مساهمة في الإقتصاد السياسي للقطاع الزراعي (3)
حول التامين الزراعي،
Siddiq01@sudaneseeconomist.com
الحلقة الثالثة/
(5)
تقوم بعمليات التأمين الزراعي في السودان والسيطرة عليها شركة واحدة، وهي شركة شيكان للتأمين وإعادة التأمين. فهذه الشركة تعتبر واحدة من المؤسسات المالية التابعة للحركة الاسلامية، وذات علاقة خاصة بالنظام الاسلاموي الحاكم في السودان. تمَ تأسيسها في عام 1993، اي بعد ما يقارب النصف قرن من تأسيس اول شركة تأمين وطنية. ولكنها الآن لا تسيطر على إدارة التامين الزراعي وحسب، وانما اصبحت الشركة الاولى في سوق التأمين، وذلك بفضل الدعم السياسي الذي توفر ووُفِر لها، والذي مهَّد لها لتحظى بالسيطرة الكاملة على سوق التأمين في السودان، وكأنها موسسة من مؤسسات الدولة!.
لقد إعتَمدتُ في هذا البحث، فيما يخص سمات التغطية التي يوفرها التأمين الزراعي في السودان، إعتمدتُ على وثيقة التأمين الزراعي، اي بوليصة التأمين، الصادرة عن شركة شيكان للتأمين وإعادة التأمين، كمرجعٍ اساس. وهي صادرة وللعلم بشكل خاص لمشروع الجزيرة، حيث جاء عنوانها، "وثيقة تأمين محاصيل حقلية مروية (الجزيرة)"، وموضوعٌ عليها ختم بأنها "وثيقة مضبوطة".وهي بهذه الصفة تصبح مرجعاً بحثياً أُمَّاً، أي مرجعاً رئيساً، وكما هو متعارف عليه علمياً واكاديمياً في حقل البحث.
بالطبع ما اوردناه سابقاً وتحت العنوان الجانبي، "ما هو التأمين الزراعي؟"، لا علاقة بينه وبين ما اوردته شركة شيكان للتامين حول التامين الزراعي كما هو واردٌ في أدبياتها، فمثلاً جاء في موقعها الاليكتروني ان التأمين الزراعي ينقسم إلى قسمين، "1/ تأمين الثروة الحيوانية، 2/ تأمين المحاصيل"، (موقع شركة شيكان للتأمين وإعادة التأمين على الإنترنت". وهي وبالرغم من انها الشركة المُحْتكِرة للتأمين الزراعي إلا أنها تركز وبشكل اساس على "تأمين المحاصيل"، وحتى في هذا القسم من التأمين لا تعتمد في تعويضها لمبالغ التأمين سوى ما يعادل "تكلفة الانتاج المتفق عليها للمحصول المؤمن والموضحة في جدول الوثيقة"، (شركة شيكان للتأمين، 2011، وثيقة تأمين المحاصيل). فذلك يعني انها تعتمد شكلاً واحداً من أشكال التعويض، او طريقة واحدة من طرق التعويض المتعددة في هذا المجال. وهي الطريقة الاقل فائدة بالنسبة للمتضررين المؤمن لهم، أي بالنسبة للمزارعين. وفي هذا الصدد اورد مقتطفاً مهماً من دراسة قدمها الخبير والمهندس الزراعي صديق يوسف أحمد المصطفى، والذي كان مسئولاً عن وحدة التامين الزراعي في مشروع الجزيرة حيث يقول، " التجربة بدات بتكلفة الإنتاج وللأسف ما زالت في نفس المربع، وقد تكون هناك أسباباً وجيهة لذلك في بداية التجربة، منها:
أ. في ظل إنعدام الوعي التأميني، ولغرابة الخدمة على المؤمن لهم، ولسهولة المحاسبة، فقد كانت البداية بتكلفة الإنتاج.
ب. ولأن قسط التأمين مدعوم من الدولة، فقد كان التوجيه ضمنياً أن نلتزم بذلك لأنه أقل نوع في مبالغ التأمين ويمكن دعمه.
ج. موافقة شركة إعادة التأمين.
د. لبعض المماراسات الخاطئه لدى أهلنا المزارعين في بيع المحصول تحت الطاولة، أو تحويل جزء من الإنتاج إذا كان ضعيفاً لحواشه أحد الأقرباء وذلك هروباً من خصم التكلفة ( تحويل الرصيد)، كان من الصعب تحديد الإنتاج الفعلي لإجراء عملية المطالبة إلا عبر جيش جرار من المراقبين وهذا بالطبع يؤدي لرفع تكلفة التشغيل.
ه. ولكن نستطيع أن نقول أننا الآن ومن خلال تجربتنا وقدرتنا على تطوير وموائمة مفردات التأمين، لدينا تصور ممتاز لتغطية الإنتاج أو عائد الإنتاج دون أن تؤثر المنقصات أعلاه في سير العملية التأمينية." (صديق يوسف، ص 3).
