{يوم يقف الخلق بين يدي ذو العزة والجلال، شايلين صلاتهم وزكاتهم وحجهم وصيامهم ، وهجودهم وسجودهم ، سوف أقول: يا صاحب الجلال والجبروت، عبدك المسكين، الطاهر ود بلال، ولد حواء بنت العريبي، يقف بين يديك خالي الجراب، مقطّع الأسباب، ما عنده شيء يضعه في ميزان عدلك سوى المحبة}
الطاهر ود الرواسي يتحدث في رواية مريود. * كان "ود الراسي" بضع من جماعة ، ليست بضاعتها ربانية متدينة ، ولكنها ورثت ( الدين المعاملة)، نهجاً ومورداً خصباً. ولم تلبس عباءة العقيدة ، ولا تتحدث بلغة الإله ، ولا تلبس عباءة الرب. رجل "تربال"، تماماً كما كان الكاتب الروائي يصف نفسه. مثل نفر كريم من بسطاء أهل السودان. (1) من أسمال ما تبقى من وطن، خرجت تلك اللآلئ، من رحم الثورة، أكبر من التوقعات. أكبر من النهايات المعتادة. وأكبر من المصائر التي نعرف طريق سلوكها. جاءت الثورة على يدي ذات الشباب، الذي راهن على صناعته تنظيم الإخوان المسلمين. فقد كان التنظيم يعتقد أنه قد أعاد تكوين الأطفال الذين صاروا اليوم شباب الثورة. كان التنظيم يعتقد بأن كثرة السور القرآنية في مناهج التعليم الأولي، سيعيد تربية التي رأوها جاهلية التكوين. فتحوا الباب للتفويض المطلق. منحوا أبناء التنظيم جزر تنفيذية ، يفعلون فيها ما يشاؤون. ارتخت قبضة الرقابة ، فكان التنظيم يعتقد بربانية أبناء وبنات التنظيم. كان يعتقد أنهم شعاع نور يغشى الجهالة التي كان يظنها في أهل السودان. ها هي الثورة تحققت، رغم سخرية أهل التنظيم، وتندرهم على شباب الثورة. كانوا يظنوها بعيدة أو أضغاث أحلام. ولكنها بالصبر والجلد تحققت، وصار الحلم حقيقة. وأسهم رجال عصابات النظام بتهكمهم وسبهم الشباب في مصيرهم، وأثارت تلك السخرية وقوداً جديداً وتأججت نار الثورة. لم يكن في حسابات الإخوان المسلمين أن تنجح الثورة السلمية. وفاجأتهم الدهشة ، فرغم إحالة مجموعة أخرى من ضباط القوات المسلحة للتقاعد، فظت العصابة أنهم قد أمنوا جانب الجيش ، فهناك قوات سرية ستقوم بالمهام ، لديهم السلاح وعربات بدون أرقام. ولديهم المال، وكانوا يعتبرونه السحر الشيطاني. فهو التميمة التي تصوروا أنها ستهزم الثورة وعمالقتها. (2) وجاء الصبر بنتيجة بعد أن انقضت أربعة أشهر، وكان شيوخ الفساد غارقين في العبث، لديهم كل العملات المحلية والأجنبية. يمكنهم أن يسكنوا في أي مكان في الدنيا، وطعام احتفالاتهم تأتي به الطائرات من خارج الدولة. فقد ترفعوا من مكان مرقدهم، كانوا أبناء الفقراء، فصعدوا للغنى والبطر، لم يدفعوا ثمناً للغنى ولا ثمناً للصبر على المكاره. بل سرقوا كل شيء. كل شيء أباحه لهم أمين عام التنظيم ، فالمال مال الكفرة فملكه حلال وسرقته حلال . وعاثوا إفساداً في الأرض، باعوا كل شبرٍ فيها للآخرين بإيجار يمتد 99 عاماً. باعوا مشاريع الدولة التي بقيت بعد هدمهم لها لأبنائهم بتراب الفلوس. تلك المشاريع حولوا فوائدها لأصول الديون وقفزوا بالمديونية أرقاماً فلكية. (3) هذا الهم الثقيل قد زال عن القلوب. وبقي النذر اليسير، سنأخذه بالوحدة وتقليب راية الوطن على كل راية. لا يتعين أن نترك للدجاج الإلكتروني للتنظيم أن ينال من عزيمة الشباب. ولا تنفذ الشائعات من حواجز سميكة صبرت على كل الإكراه والبلاء الشديد. لقد بقي للتنظيم كل شيء: المال والأجهزة الحكومية والسلطة التي مكنوها لأنفسهم وأبناء التنظيم وبناته، لم يزل هؤلاء ينتظرون الكنس والإبادة. لديهم السلاح ولديهم البنايات السكنية التي يخبئون فيها أدوات القتل. لن يصيبهم اليأس، فهم يعتقدون أنهم على حق دائماً. وأن الحاضر في نظرهم كبوة فرس، حالما يستعيدون ذمام المبادرة بعدها، فلم يزل يمتلكون السلطة والثروة. والذين نحسبهم يمتلكون السلطة وهي سلطة الشعب، انتزعها بنضاله السلمي الشريف، بينما كانوا يدبرون المكر، ظناً منهم أنهم لأهدافهم واصلون. بدأت الثورة، ولن ينال منها أحد، لقد تعلم الثوار من التاريخ، ولن يسرق الثورة أحد. هذا هو الطريق واضح، والمسير لن يكون بلا أشواك. سنقلب صفحات السوء وسنقلم الأسنان واحداً واحدا. نعرف أنهم تدربوا على العمل الأمني وعمل العصابات يتقنونه، وكل بشاعة فاعلوها أو سيفعلونها. ولكنا لهم بالمرصاد، إن التوثيق هو الذي سيأتي بهم للعدالة، فليس هناك شاردة أو واردة إلا تم إحصاءها. ثلاثين عاماً ، يظنون أن الناس ستنسى، وليس هنالك عذر، فكل الخبائث موثقة، بشهودها. لن تنفعهم مقولات ( عفى الله عما سلف)، فتلك منتزعة من آية كريمة حول الصيد وقت إحرام الحج، وليست للعفو عن الجرائم الوبيلة. الشعب طيب نعم، ولكن الجرائم فوق طاقة الجميع على العفو.