محامو المعارضة والهيئة السودانية لحقوق الإنسان: لماذا الدفاع عن قوش؟
لا ريب أن قرار المحامين السودانيين، الذين يُصنف بعضهم كمعارضين للنظام، الذي تزامن مع قرار 'الهيئة السودانية لحقوق الإنسان'، تشكيل هيئة للدفاع عن المتهمين في المحاولة الانقلابية، وعلي رأسهم صلاح قوش، مدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات، قرار عجيب وغريب بكل المقاييس والمعايير. ذلك لأن أولئك المعتقلين لا يجوز ولا يستقيم عقلاً تصنيفهم كسجناء ضمير أو سجناء رأي، بأي وجه من الوجوه. هذه لا تعدو أن تكون تصفية حسابات داخلية للعصابة لا يجوز لعاقل أو محايد أن يحشر نفسه فيها، وأن يُترك قوش ليذوق وبال أمره. لا تثريب علي مبادرة المحامين والهيئة لو أن إزاحة قوش قد تمت لموقف سياسي معارض، أو لأنه كشف عن المخازي، أو العورات السياسية، أو الجرائم التي اُرتكبت في حق هذا الوطن والمواطن. أما فصل قوش فكان لسبب أخلاقي يتعلق بالأعراض، وعرض المواطن العادي مباح ومستباح كما هو معلوم ومفهوم. يأسف المرء إذ يصف قرار المحامين والهيئة بالسذاجة وليس المثالية، لأن الذي فعله جهاز الأمن تحت رئاسة قوش، كتلك التي كانت قبلها أو بعدها، لم يعرفه شعبنا طيلة تاريخه الطويل، والكثير منه بالمناسبة غير معروف، بل مسكوت عنه لأن التصريح به يسبب بالغ الحرج والعنت، أعني حوادث الاغتصاب التي أعرف بعضها.
وهذا القوش، الذي تنافس في الدفاع عنه المتنافسون، كان اسمه الثاني في قائمة مجلس الأمن للمسؤولين عن جرائم الحرب في دارفور، فقامت الولايات المتحدة، أثناء ولاية جورج بوش الابن، بحذف اسمه منها نسبة ما أسدي من خدمات جليلة للمخابرات المركزية الأمريكية تتعلق ب"الحرب علي الإرهاب." ذلك ما كتبه في 'نيويورك تايمز' كل من ايرك ريف، مختص شؤون السودان، وجون برينديرقاست عن 'مجموعة الأزمات الدولية.' ولمن نسي، هذا القوش كانت أخر تصريحاته، حين كان له جاهاً وجبروتاً وأجراً غير منون، هي أنه "سيبتر الأيادي والحناجر." وحتي بعد أن أضحي من المغضوب عليهم، أعلن أنه سيظل خادماً للإنقاذ، وظل يتلقي مخصصاته وامتيازاته كعضو في البرلمان الكرتوني للنظام حتي لحظة اعتقاله. ومن ناحية أخري فإن الانقلاب القوشي لو تم له النجاح، لما عمل علي تأسيس بديل ديمقراطي ليبرالي، بل لاستمر في نفس النهج الحالي باعتبار نفسه حركة تصحيحية ستكون أكثر وبالاً علي السودان، لأنها ستمنح النظام نفسه قوة دفع ذاتية تجدده وتضخ فيه دماءً جديدة بعد أن اهتراه الوهن .
يقود ذلك لأمر شبيه ثان هو إنضمام ابن العاص لتحالف 'قوي الإجماع الوطني'، كمسألة جانبها الصواب والحكمة ومنطق الأشياء، لأن هذا المنافق هو السبب الرئيسي في دمار السودان، والأب الشرعي لانقلاب يونيو 1989، وما صاحبه وأعقبه من كوارث، كأننا بحاجة لترديدها كالحملة المسعورة التي ما زالت آثارها ثقيلة الوطء تفعل فعلها بالسودانيين، من قطع الأرزاق بالتشريد من الخدمتين المدنية والعسكرية، والجهاد الذي أهلك ألوف الأرواح البريئة وفصل القطر. حتي علي مستوي السياسية الواقعية Realpolitic التي تفضل المصالح علي المبادئ، ما كان لقوي الإجماع أن تسمح لعمرو بالانضمام إليها لأنه بلا وزن في الشارع السياسي، الذي يفترض أن يحدث التغيير. مسألة عمرو مع قوش تتعلق بمصالح الوطن والمواطن وبالتالي لا يجوز أن نتعامل معها بمبدإ عفا الله عما سلف. ذانك برهانان علي أننا أمة لا تتعلم ولا تستفيد من أخطائها أو تجاربها، لذا أصبحنا نكرر النكسات، كما أصبحنا في مؤخرة وذيل الأمم. الأمم التي نهضت لم تتعلم من أخطائها وتجاربها فقط بل تعلمت، وتتعلم، من أخطاء وتجارب الأمم الأخري. شخص يستغل النظام الديمقراطي، ثم ينقلب عليه ويرأس نظاماً ستالينياً، وبعد تصفية الحسابات الداخلية الأولي للعصابة في رمضان المبارك عام 1999، وارتداد السحر علي الساحر والمكر علي الماكر، صار منادياً بحقوق الإنسان فقط بعد ذاق مرارة الحرمان منها، وفقد بريق السلطة والملكوت.
باختصار، التكرم والتطوع للدفاع عن قوش ليس دفاعاً عن حقوق الإنسان بل هو دفاع عن حقوق الشيطان، الذي لا شك أنه يستحي من أفاعيل قوش. "الحرب علي الإرهاب" كانت في جوهرها تجسساً علي المسلمين، شملت غرس عيون وسط المقاومين الذين كانوا يتوجهون للعراق أثناء الاحتلال عبر الخرطوم. بدفاعها عن قوش وزمرته، أصدرت الهيئة السودانية لحقوق الإنسان، مع المحامين "المعارضين" شهادة وفاة سياسية. إنه بلا شك أمر مناف للأخلاق ومباديء مؤسسات المجتمع المدني. علي الأقل كان الأحري توفير هذا الجهد لسجناء الضمير والرأي الذين يعانون من إملاق، بينما يدير صلاح قوش أعمالاً تجارية تُقدر بالمليارات التي نُهب أصلها ضمن ما نُهب كغنيمة من موارد البلاد.. حقاً أنها لمفارقة، نحن شعب لا نعي الدروس إذ بمقدور جلادنا أن يصبح ضحية بين غمضة عين وانتباهتها.
Babiker Elamin [babiker200@yahoo.ca]
//////////////