتفاقيات بدلا من اللجوء إلى القانون و هل ينبغي للمرء تجنب الفصل القضائي؟ تلك أسئلة سنجيب عليها لاحقا ان شاء الله استثمار الصياغة الواضحة "للقانون الدولي الأجرئي" في شرط الإخطار المسبق (“Procedural International Law”) للتأثير علي ا"لقانون الدولي الموضوعي" (Substantive International Law) حول "الانتفاع المنصف" وتسريع تطور القانون الموضوعي انهيار مبادرة حوض النيل الحرب الوقائية: اذ لا أحد يستطيع أن ينكر مخاطر عدم التوصل لأتفاق !
لقد كان أمرا صادما ما قاله الباحثو ن في حوض النيل قبل سنوات عن احتمال الصدام المسلح بسبب المياه في حوض النيل، فمثلا: "قام 54 باحثا من جامعات دول حوض النيل العشرة بتأليف كتاب ... وتوقع الباحثون اشتعال حرب علي جبهات مصرية سودانية واثيوبية ، التي ستفجر بدورها النزاعات في أفريقيا"(الرأي العام 1 مايو 2010، نقلا عن صحيفة الديلي مونيتور اليوغندية) وقال الخبير الستراتيجي المصري اللواء طلعت مسلم "ان خوض مصرلحرب وشيكة هو احتمال قائم ان لم تحدث استجابة لمطالب مصر في الحفاظ علي حقها التاريخي لمياه نهر النيل“الرأي العام 1 مايو2010، نقلا عن صحيفة اليوم السابع المصرية) بينما يقر الخبير الأمريكي "قليك " أن (تأمين) الموارد يمكن أن يكون الهدف من العمل العسكري عندما تكون (هذه الموارد هي) العامل الحاسم في قوة الأمة "... و"وقد تنشأ الصراعات المائية (بسبب) الآثار الثانوية لمشاريع تنمية المياه، " (Gleick, P. “Reducing the Risks of Conflict Over Fresh Water Resources in the Middle East”, in Isaac & Shuval (eds.).1994. Water & Peace in the Middle) وان كانت الحرب عند نابليون بونابرت هي " شأن البرابرة"!— رغم انه أوغل فيها -- فنابليون – كما يقول ألن مورهيد "هوالشخص الوحيد (من بين معاصريه) الذي كانت لديه فكرة واضحة عن ما يعني غزو وادي النيل: وجميع المشاريع المائية التي شيدت في وقت لاحق على النيل -- السدود والقنوات واستصلاح الأراضي الخ ، كانت أصلا من بنات أفكاره: ولقد أدرك أكثر من أي شخص آخر الأهمية الاستراتيجية لنهر النيل" Alan Moorhead The Blue Nile (Author Translator) لكن لا أحد يمكن أن يحلم أن ترضي دولة بأن تموت عطشا—في سبيل أن تحقق دولة اخري هدفا سياسيا هو دون شك التحكم في مياه النيل الأزرق (وسنأتي ان شاء الله علي ايراد البينة علي ذلك لاحقا) – فانتاج 6000 ميقاوات يمكن تحقيقها بسد أصغر كما سنوضح في فصل الحلول“ ، "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ “ (البقرة251) وعموما في العلاقات الدولية هناك ثلاثة مقولات يتم ترديدها عبر السنين: • (إذا كنت تريد السلام، فكن مستعدا للحرب)! “Si Vis Pacem, Para Bellum”! • والحرب"، وفق تعبير الاستراتيجي البروسي - وأب الدراسات الاستراتيجية الحديثة، كارل فون كلاوزفيتز، (1780-1831 Karl von Clausewitz) "هي ... ليست إلا استمرار لسياسة الدولة مع الآخرين: إنها على حد سواء تطور اجتماعي وعمل سياسي "! وأن الحرب لا يمكن فصلها عن الجدل السياسي" • وعند تشو إن لاي "كل الدبلوماسية هي استمرار للحرب بوسائل أخرى"! • وعند الجنرال الفيتنامي فو نغوين جياب( Nguyen Giap) "بالنسبة لنا ... ليس هناك استراتيجية واحدة:استراتيجبتنا هي توليفية ومتزامنة في وقت واحد :العسكرية والسياسية والدبلوماسية "! • الاستراتيجيون عموما لاحظوا -- على الأقل أربع طرق -- لأشتعال الحرب: الحرب المحسوبة والمخطط لها الحرب غير مقصودة (على سبيل المثال بسبب سلوك عسكري غير مصرح به) الحرب التحفيزية (Catalytic War ، :كأن يشعل طرف ثالث فتيل الحرب بين متنازعين) الحرب بسبب خطأ في التقدير (مثل الناتجة عن الإفراط في الثقة، أو عن زخم حركات التصعيد)
وأنه سيكون أمرا صادما حقا أن نصبح فنجد أنفسنا علي تخوم مثل هذا الفكر!
