محمود ومحمود – غريبان في عالمين

 


 

 

Edward Thomas, Islam’s Perfect Stranger: The Life of Mahmud Muhammad Taha, Muslim Reformer of Sudan, I.B. Tauris, London & New York (2010)

ادوارد توماس «غريب الإسلام الحق: حياة محمود محمود طه، إصلاحي السودان المسلم»، تاورس للنشر، لندن ونيويورك (٢٠١٠)

مجدي الجزولي

انعقدت في جامعة الخرطوم يوم ١٨ يناير ندوة في مناسبة ذكرى إعدام شهيد فكره ونضاله الأستاذ محمود محمد طه، أمها طلاب في عشرات قليلة. في ذات اليوم، نجح أعضاء الحزب الجمهوري، عشرات قليلة من النساء والرجال، تحت قيادة الأستاذة أسماء محمود محمد طه، في تسليم مذكرة لوزير العدل مطالبين فيها بإلغاء الحظر المفروض على حزبهم. السلطات التي عرقلت تسليم المذكرة منعت انعقاد ندوة مسائية في جامعة الأحفاد في مناسبة ذكرى إعدام الشيخ الشهيد (١). سوى ذلك، حرمت جهة رسمية على قناة الشروق بث حوار مع الأستاذة أسماء في ذكرى إعدام والدها، ذلك بعد أن بثت القناة في ترويجها للحلقة جانبا من الحوار قالت فيه أسماء أن والدها “لم يكن يصلي الأوقات الخمسة” مضيفة أنه كان “لا يصلي الصلاة ذات الركوع والسجود،” وأفادت أنها كانت “تعتقد بحصول معجزة تؤدي إلى عدم إعدامه”(٢). في ذات المناسبة العام الماضي أوقفت السلطات نشاط مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي بأم درمان وفضت الاحتفال بذكرى الإعدام الثلاثين(٣).

جاورت ذكرى إعدام الأستاذ محمود، والتي أصبح لها في واقع الأمر تاريخ رسمي إذا جازت العبارة تنعقد فيها السمنارات الأكاديمية في أكثر من جامعة حول العالم ضمن الدراسات الإسلامية والافريقية ويرصدها المدافعون عن حقوق الإنسان، في الأعوام الثلاثة الماضية ذكرى وفاة المرحوم محمود عبد العزيز (الحوت) في ١٧ يناير، وهي في عرف محبيه مناسبة لاستعادة الحوت إلا جسده؛ الحواته مأخوذون بحبيبهم حد التماهي، يحاكون هيئته وزيه وحلاقة ذقنه، فهو بطلهم الحي، بل يقول شعارهم “الحوت لا يموت”. اجتمع في مناسبة الذكرى الثالثة هذا العام الآلاف من من الشباب، إناث وذكور، في استاد المريخ مرددين “الجان الجان نجم السودان”، بثت بي بي سي العربية تقريرا عن الحفل، وانضم للحواتة رجال البوليس في الأستاد، تقاطعت سواعدهم أمام صدورهم بشارة الحواتة المعروفة أمام عدسات الكاميرات.. فهم كذلك حواتة على طريقتهم. شرح ممثل عن الحواتة أنهم حركة اجتماعية ترعى الأيتام والمعاقين والضعفاء من كل نوع انعقدت بينهم زمالة نبيلة في الحق والخير والجمال، تستقي قيمها من بعض أثر الحوت في أنفسهم. والواقع أن الحواتة أفلحوا في التنظيم لمساعيهم حيث فشلت قوى سياسية واجتماعية يشار إليها بالبنان في حشد الناس للعمل الجماعي سوى ما كان تهريجا بالجماهير لا عملا في وسطها كما في العبارة اليسارية الرائجة. استفز الحواتة الرأي المتعلم أيما استفزاز فرد تقدمي في سطوة الدكتور حيدر إبراهيم في مقالة بجريدة الصحافة عام ٢٠١٠ الحوت إلي ما أسماه “ثقافة التدين الاستهلاكي المعولم”واعتبره نموذجا ل”الإنسان المهدور”، بل اعتبره “هدية السماء للنظام الإنقاذي الشمولي الثيوقراطي”، سنده في ذلك دراسة لمصطفى حجازي صاحب كتاب «التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور»(٤). أنصفه في المقابل الدكتور عبد الله علي إبراهيم الذى عد الحوت رمزا لثقافة صغرى اعتزلت الثقافة الكبرى ذات الاعتبار وترعرع في كنفه جيل اعتزل الحكومة والمعارضة على السواء، وتحرر به من القهر الحكومي ومن حنين المعارضة اليائسة إلى «الزمن الجميل»، فوجد الجيل في الحوت “سببا للقول بأن الزمن الجميل ما يزال أمامنا”(٥). لم يعدم الحواتة من يكتب جانبا من ثقافتهم الصغرى على وقع سيرة الحوت؛ تصدى لذلك مؤخرا محمد فرح وهبي، الصحفي والإذاعي، في «سارق الضوء:كتابة توثيقية تحليلية عن محمود عبد العزيز».

حفزني التناقض بين آلاف استاد المريخ في ١٧ يناير وعشرات جامعة الخرطوم في ١٨ منه على مراجعة كتاب الصديق العزيز ادوارد توماس “غريب الإسلام الحق” عن حياة الأستاذ محمود محمد طه، منتبها هذه المرة إلى الحواجز القائمة بين مشاغل الصفوة صاحبة الثقافة الكبرى من جهة وبين حياة عامة الناس والثقافة الشعبية من جهة أخرى، إلى القنوات الواصلة والمنسدة بين الإثنين وإلى المصاعب التي تكتنف مساعي الصفوة في التبشير بما ترى بين جمهور الناس. لعل مثال الأخوان الجمهوريين يناسب الموضوع من جهة أن الجمهوريين في عصر تمددهم إبان حكم جعفر نميري استنفذوا وسائل الإتصال الجماهيري المتاحة لهم، المنشور والكتيب والمحاضرة العامة، ذلك في ساحة تكاد تخلو من المنافسة السياسية، مستفيدين من حلف غير معلن مع نظام مايو أتاح لهم حرية الدعوة والتنظيم، على الأقل حتى المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ التي عادت بالحركة الإسلامية إلى العمل العلني. بخلاف الحزب الشيوعي، الذي وصمه الأعداء بالإلحاد وظلت تلاحقه دعاوى الغربة الثقافية، توسط السودان جغرافية الجمهوريين العقدية والفكرية، وبالضرورة السياسية، فهو في عبارة الأستاذ محمود “مركز دائرة الوجود”، حفظت عناية السماء “على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض بأسباب السماء”(٦).

