مشروع الثورة بين سطوة العسكر وتهافت الساسة !!

 


 

 

السرطان العضال الماحق لأشواق الثوار والهازم لطموحاتهم المشروعة في بناء الوطن الحر المسالم والعادل، يتمثل في سطوة العسكر على مقاليد الحكم ولإدارة وتهافت الساسة لتجيير أهداف الثورة لمصالح ذاتية ضيّقة، وهو مسلسل قديم متجدد بمتوالية هندسية عجيبة، فقادة الإنقلاب الأول بعد الاستقلال جثموا على صدر الوطن ست سنوات، أقل من عقد، أما المايويون الذين جاءوا من بعدهم فقضوا ستة عشر عاما، عقد وستة أعوام، وأعين الشعب السوداني لم تر النور جراء ظلمة حكم الإسلاميين ثلاثة عقود، هذه الإنقلابات العسكرية مثلها مثل العمليات القيصرية التي لا يُسمح بتجاوز عدد مراتها الثلاث أو الأربع، رأفةً بالجسد المترهل المثقل بطعنات المشرط ووخزات الإبر، وكما تعلمون إنّ هذه الإنقلابات العسكرية الدموية والمأساوية لم تأت بمولود صحيح غير الأجنة الميتة الخارجة من أرحامها السّامة، وليس هنالك من عاقل يقبل بأي فكرة تعضد استمرار هذا المسلسل الشرير، فالأحوال الجيوسياسية العالمية والمحلية قد طاف بها طائف التغيير والتبديل، فانكسرت شوكة قوى وقويت شوكات أخرى لقوىً لم يكن لها حسبان، هذا المنطق الكوني الماثل ليس بمعزل عن أوضاع حكومات البلدان المنكوبة التي في مثل حال بلادنا، فلن يسمح الناشئون من أولاد وبنات الوطن بالعيش السقيم في جلباب الماضي الأليم، وبناءً على ذلك لن تخمد جذوة نار الأشواق العارمة المنفعلة داخل ذوات هؤلاء الصبية.
هذا السرطان العضال الماحق والساحق لتطلعات الشباب الواعد القوي الساعد، تغذيه القوى الحزبية البئيسة التي تظن أنها تعمل من أجل ترسيخ مباديء الحرية والديمقراطية التي لم تمارسها، ظلت هذه الكتل الطائفية والأيدلوجية تبشرنا على الدوام بنضالاتها من أجل التحول الديمقراطي، هذا التحول الذي لم تحدثه أروقة مجالسها العنكبويتة وأماناتها الغير أمينة، وما يضحك الإنسان حد الارتماء على الأرض أن تسمع رمز من رموزها الهرمة يُخدّر الشباب بالمقولة التي أخرجوها عن سياقها: لا تتحقق الديمقراطية إلّا بالمزيد من الديمقراطية، الأمر الذي أخفقت في ممارسته هذه التكتلات غير الديمقراطية وما زالت، فقد وصلت الكيانات القديمة غير المتجددة لذات الطريق المغلق والمسدود، الذي وصله العسكر بعد أن وقف حمار شيخهم في العقبة، فحالة إنسداد الأفق السياسي الكائن الآن تمثل ذروة الفشل الكمي المتراكم منذ ستين عاماً، ومعروف في النظريات الفيزيائية والرياضية أن لكل عملية رياضية محصلة نهائية، هذه المحصلة لا تخرج من ثلاث، إما الموجب أو السالب أو الصفر، ففي الحالة التي نحن بصددها إنّ الفشل التراكمي للقوى القديمة قد تجاوز مرحلة الصفرية وتعداها للسلبية اللانهائية والعدمية، وهذا بالطبع يميط اللثام عن حقيقة يجهلها كثيرون عن أغوار هذه الكيانات غير الديمقراطية، هي أنها لم تقدم جهداً فكرياً سودانياً خالصاً يُخلّص البلاد من شرور الدائرة الخبيثة – إنقلاب عسكري ثم حكم مدني ضعيف يعقبه إنقلاب آخر.
بعد تشخيص الحالة يتبادر للأذهان السؤال التالي: ما الحل؟، الحل جارٍ شحن بطاريته الآن بالتفاعل المنقطع النظير لقوى الشباب التلقائي غير المنضوي تحت ألوية الكيانات السياسية المعيّنه، الشباب الكاشف لدهاليز الأزمة الوطنية المستحكمة منذ أن كان الأجداد يعيشون ترف ديمقراطية المحجوب، التي وضعها على إحدى كفّتي ميزانه، فرجّحت الكفة الأخرى ذات الوزن الثقيل فغلبت الديمقراطية المفترى عليها، التي يقودها أناس غير ديمقراطيين وأحزاب مؤسسة على منهاجية االعلاقة بين شيخ الطريقة والدرويش المريد، وفي مرحلة التخلّق القاصد إلى صناعة القوى السياسية الجديدة النابعة من أعماق الحراك الثوري، تتراءى للمراقب ضحالة الفكر المزعوم الذي يغلفه بعض (المفكرين) بالعبارة الغليظة والخطاب الفخيم الخالي من الحكمة والرشد، والفاقد لأي طرح حاذق يحمل في طياته تصورات جديدة مبتكرة ومقنعة، فالعبرة بالخواتيم، فبعد هذا المشوار الذي دام أكثر من ستين سنة جاءت مخرجات الفكر الإسلاموي بنهاية دموية حزينة لمشروع الدولة الوطنية، وانتهى الماركسيون إلى معارك انصرافية جانبية شهدت أم معاركها محطة باشدار، وتاه البعثيون بين الماضي العروبي للدولة الصدّامية التي نحرها الأمريكان على شواطيء دجلة والفرات، وبين واقع بلد إفريقي يستحيل تدجينه عرقياً، واختزل إرث الثورة والدولة المهدية في مجموعة صغيرة من أحفاد الإمام الأكبر، وخلُص مشروع المنادين بالاتحاد مع مصر لحزب مملوك للطائفة، فالحل قادم من بين ذبذبات زئير هؤلاء الصغار الذين يبشروننا بحتمية مقدم دولة الحرية والسلام والعدالة.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
31 يوليو 2022

 

آراء