"صرح المخض عن الزبد"— قصة مثل: "كان عمرو بن حجر ملك كندة، وهو جد امرئ القيس، أراد أن يتزوج ابنة عوف من محلم الشيباني الذي يقال فيه: لا حر بوادي عوف لأفراط عزه. وهي أم إياس، وكانت ذات جمال وكمال. فوجه إليها امرأة يقال لها عصام، - ذات عقل وبيان وأدب - لتنظر إليها، وتمتحن ما بلغه عنها… فدخلت عصام عليها، فنظرت إلى ما لم تر عينها مثله قط، بهجةً وحسناً وجمالاً. فإذا هي أكمل الناس عقلاً، وأفصحهم لساناً. فخرجت من عندها وهي تقول: ترك الخداع من كشف القناع. فذهبت مثلا. ثم أقبلت إلى الحارث، فقال لها: ما وراءك يا عصام؟ فأرسلها مثلاً. قالت: صرح المخض عن الزبدة. فذهبت مثلاً"( العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي—الموسوعة الشاملة) فالمثل –اذا- يضرب عندما يريد الشخص سبر أغوارالأمور، وكشف الأمر علي حقيقته ، لأنه ان أريد فصل الزبد عن اللبن يلجأ الناس الي طريقة "الممخضة"، بوضع اللبن في وعاء ثم تحريكه حتي ينفصل الزبد ويظهر بعد ان كان خافيا في اللبن!
نأمل لاحقا – ان شاء الله --ايراد البينة الفنية الغائبة في تلك القضايا فيما يلي من حلقات
بروفسير قريش مهندس مستشار وزميل في "الجمعية الهندسية " و خبير في المياه والنقل والطاقة والتصنيع، عمل مديرا للمركز القومي للتكنولوجيا ومحاضرا غير متفرغ بجامعة الخرطوم وبروفيسورا مشاركا في جامعتي ولاية مينيسوتا الأمريكية وجامعة الملك عبد العزيز ومستشارا لليونسكو بباريس و مستشارا للأمم المتحدة (الأسكوا) ، وخبيرا بمنظمة الخليج للأستشارات الصناعية ، وهو حائزعلي الدكتوراه الأولي له في هندسة النظم الصناعية والنقل والتي أتم أبحاثها بمعهد M.I.T.)) . كزميل "مركز الدراسات الهندسية المتقدمة" ، و حيث قام بوضع مواصفات تصميمية أولية لطائرتين تفيان بمتطلبات الدول النامية وأثبت --بالمحاكاة الرياضية علي شبكات الدول النامية-- تفوقهما علي الطائرات المعروضة ، وهو أيضا حائز علي (M. Phil.) و علي دكتوراة ثانية من جامعة مينيسوتا الأمريكية في موارد المياه بتخصص هيدرولوجيا و هيدروليكا، وعلي ماجستير اقتصاد وبحوث العمليات ، و هومجاز كعضو بارز" من قبل "معهد المهندسين الصناعيين" وكعضو من قبل "معهد الطيران والملاحة الفضائية " الأمريكي و"أكاديمية نيويورك للعلوم" والجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين" و الجمعية الأمريكية لضبط الجودة والمعهد البريطاني للنقل ". E-mail: blacknims2000@hotmail.co.