كتب إدي، كما نناديه تحببا لدماثة خلقه وطيب معشره ولين قوله، هذا إلي جانب كونه فوال موهوب تتحول علبة الفول المصري في لندن على يده طلبا مصلحا ينافس به فوالي أم درمان المهرة، كتابه “غريب الإسلام الحق” من أصل رسالته للدكتوراة في قسم الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط في جامعة إدنبره. يتصدر الكتاب الحديث النبوي الشريف “بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء”، حديث يتكرر الاستدلال به عند الأستاذ محمود في الإشارة إلى “جاهلية القرن العشرين” والاستعداد لتلقي الرسالة الثانية من الإسلام. يشير إدي في مقدمة كتابه إلى المنافسة داخل الإسلام على الشرعية التي يضفيها هذا الحديث، فهو من مختارات المجموعات الإسلامية المقاتلة، بل هو مفضل عند كل من يريد تحدي المساومة الكبرى بين أقطاب الإسلام السني والقادة السياسيين المسلمين(٧)، المساومة التي تكبت كل احتمال جذري في الإسلام وتحافظ على سلطة الدولة والايديولوجيا الدينية التقليدية. تقصى إدي سيرة الأستاذ محمود من النشأة بين رفاعة وهجليج أول القرن العشرين حتى إعدامه في سجن كوبر بالخرطوم وشمس القرن ترنو نحو المغيب، راصدا الصلات والتقاطعات والانقطاعات ما بين آراء الأستاذ في الإسلام والسودان والتاريخ الذى أحاط بها بما في ذلك قضايا الصراع الطبقي ومعضلات الإثنية والعرق وحواجز الكتابة بالتعارض مع الشفاهة وتحولات الهجرة بل حتى المعمار والنكات. في ذلك، لم يكتف إدي بالبحث في تراث الأستاذ من أعمال مكتوبة ومحاضرات مسجلة أو بالمقابلات العديدة التي أجراها مع معاصريه وتلاميذه بل قلب حتى المقررات المدرسية واستعان بكتاب البروفسير حامد أحمد ضرار عن العادات الغذائية في السودان وتحولاتها(٨)، على سبيل المثال كسرة الذرة المحلية (طعام العوام) ورغيف القمح المستورد (طعام الصفوة)، لفهم العالم الذي عاش فيه الأستاذ محمود فشكل منه وبثه آراءه.

كفرت محكمة المهلاوي الأستاذ محمود وقضت بإعدامه في يناير ١٩٨٥ لكن للتكفير في السودان تاريخ، فهو من عتاد «الإصلاح» الديني. كلما نهضت دعوة للبعث الديني احتاجت مقاييس جديدة لتعريف ما هو «صحيح» إسلاميا ونشأت فرصة لدمغ المسلمين من المناوئين الذين يتأخرون عن التصديق بالكفر. بالدرجة الأولى، اتخذ مسلمون ومسيحيون من تجار الرقيق حقيقة أن الجنوبيين ليسوا مسلمين مبررا لاسترقاقهم. غير ذلك، دخل التكفير عاملا في الصراع السياسي بين الطرق الصوفية؛ كفر الختمية المجذوبية لمعارضتهم الحكم التركي. كما كان التكفير فاعلا في مناهضة الاستعمار فالإمام المهدي كفر الحكام الأتراك ومن والاهم. خلص إدي إلى أن التكفير سلاح ايديولوجي يتيح فرض استقطاب اجتماعي بغرض حشد الدعم لمجهودات بناء الدولة الإسلامية. استعان الإمام المهدي بالتكفير لبناء حركة وطنية تناهض الختمية التي كانت توالي الحكم التركي وعارضت المهدية منذ البداية. قضت قيادة الختمية كامل الفترة المهدية في المنفى المصري وجازى الانجليز السيد علي باكرا على وفائه حيث نال لقب فارس عام ١٩١٥ بينما لم ينل السيد عبد الرحمن اللقب حتى ١٩٢٦(٩). لم يتأخر حكام السودان الانجليز عن الاستفادة من ذات المورد، أي خدمة السياسة بالدين. ذيل ونجت باشا منشورات أسقطتها طائرات سلاح الجوي الملكي البريطاني على الفاشر ضمن الحملة العسكرية لإخضاع سلطنة الفور عام ١٩١٦ تطالب السكان بالاستسلام مقابل “أمان الله ورسوله“ بالآية الكريمة: ﴿فقُطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾(١٠).

ولد الأستاذ محمود عام ١٩٠٩ في بيئة وسط السودان النيلي، وقتها كانت قد نضجت التحولات التاريخية في القرن التاسع عشر التي ارتبطت بموجبها السلطة والثروة بمجموعات بعينها. رَكَّبت هذه المجموعات من الإسلام والعروبة هوية سودانية متصلة بنشأة الدولة المركزية، في مقابل مستبعدين لغاتهم «رطانة» وأديانهم «كفر» غلبتهم الدولة ونخبها وأصبحوا فرائس لغزوات الاسترقاق . شكل الرقيق قوة العمل الغالبة في الإنتاج الزراعي لصالح الأقسام المالكة للأرض من هذه المجموعات. تطابق امتياز من هم داخل الدولة في مقابل من هم خارجها مع الحرية في مقابل العبودية. ظهرت هذه الدولة في صور شتى غير الجهاز البيروقراطي المركزي فهي شركة دولية للاسترقاق تنشر الشريعة (التركية) وقابلة لنهاية العالم (المهدية)، ما قاد الانجليز لتصورهم الخاطئ أن السودان كتلة فوضوية من القبائل لم تنشأ بينها دولة يعتد بها. كان الانقسام الرئيس في البيئة التي نشأ فيها الأستاذ محمود بين الأحرار والأرقاء، انقسام اجتماعي ساهمت في استقراره تفسيرات للشريعة الإسلامية راجت في القرن التاسع عشر. تراخى الانجليز في تحرير الرقيق بينما حفزوا التحول الحاسم نحو ملكية الأرض الفردية وتسليعها، تحول بدأت إرهاصاته من قبل التركية بسند من الشريعة في مقابل العرف، كون الشريعة الإسلامية تُفضِّل الملكية الفردية وتُعجِّل من تقسيم الأرض عبر قواعد الإرث(١١). لذلك، ازداد في واقع الأمر عدد الرقيق في رفاعة أول عهد الاستعمار الانجليزي، بنسبة عشرة في المائة بين العام ١٩٠٥ والعام ١٩١٢ حيث بلغ العدد ٥٣١١ نفس، استجابة لزيادة الطلب على قوة عمل الرقيق في الزراعة، حتى استبدال الرقيق بالعمل المأجور مع التحول إلى الزراعة النقدية.

واجه الأستاذ محمود شريعة الملكية الفردية هذه، إذا صح التقدير، والمقصود التصور المدرسي للشريعة الإسلامية التي اتخذتها الدولة الاستعمارية دينا لها. كما دولة الحكم التركي المصري من قبلها اعتمدت دولة الاستعمار البريطاني سياسة «شرعية» مركزية يقوم عليها مجلس علماء مستورد من مصر ومفتي دولة على رأس شبكة من المحاكم الشرعية التي انحصر تفويضها في الأحوال الشخصية والميراث. تصور الانجليز الشريعة المدرسية ترياقا مضادا لظاهرة «الفكي الثوري» على غرار المهدي واستهدفوا بها السودان الشمالي النيلي. بذلك، شكلت الشريعة المدرسية المسنودة بسلطة الدولة المركزية عنصرا حداثيا، يضاف تعزيزها إلى مهام «الحضارة»، في مقابل الأعراف «القبلية» التي خضعت لها أرياف السودان البعيدة تحت سيطرة الإدارات الأهلية وهرب منها نساؤها طلبا لنصرة الشريعة(١٢). اعتبر محمود مامداني هذه القسمة السلطوية بين مجال استعماري خاضع لقانون معلوم يميز بين مواطنين بأعراقهم ومجال أهلي خاضع لسيطرة إدارات محلية تميز بين رعايا بإثنياتهم عمادا لتكنولوجيا الحكم الاستعماري التي عرفها بمفهوم بالاستبداد اللامركزي(١٣).

