مسلسل إرجاع الماشية !
د. زهير السراج
25 November, 2022
25 November, 2022
manazzeer@yahoo.com
* مرة أخرى يعود الى الظهور مسلسل إرجاع المملكة العربية السعودية لبواخر الماشية السودانية بسبب الامراض، مرة بسبب الحمى الفحمية، وثانية بسبب حمى الدينج (الضنك) وثالثة بسبب حمى الوادى المتصدع، ورابعة بسبب الحمى القلاعية ... وهكذا ، ولقد تم ارجاع باخرة ماشية قبل ثلاثة ايام بسبب الحمى المالطية، وهو مرض بكتيري يصيب الإنسان والحيوان بالحمى وبعض الاعراض الاخرى الشبيهة باعراض الملاريا، وينتقل من الحيوان للانسان عبر الملامسة المباشرة او تناول المنتجات الغذائية الملوثة بالميكروب مثل الألبان ومنتجاتها، وقد يؤدى أحيانا الى التهاب المخ والوفاة، واجهاض الماشية واصابتها بالعقم، ومعظم الامراض المذكرة اعلاه تتناقل بين الانسان والحيوان وبعضها خطير قد يؤدى الى الوفاة أو حدوث بعض الاثار الصحية الخطيرة طويلة المدى!
* لقد تحدثنا مئات المرات أن الاستفادة من الثروة الحيوانية واستغلالها بشكل إقتصادى مثلما يحدث في كثير من الدول يتطلب الكثير من الجهود والامكانيات والبرامج المتكاملة قصيرة وطويلة المدى .. إلخ ولا يتحقق بالاعتماد على سياسة القطاعي فى التعامل مع الامراض أو الماشية المعدة للتصدير كما يحدث الآن، وانما عبر عدة عوامل متضافرة تؤدى لجودة الماشية السودانية وتجعلها تنافس في السوق العالمية بشكل ثابت، وهى: مكافحة الامراض، تحسين المراعي، تحسين النوع، التصنيع وإيجاد اسواق خارجية ثابتة ، أو ما يُطلق عليها مجتمعة (الاستغلال الاقتصادي للثروة الحيوانية).
* قد يبدو تحقيق هذه العوامل سهلا وهو كذلك بالفعل، ولكن بشرط أن تتعامل معها الدولة بجدية كافية، وتضع تنمية الثروة الحيوانية على أعلى قائمة أولوياتها، بما يحقق العائد الاقتصادى الضخم المطلوب منها فضلا عن تنمية المجتمعات المحلية الضخمة التى تعتمد على الثروة الحيوانية فى معيشتها وحياتها، وتشكل غالبية المجتمع السودانى!!
* ولا بد من وجود إيمان عميق لدى الكافة، خاصةً صُنَّاع القرار (وليس التجار)، بأن الثروة الحيوانية يمكن أن تضعنا فى قائمة الاقتصاديات الكبيرة فى العالم ( أو لنقل أفريقيا)، وتعود علينا بمنفعة إقتصادية واجتماعية بل وسياسية كبيرة تتمثل فى العائد الضخم، والتطور الاجتماعى، ووضع حد للصراع على الموارد الذى يتطور فى أغلب الأحيان الى صراع سياسى يأخذ أشكالا وانماطا متعددة ومعقدة، مثلما يحدث الآن فى غرب السودان، وخاصة فى إقليم دارفور !
* لقد حبانا الله بكم هائل من الثورة الحيوانية بالاضافة الى تنوعها الفريد، فلدينا الماشية بأنواعها المختلفة، ولدينا الثروة السمكية، ولدينا الحياة البرية ...إلخ، ولكل نوع ميزاته التى يمكن تنميتها وتحسينها لتساهم فى تطوير المجتمع!
* وإذا أخذنا الماشية فقط كمثال (البقر، الضأن، الماعز، والجمال)، سنكتشف أن أكثر الإحصائيات تحفظا تحدد تعدادها بحوالى (مئة مليون رأس)، ولكن ليس لها، للأسف، أية قيمة إقتصادية تذكر، بسبب تفشى الأمراض الوبائية، وسوء النوعية وضعف الجودة وضآلة الإنتاجية، بما يقصيها بشكل نهائى من المنافسة الاقتصادية عالميا أو حتى إقليميا، ولن يفيد بشئ أن نرفع مستوى المسالخ أو نشيد المصانع الحديثة، فالمعيار الأساسى فى إقبال السوق الخارجى عليك هو خلو بلدك من وبائيات الحيوان والنوعية الجيدة، وليس مستوى التصنيع أو التغليف، كما يعتقد الكثيرون.