References: 1. Ahmed, Abdel Aziz. 1960. An Analysis of the Study of the Storage Losses in the Nile Basin. Paper #6102, Proc. Instn. Civ. Engrs., Vol.17. 2. Allan, W. 1954. Descriptive ote on Nile Waters 3. Botkin, D. & E. Keller.1987. Environmental Studies 4. Chaudhry, M. 1993.Open Channel Flow 5. Chow, Ven., D. Maidment & L. Mays. 1988. Applied Hydrology 6. Class Notes on Water Resources Policies –University of Minesota, 2000 7. Cunha, L. 1977. Management & Law for Water Resources 8. Dickinson, H. & K. Wedgwood. The Nile Waters: Sudan’s Critical Resource. Water Power & Dam Construction, Jan. 1982 9. Eagleson, P.S. (1994) The evolution of modern hydrology (from watershed to continent in 30 years). Advances in Water Resources 17, 3–18. 10. El Rashid Sid Ahmed .1959. Paper on Layout of Canals & Drains 11. Emil Ludwig.1936. The Nile 12. Encyclopedia of Public Int’l Law,1995, Vol. II 13. Fetter, C. Applied Hydrogeology 14. Gehm, H. et. al.1976. Handbook of Water Resources & Pollution Control 15. Guillaud, C. “Coping with Uncertainty in the Design of Hydraulic Structures: Climate Change is But One More Uncertain Parameter “, EIC Climate Change Technology, 2006 IEEE Volume 98, Issue No.5 16. Hewlett,J. 1982.Principles of Forest Hydrology 17. Houk, I. 1951.Irrigation Engineering, Vol. 1. 18. Howell, P. & M.Lock, “The Control of Swamps of the Southern Sudan” in Howell, P. & J.Allan (eds.).1994. The Nile: Sharing a Scarce Resource 19. http://www.utdallas.edu/geosciences/remsens/Nile/bluewhitenilegif.html 20. Hurst, H. 1944.A Short Account of the Nile Basin 21. Hurst, H. 1957. The Nile 22. ICID. 1961.International Problems Relating to the Economic Use o River Waters 23. ICID.1961. Int’l Problems Relating to Economic Use of Rivers 24. Jansen, P. et. al.(ed.).1971.Principles of River Engineering 25. John, P. et al Water Balance of the Blue Nile River Basin in Ethiopia 26. Maidment, D. 1992. Handbook of Hydrology 27. Mamak,W. 1964.River Regulation 28. Masahiro Murakami .1995. “Managing Water for Peace in the Middle East: Alternative Strategies”, http://unu.edu/unupress/unupbooks/80858e/80858E00.htm#Contents 29. Mays, L. 1996. Water Resources Handbook 30. MOI.1955. The Nile Waters Question 31. Monenco, 1993. Stage II Feasibility Study, Main Report, Vol. 1 32. Morrice, H. & W. Allan. 1959. Planning for the Ultimate Hydraulic Development of the Nile Valley. Proc. Instn. Civ. Engrs., Paper #6372 33. Nath, B.1996. General Report. Symposium on Economic & Optimum Use of Irrigation System. Pub. No.71 34. Office of Technology Assessment.1984. Wetland: Their Use & Regulation 35. Outers, P.1997.Int’l aw 36. Phillips, O.1967. Leading Cases in Constitutional & Administrative Law 37. Sebenius, J. 1984. Negotiating the Law of the Sea 38. Smith, R. “The Problem of Water Rights”,J. of Irrigation& Drainage. Proc. Of ASCE, December 1959 39. U.N. 1958. Integrated River Basin Development 40. Various MOI pamphlets, notes & publications 41. Waterbury, J.1979.Hydropolitics of the Nile 42. Waterbury, W. 1987.”Legal & Institutional Arrangements for Managing Water Resources in the Nile Basin”, Water Resources Development, Vol. 3 No. 2 43. Whittington, D. & K. Haynes “Nile Water for Whom? Emerging Conflicts in Water Allocation for Agricultural Expansion in Egypt & Sudan, in Beaumont, P. & K. McLachlan (eds.). 1985. Agricultural Development in the Middle East 44. Whittington, D.,J. Waterbury & E. McClelland, Towards A New Nile Waters Agreement, in A. Dinar et al. 1995. Water Quantity/Quality Management & Conflict Resolution) 45. Zelermyer, W.1964.Introduction to Business Law: A Concepual Approach 46. الرشيد سيد أحمد 1959 مشكلة مياه النيل 47. الرشيد سيد أحمد 1960 ايراد نهر النيل من مصادره المختلفة 48. الرشيد سيد أحمد 1962 وصف لحوض النيل