احتمى الأستاذ محمود عقديا بالأولياء الصالحين من شيوخ الطرق الصوفية، أحياء وأموات، ولقد احتفظ كما يبدو بمودة نحو السيد علي الميرغني والختمية لم تصدر منه مثلها نحو الأنصار والسيد عبد الرحمن المهدي، وفي ذلك ظل ربما للمقابلةبين شريعة الإلهام والأسرار الفردية التي حبذها الأستاذ والشريعة المركزية التي جدد بها الإمام المهدي الدين من أجل الدولة. تشكك الأستاذ في نوايا السيد عبد الرحمن “الملكية” المزعومة وأزعجه نزوعه نحو السلطة واستغلاله عمل الأنصار في المشاريع الزراعية التي منحته إياها الإدارة الاستعمارية. أسقط الأستاذ تهمة الاستغلال عن السيد علي، رغم تورطه العميق في الاقتصاد الاستعماري وتمثيله مصالح النخبة التجارية، بل رأى فيه متصوفا حقيقيا هجر الثروة الشخصية لكن وقع ضحية لنجاح النظام الطائفي. زار الأستاذ محمود السيد علي برفقة أمين محمد صديق عام ١٩٤٥، وتوسط السيد علي لاحقا لصالح الأستاذ طالبا من الإدارة الاستعمارية الإفراج عنه بعد إدانته وآخرين في أحداث رفاعة عام ١٩٤٦. لم تقبل الحكومة وساطة السيد علي، وظل الأستاذ في محبسه الذي صار له خلوة، خرج منها وقد اكتشف أسرار ذاته، واستقر عنده الاعتقاد أن التحرر الوطني والتحول السياسي الذي كان ينشده للسودان يبدأ بالتحول الفردي على طريق البعث الديني. بهذا فارق الأستاذ سكة سياسية مستقلة في مناهضة الاستعمار وطلب النهضة الوطنية كان اجترحها للحزب الجمهوري، على خلاف جمهور الخريجين الذين وجدوا ضالتهم السياسية في حلف المؤسسة التقليدية وظل السيدين.

كان حزب الأستاذ، الحزب الجمهوري، طرفا من أطراف الحركة الوطنية الساعية للاستقلال.نشأت الحركة الوطنية ضيقة الإطار تجمع في الغالب الأعم قوى حضرية ذات تجربة في أساليب عمل الدولة الاستعمارية. كان عدد المستخدمين في منشآت ومشاريع الاقتصاد الاستعماري عشية الاستقلال، ومن بينهم المهندس محمود محمد طه، حوالي نصف مليون شخص من مجموع سكان قدره حوالي عشرة ملايين شخص، لكن بلغت مساهمة هذا القطاع الاقتصادية أكثر من نصف الثروة النقدية في البلاد. منذ ذلك الحين، والانقسام بين حضر السودان وريفه سمة بارزه لاقتصاد البلاد السياسي. استهجن الأستاذ محمود وجماعة حزبه خيار الملكية، إن كان تحت حكم فاروق ملك مصر كما كانت دعوة الأشقاء أو تحت حكم السيد عبد الرحمن، ولذا افترعوا اسم حزبهم من الجمهورية. تبدو وثيقة الحزب الجمهوري التأسيسية، «السفر الأول»، لمن يطلع عليها اليوم محاولة أولى للكتابة لمؤلف يتلمس طريقه تقرأ فيها: “نحن اليوم بسبيل حركة وطنية تسير بالبلاد في شحوب أصيل حياة العالم هذه المدبرة، إلى فجر حياة جديد، على هدى من الدين الإسلامي، وبرشد من الفحولة العربية، وبسبب من التكوين الشرقي، ولسنا ندعو، أول ما ندعو، إلى شئ، أكثر ولا أقل، من إعمال الفكر الحر فيما نأتي، وما ندع من أمورنا… إن الحزب الجمهوري لا يسعى إلى الاستقلال كغاية في ذاته، وإنما يطلبه لأنه وسيلة إلى الحرية..” (١٤).

إن اتفق الأستاذ محمود مع غالب الحركة الوطنية على أولوية الإسلام والعروبة في النهضة بالسودان المستقل فقد استنكر التنازع بين أطرافها وانقسام ولائها بين الطائفتين كما صده اعتمادها المساومة في التعامل مع الإدارة الاستعمارية والمذكرة وسيلة للعمل السياسي بدلا عن النشاط الجماهيري. كغيره من قادة الحركة الوطنية، فات على الأستاذ محمود التمييز الضروري بين السودان كما يبدو من شرفة مدرسة حضرية وواقع المجتمعات السودانية المتنوعة في الأرياف النائية فرشح لها جميعا “هدى الدين الإسلامي” و”رشد الفحولة العربية” كمشروع حضاري. تساءل الأستاذ “لماذا، عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر (مؤتمر الخريجين) اتجهت إلى الحكومة تقدم لها المذكرات تلو المذكرات ولم تتجه إلى الشعب، تجمعه، وتنيره، وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولا ثم جاءت مبادؤها أخيرا؟؟ ولماذا جاءت هذه المبادئ، حيث جاءت مختلفة عن الوسائل مختلفة في الغايات؟؟”(١٥)

بينما اتخذ قادة الحركة الوطنية مساومة المذكرات طريقا للفوز بالدولة اتجه الجمهوريون تحت قيادة الأستاذ نحو الميادين العامة ودور السينما والنوادي والقهاوي، يبشرون بدعوتهم بالمنشور والخطابة والكتابة الصحفية. استقر هذا الطابع الجماهيري لدعوة الجمهوريين منهجا لهم وتطور لاحقا حتى بلغ مداه في نشاطهم كحركة بعث ديني. على خلاف الكثير من أقرانه، أبناء كلية غردون، كان الأستاذ على استعداد للتضحية من أجل أهدافه السياسية. التقط البوليس منشورات مناهضة للاستعمار أصدرها الحزب الجمهوري في مارس ١٩٤٥ وجرت محاكمة الأستاذ محمود بصفته رئيس الحزب لكنه فضل السجن على الغرامة. قدرت شعبة الاستخبارات وقتها عدد أعضاء الحزب الجمهوري بمائة شخص. رفض الأستاذ في سجنه الأول هذا عقوبة الشغل باعتباره سجين سياسي كما رفض الوقوف تحية للضباط البريطانيين فعاقبه سجانوه بالحبس الانفرادي ووجبات من الرغيف والماء فقط. قضى الأستاذ من عقوبة العام التي قضت بها المحكمة خمسين يوما فقط إذ قرر السكرتير الإداري العفو غير المشروط عنه في خضم حملةقادتها جريدة الرأي العام لإطلاق سراحه.

بلغ نشاط الحزب الجمهوري في مناهضة الاستعمار أوجه في حادثة رفاعة عام ١٩٤٦، حيث نظم الحزب حركة شعبية لمناهضة القانون الذي جرمت بموجبه السلطات الاستعمارية ختان الإناث. اعتقد الجمهوريون أن الإدارة الاستعمارية إنما شرعت هذا القانون لتصوير السودانيين رعاعا لم يبلغوا بعد رشد الاستقلال. قاوم الجمهوريون القانون ليس دفاعا عن ختان الإناث الذي عارضوه كسواهم من الحداثيين لكنهم احتجوا أن ممارسة كهذه لا يمكن اقتلاعها من المجتمع بوسيلة القانون بل بالتعليم. اعتقلت السلطات في رفاعة في سبتمبر ١٩٤٦ منين بت حكيم وحكم عليها ر. ديك، مفتش المركز، بالحبس أربعة أشهر عقابا لها على ختان ابنتها فايزه عمسيب (التي صارت فيما بعد ممثلة معروفة). كان الأستاذ وقتها في رفاعة وقد خرج للتو منتصرا من سجنه الأول. صعد الأستاذ المنبر في جامع المدينة ودعى المصلين إلى “الجهاد” ضد القانون ثم قاد الجمع إلى المركز فحرر المتظاهرون بت حكيم لكن أعاد قريب لها من رجال البوليس اعتقالها وسلمها عبد الله أبو سن، شيخ الشكرية، الذي حبسها بدوره في الحصاحيصا.

