مشروع الجزيرة في طريق العودة لسيرته الاصل

 


 

 


Siddiq01@sudaneseeconomist.com
(2)
هؤلاء الادعياء... لا يقرأون، ولا يحترمون "قانونهم"!!!.
إن اهل الجزيرة وكل المدافعين عن بقاء المشروع، يعلمون ان الطريق ما زال طويلاً امامهم في معركتهم الفاصلة مع الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس). فقرار محكمة الطعون الإدارية القاضي بالغاء القرار الجائر الخاص بتوفيق اوضاع ملكية الاراضي في مشروع الجزيرة، والذي اصدره مجلس إدارة مشروع الجزيرة "العميل" برئاسة احمد الشريف بدر، قد فتح الباب على مصراعيه للوقوف على حجم الفساد غير المسبوق، وكذلك سوء إستخدام السلطة. والمَصَارِع التي إنفضتْ، ستنفتح ليس فقط امام السودانيين، وإنما امام الرأي العام العالمي وبكل منظماته إن كانت الحقوقية منها او المنشغلة بأمر وبقضايا الشفافية على كل المستويات. فلأجل تحقيق ذلك الغرض، والذي هو واحدٌ  من جملة أغراض، كان إصرار وتمسك أهل الجزيرة الصارم بحقهم في اللجوء إلى القضاء.
كشفت مرافعة محامي اهل الجزيرة أمام المحكمة عن حقائقٍ تستوي ومصاف الخيال. حقائقٌ لا يتردد أي عاقل في القول بأنها "لا تُصدق ولو قد حدثتْ"!!!. إن المجموعة التي توصلتْ وصاغت فكرة توفيق ملكية اراضي مشروع الجزيرة، ولتصبح فيما بعد ذلك، قراراً بعد إجازتها بواسطة مجلس إدارة المشروع، كانت تُعرف بـ "فريق التخطيط والتنسيق". كان من المفترض ان يكون محتوى ذلك القرار هو خلاصة وعصارة لمحتوى تقارير ودراسات وصلتْ في قوامها إلى عشرة وثائق، قامت بإعدادها لجانٌ تميّز أداؤها وتناولها بالعمق والموضوعية، كما اشار المحامون في معرض مرافعتهم. ولكن مما يعقد اللسان بالدهشة، وقد يكون ان اذهل المحكمة وبحاجبها، أن لا احد ممنْ عجنتْ وخبزتْ يداهم ذلك القرار سبق له ان إطّلع على ايٍ من تلك التقارير والدراسات او إستنار بتوصياتها!!!. وقد كان من ضمنهم السيد محمد عبد الماجد كوكو،ممثل مجلس إدارة مشروع الجزيرة، والسيد ابو بكر التقي محجوب، رئيس فريق التخطيط والتنسيق، هذا بالإضافة للسيد عبد القادر احمد محمد، مقرر فريق التخطيط والتنسيق !!!. وقد اضاءتْ المرافعة وفيما يشبه الحسرة بأن "جميعهم يحملون درجات علمية رفيعة من جامعات عريقة، ويعملون بمشروع الجزيرة لعشرات السنوات، وجميعهم تدرج لأعلى الدرجات الوظيفية". وألحقتْ ذلك بقول هيئة الإتهام، والذي لم ينجح في إخفاء خيبة املها في أمثال اولئك المهنيين والمتعلمين، حيث جاء "أسفنا عند إقرارهم أمام محكمتكم الموقرة بعدم علمهم، وعدم إطلاعهم، على التقارير والمذكرات والتوصيات التي اشرنا إليها فيما سبق".
بالقطع، ومما هو مؤكد ان هؤلاء السادة المسئولون، وفي توصلهم لذلك القرار، لم يتوسلوا عقلية المهني او رصانة الباحث في نشدانه العدل، بقدرما انهم آثروا الإكتفاء بجبروت الدولة وبطشها لفرض الرجاحة الزائفة لذلك القرار، وستر عيوبه!!!.
إنه ولمن المخيف حقاً، أن هذا القرار الذي لم يقرأ ولم يستعن أعضاء فريق التخطيط والتنسيق بمرجعٍ له، ولم يتكبدوا مشقة البحث لاجل صياغته، يتعلق به مصير، وتتحدد به حياة ستة ملايين من البشر، وهم سكان منطقة الجزيرة. إنه قرارٌ لو قيض له النجاح، لكانت محصلته النهائية هي تحقيق هدفين، لا سواهما، "الانتزاع الشامل للأرض"، و"الإقتلاع الكامل من الجذور" لكل اهل المنطقة!!!. 
