مخايل السيادة:” مهاتير، ما أخطأ من جعلك سيدا”، ولكن: “مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ”؟. بقلم: د. محمد الرشيد قريش
9 April, 2013
بروفيسور د . محمد الرشيد قريش*
black nims [blacknims2000@hotmail.co.uk]
مخايل السيادة :" مهاتير، ما أخطأ من جعلك سيدا" ، ولكن: "مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ"؟
بروفيسور د . محمد الرشيد قريش*
(1 من 3)
þ استهلال:
"صدر" العنوان عاليه (ما أخطأ من جعلك سيدا") ، قيل في المهلب بن أبي صفرة القائد الأسلامي الفذ والذي عرف بالحلم والكرم والشجاعة والبلاغة وكان سيداً جليلاً نبيلاً و ينسب اليه القول المأثور "عجبت لمن يشترى العبيد بماله، ولا يشترى الأحرار بأفضاله" . لقيه عمر (رض) وهو صبي وسط اخوته فقال لأبيه : هذا سيدُ ولدِك ! ووصفه عبد الله بن الزبير " بسيد أهل العراق" ، وعندما عينه الحجاج علي خراسان قام بفتوحات واسعة في بلاد ما وراء النهر التي انجبت العديد من خيرة علماء المسلمين من امثال الأمام البخاري (صاحب كتاب “صحيح البخاري" ، أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة) ، و الخوارزمي-- مؤسس علم الجبر واللوغريثمات ومضيف الصفر إلى الاعداد ( والذي لولا فتحه العبقري هذا لما عرف العالم اليوم الكمبيوتر)5 ،
بقية العنوان ("مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ") هو الأية الكريمة 65 من سورة القصص ، والخطاب في العنوان عاليه موجه هنا الي الزعيم الماليزي الكبير – الذي يكتب أسمه أحيانا بالعربية ك"محاضير محمد" ، وهو حتي وقد ودع "عِزِّ مُلْكِهِ وَبَهَاءِ سُلْطَانِهِ ". (وفق تعبير ابن المقفع ) ، "ما ودعه مجده وما قلي" ، و لا زال فيه قدر ما من كل ماسبق ، مما تبهو به هذه الفقرة الأستهلالية من أمجاد أهل الرفعة والسؤدد، كما سنشهد هنا لاحقا!
þ حصاد تجربة ثرة مع التجارب التنموية للدول الناهضة ، و مع الآباء الرُّوحانِيُّين لرحلة ماليزيا التنموية: "
في النصف الثاني من القرن الماضي نظمت جامعة كورنيل الأمريكية العريقة منتدي علمي علي مدي صيف كامل (بمسمي (Cornell Summer Institute للعاملين في مجالس البحث العلمي وذلك تحت عنوان " العلم والتكنولوجبا والتنمية "، وقد جمع المنتدي لفيفا من الصف الأول من الباحثين والدارسين من الشرق والغرب في موضوع االمنتدي ،و شارك فيه هذا الكاتب الذي كان وقتها مبعوثا من المجلس القومي للبحوث لتحضيرشهادة الدكتوراة وكان قد عمل قبلها لزمان كسكرتير لمجلس الأبحاث العلمية والصناعية وكان أحد مؤسسيه ، وقد وفرت فيه الجامعة للباحثين المشاركين رتلا هائلا مِنَ ْكُنُوزِ الفكرالتنموي والتطور التقني المنقولة عن الأصدارات العلمية العريقة ، مما لَتَنُوءُ بحمله "الْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ " ، لتحليلها مع نخبة من أميز الدارسين الأكاديمين في هذا المجال ، وكان مسك الختام أن قام كل من المشاركين بعرض تجربة بلاده في توظيف العلم والتكنولوجيا لتحقيق التنمية. أكثر ما شد اهتمام هذا الكاتب في ذلك المنتدي تلك الدراسات التي قدمت عن تجربتي الصين وكوبا ، واليابان وكوريا الجنوبية (الآباء الرُّوحانِيُّون لرحلة ماليزيا التنموية ). ورغم أن هذا الكاتب كان قبلها دارسا جادا للتنمية في المدارج الأكاديمية ثم باحثا زائرا لمعاهد الأبحاث العلمية المختلفة في فرنسا (مجلس الأبحاث العلمي CNRS , ANVAR,
DGRST, CNEXO, CNES ومحطة الطاقة الشمسية والمعامل الأوتوماتية لتحليل الأنظمة الخ…) ، والدنمارك (المعهد المركزي للحام ومعهد علوم البحارالخ …) أثناء عمله بالمجلس القومي للبحوث ، الا أنه وجد في المنتدي محفلا علميا يندر أن يكون له نظيرفي مدارج الجامعات أو فيما يمكن أن يدركه الباحث الزائر من تجارب تلك الدول . كاتب هذه المقالة خرج من تلك التجربة وقد تبلورت في ذهنة رؤية أحسب أنها واضحة المعالم لكيف تستطيع الدول النامية اللحاق بقطار الركب العلمي ، صاغها وقتها في كتابين:
§ ديناميكية نقل التكنولوجيا في الدول العربية--اصداردار الثقافة 1984
وللأسف اخطا الناشر فيه في الأسم الأول لهذا الكاتب حيث يظهر فى المكتبات العالمية في النت ك "محمود" بدلا عن "محمد" ، وهي دراسة يبدو أنها قد لاقت قبولا حسنا من دكتور خير الدين حسيب—(تعقيبه في الحاشية في ذيل المقال ) ،
والكتاب الثاني هو:
§ The Choice of Technology in Developing Countries: The Case of the Arab Iron and Steel, Aluminum, Cement and Oil Products Pipelines, 1984, Al-Nor Publishing Company.
