مساجد الخرطوم .. حمى الإساءات الملاسنات!! … بقلم: ضياء الدين بلال
22 December, 2009
diaabilal@hotmail.com
هذا ما كان متوقعاً تماماً.. اوردت الزميلة «الوطن» أمس في صفحتها الاولى، خبر تلاسن وإساءات متبادلة، تمت في مسجد بأم درمان بمنطقة أمبدة، بين امام المسجد وأحد المصلين. عندما كانت خطبة الامام قد انصبت على اختيار (القوي الامين) .ويبدو ان الامام قد ارسل من الاشارات والمعاني ما يفيد انه يشير الى جماعة بعينها، ويحرض المصلين ضد آخرين.
وقد اورد المحرر الذي نقل الخبر حالة (الهرج والمرج) التي سادت داخل المسجد بين مناصري الامام، ومساندي المحتج ووسطاء الخير:(روقو المنقة يا جماعة).
الغريب أنني في ذات الجمعة وبمسجد بوسط الخرطوم، استمعت لخطيب المسجد وهو يتحدث عن تفاصيل دقيقة متعلقة بالعلاقة بين الشريكين، وعن مظاهرات الاثنين..!
وفي مناسبة خاصة بالزميل الصديق الطاهر ساتي ببحري، استمعت لعدد من الاصدقاء يتحدثون عن خطبة الجمعة التي كانت بمسجدهم وتحمل ذات المضامين التي ذكرتها من قبل.
دون كثير جدل، يبدو ان هنالك مجموعة محددة أو هيئة ما، تضع أجندة خطب المساجد لأئمة الجمعة. وسبق للدكتور عبد الله علي ابراهيم ان تحدث عن هذا الامر، بعد ان استمع لخطبة مماثلة.
بكل الحسابات يعتبر هذا النهج غير سليم تماماً..اذ انه يجعل من المساجد منابر لتفريق المسلمين، لا لتوحيدهم .ويستدعي هذا النهج لساحات المساجد ، خلافات وصراعات، لا تليق بطبيعة المكان وقدسيته..خاصة وان القضايا المختلف حولها، قضايا تحتمل تعدد وجهات النظر، واختلاف المنطلقات..!
فليس من الحكمة والعدل ان يصادر كل ذلك لمصلحة جهة بعينها.
والأخطر من ذلك ،قد تفتح الظاهرة الابواب والنوافذ، امام كثير من الظنون السيئة، بالاشتباه في الدوافع وراء ارسال خطاب شديد الانحياز، في قضايا تحتمل الكثير من الاختلاف..فقد يظن ان دافع ذلك التزامن والالتزام بموقف واحد ، دافع مادي متعلق بالجهة التي تقوم بتوفير المرتبات وتخصيص الحوافز.
من سلامة الدين وحسن الخلق، ان يكون الامام بالمسجد معبراً عن ما يعتقد ويرى ويطمئن له قلبه ويستقر في وجدانه، وألا يكون صدى لآخرين. مهما كان اعتقاده في صلاحهم وان وصل حد اليقين.
السودان.. الآن يشهد اعلى درجات الاستقطاب السياسي والاثني والقبلي. وتبتل أرضه بكثير من المياه..فهو في حاجة ملحة (ليابسة) توفر خيارات الالتجاء عند تصاعد الازمات. المساجد والكنائس تأتي في مقدمة الخيارات.
وكم كان نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه موفقاً في حديثه أمس الأول، بمجلس تشريعي ولاية الخرطوم ،في مناسبة مرور الذكرى الرابعة والخمسين لاستقلال السودان، والخامسة لاتفاق السلام ،حينما دعا لبناء سودان التسامح بتوحيد الكلمة ونبذ الخلاف والشقاق وقال :(لابد لسفينة السودان ان تستقر على جودي الإستقرار والسلام).
كثير من التساؤلات تثار..لماذا يختار نائب الرئيس الصمت في وقت تصعد فيه لغة الخطاب السياسي حد التهديد بالمقابر والاكفان؟
أدرك تماماً ان الدعوات للرشد السياسي والتزام الخطاب العقلاني غير المستفز للآخر، لاتجد رواجاً في سوق (أم دفسو السياسي). حيث تقع تلك الدعوات عند العصابيين في مواضع الجبن أو في مظان الانتهازية..عندها يأتي الحديث عن عدم جاذبية الالوان الرمادية وعن مسك العصا من النصف.. ولكن ليس المهم من أين تمسك العصا، ولكن المهم ماذا يُفعل بها،وما بامكانها أن تنجز؟
المساجد ليست المكان المناسب للتبضع السياسي.