قاد الأستاذ في اليوم التالي مظاهرة من ألف شخص أو يزيد قاصدين مبنى المركز في الحصاحيصا وانضم إليهم تلاميذ المدارس من بينهم حسن الترابي الصبي. وصل المتظاهرون مركز الحصاحيصا وأخذوا يرشقون المبنى بالحجارة، بل توعدوا، بحسب رواية عبد الرحمن علي الشيخ، المفتش ديك بالقتل. فوق ذلك، هدد علي الشيخ، أحد أعيان رفاعة ووالد عبد الرحمن، بختان زوجة المفتش، تهديد ترجمه الأستاذ محمود لأسماع المفتش المفزوع. خاف ديك على حياته، وفقا لمذكرات ونفريد جونسون، زوجة مفتش بريطاني في مشروع الجزيرة، ونصح زائرين بريطانيين في داره، بالهرب من رفاعة. حرر المتظاهرون منين للمرة الثانية فاستدعت السلطات قوة من الجنود النوبا من ود مدني، بافتراض أنهم لن يترددوا في إطلاق النار علي المتظاهرين «العرب» متى صدرت لهم الأوامر. قال عبد الرحمن علي الشيخ أن الأستاذ محمود قاد متظاهرين مسلحين بالعصي والسيوف وكذلك البنادق إلي المركز يهتفون «الموت الموت أو الشهادة». أطلق الجنود النار على المتظاهرين على انخفاض فأصيب العديدون. تصدى للمتظاهرين ناظر الشكرية، عبد الكريم أبو سن، وفاوضهم حتى أقنعهم بالتراجع.

اعتقلت السلطات الأستاذ محمود وأخاه مختار وآخرين وتم حبسهم في الحصاحيصا فسكنت المظاهرات مباشرة. جرت محاكمة المعتقلين الستة عشر في أكتوبر في ود مدني أمام القاضي محمد أحمد أبو رنات، أول رئيس سوداني للقضاء، من اشتهر عند البعض بلقب “الانجليزي الأسود” لمهادنته الانجليز. رفض الأستاذ محمود الدفاع عن نفسه وعاقبه أبو رنات بالسجن عامين بعد إدانته بإثارة الكراهية ضد الحكومة. فقد رجال الأمن الاهتمام بالحزب الجمهوري بعد حبس رئيسه، لكن اهتمام الصحف بحملة الأستاذ ومصيره اتصل خلال أكتوبر. كتب عبد الوهاب زين العابدين، زعيم الشيوعيين وقتها، كلمة في الدفاع عن الأستاذ محمود فاستدعاه البوليس لتفسير موقفه لكنه تراجع بحسب زعم المحققين البريطانيين. إن كان واضحا للجمهوريين أن مقاومتهم لقانون الختان لم تكن انتصارا لهذه الممارسة فإن هذا الموقف التبس على الكثيرين الذين خرجوا للتظاهر دفاعا عن الختان والشرف حتى أن محمد المهدي المجذوب وصف الأستاذ محمود بأنه “مناضل عربي من أجل الشرف (الجنسي) والدين”. انتهز الأستاذ الفرصة التي أتاحتها حادثة رفاعة لقيادة مبادرة لمقاومة الاستعمار أثارت فزع الإدارة الاستعمارية أكثر من تكتيكات الأفندية كونها اتصلت بالقوة الريفية في تحد لسيطرة الإدارة الأهلية ورغما عنها. للمقارنة، عندما أعلن قائد الحركة الوطنية الكينية، جومو كنياتا، معارضته لقانون بريطاني يجرم الختان في الثلاثينات قفزت عضوية منظمته من ٣٠٠ إلى ١٠ آلاف عضو.

استمرت خلوة الأستاذ محمود التي بدأها في السجن بعد خروجه منه في ١٩٤٨ فاعتكف في رفاعة ثلاث سنوات أخرى حتى نال “الأصالة” التي اعتبرها محطة نحو مقام روحي أعلى، ووصل إلى اعتقاد أن مهمته الأولى ليست مقاومة الانجليز في العالم الماثل وإنما تطهير نفسه عبر رحلة داخلية سبق ورصد محطاتها المتصوفة الكبار من قبله. انشغل الأستاذ محمود منذ ذلك الوقت بقضية إصلاح الشريعة الإسلامية لتتصدى لتحديات الدولة الحديثة والعالم الحديث لكن بخلاف الحركات الإسلامية دعى ضمن تحريره الشريعة إلى إسقاط بعض عناصرها كلية، كما اعتقد أن الإصلاح والتحديث والنهضة تتحقق عبر إصلاح وتحديث ونهضة فرد واحد متى صارت حقيقة انقلب العالم رأسا على عقب. تحدى الأستاذ محمود السجن كمكان لكبت أعداء الدولة السياسيين لكن لم يعن له أن السجن مؤسسة تقع عند الطرف الجارح لمجتمع طبقي، مكان يتم فيه تكوين وإعادة إنتاج النزوع الإجرامي المنسوب للطبقة الاجتماعية الأدنى. اتخذ الأستاذ محمود عراقي الدمورية لباسا له مثله وأدنى المسجونين ليس لتحدي التقسيم الطبقي وإنما إشارة لزهد طوعي في العالم، الزهد الذي كان يمتدحه عند السيد علي، الثري الذي ينام على عنقريب بسيط بلا فرش أو وسادة. جدد الأستاذ محمود هذا الزهد في سنوات لاحقة وجعل له معنى اجتماعيا بخلاف معانيه الروحية فدعى إلى إعادة تقسيم الثروة، لكن لم يتصل هذا الميل «الاشتراكي» ليصبح تحليلا اقتصاديا للتركيب الطبقي والسلطة في السودان، كما جدد صلاته بالسيد علي الذي زاره مرة أخرى في ١٩٦٢ يعرض عليه أفكاره في تطوير الشريعة.

أعاد الأستاذ محمود نشاط الحزب الجمهوري بعد خلوته الطويلة لكن هذه المرة كجماعة همها التربية والبعث الديني الذي اعتبره الترياق المضاد لانقسامات الحركة الوطنية ولما تنقطع طموحاته السياسية. رشح الأستاذ محمود الحضارة الإسلامية لتصبح كتلة ثالثة في مقابل المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي لكن احتفظ بشك في جدارة مواطنيه من عامة المسلمين في القيام بهذه المهمةفكتب ضمن مناقشة للديمقراطية: “.. فإذا ما أردنا الديمقراطية حقا فقد وجب أن نميز المعرفة ونحترمها وأن نميز العارفين ونحترمهم ووجب لذلك أن نجعل حق الانتخاب لا يناله إلا المواطن الحائز علي حظ خاص من العلم وحق الترشيح لا يناله إلا المواطن الحائز على حظ أخص”، ثم استدرك “على أن نجعل كدنا توسيع هاتين الدائرتين حتى تشمل أولاهما كل مواطن ومواطنة وحتى تشمل ثانيتهما أكبر عدد ممكن من المواطنين رجالا ونساءا على السواء”(١٦). من الصعب دحض الصلة الايديولوجية بين شك الأستاذ محمود في كفاءة غمار الناس من غير الصفوة المتعلمة للديمقراطية والحلف غير المعلن الذي ربطه والجمهوريين في مراحل لاحقة بنظام مايو القابض باعتباره ديكتاتورية حميدة عصفت بالنظام الطائفي.