هاتان الدراستان وفرتا لهذا الكاتب الفرصة لتقديم النصح المستخلص من كل تلك التجارب الثرة لذوي الشأن في دول المشرق العربي الخمس التي كلفته الأمم المتحدة بتقيم "دور العلم واتكنولوجيا في التنمية" ، فيها3 وتقديم النصح المستخلص من كل تلك التجارب لاحقا لذوي الشأن حينما كلفته اليونسكو بتقيم دور البحث العلمي والتعليم العالي في مقابلة احتياجات التنمية في الدول الأفريقية (خرجت منه دراسة2 يبدو أنها قد لاقت قبولا حسنا من اليونسكو(تعقيب بروفيسور سيقبرت ريثر في الحاشية في ذيل المقال ) ، فلا غرو ان وجد هذا الكاتب نفسه يتابع بتبصر الأفتنان المفاجيء لدي القوم ها هنا بتجربة ماليزبا والتي أراد القوم اختزالها في مهاتير!
þ "محاضير" محاضرا:"اذا شئت أن تقتاس أمر قبيلة وأحلامها ، اانظر الي من يقودها" (عمرو الطائي) :
لكن "الحق لا يعرف بالرجال... أعرف الحق تعرف أهله" ( علي بن أبي طالب)
§ مهاتيرقائد فذ ، ما في ذلك شك ، ليس فقط لكونه استطاع رتق النسيج الوطني المشطور في بلاده - ، بل أيضا لأنه قاد بعدها بلده الي ماهي فيه الأن من سؤدد نسبي ، وقد رمي فأصاب الغرة أو كاد –وهذا ما سنأتي الي ذكره لاحقا بالتفصيل والتفسير ان شاء الله . لكن دعنا هنا نقف عند محاضرته في الخرطوم:
§ فقبل أشهرقصيرة مضت -- تقاطرت وتداعت الوفود ركبانا الي قاعة الصداقة تداعي الأكلة على قصعتها ، هرعوا اليها زرافاتا ووحدانا تحدوهم أمالا عراض في أن يكشف لهم مهاتير كيف وصل الي ما تحقق له من انجاز تنموي مبهر في بلده ، املين أن يرفلهم "بصيغة طهوية جاهزة" (Recipe) تصف كيف يعد المرء – في مطبخ السياسة السودانية – لونا ناجعا من ألوان التنمية الزاهية التي برعت فيها ماليزيا ، مما أخفق الخبراء هاهنا (Les Citoyens) من أن يوفروه لبلادهم علي عقود من الزمان الأغبر ، " فما كُلُّ مؤتٍ نَصحَهُ بِلبيبِ " ، كما حدث بذلك أبو الأسود الدؤلي!
