مجمع اللغة العربية وبروفيسور عبدالله الطيب

 


 

 

 

 

قضى اللهُ أني هكذا الدهر مُفردٌ .. وما عن قضاء الله للمرء مَزْحلُ

تَداولني الأيام بالمكر والأذى .. ومالي إلا مَعْقِل الصَّبر مـــعقل
ألا أيها القلب الذي ظل نابضاً .. سيسكتك الدهر الذي ليس يَغْفُل
ويأيُّها النفـــس اللجــــوج تئِيّةً.. زمانُك هذا بالكـــــــــرام موكل

الشاعر : بـروفيسور عبدالله الطيب

(1)

بداية تسعينات القرن العشرين:
حضرت اجتماع بالإدارة الهندسية لجامعة الخرطوم، بناء على رغبة البروفيسور" عبدالله الطيب" ( رئيس مجمع اللغة العربية ) حينذاك، ضم شخصه ودكتور" عبد النبي علي أحمد" ( مدير الإدارة الهندسية حينها ) والمهندس " صغيرون الزين صغيرون " وشخصي. وبعد مناقشة أوضاع المبنى الذي خصصته الدولة لمجمع اللغة العربية ،الذي شيدته وزارة الأشغال من طابق أرضي في ستينات القرن العشرين، على مساحة 1200 متراً مربعاً، وتفتح القطعة على شارع الجمهورية جنوب الخرطوم، ولشارع آخر صغير مواز لشارع الجمهورية جنوباً.
ناقش الاجتماع الحال الراهن للمبنى الموجود، وكيفية تطويره ليكون لائقاً ليصبح مجمع اللغة العربية. ودراسة حال المبنى الموجود وضرورة كشف أساساته واختبار إمكانية أن يسع المبنى طابقاً آخر، لأن ميزانية المبنى متواضعة بسبب ظروف البلاد الاقتصادية. اقترح البروفيسور "عبدالله الطيب" أن تقوم الإدارة الهندسية بجامعة الخرطوم باختبار الأساسات ومن ثمة التصميم والإشراف على التنفيذ، لأنه يثق في جامعة الخرطوم ومؤسساتها. اعترض دكتور "عبد النبي علي أحمد "وأبدى ضرورة موافقة إدارة الجامعة على الأمر قبل البدء وتوجيه الإدارة الهندسية مباشرة. وافق بروفيسور "عبدالله الطيب"، وبعد الاجتماع أحضر لنا موافقة كتابية من السيد وكيل الجامعة.

(2)
شرعت الإدارة الهندسية في إجراءات اختبار التربة والمباني المشيدة في الموقع، وقد سهّل الأمر أن كان الموقع ملاصقاً لمبنى الإدارة الهندسية من الناحية الغربية، الذي كان موقعه جنوب شارع الجمهورية. وبعد التأكد من القابلية الانشائية لتحمل المبنى القديم لطابق إضافي، بدأنا فوراً في وضع وثيقة المشروع ومتطلباته. وعند وضع تصور لمكتب مدير المجمع، اقترح البروفيسور عبدالله الطيب مشورة زوجته الفنانة التشكيلية في اقتراحات تصميم مكتب المدير.
*
قمتُ بالتصميم المعماري وقام دكتور "عبدالنبي علي أحمد" بالتصميمات الإنشائية، وقد شارك الجهاز الفني للإدارة الهندسية في تنفيذ التصميم. وقمنا بتجهير جداول التقديرات الهندسية التي مهدت لرفع بينات بكلفة تقديرية لتكلفة المشروع. وبما أن تدهور سعر العملة اليومي نظراً لغلق الباب بسبب عداوات التنظيم الانقلابي ضد كل الدول، والعداء السافر من بوق الإذاعة الرسمية كل صباح تسب جميع رؤساء الدول بلا استثناء، كانت التكلفة نظير أعمال التنفيذ في زمان 1991 هو( 16 ) مليون جنيه سوداني. وللاستعجال، رأينا تصوير جداول التكلفة التي تم إعدادها بقلم الرصاص، وبعد التصوير صارت الجداول رسمية. وأرسلنا معها خطاب بالتكلفة للسيد رئيس مجمع اللغة العربية. وقد جاء التصديق من وزارة المالية بنصف المبلغ المصدق كدفعة الأولى. وتم دفع القسط الثاني بعد اكتمال التنفيذ.