في سياق متصل، خالف الأستاذ محمود عموم الحركة الوطنية بدعوته إلى لا مركزية الحكم وترتيبات دستورية تعطي سلطات واسعة لبرلمانات ولائية في ولايات خمس (الجنوبية والغربية والشمالية والشرقية والوسطى) بما في ذلك سلطة حل البرلمان المركزي، لكنه وافق أغلب معاصريه في امتناعه عن مجابهة الفروقات الشاسعة التي نجمت عن التحولات الدموية في القرن التاسع عشر بين وسط السودان النيلي وأقاليمه الغربية والجنوبية. اقترح الأستاذ محمود في دستوره برلمانا مركزيا مكونا من مجلس واحد نيابي يكون ممثلا لولايات السودان الخمس فيه (ولو مؤقتا) “ممثل واحد لكل ٢٠٠ ألف مواطن في الولايتين الغربية والجنوبية وممثل واحد لكل ١٥٠ ألف مواطن في الولايتين الشرقية والشمالية، وممثل واحد لكل ٥٠ ألف مواطن في الولاية الوسطى”(١٧). قارن هذه الاقتراحات بنسب التمثيل في انتخابات العام ١٩٥٣: نائب برلماني لكل ١٢٦.٥٠٠ مواطن في أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية؛ نائب لكل ١٣٤.٠٠٠ مواطن في كردفان ودارفور؛ نائب لكل ٨٤.٤٠٣ مواطن في وسط وشرق السودان. استبعد الأستاذ محمود أواخر الخمسينات من قاموسه الفكري “الفحولة العربية” بل وصم حركة القومية العربية الطاغية تحت قيادة جمال عبد الناصر بالعنصرية وبشر بإسلام كوني بديلا عن العصبية الإثنية. لم يجد هذا التحول ترجمة في انشغال مواز بتركيب التراتبية العرقية الماثلة في السودان وقد استعرت الحرب الأهلية في الجنوب وبرزت إلى الحياة السياسية بعد ثورة أكتوبر ١٩٦٤ قوى عبرت عن مظالم القوميات المضطهدة.

كمحيطه الحضري عاش الأستاذ محمود في عالم غير عالم مؤتمر البجا ومنظمة سوني ومقاتلي الأنانيا، وانشغل كأغلب معاصريه بقضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط، وليس الجنوب، فخصص لذلك كتابا عن العرب واليهود والسوفييت والغرب حوى نقدا شرسا لسياسات جمال عبد الناصر وزعامته، المتهم عند الأستاذ محمود بخدمة الشيوعية الماركسية والاتحاد السوفييتي(١٨). سوى أن الأستاذ عارض مشروع الدستور الإسلامي الذي طرحته جبهة الميثاق والقوى المتحالفة معها في كتابه الصادر عام ١٩٦٨ «الدستور الإسلامي؟ نعم..ولا!!» حجته أن الشريعة التي ينادي بها الإسلاميون لا تسع تنوع السودان الديني. ناصر الأستاذ في هذا الخصوص موقف الأب فيليب عباس غبوش الذي تساءل إن كان بإمكان مواطن سوداني غير مسلم تسنم المنصب الأعلى في دولة يحكمها دستور إسلامي. تجاهل دعاة الدستور الإسلامي ومعارضيه بمن فيهم الجمهوريون أن غالب السودانيين خارج المحيط الحضري، الذي اشتد فيه التنافس على طبيعة الدولة ودستورها، كانوا يخضعون لأعراف المحاكم الأهلية، بالكاد تمسهم تغييرات الشريعة أو القانون المدني. في الواقع، تردد موقف الجمهوريين بين رفض علماني للدستور الإسلامي وقبول إسلامي بأهمية الدين في الدولة والمجتمع وقادهم انشغالهم بالفقه القانوني إلي تجاهل واقع الممارسة العدلية في أرياف السودان رغم مواجهتهم الباكرة مع الإدارة الأهلية في حادثة رفاعة(١٩). رد إدي هذا الموقف إلى التراث الذي استند عليه الأستاذ محمود في تصوره للتنوع القانوني والثقافي في السودان، أي الاصطلاحات الإسلامية ذات الجذر في المراكز الحضرية العثمانية، حيث لا يرد ذكر كريم المعتقدات غير الكتابية.

أراد الأستاذ محمود إعادة تدوير الشريعة من موقع المتصوف وكذلك السياسي الوطني. كمتصوف، اجتهد الأستاذ في تخريج صيغة من الشريعة تربط الحاضر بمستقبل يوتوبي (مثالي)، وكسياسي وطني كان همه اجتراح ايديولوجيا شاملة بديلة لبلاد تستبعد أنظمتها السياسية والاجتماعية الكثير من مواطنيها. استتبعت هذه المواجهة مع الدولة العربية المسلمة في السودان مواجهة ايديولوجيا سياسية طاغية وكذلك تراث روحي يعزز الامتثال لقوانين وقيم يعتبرها الكثيرون ثوابت غير قابلة للتبديل. بشر الأستاذ محمود برتق الفروقات بين الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء، والمسلمين غير المسلمين، لكن لم يعتمد تحريره الجديد للشريعة على تحليل للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد بل على منطق قانوني مجرد حيث انتخب من تراث الفقه الإسلامي(٢٠) ما يناسب غرضه وربط ذلك بتصورات للتطور التاريخي من تراث التنوير الأوروبي وشذرات ماركسية، فالقانون عند الأستاذ محمود لا يستبطن علاقات القوة في المجتمع(٢١) وإنما هو صيغة للتعبير عن الذات المتدرجة من الشر إلى الخير. لا غرو إذن أن انحصر أغلب أتباع الأستاذ في صفوة المتعلمين أنصار التحديث الذين وجدوا في دعوته طريقة مبتكرة لعيش هويتهم الإسلامية في بلاد مرتبطة عاطفيا بالتصوف الإسلامي وساءهم أن يروا هذه الهوية تُستغل لقهر مجموعات مهمشة.

قابل الأستاذ محمود انقلاب مايو ١٩٦٩ بغير أسف على انهيار سلطة الأحزاب الطائفية وجبهة الميثاق الإسلامي. رأى في الانقلاب مثل الكثيرين من الصفوة البيروقراطية، ضربة ثانية لثورة أكتوبر، فحل حزبه طائعا. من ثم، تحول الحزب الجمهوري إلى «الأخوان الجمهوريون» وانتقل نشاطه من دار الحزب في الموردة إلى منزل الأستاذ في الثورة. أحجم الأستاذ محمود عن انتقاد قمع نظام مايو الدموي للأنصار والشيوعيين رغم أنه سبق وعارض حل الحزب الشيوعي عام ١٩٦٥، لكنه احتفظ بمسافة بينه والنظام الجديد ورفض الانضمام للاتحاد الاشتراكي، حزب نميري الواحد. استفاد الأستاذ من أساليب التنظيم والقيم الموروثة عن الطرق الصوفية، الذكر الجماعي والدار المفتوح والكرم والزهد والكاريزما والأعمال الخيرية، لبعث حركة اجتماعية جديدة بهيكل سلطوي يماثل هياكل الطرق الصوفية، سوى أنه لم يعتمد الكرامات لجذب الأتباع من كل شاكلة ولون بل كان ينشد من مريديه المتعلمين الاقتناع الفكري. ساعدت قواعد دخلية مثل الامتناع عن الصلاة في المساجد والامتناع عن الحج على تعزيز التماسك الداخلي للطريقة الجديدة، ومكنت الجمهوريين من الانقطاع عن حياة أسرهم الدينية وبناء هوية حضرية خاصة بهم وشبكة جديدة من العلاقات خارج إطار الأسرة والسوق والدولة. حال هرم الحركة دون استيعاب محمد خير المحيسي الذي زعم «الأصالة» مثله والأستاذ إذ لم يكن ليسع أصيلين إثنين.