þ "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"
(حديث شريف):
§ لكن هيهات ! فلم يسع مهاتير أن يرفل هذا الحشد بالصيغة الطهوية الجاهزة (Recipe) التي جاوا من أجلها ! و"انقلب البصرالي القوم خاسئا وهوحسير" ، و ما فتئوا أن اِرْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ كاشفين عن خيبة الأمل بقصر محاضرة مهاتير التي لم تشفي غليلهم ، ،ولا غرو فان محاضرته لذلك الحشد الذي اكتظت به القاعة والذين منوا أنفسهم بساعات طوال في حضرته ، لم تتعدي الربع ساعة ! ، وخرجوا من اللقاء وما في رحلهم الا بقدر ما حمل المِخْيَطُ إَذَ أُدْخِلَ البَحْرَ ! لكن ماذا حمل مهاتير علي الوقوف علي تخوم أخذ الكلام لغايته عند المعري حين قال:
أوجَزَ الدَهرُ في المَقالِ إِلى أَن | جَعَلَ الصَمتَ غايَةَ الإيجاز! |
هل هو اعمالا لحديث الرسول (ص) عاليه ؟ أم هو اخذا بنصيحة علي ابن أبي طالب(رض)القائل "إِن القليلَ من الكلامِ بأهلهِ ... حَسَنٌ وإِن كثيرَهُ ممقوتُ" ؟ حسنا! - سنستبين أسباب هذا الأيجار بعد قليل !لكن قبل ذلك نريد أن نقول:
þ "فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الأعراف 176 ) :
§ ليت القوم– وقد أرادوا اقتناص تلك الحكمة المبتسرة من فم مهاتير دون أن "يسعوا لَهَا سَعْيَهَا" ، ليتهم أنصتوا قبلها لنصح أقليدِس الإسكندري (Euclid الملقب بأبي الهندسة)، والذي اشتهر بكتابه "العناصر" (The Elements) ، الكتاب الأكثر تأثيرا في تاريخ علم الرياضيات3،
§ فعندما أصيب بطليموس الأول – (مؤسس الأسرة البطلمية بمصر ، 323–283 قبل الميلاد، و مؤسس مكتبة الأسكندريه التي جعلت من ميناء الأسكندريه أهم مركز اشعاع ثقافي في العالم المعروف وقتها) ، عندما اصيب بالاحباط لحجم الجهد المطلوب في الأنكباب علي كتاب "العناصر"، لاتقان "هندسة إقليدس" ، سأل بطليموس الأول اقليدس عما إذا كان هناك مسار أقصرلتعلم الهندسة، في محاولة منه للالتفاف على المطلوب من العمل الشاق لأتقان ما هو ضروري في هذا المجال ، فقال له عالم الرياضيات الكبير قولته المشهورة التي ذهبت مثلا "سيدي ! ليس هناك طريق ملكي إلى الهندسة !"
§ وذاك – أيضا – كان حال كارل ماركس مؤسس الفلسفة الماركسية —في مقدمة المجلد الأول من كتابه الشهير("رأس المال" Das Kapital) وهو يستدعي نفس الفكرة عام 1872حين كتب "ليس هناك طريق ملكي إلى العلم (Science)، وفقط أولئك الذين لا يرهبهم الصعود المجهد والبحث المضني في مساراته الحادة سيكأفؤن بالوصول الي قممه المضيئة"". حكمة بالغة قرأناها من قبل واحتفينا بها مع الشابي في قصيدته الفذة :
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ | ركــبتُ المُنــى ونسِـيت الحـذرْ |
ومن يتهيب صعود الجبال | يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ |
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه | يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ |
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ | فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر |
þ و قبل ذلك - بنحو عام ونيف -- ضرب القوم أكباد الأبل لكوالالمبور، ليلتقوا بمهاتير في عقر داره ، تحدوهم نفس الأمال العراض ليسمعوا منه كيف "فعلها" في ماليزيا ،
§ المفارقة هنا أنهم لو نشدوا مبتغاهم وسط غمار "رعاياهم" (ممن يصدق في حقهم التعبير الفرنسي (“Sujet » les ciseaux et sans visage لكفوا الدولة المال العام المسفوح وانفسهم مشقة السفر! ، فاليهم يساق الحديث ها هنا مما جاء في صحيح البخاري:
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ ...عن سفيان بن عيينة...”عن أبي هريرة (رض) عن الرسول (ص) "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أعلم من عالم المدينة" ،نوقد ...سئل ابن عيينة :من هو"عالم المدينة" ؟...قال إسحق بن موسى ... هو ... الزاهد ... "عبد العزيز بن عبد الله" ...من ولد عمر بن الخطاب" وفي رواية اخري هو مالك بن أنس6 .