(3)
عند افتتاح المرحلة الأولى من المبنى عام 1993، في الساعة الحادي عشر، عزفت الموسيقى السلام الجمهوري، وحضر رئيس الانقلاب وأعضاء مجلس الانقلاب الافتتاح. وخلال خطابات الافتتاح، كان البروفيسور "عبدالله الطيب" يرتدي الزي الأفريقي، بنطال وبدلة رمادية داكنة. صار هو يجوب طاولات الحضور، يسأل عن الضيافة وخدمة الضيوف, وكان الحضور يتوكؤون على العصي، وجلهم من تلامذة بروفيسور "عبدالله الطيب". اخترنا مجلسنا عند الطاولات الأخيرة، كي نبعد عن الأضواء السياسية والإعلام.

(4)
ربما لا يصدق أحد أن لتنظيم الإخوان المسلمين حسنة في تاريخه السياسي، ولكنها حقيقة. فقد أنشأ مجمع اللغة العربية بالخرطوم ورأسها البروفيسور "عبدالله الطيب". ولم يكد يثبت الأجر وتبتلّ العروق، حتى تواثبوا في ظل هجماتهم لالتقاط اليافعين من الذكور عند الطرقات لإرسالهم لحرب الجنوب، وفاء لوعد قطعوه على أنفسهم بالقضاء على مقاومة الجنوب بالسلاح. لا يرسلون أبناءهم، بل أبناء الشعب السوداني، بلا تدريب، فقط شهران يقضونها في معسكرات الدفاع الشعبي، ثم تأتي الطائرات ليلاً لتسرق الشباب إلى حرب الجنوب.
*
طلبوا إلى البروفيسور "عبدالله الطيب"، أن يأتيهم إلى معسكر الدفاع الشعبي بالقطينة لتقديم محاضرة عن اللغة العربية!. اللهم إني أستغفرك من كل ذنب يمحق الحسنات، ويضاعف السيئات، ويحل النقمات. فها هم رجال التنظيم يمحقون حسناتهم، ويمحونها بأفعالهم التي يعرفها الجميع. لم يستجب لهم البروفيسور "عبدالله الطيب"، وقال لهم إن التراث الذي نعرفه، كان يرسل البعض أبناءهم إلى البادية لتعلم طلاقة اللسان العربي، ويتعرفون على سليقته وفصاحته، بل يتعرفون على غريب الكلمات العربية، التي كاد يهجرها العامة، إذ كانت البادية زاخرة بالعميق من ألفاظ العربية، لأنها في الأساس لغة شفهية، تنتقل بالأفواه والتعامل اليومي.

(5)
حضر البروفيسور "عبدالله الطيب" إلى مكاتبنا في الإدارة الهندسية ذات يوم، واستضفناه في مكتب مدير الإدارة الهندسية دكتور" عبد النبي علي أحمد". وسأله دكتور "عبد النبي" عن موضوع معسكر الدفاع الشعبي بالقطينة. وأوضح البروفيسور" عبدالله الطيب" أن سياسيو السلطة الإخوانية أرادوا أن يشوهوا تاريخه، وأرادوا أن يحضر ويلبس الباس العسكري في معسكر القطينة. ارتدّوا بعد أن عرفوا رأيه الصريح بأن لا يذهب للمعسكر، ورأيه أن يشكل لهم مجموعة من أساتذة مجمع اللغة العربية، ليحضر منْ يشاؤوا لمجمع اللغة العربية لأخذ جملة من المحاضرات. وأوضح أنه مدرس لغة عربية ودراسات دينية، ولم يكن سياسياً في تاريخه ولن يكون.

عبدالله الشقليني
30سبتمبر 2019

alshiglini@gmail.com

 

آراء