بينما كان الشيوعيون والأخوان المسلمون يبحثون عن أصدقاء في الجيش تحول الأستاذ محمود إلى ناسك زاهد، عاف أكل اللحم، وأخذ يتفكر في حقوق الحيوان، فتساءل، بحسب رواية الباقر العفيف: “ما الفرق بين بف باف والرشاش؟” توقع الأستاذ محمود من الجمهوريين زهدا مماثلا. لم ينشط الأخوان في جمع المال والقليل الذي تيسر لهم من مساهمات المهنيين منهم وعائد الكتب كان الأستاذ يوزعه على المساكين تعبدا. كما لم تسع الحركة أصيلا غير الأستاذ لم تسع كذلك هؤلاء المساكين وطغى عليها المتعلمون. لم ينشغل الأخوان بتنظيم غمار الناس الفقراء وأصحاب الحاجة من أجل التغيير عبر نضال جماعي. لعب الأستاذ في هذا الخصوص دورا مماثلا لدور شيخ الطريقة الصغيرة معتمدا على شبكة الجمهوريين لمد المحتاجين الذين يطرقون بابه بالمال وبالخدمات اللازمة، إن كان عيادة طبيب أو استشارة محامي. على خلاف شيوخ الطرق، لم يشجع الأستاذ محمود المساكين، وسيلة العبادة، على الانضمام للحركة أو الاقرار بعقيدته الدينية. بهذا المعنى، كانت ردة فعل الأستاذ محمود التلقائية وغير المنظمة على الفقر في السودان وسيلة لإيصال رسالة روحية وليس محاولة لإعادة تركيب علاقات القوة الاقتصادية لصالح غمار الناس، فالصدقة والزهد وسائل لبلوغ الكمال الذاتى وليس التجنيد للنضال الجماعي.

جابت فرق الجمهوريين أرياف السودان للتبليغ بدعوتهم بما في ذلك الجنوب لكن تكوين الحركة ظل على صفويته. قدر حيدر بدوي صادق في رسالته للماجستير (١٩٨٨)، وهي مسح اجتماعي قام به وسط الجمهوريين عام ١٩٨٧، أن غالبيتهم كانت من المهنيين (٨٦٪) دون الأربعين من العمر (٨٦٪) ومن وسط السودان (٧٥٪). شكل خريجو الجامعات حوالي ٣٧.٥٪ من العضوية ونال الأغلبية (٥٤.٥٪) حصة ما من التعليم بينما لم تزد نسبة الأميين على ٨٪. استنتج صادق أن قاعدة الجمهوريين الاجتماعية تركزت في الطبقات الوسطى من المجتمع السوداني. كان هم الجمهوريين في سياحتهم التبليغ فحسب وقاوموا فكرة أن لدى الناس الذين أرادوا تبليغهم الإسلام الجديد ما ينفع لخوض حوار من طرفين على سنة الشعار اليساري «من الجماهير وإليها.. نتعلم منها ونعلمها». عبر عبد الله النعيم لصديقنا إدي عن نقد للبعثات الجمهورية إلى الأرياف فقال أنه يراها من موقعه اليوم “سالبة”، “استعمارية”، أسلوب “مسلم يرى في الإسلام جوابا لكل شئ ويظن عنده المفتاح لفهم الإسلام”.

في غضون ذلك تعزز موقف الأستاذ محمود الداعم لنظام مايو رغم تضييق جهاز أمن الدولة على حريته في التعبير بمنعه من الخطابة عام ١٩٧٣، إذ ظل على رأيه أن ديكتاتورية نميري حميدة ما دامت تكبت الطائفية. يشف ذلك من عنوان بيان الجمهوريين عام ١٩٧٥ «الطائفيه تتآمر على الشعب» الذي صدر في أجواء الانقلاب الفاشل الذي قاده المقدم حسن حسين ووصمه نميري بالعنصرية واستبق محاولة الجبهة الوطنية الإطاحة بالنظام عبر عملية عسكرية من ليبيا عام ١٩٧٦. وافق الجمهوريون نظام مايو في وصف حملة الجبهة الوطنية بالغزو الأجنبي واجتهدوا في الهجوم على الصادق المهدي خاصة بعد المصالحة الوطنية عام ١٩٧٧ بكتاب تصدرته الآيتين الكريمتين: ﴿وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (١١) ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون﴾(٢٢). أصدر الجمهوريون كتابا في الرد على المصالحة الوطنية تضمن رسالة بعثوا بها إلي نميري يحذرونه من تآمر الطائفية وينصحونه بأن تشمل المصالحة الحزب الشيوعي، لم يزعجهم عدم اكتراثهم السابق بقمع الشيوعيين في عقابيل انقلاب ١٩٧١. نشأت في أعقاب المصالحة الوطنية البنوك الأسلامية بتمويل غزير من المملكة العربية السعودية وتحت إدارة كادر الحركة الإسلامية وسيطرت بحلول العام ١٩٨١ على كامل أرباح رؤوس الأموال في السودان. على سبيل المثال، سيطر بنك فيصل وحده على ٣٠٪ من رأس المال التجاري في البلاد. بطبيعة الحال، لم تكن ثمة مساحة للتقارب بين الجمهوريين والسعودية الوهابية. أدانت رابطة العالم الإسلامي، ومقرها مكة الكرمة، في العام ١٩٧٥ االأستاذ محمود وطالبت بإعدامه كمرتد. في رد فعل، هاجم الجمهوريون السعودية وأمراءها والتبشير السلفي الذي تبثه(٢٣) لكن لم يرق ذلك لنظام جعفر نميري الذي كان استقطاب رأس المال السعودي مقدما لديه على مصاعب الجمهوريين فاعتقلت السلطات في يناير ١٩٧٧ الأستاذ محمود وثمانية آخرين من الجمهوريين في بادرة تقدير لآل سعود. لم تهز هذه الحادثة ثقة الجمهوريين في نظام مايو لكنها كانت إشارة للنفوذ المتزايد لرأس المال العربي في السياسة السودانية وبداية مواجهة ممتدة مع الحركة الإسلامية المتحفزة للسيطرة.

عطل الجمهوريون بعثاتهم الريفية ونشاطهم الدعوي في شوارع العاصمة ليركزوا كل جهدهم على مقابلة تحدي الحركة الإسلامية فأصدروا في مارس عام ١٩٨٣ دراسة تفصيلية عن بنك فيصل حاولوا فيها دحض إسلاميته وكشف ضلوعه في تمويل الحركة الإسلامية(٢٤). الواقع، أن رونيو الجمهوريين، على جودة معدنه، لم يكن باستطاعته مجابهة الآلة التنظيمية للحركة الإسلامية بمواردها المالية والبشرية وجاذبيتها السياسية. انغرس الإسلاميون عميقا في جهاز الدولة وفي الجيش كذلك. لكن ظل الأستاذ محمود ممتنعا عن انتقاد جعفر نميري وقد تجددت الحرب الأهلية في الجنوب جراء سياساته وتجرع الناس الذل من المجاعة والفقر، حجته أن وحده نميري قادر على حماية البلاد من تغول الإسلاميين. تحول الأستاذ محمود، من جُبل على معارضة السلطة، في خريف عمره إلى موال لها. ذهب الجمهوريون بعيدا في دفاعهم عن نظام مايو فهاجموا حملات الشيوعيين الاحتجاجية على زيادات الأسعار التي فرضها صندوق النقد الدولي في أوئل الثمانينات كما زعموا على استحياء أن قرار نميري تقسيم الجنوب ونقض اتفاقية أديس أبابا للسلام (١٩٧٢) وجد مساندة غالبية سكان الجنوب ودعوا الجنوبيين إلى حل خلافاتهم داخل لجنة حكومية للنظر في القضية(٢٥).

