محاولات الصعود من الهاوية … سنتان إلى الوراء  .. بقلـم: عمـر العمـر

 


 

عمر العمر
12 September, 2021

 

إعادة تخليق مركزية قوى الحرية والتحرير تُمثّل محاولة الحائرين بغية الصعود من الهاوية.  بالإضافة إلى عمقها فإن محاولات الصعود ظلت تتسم بالإرتجال المرتبك  . فما من فريق من الفصائل الجائلة تحت سطح مشهد الأحداث يمسك بين أسنانه مشروعا سياسيا متكاملا يعينه على الصعود. هذا الجهد السيزيفي البئيس ليس غير مراوحة في المكان نفسه تفضي بممارسيه إلى الإعياء لا محالة. حصيلة حفل القاعة ليس غير خطوتين مداهما سنتان إلى الوراء. الحفل الملغوم بالتناقضات يعيدنا إلى فجر الثورة؛ بدايات التشظي وإغلاق الأبواب أمام شباب الثورة وتنظيماتهم المدنية. كل تجمّع يُستولد من وراء ظهر كل قوى الثورة يفرز تلقائيا جسما مضادا ،موازيا له في القوة إن لم يكن أكثر متانة. هذه حصيلة تؤشر لصالح الأعداء المتربصين على الضفة المقابلة.

****    ****    ****


من فضائل ثورة ديسمبر إنبثاقها بمشروع وطني مبهر وميثاق سياسي متكامل . تلك أدبيات سياسية كتبتها شعارات الثورة ‘هتافات الثوار، أشعارهم وأهازيجهم المنسربة في عروق الملايين. فأي مشروع قومي ليس غير جماع القيم الحاكمة لحركة الجماهير عبر المستقبل. ثورة ديسمبر لا تحتاج إلى ميثاق جديد أو إعلان سياسي. ساعة الثورة ظلت تنادي كل القوى الوطنية في إلحاح  إلى التلاقي على مشروع الثورة بغية تحويله إلى قاسم العمل المشترك الأعظم. كل جهد لا يصب في هذا السياق يصبح عملاً عبثياً إن لم يُدرج ضمن توصيفٍ أشدُ  قسوةً.

****    ****    ****


التباين في الرؤى مثل الصراع على السلطة من طبائع تعدد القوى السياسية كما يحدثنا التاريخ لكن لا ينبغي جموح الرؤى أو إنفلات الصراع بين الفصائل حداً يهدد سلطة الثورة أو مصيرها. كذلك يكلمنا التاريخ بأن أسلحة الصراع على المواقع في هرم السلطة تكون بأيدي أهل الخبرة وأهل الثقة. في تجربتنا الراهنة ليست تلك المعادلة. فقليلٌ هم أهل الثقة على مدرج الهرم وأقلُ منهم ذوو الخبرة. لدى كتلة قوى الثورة " الحية" قناعة ماكنة بأن كل سلطة تولد على قابلة هذه الفصائل المتناطحة على مهد المحاصصة الرثّة إنما تحمل فيروسات أمراض تلك القوى المهترئة بعلل التشرزم المزمنة.

****    ****    ****


   ذلك التلاقي الجليل هو الحد الأدنى على درب الإنجازات الوطنية. فالمهام الوطنية الملحة لا ترتهن بإحداث قطيعة كاملة مع تركة الإنقاذ أو تصفية حمولاته إبان حيز زماني وشيك. لكن استغراق القوى الوطنية في التشرذم يجسد أبغض تركة الإنقاذ. من غير الممكن إحراز تقدم على طريق الثورة مالم نبدأ بإحداث تغيير في الثقافة السياسية إذ على مدى هذا التغيير الثقافي يصبح ممكناً إحراز الإنجازات السياسية ، الإقتصادية والإجتماعية. منهج التنازع الحالي يصيب الإرادة السياسية بالشلل. هذه حال لا تفرز غير العمل العشوائي كما تبدو الأمور. تحت دخان هذا الإرتباك يراهن البعض على نجاح رأس السلطة التنفيذية في الخروج من إطار التكنوقراط المهذب إلى دور رجل المرحلة النافذ إن لم يكن مشروع رمز وطني سامق. لكن نجربة السنتين تحدثنا بأن ذلك رجاء ليس قيد المنال.