þ وضع الندى في موضع السيف بالعلا ***مضر كوضع السيف في موضع الندى ( المتنبي) :
"فَما كُلُّ ذي لُبٍّ بِمؤتيكَ نُصحَهُ وَما كُلُّ مؤتٍ نَصحَهُ بِلبيبِ" ، ( أبو الأسود الدؤلي):
§ ياتري لماذا خاب ظن القوم في لقاءات مهاتير ،في كوالالمبور والخرطوم ولماذا لم يسع مهاتير أن يرفل هذا الحشد الشغوف به أصلا ، بما نشدوه منه من الأفصاح عن تجربة ثرة هو –لحد بعيد – ان لم يكن صانعها فهو الطبيب ("القابلة") الذي أخرج تلك التجربة للوجود، والرائد لا يكذب أهله ؟ نجيب ببساطة :
§ ان توقعات القوم تلك كانت أصلا غير واقعية و غير صائبة ونظرة في الأتجاه الخطأ- لماذا؟
§ لتقريب التفسير الذي نريد طرحه ، دعنا نحتكم بدءا – من باب المقبلات -- لمريدي كرة القدم ونسألهم: هل ترضون بأيا من غوارديولا و مورينيو "لاعبين" في فريقكم ؟ وهل تقبل برشلونة الأن بميسي "-- أو يقبل الأن ريال مدريد برونالدو –"مدربين" -- لا لاعبين -- لفرقهما مثلا؟—بالطبع لا ، فهنا أيضا "كل ميسر لما خلق له " ، وأولاء النفرالذين جاء ذكرهم عاليه —رغم ابداع كل منهم في مجاله-- لا يستطيعون (الأن) تبادل الأدوار بينهم ، ، كما سنري بعد قليل ، وكما سنري لاحقا -- ان شاء الله -- حين نتعرض باسهاب بالتحليل لتجربة ماليزيا التنموية وجذورها في اليابان وكوريا—بل في الأرث الأسلامي القريب البعيد ! ونعود ونسأل : لماذا كانت نظرة هؤلاء القوم هي تطلع في الأتجاه الخطأ ؟
§ أولا --لأن ليس في مقدورمهاتير —أو أي شخص في وضعه — أن يقول لهؤلاء القوم "كيف فعلها" ! فقد وضعوا هذا القائد المليزي في مقعد حرج و"لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا " كما جاء في الأية الكريمة 233 من سورة البقرة ، ولا غرو ، فقديما عرفنا أن وضع صاحب الهمة العالية في غير منزلته ، يعدم فائدته كما تنتفي فائدة السيف اذا ترك ليصدأ في الندي ، كما أخبر بذلك المتنبي في بيت الشعر عاليه،
§ مرد خطل النظر في الأتجاه الخاطيء يكمن أصلا في الخلط بين "الدراية" (أوالحذ ق المهنيKnow-how ) ، في هذه الحالة "خصلة القيادة الفذة " التي فاء الله بها علي د. مهاتير--وبين"معرفة ما يتعين عمله" لتحقق الأنجاز التنموي المبهر (ال Know-what) وهو ما كان القوم يأملون أن يسمعوه من مهاتير ! ومن أوضح افصاحا في هذا الشأن من الفيلسوف الألماني كانط:
§ ففي مقطع شهير في "نقد المنطق العقلي الخالص"، لعمانوئيل كانط (1724-1804) يؤكد فيه أن "الدراية المعرفية (الحذق” Knowledge”) تحتاج على -- حد سواء –
à للتجربة (أو الممارسةExperience ) وأيضا
à للمفاهيم (النظريةConcepts or Theory) :
فالمفاهيم النظرية -- Concepts-- بدون التجربة تبقي جوفاء ، والتجربة (أي الممارسة) دون إدراك المفاهيم (النظرية) تظل مصابة بالعمى”
§ ما أشار اليه كانط" هنا:
à "بالمفاهيم"(Concepts) نطلق عليه اليوم "معرفة ماذا" أو ما ينبغي" (أي معرفة ما يتعين عمله “Know-what ) or “Know that” وما أشار اليه “
à بالتجربة" (Experience) هو ما نطلق عليه اليوم "الدراية" أو الحذق المهني(Know-how)
§ لكن أين هذه من تلك في مراتب الأحسان؟
يقول نوربرت فينز--عالم ﺍﻟﺴﻴﺒﺭﻨﻁﻴﻘﺎ المشهور ان" ليس هناك سوي خاصية (سجية) واحدة أكثر أهمية من الدراية التقنيةKnow-how" ، وتلك السجية هي "معرفة ماذا" ("Know-what or Know-that ) ".