لم يعدم الأستاذ محمود المنتقدين عن قرب. كتب إليه صديقه جرجس اسكندر في أواخر السبعينات خطابا يتهمه فيه بتضليل أتباعه إذ يعدهم بالجنة. هاجم اسكندر أساليب الأستاذ محمود الدعائية ورفضه التام للمؤسسة الدينية كما اتهمه باستغلال المحاكم كمنابر للدعاية السياسية وانتقد علاقته بنظام مايو واعتماده التبشير كوسيلة للتغيير الاجتماعي، وسيلة قال اسكندر أنها تهدد السلم الاجتماعي. انعزل الجمهوريون عن وقائع الحياة وانغمسوا في غنوصية دينية من جهة ومقارعة شرسة مع الحركة الإسلامية من جهة أخرى(٢٦). توالت زيادات الأسعار الناجمة عن تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي الذي فرضه صندوق النقد الدولي على السودان واشتدت الضائقة المعيشية فانسحب الأخوان إلى مزيد من التجريد الديني. خرجوا للناس في عيد الميلاد عام ١٩٨٠ بكتيب عنوانه «عودة المسيح» على غلافه نجمة داؤود(٢٧). زادت عجلة تدهور قيمة الجنيه في العام ١٩٨٢ فقلصت الحكومة دعم السلع الغذائية مرة أخرى لتتجدد المظاهرات، بينما انكب الجمهوريون على تفسير إعلان الأستاذ محمود أن الأصالة ما زالت متاحة للكل لكنه يعتقد أنها لن تتحقق سوى لشخص واحد في هذه الحياة. ناقش الجمهوريون قضية «الإنسان الكامل» وساعة وصوله باستفاضة ثم طرحوا على الناس المشغولين بأسعار الرغيف كتابهم «التقليد!! والأصيل!! والأصلاء!!»(٢٨). تحول الأستاذ محمود، كما يبدو، من الانشغال بالقانون إلى الانشغال بالأسرار ، بينما خلت الساحة سياسيا للحركة الإسلامية، الحامل الناهض لطموحات البرجوازية الصغيرة السياسية والاقتصادية.

ظل الجمهوريون على خطة الرونيو بينما انتقل أعداؤهم إلى شاشة التلفزيون الذي بلغ انتشاره ١٠٠ ألف جهاز في البلاد عام ١٩٨٣. برزت هذه المنافسة غير المتكافئة في شخص الفقيه المصري والأستاذ بجامعة أم درمان الإسلامية محمد نجيب المطيعي. شن المطيعي، المقرب من عمر محمد الطيب وإمام مسجده، من شاشة التلفزيون حملة شعواء على الجمهوريين وكذلك المسيحيين والطرق الصوفية. أحل المطيعي دماء الجمهوريين فردوا بكتاب انتقدوا فيه إحجام رئيس جهاز أمن الدولة عن حمايتهم(٢٩). عاقب عمر محمد الطيب الجمهوريين بمصادرة كتبهم وأدوات الطباعة خاصتهم كما شن حملة اعتقالات طالت الأخوان والأخوات في العاصمة والمدن الكبري بمن فيهم الأستاذ محمود في مايو ١٩٨٣. انضم إلي الأستاذ محمود في المعتقل خصم الجمهوريين الصادق المهدي الذي اعتقلته السلطات لمعارضته قوانين سبتمبر. عرض نميري على الأستاذ محمود والأخوات الجمهوريات الحرية في بداية ١٩٨٤ لكن الأستاذ رفض العرض ما لم يفرج نميري عن الجمهوريين كافة. أصدر الجمهوريون خارج أسوار السجن كتيبا عن قوانين سبتمبر، ربما كان أحد محاولاتهم النادرة تقصي المعضلات الاجتماعية التي يعانيها مستضعفي السودان. ناقش «الموقف السياسي الراهن» قضايا «ستات العرقي» وأسعار الذرة والبغاء والقرى الجائعة في دارفور وتناقص حقوق الجنوبيين في السودان الإسلامي(٣٠).

أطلق نميري سراح الصادق المهدي في ديسمبر ١٩٨٤ ثم أطلق سراح الأستاذ محمود بعد وساطة كان رسلها ضباط سابقين في جهاز الأمن، محمد علي مالك وعبد الله الدابي، اعتنقا الفكر الجمهوري في منتصف السبعينات. أذعن عمر محمد الطيب لشرط الأستاذ محمود وحرر جميع الجمهوريين المعتقلين في ١٩ ديسمبر. استشعر الضابطان مؤامرة قيد الطبخ يريد عمر محمد الطيب النأي بنفسه عنها.عاد الجمهوريون إلى نشاطهم المعتاد يقود الأستاذ حلقاتهم في الميادين العامة ثم أصدروا في عيد الميلاد عام 1984 منشورهم «هذا أو الطوفان». دعى البيان في اقتضاب سهل إلى إلغاء قوانين سبتمبر ووضع حد للحرب في الجنوب وبعث الإسلام عبر التعليم دون غوص في معان صوفية بعيدة. احتفل الجمهوريون بأعياد الاستقلال وفي الرابع من يناير ١٩٨٥ أجرى الأستاذ آخر مقابلة صحفية له (مع مجلة الجامعة). تحدث الأستاذ عن النظام الرئاسي والنظام البرلماني، عن البنوك الإسلامية وعن الحركة الوطنية ثم عاد في ليلته تلك إلى المعاني الصوفية التي نهل منها الأخوان في المعتقلات. ذَكَّر الأستاذ محمود الجمهوريين بقدرة الأولياء الصالحين علي فداء الناس من البلاء. قال لهم: مات السيد الحسن (الميرغني) بالطاعون فتوقف المرض، ومات في ١٩١٥ الشيخ طه بالسحائي الذي انتشر في رفاعة فتوقف المرض. يحكي المتصوفة هذه القصص لكن يجد العلمانيون صعوبة في استيعابها. جاء دوركم الآن لتنقذوا الشعب السوداني من الإذلال والقهر الذي حل بهم. اعتقل رجال أمن الدولة الأستاذ محمود محمد طه، متصوف كهل مريض بالسكر، في الخامس من يناير فعبر بثقة العارفين بالله من قسم بوليس في أم درمان إلي عدالة المهلاوي ثم المكاشفي طه الكباشي وأحمد محجوب حاج نور ومحمد سر الختم إلي سجن كوبر، ومن ساحة السجن إلى رحمة عزيز مقتدر في صباح ١٨ يناير ١٩٨٥ دون أن تهتز له قصبة. لم يسع الدولة أن يجد الأستاذ محمود مرقدا معلوما في التراب. صعدت بجثمانه هيلوكوبتر حكومية إلى الأعلى ودفنه من دفنه في مكان مجهول غرب أم درمان.