وقد اورد في مكان آخر، بان تجربة تأمين المحاصيل بدأت في في موسم 2002/2003 في قسم وادي الشعير وبمحصول القطن ثم محصول الذرة في موسم 2003/2004 في تفتيش تورس، وكذلك شملت التجربة محصول القمح في موسم 2004/2005. وقد كانت الوحدة التأمينية، هي النمرة والتي قوامها 90 فدان، (م زراعي صديق يوسف،عن تجربة التأمين الزراعي بمشروع الجزيرة، الجزيرة، بدون عنوان، ص 2).
(6)
غض النظر عن الاتفاق او الاختلاف حول ما اورده المهندس صديق يوسف، فإن إشاراته حول موضوع التأمين الزراعي، وكيفية تعويض الخسائر في مشروع الجزيرة نجدها القت الضوء على قضية هامة من القضايا التي تواجه المزارعين والمشروع.
يتفق خبراء التأمين بانه ليس هناك من نوعٍ من التأمين أو غطاء تأمينيٍ واحدٍ مجمع علي تبنيه او تطبيقه، بحسب انه يلبي إحتياجات كل المنتجين او المزارعين على إختلافها. وإنما يتناسب كل غطاءٍ تاميني محدد مع كل حالةٍ بعينها. وهذا التناسب تحدده عوامل متعددة مثل طريقة الإنتاج، الأصول والممتلكات والمنشآت المراد تامينها، وكذلك نوع المخاطر المرتبطة بالمحصول او الانتاج المحدد، وتوفر المعلومات الخاصة به، هذا بالإضافة إلى الآليات الفنية الخاصة بتقدير الخسائر، وغيرها. (راميرو إتريوز، سابق، ص 21).
إنه ومن المعلوم ان الدور الذي يجب ان تلعبه الدوله يعتبر الاهم في عملية التأمين الزراعي، ويعتبر الحاسم في نجاحه. وذلك الاعتبار ياتي من حقيقة ان القطاع الزراعي على مستوى العالم، بالإضافة إلى ما يوفره من امن غذائي لكل البشرية، إنه يقوم باستيعاب وتشغيل ثلث سكان العالم، اي ما يزيد عن ملياري شخص. ففي افريقيا يساهم النشاط الزراعي بحوالي 30% إلى 40% من إجمالي الدخل المحلي، وايضاً بنسبة 60% من الصادرات. ويمكن تأكيد هذه الحقائق بالنظر إلى تجربة مشروع الجزيرة في السودان حيث انه، وقبل التدهور الذي اصابه بسبب السياسات الخاطئة وبسبب الاستهداف المبيت من قبل نظام الحركة الاسلامية، كان المشروع يقوم بإشراك حوالي مليونيين من مجموع سكانه الستة، في عمليات الانتاج والنشاط الزراعي لفترة تمتد الى تسعة اشهر من السنة، وكان يساهم بحوالي 65% من جملة صادرات السودان. وذلك مما لم يحققه اي قطاعٍ إقتصاديٍ آخر في البلاد عبر كل تاريخها الحديث.
تقوم الدولة في السودان بتحمل اقساط التأمين مناصفةً مع المزارع. نجد انه في الفترة ما بين 2002 و 2010 ان جملة اقساط التامين الزراعي قد شهدت نمواً مضطرداً، حيث زادت من 685,928.00 جنيهاً سودانياً في عام 2002 لتصل إلى 25,899,851.00 جنيهاً سودانياً في العام 2008 (شيكان للتأمين وإعادة التأمين 2011، عن م. زراعي صديق). وهذا يعني ان اعلى مساهمة دفعها النظام الحاكم هو مبلغ 12,949,925.50 جنيهاً سودانياً، اي ما يقارب 13 مليون جنيه، والتي تمثل نصيبه في اقساط التأمين المدفوعة، أي (50%). وبالنظر المتأني فهذه مساهمة متدنية، وذلك لان نوع التغطية التأمينية الممنوحة للمزارعين متدنية هي الاخرى، والتى تتمثل في تغطية تكاليف الانتاج فقط، ولا غير، وكما هو مثبتٌ في وثيقة التأمين الصادرة عن شركة شيكان للتأمين التي تتولى التأمين الزراعي في السودان، وحيث جاء في النص بأنه، " يتم التعويض بموجب هذه الوثيقة عن تكلفة الإنتاج من بداية التحضير حتى مرحلة حدوث الضرر للمحصول المؤمن عليه بسببٍ مغطى"، (شركة شيكان، وثيقة تأمين محاصيل حقلية مروية، ص 2) . وذلك النوع من التغطية التأمينية، وكما ذكرنا سابقاً، أنه اصبح لا يُمارس في اي بلد آخر في العالم بإعتبار انه نوعٌ متخلف من التغطية ومن التعويض كذلك!.
-------
(*) ورقة منقحة، منشورة في كتاب "مشروع الجزيرة وبؤس الحركة الإسلامية". صادر مؤخراً عن مؤسسة الاقتصادي السوداني، الولايات المتحدة، يونيو 2016م.