مدرسة الواحد في الأحزاب السودانية …

 


 

 

أحزابنا أهل الهوي

مدين بالاعتذار ابتداء لرواد ومؤسسي مدرسة الواحد التشكيلية فلم تكن الاستعارة من قبيل التقليل من شأن هذه المدرسة من حيث إنها أفردت لنفسها مساحة في الواقع التشكيلي السوداني ولكني أردت استلاف عنوانها بكامل احتشاده الرمزي وإسقاطه علي واقعنا السياسي الحزبي الذي أصبحت زينته وميزته أن يقف الواحد بكامل رمزيته لا ليؤكد هذه الرمزية ببعدها التشكيلي والفني ليمنح " اللوحة ازدواجية القراية" كما قال  الشاعر المثابر عاطف خيري بل من حيث الوجهة السياسية لما يمنحه ذلك من معني للهيمنة وعدم القدرة علي سنّ مبدأ التداول السلمي للسلطة والقيادة الحزبية علي مستوي أحزابنا السودانية.
بدأت الأحزاب السياسية تستعد لاحتمالات التحول الديمقراطي , أقول " احتمالات" لأن الواقع السياسي السوداني تملأ سماءه الغيوم والسحب ولا ندري ستكون ماطرة مطرنا الذي نروم, يملأ الأرض قمحا ووعدا وتمنيا أم سنستظل بمطر السوء الذي يُشيع في الربوع والنجوع الترقب والانتظار لعدم الأمان والطمأنينة.
أبرز مظاهر هذا الاستعداد الشروع في انعقاد المؤتمرات العامة حتي تكتمل البناءات والهياكل وتأخذ العملية التنظيمية مسارها ويبدو ظاهرا للعيان القوام الحزبي الممشوق تسكنه العافية كفاحا وترقيا في جسد الحزب دون مؤثرات خارجية أو داخلية سوي إعمال الديمقراطية والشفافية.
عقد حزب الأمة القومي مؤتمره العام في الأسابيع الماضية في جوّ من الترقب لما يسفر عنه المؤتمر فأمر القيادة في الحزب محاط بكثير من الأسئلة ذات الصلة بالوراثة وصلتها بالقيادة في الحزب, وكاريزما بيت المهدي حصرا علي الصادق المهدي وأسرته وانعكاس ذلك علي النشاط السياسي في الحزب, وبروز عنصر المنافسة غير المتكافئة في بيت المهدي وما يتبعها من ديربي قربا وبعدا من الحكومة وموقفا في " الرقراق" يصف به المراقبون  الصادق المهدي في فترة ما ولاحقا يصنّفونه في خانة القرب دارا من الحكومة, وظلال كثيفة لما يصفونه بعدم مراعاة التوزيع الجغرافي العادل حتي يستحق الحزب صفة القومية وهو السبب الذي جعل الصادق المهدي يقنع الأستاذ سيد أحمد خليفة ليترشح باسم الحزب في دائرة الصحافة الشهيرة في الديمقراطية الثالثة  ثم يفسح المجال بالتعاون مع مرشحي أحزاب أخري للأستاذ حسن شبو منازلا للترابي , وخصوصية ذات كعب عالٍ في الحزب يمنحها لمنسوبيه في كردفان ودارفور أصابتها هزة حينما  خرج مبارك الفاضل عن النهر يتبعه عدد مقدر من الشباب الذين كان لهم دور فاعل في الحركة الطلابية ولكنّ مباركا حين أعلن الخروج عن رافد الإنقاذ لم يتبعه بعض هؤلاء الشباب وسبحوا في تيار الحكومة بدعوي عدم تفويت هذه الفرصة في تقديم المشروعات التنموية لأقاليمهم ومناطقهم التي أصبحوا وزراء ناحيتها مما يمثل حُجة يسوقونها في وجه قيادة الحزب بالتهميش دفعت الكثيرين من أبناء جيلهم ذوي الأثر في الحزب يلوذون بالإزورار بديلا للاستيزار أو الهجرة والاغتراب أمثال محمد أحمد سلامة ,حمد عبدالنبي الزناري وصلاح جلال , إلا أنه ورغم هذه الهزة يظل الوجود مقدرا للحزب في هذه الأقاليم.
