محاولة لتغيير الاتجاهات الي الأفضل … بقلم: د. طه بامكار

 


 

د. طه بامكار
2 February, 2010

 

يقول العالم وليام جيمس إن أعظم اكتشاف لجيلي، هو أن الإنسان يمكن أن   يغير حياته ، إذا ما استطاع أن يغير اتجاهاته العقلية.........نحن هذه الأيام في حاجة ماسة لمعرفة قدراتنا وامكاناتنا، ينبغي ان نتحرر من الخوف الذي يكبل حركاتنا وسكناتنا فلم الخوف ولم يبق تحتنا تحت، حتي متي سنظل خائفين هادئين وودعيين لابد للقيد ان ينكسر ولابد لليل ان ينجلي ولابد من صرخة في هذا الوادي الذي إستنسرت فيه البغاث، فما معني حياةٍ تكون فيها تابعا أبد الدهر. فكرة الإعتياد وتفكير الإعتياد يدمر فيك رغبة التغيير والابداع والمبادرة ويجعلك رهين اوضاع غير صحيحة وغير حقيقية بل وحقيرة أحيانا. هذه قصة فيل صغير قتلوا فيه روح المبادرة واستكان للتفكير المعتاد ولنا فيها عبرة........................................

     يحكي أن فيلا ابيضا عمره شهرين وقع في فخ صيادين في إفريقيا، وبيع في الأسواق لرجل ثري يملك حديقة حيوانات متكاملة. وبدأ المالك على الفور في إرسال الفيل إلى بيته الجديد في حديقة الحيوان، وأطلق عليه اسم(بيار)، وعندما وصل المالك مع بيار إلى المكان الجديد، قام عمال هذا الرجل الثري بربط أحد أرجل بيار بسلسلة حديدية قوية، وفي نهاية هذه السلسلة وضعوا كرة كبيرة مصنوعة من الحديد الصلب، ووضعوا بيار في مكان بعيد عن الحديقة، شعر بيار بالغضب الشديد من جراء هذه المعاملة القاسية، وعزم على تحرير نفسه من هذا الأسر، ولكن كلما حاول أن يتحرك ويشد السلسلة الحديدية كانت الأوجاع تزداد عليه، وبعد عدة محاولات يتعب وينام، وفي اليوم التالي يستيقظ ويفعل نفس الشيء في محاولة لتخليص نفسه، ولكن بلا جدوى حتى يتعب ويتألم وينام.  ومع كثرة محاولاته وكثرة آلامه وفشله، قرر بيار أن يتقبل الواقع، ولم يحاول تخليص نفسه مرة أخرى على الرغم من أنه يزداد كل يوم قوة ويكبر حجمه، قرر بيار ذلك وبهذا استطاع المالك الثري أن يروض الفيل بيار تمامًا. وفي إحدى الليالي عندما كان بيار نائمًا ذهب المالك مع عماله الي الحديقة وقاموا بتغيير الكرة الحديدية الكبيرة بكرة صغيرة مصنوعة من الخشب. والآن أصبح من الممكن لبيار تخليص نفسه، ولكن الذي حدث هو العكس تمامًا. فقد تبرمج الفيل على أن محاولاته ستبوء بالفشل وتسبب له الآلام والجراح. فلم يفكر في مجرد المحاولة، وكان مالك حديقة الحيوانات يعلم تمامًا أن الفيل بيار قوي للغاية، ولكنه كان يدرك أيضا ان بيار قد تبرمج علي ذلك ولن يستخدم قوته الذاتية.

     وفي يوم من الأيام زار فتى صغير مع والدته الحديقة وسأل المالك:  هي يمكنك يا سيدي أن تشرح لي كيف أن هذا الفيل القوي لا يحاول تخليص نفسه من هذه الكرة الخشبية الصغيرة ؟ فرد الرجل: بالطبع أنت تعلم يا بني أن الفيل بيار قوي جدًا ويستطيع تخليص نفسه في أي وقت، وأنا أيضًا أعرف هذا، ولكن بيار لا يعلم ذلك ولا يعرف مدى قدرته الذاتية..............................

