محمد ابراهيم نُقد (3) .. وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر
د. زهير السراج
30 September, 2023
30 September, 2023
manazzeer@yahoo.com
فلسفة الاختفاء لدى الحزب الشيوعي
تخليدا لذكرى المناضل الجسور والسكرتير السياسي السابق الأستاذ (محمد ابراهيم نُقد)، أعيد نشر هذه الحلقات التي نُشرت بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب في سبتمبر، 2009، وهو المؤتمر الأخير الذي حضره (نُقد) له الرحمة والمغفرة.
اختفاء (نُقد)!
نُشر في: 2009-01-26
* قلت في المقال السابق ان (الإختفاء) محطة سياسية مهمة ومضيئة في تاريخ الأستاذ (محمد ابراهيم نُقد).. ولكنه – أي الإختفاء – أكبر من ذلك، فهو ليس محطة فقط، ولا سياسية فقط، ولا في تاريخ الأستاذ (نُقد) فقط، وإنما هو مرحلة تاريخية كاملة بكل جوانبها في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، بل هو السبب الرئيسي الثاني، بعد المنهج الماركسي، في بقاء وصمود الحزب الشيوعي السوداني حتى هذه اللحظة!
* يعتقد البعض ان الهدف الرئيسي من (الاختفاء) هو حماية قادة الحزب، والحفاظ على حياتهم من الخطر، وهو اعتقاد صحيح، ولكن ليس على إطلاقه! فالهدف الأساسي من (الإختفاء)، ليس فقط حماية قادة الحزب والأشخاص المؤثرين فيه، وإنما حماية الحزب، والمحافظة على حيويته وبقائه، وتوفير حرية الحركة لقادته للعمل بعيداً عن المراقبة والمضايقة والاعتقال، وكل الأشكال والأنشطة الأخرى التي تهدر الوقت وتشتت الجهود، بما في ذلك المجاملات الاجتماعية أو اللقاءات مع الزوار من السياسيين والدبلوماسيين الأجانب .. الخ.
* حدثني الأستاذ (عبد الله نُقد) الشقيق الأصغر للأستاذ (محمد ابراهيم نُقد)، أنه احتج على الأستاذ (محمد ابراهيم نُقد) عندما قررت أجهزة الحزب نزوله تحت الأرض والعودة للاختفاء مجدداً في عام 1994، مبرر ذلك بأن الاختفاء يُضيع عليه – أي على الأستاذ محمد ابراهيم نُقد، فرصة اللقاء مع السياسيين والدبلوماسيين الأجانب الذين يزورون السودان، خاصة بعد ان صار الحزب الشيوعي السوداني، والأستاذ (محمد ابراهيم نُقد) على وجه الخصوص، قبلة السياسيين الأجانب، الزوار أو المقيمين بالسودان، للتفاكر حول الشأن السوداني، الأمر الذي يعني ضياع هذه الفرصة على الحزب لشرح وجهة نظره عندما يختفي قادته وعلى رأسهم سكرتيره العام، تحت الأرض، وكان رد الأستاذ (ُنقد) ان وجهة نظر الحزب صارت معروفة للكل، كما انها يمكن ان تصل لأي شخص عبر وسائل أخرى، بما في ذلك اللقاءات المباشرة المكشوفة مع أعضاء الحزب الموجودين فوق الأرض، إلا ان استمرار العمل اليومي للحزب، وممارسته لأنشطته بشكل طبيعي، وبقدر كبير من حرية الحركة بعيداً عن الرقابة والمضايقات والاعتقالات.. يتطلبان النزول تحت الأرض والاختفاء، وممارسة العمل السري!