* نستطيع أن نفهم هذا الحديث إذا قارنا بين هولندا التى تبلغ مساحتها (16 ألف ميل مربع فقط) ويبلغ عدد ماشيتها (بما فى ذلك الخنازير) 16 مليون فقط، وبين السودان الذى تبلغ مساحته (700 ألف ميل مربع، ومليون قبل الانفصال) ويبلغ تعداد ماشيته (100 مليون)، لا تساوى شيئا من الناحية الاقتصادية، بينما تعد هولندا من أكبر المصدرين لمنتجات الألبان واللحوم فى العالم، بسبب جودة منتجاتها وخلوها من الامراض، وهو ما ينطبق ايضا على الأرجنتين، ونيوزيلندا، والبرازيل ..إلخ، وبالطبع لا مجال للمقارنة مع استراليا والولايات المتحدة التى بناها فى الأصل (رعاة البقر) كما نشاهد فى افلام (الكابوى) الأمريكية، قبل ان تبنيها الصناعة باستثمار عائدات الزراعة بنوعيها النباتى والحيوانى فى المقام الأول، والمزواجة بينهما !!
* أما نحن، الذين حبانا الله بالمساحات الشاسعة، والاعداد الضخمة من النعم والثروات التى تمشى بيننا فوق الأرض، فأهملناها ولم نفكر فى تنميتها واستغلالها إقتصاديا، واعتقدنا ان سياسة القطاعي التي نتبعها وشحن البواخر وانشاء المسالخ لتصدير اللحوم ستعود علينا بالنفع بينما الذي يحدث هو العكس تماما، واكبر دليل على ذلك الخسائر الباهظة التى نتكبدها بإرجاع الماشية والسمعة السيئة التي تجعل الآخرين يحجمون عن التعامل معنا، وسيظل هذا الوضع قائما لو لم نغير طريقة تفكيرنا وسياستنا والنظر تحت ارجلنا!
//////////////////////
* مرة أخرى يعود الى الظهور مسلسل إرجاع المملكة العربية السعودية لبواخر الماشية السودانية بسبب الامراض، مرة بسبب الحمى الفحمية، وثانية بسبب حمى الدينج (الضنك) وثالثة بسبب حمى الوادى المتصدع، ورابعة بسبب الحمى القلاعية ... وهكذا ، ولقد تم ارجاع باخرة ماشية قبل ثلاثة ايام بسبب الحمى المالطية، وهو مرض بكتيري يصيب الإنسان والحيوان بالحمى وبعض الاعراض الاخرى الشبيهة باعراض الملاريا، وينتقل من الحيوان للانسان عبر الملامسة المباشرة او تناول المنتجات الغذائية الملوثة بالميكروب مثل الألبان ومنتجاتها، وقد يؤدى أحيانا الى التهاب المخ والوفاة، واجهاض الماشية واصابتها بالعقم، ومعظم الامراض المذكرة اعلاه تتناقل بين الانسان والحيوان وبعضها خطير قد يؤدى الى الوفاة أو حدوث بعض الاثار الصحية الخطيرة طويلة المدى!
* لقد تحدثنا مئات المرات أن الاستفادة من الثروة الحيوانية واستغلالها بشكل إقتصادى مثلما يحدث في كثير من الدول يتطلب الكثير من الجهود والامكانيات والبرامج المتكاملة قصيرة وطويلة المدى .. إلخ ولا يتحقق بالاعتماد على سياسة القطاعي فى التعامل مع الامراض أو الماشية المعدة للتصدير كما يحدث الآن، وانما عبر عدة عوامل متضافرة تؤدى لجودة الماشية السودانية وتجعلها تنافس في السوق العالمية بشكل ثابت، وهى: مكافحة الامراض، تحسين المراعي، تحسين النوع، التصنيع وإيجاد اسواق خارجية ثابتة ، أو ما يُطلق عليها مجتمعة (الاستغلال الاقتصادي للثروة الحيوانية).
