أزمة فرقة عقد الجلاد الحالية ، ليست أول مشكلة تضرب هذه الفرقة الرائدة منذ نشأتها في منتصف الثمانينات من القرن الماضي والى الان. واعتقد ان الفرقة نضجت بما فيه الكفاية ، وتحصنت كما ينبغي من شائعات وأقاويل وممارسات صبيانية لفرقة ماضية نحو سن الحكمة النبوية
قديماً حين كنا شباباً غض الايهاب و إسلاميين ملء السمع ، كان نفر منا يؤمن برسالة المجموعة ، التي إختطت طريقاً مغايراً تتوخى فيه الكلمة المدهشة ، والمعنى الذي يصيب شغاف القلب، واللحن المتميز الذي يناسب الكلمات الثائرة على السائد إضافة للغناء الجماعي الذي يعبر عن طريقتنا المثلى في النشيد بأشكاله المتعددة في ربوع السودان . ومنذ ارتبطنا بهم انا والاخ المحبوب عبد السلام و د. امين حسن عمر في أحيان أخر ، لم يدر بخُلدنا ان نجنّد هذه الفرقة الناهضة إلى مشروعنا الفكري والثقافي بل آثرنا ان ندعم مشروعها الفني بالنقد الراشد وتذليل العقبات ، عن طريقها خاصة في بدايات الانقاذ الاولى . كل هذه المسائل تمت من غير تدخل او شروط سوى الاخاء الصادق وصدّ الاعاصير الهوجاء حتى من أهلها انفسهم حتى لا يضيع مشروع عقد الجلاد الغنائي ، الذين يهمنا كمعجبين أولاً. اعتقد ان من عناصر نجاح المجموعة انها لم تُصنف لأي حزب او طائفة او حتى نمط موسيقي محدد فقد كانت وما زالت حرة طليقة تختار من قصائد الراحل محجوب شريف فيتغنى معها أهل السودان جميعاً من غير تصنيف او تحيز وفي تقديري هذا سحر عقد الجلاد. اذكر في بدايات التسعينيات حدث سوء تفاهم ما مع جهاز الامن وكان الفريق (أول) صلاح قوش ( عقيداً ) فذهبت في معية المحبوب عبد السلام وكانت المسألة ان بعض الاغاني ممنوعة من التداول أبرزها ( ايدينا يا ولد ) وحين ذكرنا كلمات القصيدة أثنى عليها ( قوش) وفكت من الحظر الذي لا يعلم من اين صدر .. هذه بعض المساعدات التي كانت تقدم في ذلك الزمان غير هدية اغنية ( ماشين ودشن) حيث كان المحبوب عبد السلام يرتبط بعلاقة نادرة مع الشاعر الكبير الراحل صلاح احمد ابراهيم فقدمها لهم فلحنها المبدع حمزة سليمان !! جرت مياه كثيرة تحت الجسر من ذلك الزمان ورغم الخروج العاصف للفنان الكبير عثمان النّو مؤسس الفرقة العتيق تماسكت المجموعة ، ولعقت جراحها وأستمرت إلا أن حدثت مسألة صغيرة مقارنة بالمشكلات التي مرت بها المجموعة ، دعوة الشباب الوطني للفرقة لاحياء حفل ما على اثرها ضجت منابر محدودة لصيقه بالفرقة تناهض الدعوة بحجة الانتماء السياسي للشباب الوطني ـ كما يعتقدون ـ وفي اعتقادي ان منْ يحصر القطاع الشبابي الواسع المنتمي للمؤتمر الوطني بالاسلاميين يكون منْ الذين ضيقوا واسعاً . فالشباب الطامح للبناء والثورة والتغيير من المؤكد أنه اكثر من الاسلاميين بكثيير ولا أعتقد أن الإسلاميين محرمون من الاعجاب، معجبون بفرقة عقد الجلاد . الحب وحده الذي يتجاوز اليمين او اليسار حيث يقع في حيز الامتاع والدهشة والانتماء ،اما الخبر الساقط في قاع صحيفة ما ان الفنان الرائع ( شمت ) قد اعتزل الغناء مع المجموعة على إثر هذه المشكلة آنفه الذكر او لغيرها ... حقيقة لا ادري فالسفر والمرض والغربة قد ابعدتني من المتابعة الحثيثة للفرقة التي نهوى لانها تمثل جزءاً من حلمنا ومشروعنا الثقافي رغم الانهيارات المربكة لهذا الحلم الكبير لا نريد للفنان (شمت) وهو احد ركائز المجموعة الرئيسة ان يهدم المعبد بيده او اي عنصر اخر فعقد الجلاد مؤسسه فنية كبيرة تجمع في جوفها ثلاثة اجيال شامخة . في تقديري ان الفنان ( شمت ) عليه عبء كبير في صيانة التشققات التي تتعرض لها المجموعة وان يفتح الافق حتى يتحمل الصدمات لان هذه مهمته التاريخية في الحفاظ على مولودة الذي تجاوز الطفولة والمراهقة بسلام تبقت مرحلة الشباب بتجاربها الجريئة التي لا يستطيعها سوى شمت وشريف وعركى وطارق جويلي ، وان كانوا على غير وفاق فالجماهير الهادرة تطالبهم لتناسي الخلافات كافة . اعتقد ان( حاجة آمنة ) ام سودانية كاملة الدسم ، ليست يسارية الهوى اما باب السّنط صاغها محجوب شريف ( رحمه الله ) . وهذه عبقريته التي تجاوزت كل الاطر لتغني المجموعة للشعب كل الشعب . وكما قال محمود درويش ( الايدلوجيا مهنة البوليس) !! في اعتقادي ان عقد الجلاد قادرة على تجاوز تلك المسائل لو ابعدت الموتورين الذين يعتقدون ان المجموعة ملك لأحد ، من المفترض ان يكون معلوم بالضرورة أن الفنان مبذول للجميع يغني كيفما شاء ، ولمن شاء والا انتهت الفرقة التي عاشت عقوداً في وجدان الشعب السوداني دون تقسيمه يساراً او يميناً !!!