* وبالضبط، كان هذا ما يحدث في كل حالات الاختفاء التي مر بها الحزب خلال تاريخه الطويل، فقد وفر له (الاختفاء) الوقت وحرية الحركة، للتفكير والحوار وعقد الاجتماعات والاتصال ليس بعضويته فقط، وإنما بآخرين، واتخاذ القرار والتنفيذ بتأنٍ واتقان، بعيداً عن عيون الرقابة والمضايقات والاعتقالات، وتبديد امكانيات الحزب في توفير الحماية لقادته، وعليه يمكن القول بلا أدنى شك ان (الاختفاء) لعب دوراً كبيراً في بقاء الحزب وصموده وحيويته، وليس العكس كما يظن البعض!
* تخيلوا معي ماذا كان سيحدث للحزب، لو ظل الأستاذ (نُقد) أو كوادر الحزب التي نزلت تحت الأرض في حقب سياسية مختلفة، فوق الأرض تواجه الرقابة اللصيقة والمضايقات والاعتقالات، وربما ما هو أفظع من ذلك... فهل كان بمقدور الحزب ان يحافظ على بقائه ونشاطه؟!
* صحيح ان الحزب تأثر كثيراً باختفاء كوادره القيادية والنشطة، وفقد بعض ديناميكيته وحضوره في الساحة وعدداً لا يستهان به من عضويته، بالاضافة الى فقدان الاتصال اليومي المباشر بعدد من الكوادر المهمة، ولكن هل تُقارَن هذه الخسائر بوجود واستمرار الحزب؟!
* بالتأكيد (لا)، والدليل ان الحزب برغم (فلسفة) الاختفاء والعمل السري التي ظل يلجأ اليها سنوات طويلة لحماية بقائه وممارسة انشطته، هاهو يخرج الآن بعد فترة اختفاء طويلة ظنها البعض (ركوداً)... ليعقد مؤتمره الخامس، بكل هذه الديناميكية والتنظيم الدقيق .. والجماهيرية الواسعة!
* فضلاً عن ذلك، فإن ما يظنه البعض (اختفاءً) أو (ركوداً)، هو في حقيقة الأمر ليس كذلك، وإنما عمل دؤوب ولكنه (سري) بعيداً عن الأضواء والعيون، وإذا أخذنا كمثال على ذلك الأستاذ (نُقد) الذي اختفى ثلاث مرات خلال رحلته الطويلة مع الحزب الشيوعي، أولها خلال سنوات الحكم العسكري الأول، وثانيها واطولها خلال سنوات الحكم العسكري الثاني، وثالثها، وربما ليس اخرها، خلال سنوات الانقاذ، فإنه ظل يحضر اجتماعات الحزب بشكل منتظم، ويلتقي بعدد كبير من كوادر الحزب، وبكوادر الأحزاب الأخرى وقياداتها، بل ويجامل في بعض المناسبات الاجتماعية، بالاضافة الى القراءة والبحث والتأليف والتحضير الفكري والعملي لاجتماعات الحزب، ومنها المؤتمر الخامس، الذي ابتدر الأستاذ (نُقد) التحضير له خلال فترة الاختفاء الأخيرة، ولولا ثغرة في التأمين الحزبي، جعلت جهاز الأمن يصل الى بعض وثائق الحزب، خلال مداهمة الاستاذ في مقر اقامته قبل أيام قليلة من الموعد المقرر لظهوره الى العلن لانعقد المؤتمر الخامس قبل وقت طويل من الموعد الحالي .. وأرجو ان أجد الفرصة مستقبلاً للحديث عن تلك (الثغرة) بعد جمع المعلومات المطلوبة!
* بقي ان أقول ان (الاختفاء) بكل فلسفته وجوانبه، لم يكن (ممكناً) لولا المساعدة التي وجدها الحزب من كثيرين جداً ليست لهم صلة من قريب أو بعيد بالحزب الشيوعي السوداني، وهو ما يفسر لماذا ظل (نقد) وقادة الحزب يشكرون الشعب السوداني، كلما سنحت لهم الفرصة، على توفير (الحماية والأمن والرعاية) للحزب الشيوعي السوداني، وعضويته عوضاً عن الأشياء الأخرى!