* قد يبدو تحقيق هذه العوامل سهلا وهو كذلك بالفعل، ولكن بشرط أن تتعامل معها الدولة بجدية كافية، وتضع تنمية الثروة الحيوانية على أعلى قائمة أولوياتها، بما يحقق العائد الاقتصادى الضخم المطلوب منها فضلا عن تنمية المجتمعات المحلية الضخمة التى تعتمد على الثروة الحيوانية فى معيشتها وحياتها، وتشكل غالبية المجتمع السودانى!!
* ولا بد من وجود إيمان عميق لدى الكافة، خاصةً صُنَّاع القرار (وليس التجار)، بأن الثروة الحيوانية يمكن أن تضعنا فى قائمة الاقتصاديات الكبيرة فى العالم ( أو لنقل أفريقيا)، وتعود علينا بمنفعة إقتصادية واجتماعية بل وسياسية كبيرة تتمثل فى العائد الضخم، والتطور الاجتماعى، ووضع حد للصراع على الموارد الذى يتطور فى أغلب الأحيان الى صراع سياسى يأخذ أشكالا وانماطا متعددة ومعقدة، مثلما يحدث الآن فى غرب السودان، وخاصة فى إقليم دارفور !
* لقد حبانا الله بكم هائل من الثورة الحيوانية بالاضافة الى تنوعها الفريد، فلدينا الماشية بأنواعها المختلفة، ولدينا الثروة السمكية، ولدينا الحياة البرية ...إلخ، ولكل نوع ميزاته التى يمكن تنميتها وتحسينها لتساهم فى تطوير المجتمع!
* وإذا أخذنا الماشية فقط كمثال (البقر، الضأن، الماعز، والجمال)، سنكتشف أن أكثر الإحصائيات تحفظا تحدد تعدادها بحوالى (مئة مليون رأس)، ولكن ليس لها، للأسف، أية قيمة إقتصادية تذكر، بسبب تفشى الأمراض الوبائية، وسوء النوعية وضعف الجودة وضآلة الإنتاجية، بما يقصيها بشكل نهائى من المنافسة الاقتصادية عالميا أو حتى إقليميا، ولن يفيد بشئ أن نرفع مستوى المسالخ أو نشيد المصانع الحديثة، فالمعيار الأساسى فى إقبال السوق الخارجى عليك هو خلو بلدك من وبائيات الحيوان والنوعية الجيدة، وليس مستوى التصنيع أو التغليف، كما يعتقد الكثيرون.
* نستطيع أن نفهم هذا الحديث إذا قارنا بين هولندا التى تبلغ مساحتها (16 ألف ميل مربع فقط) ويبلغ عدد ماشيتها (بما فى ذلك الخنازير) 16 مليون فقط، وبين السودان الذى تبلغ مساحته (700 ألف ميل مربع، ومليون قبل الانفصال) ويبلغ تعداد ماشيته (100 مليون)، لا تساوى شيئا من الناحية الاقتصادية، بينما تعد هولندا من أكبر المصدرين لمنتجات الألبان واللحوم فى العالم، بسبب جودة منتجاتها وخلوها من الامراض، وهو ما ينطبق ايضا على الأرجنتين، ونيوزيلندا، والبرازيل ..إلخ، وبالطبع لا مجال للمقارنة مع استراليا والولايات المتحدة التى بناها فى الأصل (رعاة البقر) كما نشاهد فى افلام (الكابوى) الأمريكية، قبل ان تبنيها الصناعة باستثمار عائدات الزراعة بنوعيها النباتى والحيوانى فى المقام الأول، والمزواجة بينهما !!
* أما نحن، الذين حبانا الله بالمساحات الشاسعة، والاعداد الضخمة من النعم والثروات التى تمشى بيننا فوق الأرض، فأهملناها ولم نفكر فى تنميتها واستغلالها إقتصاديا، واعتقدنا ان سياسة القطاعي التي نتبعها وشحن البواخر وانشاء المسالخ لتصدير اللحوم ستعود علينا بالنفع بينما الذي يحدث هو العكس تماما، واكبر دليل على ذلك الخسائر الباهظة التى نتكبدها بإرجاع الماشية والسمعة السيئة التي تجعل الآخرين يحجمون عن التعامل معنا، وسيظل هذا الوضع قائما لو لم نغير طريقة تفكيرنا وسياستنا والنظر تحت ارجلنا!
//////////////////////