تعليقنا هنا هو أن:
à الدراية" (التقنية ، أوالحذ ق المهنيKnow-how ، كما يجسدها مهاتير أو ميسي ، وممن ينطون علي "معرفة اجرائية تنفيذية " يفصح عنها عمليا -- لا تعبيرا – بالتخير التلقائي لأفضل السبل لتنفيذ المهمة،
à وأما "معرفة ماذا" (Know-what ) فهي في جوهرها "معرفة ما ينبغي" أو "معرفة الصالح من الطالح" ، كما يجسدها غوارديولا أو اساتذة الهندسة والباحثين ، ممن ينطون علي "معرفة وصفية" يفصح عنها عنها تعبيرا بالجمل التعريفية أو بالمقترحات الإرشادية التي –مثلا-- تمكن حاملها "المهندس الباحثResearch Engineer " من شحذ زناد "سلسلة الابتكار" (Innovation Chain) ، أهم أدوات التغيير ،
à ف "معرفة ماذا" لا تمكننا فقط من تحديد أهدافنا ، بل معرفة ما ينبغي أن تكون عليه تلك الأهداف":أقرأ هنا " أن ندرك - مثلا -خريطة الطريق للأنجاز التنموي المبهر ، مبتغي اولئك النفر الذين نشدوه في حضرة "محاضير" ، أو ندرك ما لم يكن ينبغي أن نتوقعه من محاضرة مهاتير " تلك ،التي عقد عليها الكثيرون الأمال العراض!
§ ولكي نكون أكثر افصاحا ، دعنا نستدعي هنا شهادة الكاتب "كروس"4 (N. Cross) للتفريق بين هذين التعبيرين اللذين أشكلا علي اولئك القوم :
à يقول "كروس" أن "معرفة ماينبغي أو يتعين عمله " (Know-what) هي معرفة استقرائية يمكن الأفصاح عنها صراحة ، وتدوينها (Codified) ، واستقراء (استخلاص ) تعميم (Generalization) منها بحيث تتم صياغتها كقواعد عامة وإجراءات أو اطلاقها كنصائح" ، تلك –اذا -- هي الحكمة الغائبة:
§ فأستاذ الهندسة –مثلا -- يدرك "المعلوم بالضرورة من التصميم الهندسي " (Knows That or Know What) ، أي ما لا يسع الأستاذ أن يجهله من قواعد التصميم الهندسي الصريحة ، وأنه يستطيع أن ينقل هذه المعرفة لطلابه. كذلك ، فان:
§ مدربا لكرة القدم -- مثل بيب غوارديولا أو جوزيه مورينيو-- "يعرفان ما يتعين معرفته("(Knows-that، من قواعد لعبة كرة القدم وانهما يستطيعان نقل هذه المعرفة لميسي وزملائه من اللاعبين. ولكن لا يستطيع ميسي أو رونالدو أو جوسيبي روسي ، ولا طالب الهندسة المضي قدما مع هذا بالمعرفه وحدها -- على الرغم من أهمية هذه المعرفة -- كدليل للعمل والأنجاز !
à بينما الدراية" (التقنية ، أوالحذ ق المهنيKnow-how ) هي معرفة اساسها الموهبة التي صقلتها الخبرة العملية أو التوجيه أو ازدانت بالمكتشف من الطرائق الأبداعية الخفية داخل دروب ودهاليز النظام المهني إلى مزيد من تميز الأداء ، ولا يمكن الأفصاح عنها صراحة ، فقط يمكن عرضها أومشاهدتها أو اقامة الدليل علي وجودها:
§ كأن تشاهد لاعب كرة متميز كميسي يلعب فلا تشك في حذقه للعبة! أو
§ تتأمل ما حققته قيادة سياسي فذ كمهاتير لماليزيا فتعجب ،
دون أن يكون أيا منهما قادرا أن يقول لك "كيف فعلها"
§ و قد تبصر خبير التشخيص السريري(The Clinician ) يتخذ قرار تحديد المرض ، انطلاقا من جهازه العصبي «نظير السمبتاوي «Parasympathetic N.S» حيث يتولي وعيه المتمرس فرز الأكفال من الأحلاس وانتقاء المهم من غير المهم ، وصولا الي تشخيص الحالة المرضية ، من دون أن يكون لهذا الخبير القدرة على أن يفسر ما يدور في عقله!
§ ومهاتير كنجم سياسي ، ومثله في ذلك كمثل ميسي ورونالدو كنجوم كروية ، جميعهم يستطيعون ان يسجلوا "الأهداف" –كل في مجاله ، لكنهم لا يستطيعون ان يقولوا لنا كيف نسجل "الأقوان"—فقط جان تنبيرقن أو سلسو فيرتادو (أو روبيرت سولو أو بول باران أو نيكولاس كالدورأو سمير أمين من أعلام الشارحين لجدلية التنمية الأقتصادية ) هم القادرون علي أن يقولوا لنا كيف نحقق "هدفا تنمويا"
§ وبالمقابل ، يستطيع غوارديولا أو مورينيو أن يقولوا لنا كيف نسجل "هدفا " كرويا ، رغم ان لا أحد منهم يستطيع أن يسجل "هدفا" أيا كان!