إن نافذي نظام الانقاذ واتباعهم، ومنفذي سياساتهم غير معنيين بالقرارات التي تستند على المعرفة، بل انهم غير معنيين بالمعرفة نفسها، فلذلك هم لا يقرأون ولا يحترمون القانون. فقد حدث من قبل أن قال وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي، وبدون ان يرف له جفن،  أن لا علاقة لـ "وزارته" بموضوع الارض في الجزيرة، وقد علق رئيس لجنة ملاك الاراضي، السيد احمد النعيم، على ذلك، بما معناه، ان "الوزير" يجهل قانونه الذي اجازه!!!. وذلك، بالتأكيد، تعليقٌ صائب وصحيح، لان المادة (4) الفقرة (5) في الفصل الثاني من القانون سيئ الصيت لسنة 2005م تنص على ان "يكون المشروع تحت رعاية الوزير المختص"، هذا والمادة (3) من الفصل الأول تقول، "الوزير المختص: يقصد به وزير الزراعة والغابات الاتحادي".  إن معرفة القانون او الالمام به، بالتأكيد، لا يفيدان شيئاً بالنسبة لشخص، مثل عبد الحليم المتعافي، يعتمد السلطة المطلقة في تعامله مع قضايا الناس!!!.
إن هذه المحاكمة اوضحت حقيقة في غاية الاهمية، وهي أن قانون مشروع الجزيرة لسنة 2005م وبكل سوئه الذي اجمع عليه السودانيون لم يستطع ان يحتوي او يستوعب السوء الذي "يتحلى" به افراد وازلام نظام الإنقاذ. فمضمن سوئهم، تقمص مجلس إدارة مشروع الجزيرة لصلاحيات رئيس الدولة ليقوم بنزع الارض من ملاكها، ضارباً بإختصاصاته، والتي حددها ذات القانون، عرض الحائط. وهي إختصاصاتٌ تصل في جملتها الى سبع عشرة إختصاصاً. وقد تأخذ المرء الدهشه إذا ما علم ان من اميز تلك الاختصاصات التي نصّ عليها ذلك القانون السيئ هو " الحفاظ على اراضي المشروع"!!!. ولكن، على اية حال، حتى تلك نفسها تمثل واحدة من متناقضات ذلك القانون البائس!!!.( راجع المادة 9 تحت الفصل الثالث).
هذا المشهد الذي يجري الآن ويتكشف في مجريات قضية توفيق الاراضي بمحكمة الطعون الإدارية بولاية الجزيرة، والذي يثير المزيج من الغضب والرثاء، لم يكن وقفاً على مجلس إدارة المشروع لوحده، وإنما يندرج تحته راعي النهضة الزراعية نفسه، علي عثمان، عقل الإنقاذ المدبر، الذي اصدر قراراً من قبل، اي في عام 2010م، أقضى فيه بأيلولة إدارة الري بمشروع الجزيرة وتحويل مسئوليتها من وزارة الري إلى إدارة مشروع الجزيرة، وذلك مما يتناقض ومنصوص المادة (18) (1) من قانونهم سيئ الذكر، والتي تنيط مسئولية الري بوزاة الري والموارد المائية!!!.
إنه، وفي حقيقة الأمر لايقف الامر عند حد مجلس إدارة مشروع الجزيرة او النهضة الزراعية براعيها، وإنما كل الرأسمالية الطفيلية الإسلامية (رطاس)، لا ترعى حرمة لقانون، ولو كان سليل عقليتها. لقد رأينا بام اعيننا، ورأى القاصي والداني كيف أن الرأسماليين الطفيليين الاسلاميين (الرطاسيون)، إقتسموا غنائمهم بعد أن إعتدوا بالسطو والنهب على ممتلكات واصول المشروع من سكك حديدية، ووحدات هندسية ومصانع ومحالج  ومباني وسرايات وغيرها. فعلوا كل ذلك بالرغم مما نصّ عليه قانونهم السيئ في المادة (28 )، الفقرة (2) من الفصل السادس، بأن "يستمر العمل بمراكز التكلفة بالمشروع لحين خصخصتها".
واضحٌ مما تمّ إرتكابه من جرائم وتخريب للمشروع ماذا تعني الخصخصة بالنسبة للرأسمالية الطفيلية الإسلامية!!!. إنها لا تعني سوى إطلاق اليد والإنفلات والولوغ في الثراء الحرام!!!.
لابد من تأكيد أن أي إدانه لمجلس إدارة مشروع الجزيرة لا تعني المجلس لوحده، وإنما هي إدانة لكامل نظام الإنقاذ، وذلك ليس بسبب عمالة او تواطؤ هذا المجلس مع النظام، وإنما لأن عضوية المجلس نفسه، وبنص القانون تشتمل على ممثلين "للوزارات ذات الصلة"، هذا بالاضافة لحقيقة ان رئيس المجلس معينٌ بواسطة رئيس الجمهورية، ثم ان إتحاد المزارعين ونقابات العاملين كليهما مجيران لصالح السلطة، وراسمالييها!!!.
فلكل هذه الاسباب، وعداها، يجب الإحتفاء بهذا الحكم التاريخي العادل، والذي ما هو إلا خطوة واحدة مضيئة في الطريق الشائك والطويل نحو هزيمة الرأسمالية الطفيلية الاسلامية (رطاس)، ومحاسبة كل مجرميها، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإستعادة مشروع الجزيرة والعودة به لسيرته الأصل.      

 

آراء