بينما كان قضاة الاستئناف ينافحون عن العقيدة «الصحيحة» أغار الجوع على بطون ما لا يقل عن ١٠ ملايين شخص في أرياف السودان، نزح ما لا يقل عن نصف مليون منهم إلى أطراف العاصمة التي استغل تجارها المجاعة للمضاربة في أسعاز الذرة بتمويل سخي من البنوك الإسلامية. غطت وحدة المعلومات في جريدة الايكونومست البريطانية نبأ إعدام الأستاذ محمود ومآلاته بكثافة. جاء في تقرير الايكونومست أن الستة عشر شهرا التي سبقت إعدام الأستاذ محمود شهدت تنفيذ حكم قطع اليد على أكثر من سبعين شخص عقابا على السرقة، بينما شهدت الأربعة أشهر ما بعد الإعدام حتى سقوط نظام نميري تنفيذ الحكم على شخصين فقط. تحفزت النقابات والاتحادات المهنية للقضاء على حكم نميري بعد أن صعق النظام الناس بإعدام شيخ في آخر عمره ذنبه الفكر. حتى الولايات المتحدة، تعسر عليها الدفاع عن جور نميري. ظن نميري أن في استبداده شطارة وأنه يستعرض قوته عبر الإطاحة بخصم ضعيف، لكن الأستاذ محمود، من خلف حجاب قبره، كسر شوكة الديكتاتور.

فدى الأستاذ محمود شعبه من طغيان نميري لكن خسر الأخوان الجمهوريون معركتهم مع الحركة الإسلامية. فاز الإسلاميون، عبر تحالف جمع رجال البنوك وضباط الجيش، بالدولة عام ١٩٨٩ وجددوا حكم الشريعة ضمن مشروعهم الحضاري الذي قاومه «صعلوك» نبيل مثل محمود عبد العزيز على طريقته. اعتمد الأستاذ محمود مصادر لمقاومة الدولة العربية المسلمة من تراث الفقه والتصوف الإسلامي لا طاقة لأغلب السودانيين على إدراك دقائقها. ظل تركيزه منصبا على السياسة الخرطومية والمتعلمين الجامعيين وغابت عن ناظره موارد الثورة السودانية في الأرياف التي عد أميتها الكتابية جهلا في اقتراحاته الدستورية الباكرة. نافح الأستاذ عن حقوق النساء وغير المسلمين لكن تعذر عليه وعلى الجمهوريين توطين مشروعهم لتثوير الشريعة الإسلامية في تحليل لعلاقات القوى الاجتماعية في البلاد، بل قادهم حسن ظنهم بجهاز الدولة وقدرته على إحداث التحولات التي ينشدون إلى موالاة دولة نميري الباطشة فجردتهم آخر الأمر من كل حول وقوة. كان الأستاذ محمود ينشد الكمال في الإنسان لكن لم تتسع حركته الاجتماعية للمستضعفين، المذنبين مهما فعلوا، استقبلتهم كأصحاب حاجات وليس كفاعلين أكفاء تنهض بهم ومعهم لتغيير الحياة المادية سكن المنافع الروحية. في هذا المعنى، لن يضر الاستاذة أسماء وصحبها التأمل في المورد الروحي الذي يمثله «الحوت» للآلاف الذين اجتمعوا في استاد المريخ يوم ١٧ يناير لإحياء مأثرته، أما كتاب صديقنا إدي فقد يساعد في فهم هذه الهوة بين ندوة جامعة الخرطوم وكونسرت الجان نجم السودان.

المصادر

1 سودان تربيون، ١٨ يناير ٢٠١٦

2 سودان تربيون، ٢٤ يناير ٢٠١٦

3 سودان تربيون، ١٨ يناير ٢٠١٥

4 حيدر إبراهيم، محمود عبد العزيز ونظرية الهدر الإنساني، موقع الراكوبة ٢٣ سبتمبر ٢٠١٠

5 عبد لله علي إبراهيم، الحوت.. ما قبل الربيع السوداني، موقع الجزيرة ٣ مايو ٢٠١٣

6 محمود محمد طه وأحمد لطفي السيد، التربية بين السياسة والعلم أيضا، جريدة الشعب ٢٧ يناير ١٩٥١ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

7 حول المساومة الكبرى راجع

Wael B. Hallaq, The origins and evolution of Islamic law, Cambridge UniversityPress, Cambridge, 2005

8 راجع

Hamid A. Dirar, The indigenous fermented foods of the Sudan: a study inAfrican food and nutrition, Wallingford, 1993

9 في

Gabriel R. Warburg, Islam, sectarianism and politics in Sudan since theMahdiyya, Hurst, London, 2003 , p.90

F.R. Wingate, SAD.128/3/82  10

https://www.dur.ac.uk/library/asc/projects/woodsudan/exhibition/sudan_war/proclamation2/

11 راجع

Jay Spaulding, the Heroic Age in Sinnar, Red Sea Press, 2007

12 يستعرض الدكتور عبد لله علي ابراهيم في الفصل الثاني من كتابه “هذيان مانوي” العلاقة بين محاكم الشريعة والمحاكم الأهلية التي نشأت بموجب قانون الحكم غير المباشر أواخر العشرينات ويعتبرها مثالا صارخا لاستضعاف المحاكم الشرعية، راجع

Abdullahi Ali Ibrahim, Manichaean delirium: decolonising the judiciary andIslamic renewal in Sudan, 1898 - 1985, 2008, p. 115 - 165

13 راجع

Mahmoud Mamdani, Citizen and subject: contemporary Africa and the legacyof late colonialism, Princeton University Press, Princeton, New Jersey, 1996

14 الحزب الجمهوري، السفر الأول، أكتوبر ١٩٤٥ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

15 المصدر السابق

16 محمود محمد طه، قل ھذه سبيلي، ١٩٥٢ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

17 محمود محمد طه، أسس دستور السودان، ١٩٦٨ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

18 محمود محمد طه، مشكلة الشرق الأوسط، ١٩٦٧ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

19 للمقارنة راجع مذكرة الشفيع أحمد الشيخ عن الإدارة الأهلية (يناير ١٩٦٥ ) التي بين فيها خلقها الاستعماري ودعى إلى حلها استجابة لمطلب شعبي. في عبد لله علي ابراهيم، مذكرة الشفيع أحمد الشيخ عن الإدارة الأهلية ( ١٩٦٥ ): إلا شقي الحال يقع في القيد، منشور في سودانايل، ٣ يونيو ٢٠٠٩

20 راجع

Wael B. Hallaq, A history of Islamic legal theories, Cambridge UniversityPress, Cambridge, 2009

21 راجع

Hugh Collins, Marxism and Law, Oxford University Press, Oxford, 1996

22 الأخوان الجمهورين، الصادق المهدي!! والقيادة الملهمة!! والحق المقدس؟!، ١٩٧٨ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

23 الأخوان الجمهوريون، اسمهم الوهابية وليس اسمهم أنصار السنة، ١٩٧٦ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

24 الأخوان الجمهوريون، بنك فيصل الإسلامي؟!، ١٩٨٣ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

25 الأخوان الجمهوريون، أطفئوا نار الفتنة: حول حوادث الساعة، ١٩٨٢

26 الأخوان الجمهوريون، هؤلاء هم الأخوان المسلمون (في جزئين)، 1978 ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

27 الأخوان الجمهوريون، عودة المسيح، ١٩٨٠ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

28 الأخوان الجمهوريون، التقليد!! والأصيل!! والأصلاء!!، ١٩٨٢ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

29 الأخوان الجمهوريون، الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة، ١٩٨٣ ، منشور في موقع الفكرة الجمهورية

30 الأخوان الجمهوريون، الموقف السياسي الراهن، ١٩٨٤

m.elgizouli@gmail.com

 

آراء