مرضى الفشل الكلوي.. (فض الشغب)..!

 


 

 

diaabilal@hotmail.com

  طبيب سوداني كان يروي بأسى قصة ذلك الشاب المصاب «بالفشل الكلوى» وهو يقول لمجالسيه إن رغبة ملحة تسيطر عليه منذ أن فرض ذلك المرض اللعين سلطته الكاملة على جسده، قبل خمس سنوات.. رغبة أن يكون في ضيافة أسرة يضطر للهمس بسؤال بسيط  لاحد أفرادها: (آسف دورة المياه وين؟).كانت ساعات مأساوية تلك التي خرج فيها عدد مقدر من مرضى الفشل الكلوي بالخرطوم أمس الاول احتجاجاً على توقف مراكز الغسيل عن القيام بمهمة تنقية دمائهم من السموم..! السموم التي من المرجح جاءت إليهم من الأسمدة التي تَسرّبت إلى مأكولاتهم بشهوة الربح السريع لتجار لا يردعهم رقيب ولا يؤنبهم ضمير في مراعاة خلق الله.صحف الخرطوم أمس نقلت بالصورة والقلم مُعاناة مرضى الفشل الكلوي وهم ينتظرون الماكينات لتعمل على إراحتهم من مُعاناة ارتفاع البولينا والكرياتنين..!الإفادة التي سجّلتها الزميلة المتميزة سهير عبد الرحيم لمريضة تنظر الى قارورة مياه في يد أحد الاصحاء في نهار الخرطوم القائظ، وتقول لسهير بأن كل أمنيتها في الدنيا الآن أن تأخذ جرعات من الماء دون أن تحمل جسدها صعوبة التخلص...!هذه الإفادة المقتضبة تصوّر ما عليه «1700» مريض لا يُشاركون مُعاناة الكثيرين في حواضر السودان وبواديه من عدم الحصول على المياه ولكنها تمثل أزمة مرضى الفشل الكلوي في تخليص أجسامهم  منها.اللحظة التي يضطر فيها المرضى للخروج الى الشوارع للمطالبة بحقهم في العلاج تمثل نقطة الانهيار لكثيرٍ من القيم والمؤسسات.. يحدث ذلك والمؤسّسات المعنية بالأمر لا تكلف نفسها واجب التعليق على الصور التي تنطق بعجزهم في تحمُّل أمانة التكليف..!وزارة المالية التي يقف على رأسها أميز وزراء الإنقاذ د. عوض الجاز تعجز عن تسديد مبلغ «16» مليون جنيه إلتزامها لمراكز الكلى.. وهذا المبلغ  أكثر بالنصف من صفقة شراء المحترف النيجيري وارغو في كشوفات مريخ الوالي، وأقل بالضعف من تكلفة كثير من الأنشطة ذات الطحن عالي الصوت وقليل «الدقيق».. ولكنها هرجلة ترتيب الأولويات التي تكاد  تعصف بكل شئ ذي قيمة ومعنى في سبيل الحفاظ على الشكليات والزخف.. تُستثنى من ذلك انجازات تنموية ساطعة في طول البلاد وعرضها لا تُخطئها عَينٌ.ترى ماذا أصاب الحقل الطبي بعد أن صعدت أسهم نجاحه في السنوات الأخيرة وشهد  بذلك المرضى ومرافقوهم وأصبحت الإشراقات تنقلها الصحف في الصفحات المخصصة «للتحقيقات» لا في ملفات «الإعلانات التسجيلية».والصحف اليوم تحتشد بالمآسي.. موت جماعي في غرف العمليات.. ثلاث نساء في مستشفى صغير.. في أقل من ثلاث ساعات، صعدت أروحهن وهن يقدمن للحياة زهرات جميلات.. وقسم الأطفال حديثي الولادة في أكبر مستشفى بالسودان يغلق لإصابته بالتلوث البكتيري.. ومستشفيات الولايات تقتحم الأغنام بعض عنابرها دون أن تجد من يهم «بتكّها».. فالمرضى في «همهم» والأطباء في «غمهم» وبغلة عمر بن الخطاب تُعاني ثقل الحمل ووعورة السير...!ترى هل تصل مُعاناة مرضى الفشل الكلوي بكل ما فيها من آلامٍ وأوجاعٍ - محروسة بشرطة فض الشغب - إلى مسامع وبصر القيادة العليا بالدولة، أم أن الديوانيين ومهرة التقارير يُلخِّصون للقيادات المأساة في مُقتضبات مُعمّمة لا تصل حد إبانة ذلك الضابط في إحدى الروايات المصرية (يا سعادتك الأوضاع مُستقرة تماماً، بس الحقوق مُهدرة)! 

 

آراء