§ ومن قبل سئل "ديسيموس" اليوناني: ما بال ديسيموس يعلم الناس الشعر ولا يقول الشعر؟
à قال: ديسيموس (أقرأ ان شئت هنا غوارديولا أو مورينيوأو جان تنبيرقن) (أنا) "كالمسن (الألَةٌ التي يُسَنُّ بِهَا أَوْ عَلَيْهَا كالمبرد) الذي يشحذ ولا يقطع" ، (رغم تملك أيا منهم ناصية المفاهيم النظرية ، أي "معرفة ماذا" ) ، بينما
à صاحب التجربة و الممارسة (الحذق المهني(Know-how كمهاتير (أو ميسي) يستطيع أن "يقطع" شوطا كبيرا نحو "هدفه" ، لكن ما بوسعه أن "يشحذ" هِمَم مستمعيه ويستثيرها بشرح كيف فعلها! ف"كل ميسر لماخلق له" ، كما حدث بذلك الرسول الكريم (ص)
§ اذا ، فالمصمم الهندسي المبدع "يدري" كيف يصمم ، وميسي "يدري" كيف ييدع كرويا ومهاتير "يدري" كيف يضع بلده علي طريق التنمية المستدامة ، "فيقطع" قول كل خطيب ، قبل أن يترك الحكم خلفه ، لكن—كما قد يقول كروس—لا أحدا منهم يستطيع ان يخبرك فصاحة كيف هو يحقق مثل هذا "الأنجاز" – ناهيك ان يقول لك كيف تحققها انت أو يختزل لك ذلك في "صيغة طهوية جاهزة" (Recipe) !عليك أن تشاهد ذلك علي الطبيعة أو تلجأ لتقنية "تحليل الأفلام " (Film Analysis) لتفكك أنجاز ميسي --مشهد ، مشهد -- لتعلم كيف فعلها لتحسين مهارة اللاعبين ، أو تلجأ "للهندسة العكسية" (Reverse Engineering) لتعرف كيف انجز المصمم الهندسي المبدع جهاز ما ، تماما كما في قصة الياباني تاكيو اوساهيرا اواخر القرن التاسع عشر وتفكيكه للمحرك الألماني قطعة قطعة ورسمه واستكشاف تقنيته قبل أن يعود لليابان ويقيم منشأة كاملة لتصنيع المحركات !
§ ونفس الهندسة العكسية يمكن استخدام "معادلها الموضوعي" لندرك انجاز مهاتر ورفاقه في ماليزيا وهذا مانأمل ان نقوم به ان شاء الله في الحلقات القادمة ، لكن لن يكون بوسع القوم المضي قدما بهذا بالمعرفه وحدها -- على الرغم من أهمية هذه المعرفة -- كدليل للعمل والأنجاز ، دون أن "يسعوا لَهَا سَعْيَهَا" ! وفق ما جاء "في هدي الأية 19 من سورة الأسراء "ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" ، ووفق شروط وأشراط الأنتفاع بالمعرفة ومقامات تلك الفائدة كما أفصح عنها الحديث الشريف القائل: " إِنَّ مثل مَا بَعَثَنِي اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ ،
à كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا ، فكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ،
à وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فشَرِبُوا مِنْهَا ، وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ،
à وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ ، لَا تُمْسِكُ مَاءً ، وَلَا تُنْبِتُ كَلأً ،
فَذَلِكَ مثل:
à مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ به ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ " ،
à وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ ، الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ " (رواه الشيخان)
§ ان العصا قرعت لذي الحلم:
§ اذن ماذا كانت رسالة "الربع ساعة" المقتضبة التي أطلقها مهاتير من قاعة الصداقة وأخفق الكثيرون في ادراكها ؟ نقول انها التذكير بنصح أقليدِس الإسكندري القديم لكن بمفردة معاصرة:
"أن ليس هناك طريق ملكي للتنمية" !
