محمد جلال وعبد الله وكمير سقطوا في الامتحان !!

 


 

 

الحرب أيقظت النعرات الجهوية الصارخة لمن يعتقدون في صفوية الدولة ونخبوية الحكم، قلبت قوات الدعم السريع الطاولة في وجه المستكينين لروتين الاستهبال السياسي الممتد لثمان وستين عاماً، لم يفق النخبويون الصفويون من غفوتهم إلّا بعد أن اكتسح الأشاوس معاقل المؤسسة العسكرية التي كرّست للفصام المجتمعي مذ تأسيسها، فاشتعلت قلوب الذين ظنوا أن الإيقاع الواحد لن يتوقف عن العزف مهما تكالبت صروف الدهر، فرأينا غضبة البروفسير محمد جلال هاشم على هذه القوة الحديثة التي لم تفعل غير الصواب، وقرأنا للبروفسير عبدالله علي إبراهيم مقالات ناقدة لصولات وجولات الأسد الهصور، الداعم للقوات المسلحة في مسيرة ضعفها المتوالية هندسياً، وسمعنا لصوتيات الدكتور الواثق كمير وهو يجتهد في تبرير سحق (القادمين من غرب افريقيا)، شاحذاً همم الجهويين لدحر (الغزو الأجنبي)، هكذا انكشف قناع الزيف الذي أخفى الوجه الحقيقي لرجل السياسة المؤمن بقدرية الجغرافيا وحتمية التفوق الحضاري، ولو لم تعتدي كتائب علي كرتي على القوات المسلحة السودانية الشرعية (قوات الدعم السريع)، لما سرى تيار الوعي العميق في عروق الجيل الحاضر الوارث لخطل الدولة القديمة، فرب ضارة نافعة، وقد نفع الإضرار الذي خلّفته آلة الدمار الاخوانية الأجيال الآنية التي شقت طريقاً من بين صخور الواقع الصماء، وهزمت كبرياء العقول الجوفاء، المستمسكة بأوهام الماضي الرعناء.
ومن بين ركام هذا الانحطاط النخبوي البئيس، أضاءت أيقونات الحرية والسلام والعدالة ظلمة النفق، الأيقونات التي تمثلت في قادة عظام الشأن وصغار السن مقارنة بالديناصورات – جلال وعبدالله وكمير – وما قضوه من سنين كانت حفلت بالخطب السياسية والعصف الفكري، والحماس (الوطني) الرافض لهوس الاخوان المسلمين، هذه الأيقونات هي كيكل وأبو شوتال وهاشم بدر الدين، وآخرون سوف تنبتهم أرض النهر، وكما علّمتنا تجربة الثورة الأم التي قادها الإمام الأكبر أن السودان يخدمه الصوفيون الصادقون الخالصون، ويخرجه من مأزقه الزاهدون المتراصون صفاً مع الضعفاء والمستضعفين، والشاهد على تاريخ بلادنا القديم والحديث يرى أن المُخلّص (بتشديد اللام) دائماً ما يأتي من أقصى المدينة أشعث أغبر يستهزيء به الناس، حتى إذا قوي عوده نهض واشرأب لحمل لواء التغيير وأحال الدنيا إلى عدل ورخاء، بعد أن عاس فيها الظالمون فساداً وسفكاً للدماء، وليس بالضرورة أن يكون هذا الأشعث من أصحاب الياقات البيضاء ولا من خريجي السوربون وهارفارد وأكسفورد، وإنّما الحكمة هي الهادية لمسير هذا المنقذ إلى طريق الرشاد وسبيل الحق، ولو كان الرشد يأتي بالوجاهات الأكاديمية لكان الدكتور الراحل حسن الترابي خير من وضع البلاد على جادة الطريق الموصل لرفاه المجتمع، لكن الحكمة يؤتيها الحكيم الأعظم من يشاء، وقد قيل في الحديث: (إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره).
عندما ينهزم الكبار أمام وشيجة الجهة ينهض الصغار لحمل لواء الوطن الواحد، وقد شهدنا ذلك في ميادين ثورة شباب ديسمبر حينما كسروا قيد العقد الجهوية، بالتوافق على عقد اجتماعي تلقائي غير منصوص، ودستور سوداني وجداني لا يعتمد على بروتكول أداء القسم داخل القصور المنيفة، وجاء صغار أشاوس قوات الدعم السريع من نفس سن الديسمبريون، ليقدموا لنا نحن الكهول محاضرات مجانية في الصمود والتضحية والذود عن حياض الوطن بالدم، ونقول للديناصورات ما قاله الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح لغرمائه (لقد فاتكم القطار)، فالزمان ما عاد هو ذلك الزمان الذي يتكيء فيه النخبويون على الأرائك ينفثون الحمم السوداء من دخان تبغ السيجار، ولم يعد الترف الفكري والحديث المفعم بالاستدرارات العاطفية يفيد جيل اليوم الممسك بالمقود، والمحدد لمصير البلاد ووجهتها، فهو جيل ممسك بالرايتين، راية الثورة السلمية وعلم الحرب المفروضة على الناس، من قبل الذين ثار الشعب من أجل إزالتهم من وجودهم المعطّل لعجلة التقدم والازدهار، فما يهرف به الثلاثي الشائخ جلال وعبدالله وكمير، يشبه إلى حد بعيد سوء الخاتمة الفكرية، فقد قضوا حيواتهم في منافحة الفكر الاخواني المتطرف الذي زج بالبلاد في أتون حروب ظالمة انتهت بحرب الخرطوم المؤشرة على قرب الوصول الى آخر محطات العبث الاخواني، ليختموا مسيرهم بخدمة اجندة الاخوان.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

 

 

آراء