ويتصل الحديث بإذن الله .. انتظروني
فلسفة الاختفاء لدى الحزب الشيوعي
تخليدا لذكرى المناضل الجسور والسكرتير السياسي السابق الأستاذ (محمد ابراهيم نُقد)، أعيد نشر هذه الحلقات التي نُشرت بالتزامن مع انعقاد المؤتمر العام الخامس للحزب في سبتمبر، 2009، وهو المؤتمر الأخير الذي حضره (نُقد) له الرحمة والمغفرة.
اختفاء (نُقد)!
نُشر في: 2009-01-26
* قلت في المقال السابق ان (الإختفاء) محطة سياسية مهمة ومضيئة في تاريخ الأستاذ (محمد ابراهيم نُقد).. ولكنه – أي الإختفاء – أكبر من ذلك، فهو ليس محطة فقط، ولا سياسية فقط، ولا في تاريخ الأستاذ (نُقد) فقط، وإنما هو مرحلة تاريخية كاملة بكل جوانبها في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، بل هو السبب الرئيسي الثاني، بعد المنهج الماركسي، في بقاء وصمود الحزب الشيوعي السوداني حتى هذه اللحظة!
* يعتقد البعض ان الهدف الرئيسي من (الاختفاء) هو حماية قادة الحزب، والحفاظ على حياتهم من الخطر، وهو اعتقاد صحيح، ولكن ليس على إطلاقه! فالهدف الأساسي من (الإختفاء)، ليس فقط حماية قادة الحزب والأشخاص المؤثرين فيه، وإنما حماية الحزب، والمحافظة على حيويته وبقائه، وتوفير حرية الحركة لقادته للعمل بعيداً عن المراقبة والمضايقة والاعتقال، وكل الأشكال والأنشطة الأخرى التي تهدر الوقت وتشتت الجهود، بما في ذلك المجاملات الاجتماعية أو اللقاءات مع الزوار من السياسيين والدبلوماسيين الأجانب .. الخ.
* حدثني الأستاذ (عبد الله نُقد) الشقيق الأصغر للأستاذ (محمد ابراهيم نُقد)، أنه احتج على الأستاذ (محمد ابراهيم نُقد) عندما قررت أجهزة الحزب نزوله تحت الأرض والعودة للاختفاء مجدداً في عام 1994، مبرر ذلك بأن الاختفاء يُضيع عليه – أي على الأستاذ محمد ابراهيم نُقد، فرصة اللقاء مع السياسيين والدبلوماسيين الأجانب الذين يزورون السودان، خاصة بعد ان صار الحزب الشيوعي السوداني، والأستاذ (محمد ابراهيم نُقد) على وجه الخصوص، قبلة السياسيين الأجانب، الزوار أو المقيمين بالسودان، للتفاكر حول الشأن السوداني، الأمر الذي يعني ضياع هذه الفرصة على الحزب لشرح وجهة نظره عندما يختفي قادته وعلى رأسهم سكرتيره العام، تحت الأرض، وكان رد الأستاذ (ُنقد) ان وجهة نظر الحزب صارت معروفة للكل، كما انها يمكن ان تصل لأي شخص عبر وسائل أخرى، بما في ذلك اللقاءات المباشرة المكشوفة مع أعضاء الحزب الموجودين فوق الأرض، إلا ان استمرار العمل اليومي للحزب، وممارسته لأنشطته بشكل طبيعي، وبقدر كبير من حرية الحركة بعيداً عن الرقابة والمضايقات والاعتقالات.. يتطلبان النزول تحت الأرض والاختفاء، وممارسة العمل السري!