  ****    ****    ****


  مع الإيمان بأن مفصل الأزمة ليست في الأشخاص إنما هي أزمة منظومة حزبية سياسية، فإن لا أحد ينكر دور الكوادر القيادية الملهمة لدى المنحنيات الوطنية العظيمة. فالثابت عبر مسيرتنا إخفاق الفصائل السياسية في إنتاج إبداع فكري. من هنا يصبح الرهان على بعض الكوادر القيادية طقسا مرحلياً  أو  هو ضرب من الأحلام الوطنية  النبيلة. مثل هذه الكوادر ليست مطالبة فقط باستيعاب الظرف التاريخي بل كذلك صوغ برامج من شأنها دفع القوى المصطرعة داخل معسكر الثورة فوق تناقضاتها. حتما لا نشتجر في شأن نوايا حمدوك لكنا نتجادل طويلا فيما يتصل بمنهجه ووسائله في مقاربة قضايا المرحلة . هي تستوجب وجود قائد يؤمن بان القرار الوطني يتم فرضه أو إنتزاعه لا يستجدى.

****    ****    ****


   في حفل التوقيع الإسبوع الفائت استعاد الرجل إشادته الأثيرة بـ "الشراكة النموذجية بين التيار المدني والقوى العسكرية". مَن تلفّت يمنة ويسرة لم يشاهد بين الحضور أياً من الجنرالات .هي إيماءة تفتقر إلى الفطنة. تلك ليست ممارسة عابرة بل جاءت عمداً مع سبق الإصرار . هي ضمن ممارسات شراكة استعلاء العسكر طوال تجربة العامين. على نقيض ما أفصع برمة عن أعذار مقبولة أبداها البرهان فإن هناك من زعم رفض الجنرال حضور التوقيع من منطلق رفضه الإعتراف بـ "انصاف أحزاب". بغض النظر عن صدقية الزعم فلعل حضور حمدوك الحفل يثير تساؤلاً عما إذا كان الرجل  أصاب أم أخطأ؟ ففي ذلك الحضور انحياز مكشوف لشركاء مركزية ق.ح.ت ضد دعاة العودة إلى منصة التأسيس. لايقلل من ذلك ما إذا جاء حضوره عن قناعة ذاتية أم استجابة لإلحاح من قبل إثنين من مستشاريه. فإن كانت القناعة فهي مصيبة ،وإن جات الإستجابة فالمصيبة أعظم. إذ الصدمة تأتي من الثالوث.

****    ****    ****


    هذا أحد أبرز محاور التباين مع حمدوك . مع القناعة المطلقة بأهمية وجود حاضنة سياسية لسلطة الثورة فالثابت لدينا حتمية إسناد السلطة ظهرها إلى حائط شارع الثورة الشاب العريض غير القابل للإنكسار. وقودها دائم التهاب ويقينها الراسخ ضد المساومات. ذلك أكثر متانة وضمانة من هذه التنظيمات متآكلة الهياكل مبعثرة القواعد. مرة مغايرة نقول مفصل الأزمة ليست في الأشخاص  بل في المنظومة الحزبية المهترئة. في ظل هذه المنظومة تتصاعد دعوات للإصلاح مع أن غايتها التصالح مع القوى القديمة على الدروب القديمة بغية استعادة المناهج القديمة. ذلك كان مزلق إتفاق جوبا حيث منح من لا يملك من لا يستحق أكثر مما هو به جدير. ذلك تهافتٌ ضد مبادئ الثورة و موازين العدالة ، قيم المساواة ، حقوق الشعب واستحقاقات السلام و الوحدة.

****    ****    ****


aloomar@gmail.com

 

آراء