* من الغريب أن الجبهة الثورية التي تزعم أنها لسان حال المهمشين والمواطنين في المناطق الريفية والطرفية لم تقم حتى الآن بزيارة واحدة أو تحتفل بالسلام المزعوم مع المهمشين الذين تمثلهم في أي منطقة من المناطق الطرفية أو المهمشة في السودان، إلا إذا كان ميدان الحرية (الساحة الخضراء) أو قاعة الصداقة في وسط الخرطوم، أو استديوهات التلفزيون بأم درمان هى المناطق الطرفية التي يتحدث عنها قادة الجبهة الثورية، ويتحدثون باسمها في المفاوضات !
* لم نر أو نسمع (جبريل ابراهيم واركو مناوى وادريس الهادي) وبقية قادة حركات دارفور الموقعة على اتفاق جوبا العبثي يقومون بزيارة أو إقامة احتفالات او ندوات في معسكرات النازحين بنيالا والجنينة والفاشر بدارفور التي يبلغ عددها (عشرين) معسكرا ويقيم بها اكثر من نصف مليون نازح، ولقد سبق لي زيارة بعضها في مناسبتين (كلمة والسلام بنيالا، زمزم وأبوشوك بالفاشر، وكرندق والسلطان بالجنينة)، والكتابة عن مأساة المقيمين بها عدة مرات!
* كما كتبتُ عشرات المقالات عن ازمة دارفور منذ بدايتها مما جعل وزارة الخارجية الأمريكية تدعوني عبر سفارتها في الخرطوم مع ثلاثة من الزملاء الصحفيين والحقوقيين والسكرتير الحالي لرابطة محامى دارفور وكان شابا وعضوا نشطا في الرابطة آنذاك لزيارة الولايات المتحدة في عام 2005 ، واللقاء بعدد كبير من المسؤولين في الادارة الامريكية والكونجرس وبعض حكومات الولايات والأمم المتحدة ومعهد واشنطن للسلام وعدد كبير من المنظمات الحقوقية والصحف ..إلخ وعقد اجتماعات وندوات عن دارفور واقتراح بعض القرارات والإجراءات التي يمكن للإدارة الأمريكية أن تتخذها لوضع حد لجرائم الحكومة السودانية في دارفور وفرض عقوبات عليها والانصاف العادل للضحايا ..إلخ!
* وكان من بين ما اقترحناه ارسال قوة أممية لحماية النازحين في دارفور بدلا عن بعثة الاتحاد الأفريقي التي كانت تعانى من مشاكل كثيرة، ولقد عملت الحكومة الأمريكية مع حلفائها في مجلس الأمن على وضع هذا الاقتراح موضع التنفيذ رغم المعارضة الشرسة لروسيا والصين آنذاك بإيعاز من النظام البائد، وتم بالفعل استبدال البعثة الافريقية ببعثة أممية أفريقية مشتركة (اليوناميد)، ظلت تتولى حفظ الأمن في دارفور منذ عام 2007 وستظل تؤدى مهمتها حتى الحادي والثلاثين من ديسمبر القادم وهو آخر موعد لوجودها في السودان بعد رفض العسكر التمديد لها خوفا على سلطتهم وأنفسهم، إذ انها تعمل تحت (الفصل السابع) من ميثاق الأمم المتحدة الذى يخول لها استخدام القوة لحماية الأفراد والمنشآت والتجهيزات والمعدات وضمان أمن وحرية تحرك أفراد القوة وعمال الإغاثة وحماية المدنيين، رغم ما في عدم التمديد من خطورة على الحالة الامنية بدارفور بدون أن يكون للحكومة السودانية البديل المناسب لانعدام التمويل اللازم والذى كانت تتولاه البعثة!
* لم نشاهد (جبريل ومناوى والهادي) وغيرهم في دارفور، كما اننا لم نشاهد (الجاكومى والتوم هجو واسامة سعيد) وغيرهم من أصحاب مسارات الشمال والوسط والشرق، ييممون سياراتهم أو أرجلهم أو حتى وجوههم شطر مساراتهم المزعومة، ويقيمون الاحتفالات والندوات في المناطق التي يزعمون تمثيلها، ولم نسمع حتى بزيارتهم لأقربائهم وأهلهم وجيرانهم في تلك المناطق، خوفا على نصيبهم من (الفتة) التى ينتظرون قسمتها بفارغ الصبر اذا فارقوا الخرطوم، التى لا يمكن أن يغامروا بمغادرتها والذهاب الى أى مكان في السودان .. لا مسارات ولا معسكرات ولا مناطق طرفية ولا مهمشين ولا يحزنون، فليس لمثل هذا كانوا يتفاوضون ويشاركون في المسرحية الهزلية !
* كما انهم لا يجرؤون على القيام بتلك الزيارات وإقامة الندوات والاحتفالات في تلك المناطق، سواء في دارفور أو الشمالية أو الجزيرة .. لأنهم يعرفون جيدا انهم لا يمثلون تلك المناطق، ولو ذهبوا لطردوا شر طردة، إن لم يُحصبوا بالحجارة، أو بما هو أكثر شرا وشررا منها .. ويكفى ما تعرض له بعضهم في ندوة بالحاج يوسف من هجوم بالعصى، وهو أمر أرفضه رفضا كاملا، وأدينه بأشد العبارات وأطالب بمعاقبة الذين قاموا به، ولكنني أذكرة فقط كدليل على ان الاتفاق العبثي الذى وقعوه في جوبا بتدبير وتآمر من حلفائهم العسكر لن يحقق السلام المزعوم ولن يجد التأييد من أصحاب المصلحة الذين يدعون تمثيلهم والتحدث والعبث باسمهم بغرض المشاركة في قسمة الفتة .. لا أكثر ولا أقل !
* حبابكم ومرحب بيكم في الخرطوم فهي عاصمتكم كما هي عاصمة بقية السودانيين، ولكن أتحداكم ان تذهبوا الى معسكرات النازحين في دارفور أو الى دنقلا أو الجزيرة أو كسلا وممارسة العبث والتهريج وإقامة الاحتفالات العبثية التي تقيمونها في الخرطوم !