برز عنصران جديدان في مؤتمر الحزب الأخير دخلا من الباب الخلفي ذات دهشة من الجميع , أولهما ما تعرض له مادبو الابن من اعتداء في منطقة قريبة من مكان انعقاد جلسات المؤتمر اتهم به قيادة الحزب بالتدبير لذلك بل وألمح إلي الحادث الذي تعرض له والده قبل المؤتمر بفترة قصيرة أنه لم يكن عارضا وفيه بعض تدبير وقرر فتح ملف القضية مرة أخري . أما العنصر الثاني فقد كان ذلك الغبار الكثيف حول شبهة تزوير إزاء انتخابات الأمانة العامة.
كان كثير من المتابعين يرنون لاحتمالات القليل من التغيير في القيادة لما سبق ذلك من تصريحات ومبادرات من الصادق المهدي بعدم الجمع بين الإمامة والزعامة للحزب وإفساح المجال لقيادات صاعدة من بيت المهدي أو من الجار الجنب أو الصاحب بالجنب,ولكن النتيجة كانت امتدادا لنتائج مؤتمر الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية بشقيها " القصر والمنشية" ولن يكون مولانا الميرغني بأفضل من ذلك وربما يكون أشد وأنكي بعد أن أصبح" يُرفِق" ابنيه بجلباب الطريقة الفضفاض في حلّه وترحاله السياسي  دون أن" يُرفِق "بمن يسميهم بالمستشارين والنواب .
هذه الحال التي تسم أحزابنا السياسية تجعل المتابع يتردد في أن السبب لا يكمن في أن هذه القيادات وحدها التي تتشبث بالقيادة دون أن تتنازل إلا باللحد ولكن يبدو أن هناك عنصرا آخر ذا صلة بأعضاء هذه الأحزاب الذين يمثلون الوسط المنوط به التغيير ونفث الروح الجديدة في أوصال الحزب وعدم الركون والاستنامة لواقع لا يدفع للأمام , بل وكثيرون من هؤلاء الأعضاء يتمتعون بذوات مترددة تخشي من الغد بكل احتمالاته وعلي الرغم من أن العملية الديمقراطية في الأحزاب ليست بالضرورة أن تفضي إلي ثورية في التغيير إلا أن كثيرا من منسوبي أحزابنا لا يتخذون من وسيلة التقسيط المريح في التغيير سُلّما للتغيير المنشود ولا يخفي علي أحد أن بعض أحزابنا متاح أمامها كثير من الفرص لتأهيل العضوية بمنح فرص الدراسات الجامعية والعليا والتدريب في مجالات الإدارة العامة والتخصصات الأخري التي يحتاجها السياسي المتفرغ وغير المتفرغ مما يمثل إعمالا لمبدأ التداول السلمي للسلطات في الحزب وبذلك يكتسب حركة مستمرة وتطورا لا شك في أنه سيجعل منه معبّرا عن شرائح المجتمع المتعددة. لا يقتصر عدم الاستفادة من هذه العناصر علي حجبها من قبل القيادة بقصد أو دونه " وهذه كارثة" بل إن الأعضاء أنفسهم في كثير من الأحيان لا يتطلعون لمثل هذه الفرص إما بسبب تكوين تلك الذوات المشار إليها أو شيء من التعفف حيال مثل هذه الفرص رغما عن أنها حق مشروع لأولئك المتجردين في ميادين العمل العام إلا أن هناك ممن يتخذون من الانتماء للأحزاب وسيلة لتحقيق ذواتهم عبر هذه الفرص دون أن يجد منهم الحزب خيرا أو انتماء بالأصالة.
الذين يدخلون في دائرة التصنيف بأنهم مثقفون بعضهم تسكنه ذاكرة البقاء خلف الزعيم الوارث بدوافع مختلفة منها الذاتي ومنها غير الموضوعي بأن بريق الحزب كله في هذا البعد الطائفي المُسخّر في غير تطوير الحزب في المسار الصحيح ,وبعضهم تعرض للإشعاع النووي الذي يحكم الذهن العام بفكرة الانتماء لحوزة ينتمي إليها دون تفريق بين طائفة أو طريقة صوفية إذ لا يوجد في تقديرهم ما يدفع علي التنازل عن هذا الإرث لذلك يبقي الزعماء أمثال الصادق المهدي مكبّلين برأسين في جسد واحد أحدهما ينشد الحداثة ويسعي لها وآخر يجد في التمسك بالإرث الوسيلة في البقاء السياسي.
izzanaizzana@yahoo.com


 

 

آراء