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
þ مباحث لاحقة:
نأمل ان نتناول شاء الله في دراسة قادمة بعنوان :"تأملات حول تجربة ماليزيا في التنمية" عدة محاور منها:
§ ماليزيا مهاتير والتنمية :وقفة فاحصة مع الآباء الرُّوحانِييُّن لرحلة ماليزيا التنموية:
à ماليزيا مهاتيروالمؤشرات الأقتصادية –مقارنات مع السودان والنمورالأسيوية
§ التحول الهيكلي في مليزيا تحت ادارة مهاتير
à ماليزيا ونموذج التنمية الياباني
à ماليزيا ونموذج التنمية الكوري
à ماليزيا ونموذج التنمية الروسي
§ ماليزبا مهاتير والبحث العلمي
à السياسة العلمية في ظل حكم مهاتير
à تطوير القوي العاملة في ظل حكم مهاتير
متناولين بالتحليل ما أورده محرروا الصحف التي غطت ندوة قاعة الصداقة بالأضافة الي افادات دكتور مهاتير ، والتي جاءت كالأتي (ما بين القوسين اضافات من الكاتب):
(التخطيط الأستراتيجي):
§ " واصلنا المسيرفي اقتصاديات السوق التي جلبها الأستعمار
§ بعد الأستقلال قررنا اعتماد النظام الأقتصاد الأشتراكي لمدة 5 خمس سنوات
التعليم:
§ خصصت ماليزيا ربع ميزانتها للتعليم مع ارسال العمال ليعملوا في المصانع اليابانية
§ التعليم يسهم في جذب المستثمرين(الأهرام اليوم 2-11-2012)
الأستفادة من تجارب الأخرين:("صاحبوا الناس وزايلوهم"--حديث شريف)
§ اطلقت في الثمانيات استراتيجية"النظر شرقا" في نموذجي اليابان وكوريا للتعلم من:
à منظومة قيم (ثقافة)العمل كانضباتهم(الأهرام اليوم 2-11-2012)
à روحهم الوطنية وفخرهم الوطني("عندما يكون هناك اضراب احتجاجي ، فانهم ينفذونه خارج اوقات الدوام الرسمي") (السوداني 3-11-2012)
à معارضة هذا التوجه حتي من داخل الحكومة بدعوي أن الأجدي هو النظر غربا للنبع الأصلي الذي نهلت منه اليابان وكوريا (لحظة ظهرت فيها ملكة مهاتير الأقناعية في حمل معارضيه بتغير موقفهم)
(القطاع الأولي : الزراعي والتعديني والغابي):
§ أولا ،سياسة التركيز علي الزراعة بدأ بازالة الغابات لزراعة المطاط والنخيل لأستخلاص زيته وتصديره
§ محاربة البطالة بتخصيص 10 أفدنة لكل عاطل(الأهرام اليوم 2-11-2012)
§ ادراك تخم هذه السياسة وقيودها (محدداتها) وضيق افقها والعقبات التي اكتنفتها وذلك بسبب :
à أن نموها محدود بمحدودية الأرض
à الحاجة للمحافظة علي الثروة الغابية
à فشلها في حل مشكاة البطالة
(القطاع الثاني :الصناعي والبنائي-التشيد):
§ ثانيا ، التحول نحو الصناعات التحويلية لخلق فرص عمل أوسع بفتح الباب للأستثمار الأجنبي في صناعة السيارات والبترول ومرافيء السفن (الأهرام اليوم 2-11-2012)
§ "تطورت الصناعات بالتدرج"
à بدأت مليزيا بتصنيع الأغذية
à "مرورا بصناعة السيارات
à "خلق هذا نشاطا في الصناعات الهندسية:
§ (صناعات الحديد
§ والألمونيوم
§ والكيمائيات
§ وصناعة منصات استخرج النفط )
§ والصناعات الوسطية(الأهرام اليوم 2-11-2012)
à وبناء السدود ومحطات توليد الكهرباء
à توفير البديل الوطني للسلع المستوردة
(القطاع الثالث قطاع الخدمات):
§ التعاون بين القطاع العام والخاص :
à وفق النموذج الكوري
à تركيز القطاع الخاص علي صناعة النقل
à التوسع في "طرق المرور السريع لسد حاجة الخدمات الخاصة بالمشروعات الزراعية"(الأهرام اليوم 2-11-2012)
§ مع قطع الطريق علي البيروقراطية والفساد
(ادوات الشراكة(Linkage) بين الحكومة والجامعة والصناغة +بين الكهرباء والصناعة والمياه لتصنيع معدات الري الخ)
(القطاع النقدي والمالي) :
§ "تخلي الغرب عن الأقتصاد الحقيقي...اقتصاد السلع والخدمات والتجارة... لقد اتجهوا الي أسواق (الأوراق) المالية وهي شيء أشبه بالقمار منه الي الأقتصاد ،مكتفين بنقل الأرقام في الحسابات المصرفية دون أن يكون هناك انتاج حقيقي" (السوداني 3-11-2012)
References:
1 .ديناميكية نقل التكنولوجيا في الدول العربية--اصداردار الثقافة 1984
وهي دراسة يبدو أنها قد لاقت قبولا حسنا من دكتور خير الدين حسيب مدير مركز دراسات الوحدة العربية والمدير السابق لقسم العلوم والتكنولوجيا بمنظمة المم المتحدة (اسكوا)، فقد كتب للكاتب :
: "بسبب اهتماماتي ... بموضوع التكنولوجيا ونقلها فقد شدتني الدراسة ليلة بكاملها الي حين انتهيت منها واعتبرها واحدة من الدراسات القليلة الجادة والعميقة التي كتبت باللغة العربية حول الموضوع... كما أنك جمعت بين الجوانب الأقتصادية والفنية للموضوع بشكل قل معالجته بهذه الدرجة من العمق والتدقيق ...أكرر شكري... وسعادتي بان يكون بيننا من له هذه النظرة والمعرفة لمشاكل التكنولوجيا ونقلها" (رسالة د .خير الدين حسيب للكاتب بتاريخ 20-5-1981). د .خير الدين لم يكتف بذلك ، بل طلب من الأمم المتحدة أن تدعو الكاتب للألتحاق بالمنظمة وهو ما تم لاحقا
2. Scientific Progress and Social Requirement: A Logic of Metamorphosis.1981, a report submitted, upon request, to UNESCO.
وهي دراسة يبدو أنها قد لاقت قبولا حسنا من الدكتور (Siegbert Raither) رئيس قسم البحث العلمي والتعليم العالي باليونسكو واستاذ الفيزياء السابق بجامعة هارفارد فقد كتب للكاتب:
“I have read your paper with great interest...Your treatment of this topic is excellent, at a level of intellect that is indeed rare to find . I have forwarded a copy of your document to Professor Carlos Mallman, of Bariloche Foundation ...Argentina..( co-leader of the “Latin American Worlds Model” , the South response to the Club of Rome “Limits to Growth” Report), who I know will be most interested in it”
(خطاب بروفيسور Siegbert Raither للكاتب بتاريخ 12-11—1981)
3. Some Reflective Footnotes to the Mid-Decade Review of the Implementation of the Vienna Program of Action on Science and Technology for Development. 1984. A 125-
Page report submitted to the United Nations Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA).
4. Cross, N. 1981.Design Method & Scientific Method
5. Wikipedia
6. http://hadith.al-islam.com/Page.aspx?pageid=197&BookID=37&PID=5144&SubjectID=18471).
( http://www.startimes.com/f.aspx?t=23396608)
* بروفسير قريش مهندس مستشار وزميل في "الجمعية الهندسية " و خبير في المياه والنقل والطاقة والتصنيع، عمل مديرا للمركز القومي للتكنولوجيا ومحاضرا غير متفرغ بجامعة الخرطوم وبروفيسورا مشاركا في جامعتي ولاية مينيسوتا الأمريكية وجامعة الملك عبد العزيز ومستشارا لليونسكو بباريس و وخبيرا بالأمم المتحدة (الأسكوا) ،ومستشارا لها ، وخبيرا بمنظمة الخليج للأستشارات الصناعية ، وهو حائزعلي الدكتوراه الأولي له في هندسة النظم الصناعية والنقل والتي أتم أبحاثها بمعهد M.I.T.)) . كزميل "مركز الدراسات الهندسية المتقدمة" ، و حيث قام بوضع مواصفات تصميمية أولية لطائرتين تفيان بمتطلبات الدول النامية وأثبت --بالمحاكاة الرياضية علي شبكات الدول النامية-- تفوقهما علي الطائرات المعروضة في السوق العالمي ، وهو أيضا حائز علي (M. Phil.) و علي دكتوراة ثانية من جامعة مينيسوتا الأمريكية في موارد المياه بتخصص هيدرولوجيا و هيدروليكا، وعلي ماجستير اقتصاد وبحوث العمليات ، و هومجاز كعضو بارز" من قبل "معهد المهندسين الصناعيين" وكعضو من قبل "معهد الطيران والملاحة الفضائية " الأمريكي و"أكاديمية نيويورك للعلوم" والجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين" و الجمعية الأمريكية لضبط الجودة والمعهد البريطاني للنقل ".