* وبالضبط، كان هذا ما يحدث في كل حالات الاختفاء التي مر بها الحزب خلال تاريخه الطويل، فقد وفر له (الاختفاء) الوقت وحرية الحركة، للتفكير والحوار وعقد الاجتماعات والاتصال ليس بعضويته فقط، وإنما بآخرين، واتخاذ القرار والتنفيذ بتأنٍ واتقان، بعيداً عن عيون الرقابة والمضايقات والاعتقالات، وتبديد امكانيات الحزب في توفير الحماية لقادته، وعليه يمكن القول بلا أدنى شك ان (الاختفاء) لعب دوراً كبيراً في بقاء الحزب وصموده وحيويته، وليس العكس كما يظن البعض!
* تخيلوا معي ماذا كان سيحدث للحزب، لو ظل الأستاذ (نُقد) أو كوادر الحزب التي نزلت تحت الأرض في حقب سياسية مختلفة، فوق الأرض تواجه الرقابة اللصيقة والمضايقات والاعتقالات، وربما ما هو أفظع من ذلك... فهل كان بمقدور الحزب ان يحافظ على بقائه ونشاطه؟!
* صحيح ان الحزب تأثر كثيراً باختفاء كوادره القيادية والنشطة، وفقد بعض ديناميكيته وحضوره في الساحة وعدداً لا يستهان به من عضويته، بالاضافة الى فقدان الاتصال اليومي المباشر بعدد من الكوادر المهمة، ولكن هل تُقارَن هذه الخسائر بوجود واستمرار الحزب؟!
* بالتأكيد (لا)، والدليل ان الحزب برغم (فلسفة) الاختفاء والعمل السري التي ظل يلجأ اليها سنوات طويلة لحماية بقائه وممارسة انشطته، هاهو يخرج الآن بعد فترة اختفاء طويلة ظنها البعض (ركوداً)... ليعقد مؤتمره الخامس، بكل هذه الديناميكية والتنظيم الدقيق .. والجماهيرية الواسعة!
* فضلاً عن ذلك، فإن ما يظنه البعض (اختفاءً) أو (ركوداً)، هو في حقيقة الأمر ليس كذلك، وإنما عمل دؤوب ولكنه (سري) بعيداً عن الأضواء والعيون، وإذا أخذنا كمثال على ذلك الأستاذ (نُقد) الذي اختفى ثلاث مرات خلال رحلته الطويلة مع الحزب الشيوعي، أولها خلال سنوات الحكم العسكري الأول، وثانيها واطولها خلال سنوات الحكم العسكري الثاني، وثالثها، وربما ليس اخرها، خلال سنوات الانقاذ، فإنه ظل يحضر اجتماعات الحزب بشكل منتظم، ويلتقي بعدد كبير من كوادر الحزب، وبكوادر الأحزاب الأخرى وقياداتها، بل ويجامل في بعض المناسبات الاجتماعية، بالاضافة الى القراءة والبحث والتأليف والتحضير الفكري والعملي لاجتماعات الحزب، ومنها المؤتمر الخامس، الذي ابتدر الأستاذ (نُقد) التحضير له خلال فترة الاختفاء الأخيرة، ولولا ثغرة في التأمين الحزبي، جعلت جهاز الأمن يصل الى بعض وثائق الحزب، خلال مداهمة الاستاذ في مقر اقامته قبل أيام قليلة من الموعد المقرر لظهوره الى العلن لانعقد المؤتمر الخامس قبل وقت طويل من الموعد الحالي .. وأرجو ان أجد الفرصة مستقبلاً للحديث عن تلك (الثغرة) بعد جمع المعلومات المطلوبة!
* بقي ان أقول ان (الاختفاء) بكل فلسفته وجوانبه، لم يكن (ممكناً) لولا المساعدة التي وجدها الحزب من كثيرين جداً ليست لهم صلة من قريب أو بعيد بالحزب الشيوعي السوداني، وهو ما يفسر لماذا ظل (نقد) وقادة الحزب يشكرون الشعب السوداني، كلما سنحت لهم الفرصة، على توفير (الحماية والأمن والرعاية) للحزب الشيوعي السوداني، وعضويته عوضاً عن الأشياء الأخرى!
ويتصل الحديث بإذن الله .. انتظروني