  مثل هذا الفيل تماما تبرمج معظم الناس،تبرمجوا على تصرفات غريبة فيها كثير من الخنوع والخضوع. وذلك بسبب الضغوط الاقتصادية والخوف الشديد من السلطة الحاكمة ، تصرفات تجعلك تشك في صحة تاريخ النضال في السودان، وتشعر بأحاسيس سلبية تجاه هذا الانتكاس وهذا الارتهان وهذا الخوف الغريب، كيف لهذا الشعب العريق آن يرهن إرادته ويركع؟ من أين تجرع هذا الخوف ومتي؟ كيف تم ذلك ولمصلحة من يصمت هذا المارد؟ غريبٌ جدا آن يتصرف هذا الشعب تمامًا مثل الفيل بيار ويصبح سجينا في برمجته السلبية وكورته الخشبية، واعتقاده السلبي الذي يحد من حصوله على ما يستحق في الحياة.

     إن التغيير هو الأمر الوحيد الثابت و هو أمر حتمي ولا بد منه، فالحياة كلها تتغير والظروف والأحوال تتغير حتى نحن نتغير من الداخل فلابد من مساحات حرة مستقلة لمراجعة ما يحدث فالاتباع الأعمي إلغاء للفكر وقتل للإبداع، فمع إشراقه شمس يوم جديد من الحرية يزداد عمرك يومًا، وبالتالي تزداد تجاربك و خبراتك وثقافاتك ويزداد عقلك. المهم أن نحقق عملية التغيير كي نعمل من أجل الحرية الحقيقية. المهم ان لا نخاف أكثر من اللازم. التغيير لابد منه إما حياة تسر الصديق واما ممات يغيظ العدا. و الإنسان إن لم يستطع ان ينتفض ويختار توجيه دفة التغير للأفضل فسيتغير للأسوأ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن للإنسان أن يغير نفسه و كيف يمكنه أن يستشعر التغيرات الخارجية من حوله ليواكبها بتغير داخلي يمكنه من الارتقاء و السمو. إن الفيل بيار تغير هو في نفسه فازداد حجمًا وازداد قوة، وتغيرت الظروف من حوله فتبدلت الكرة الحديدية الكبيرة إلى كرة خشبية صغيرة، ومع ذلك لم يستغل هو هذا التغيير ولم يوجهه، ولم يغير من نفسه التي قد أصابها اليأس ففاتته الفرصة التي أتته كي يعيش حياة أفضل.  نحتاج أن نبرمج أنفسنا إيجابيا و نستشعر التغيير الخارجي ونتعايش مع الظروف و نطوعها لصالحنا لكي نكون سعداء ناجحين نحي حياة طيبة كريمة نحقق فيها ذاتنا وأحلامنا وأهدافنا.

    إن الله تعالى ـ قد دلنا على الطريق إلى الارتقاء بأنفسنا وتغيير حياتنا إلى الأفضل فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد:11.

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد دلنا على الكيفية التي نغير بها أنفسنا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ('ومن يستغن يغنه الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يتصبر يصبره الله'). كل واحد فينا من الممكن له أن يستشعر التحولات الخارجية و يوظفها من اجل تطوير ذاته و من السهل عليه أن يتغير للأفضل، وكلما ازداد فهمه لنفسه وعقله أكثر كلما سهل عليه التغير ولكن من المهم أن تتذكر دائمًا إن التغيير يحدث عندما نتحرر نحن من الخوف وعندما نقول لا لمن أراد أن يسلب حريتنا. هذه الانتخابات فرصة لاختيار القوي الأمين الذي يعبر عن أشواق وهموم المغلوبين علي أمرهم ،وفرصة لمراجعة كل المواقف السابقة، وفرصة للتصادق والمصارحة مع النفس، وفرصة للتعبير بدون مواربة وبدون خوف وراء ذلك الستار الذي يحفظ سرك.

 

Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]

 

آراء