مشعلو الحرب والصّابون الجاز على نيرانها ماذا يرجون منها؟

 


 

 

إبراهيم سليمان
لا نتفق مع الواصفين الحرب الدائرة الآن بالعبثية، ولا نؤمن بأنها حرب من أجل الحرب، فهي الكريهة على النفس البشرية، ونيرانها خطرة على من يحاولون التلاعب بها، وعلينا بالنوايا الظاهرة، فقيادات قوات الدعم السريع، منذ اليوم الأول لاندلاعها، أعلنوا استعدادهم على وقفها الفوري، وظلوا يكررون هذا الموقف، في كافة المحافل الدولية، لذا فهذا المقال يتناول موقف طرف الجيش السوداني الغاشم، ومن يساندونهم في القوى السياسية المجرمة والغير مسؤولة، ومحاولة التعرف على دوافعهم، وآمالهم من إشعال الحرب، وهذه الحقيقة لم تعد محل خلاف، والإصرار على استمرارها، رغم الخسائر المتتالية ميدانياً وسياسياً من جانبهم.
من المعلوم بديهيا، أن الجيش السوداني، لا يملك قراره، فيما يخص مجريات الحرب الحالية، ووفقا لمعطيات الأمر الواقع، فإن أية تسوية، ستلقي لا محالة، بالقيادات الحالية للجيش، وحلفائهم من حزب المؤتمر الوطني في مذبلة التاريخ، هذا إن حافظوا على رؤوسهم على أكتافهم بالطبع، ونجوا من المحاكمات، ببساطة لأنهم مهزومون ولو مؤقتا، وبنود التسوية كما تملي النواميس الكونية، يضعها المنتصرون، ومن هنا، فإن وقف الحرب في هذه المرحلة يعني لهم، الموت الأبدي.
ليس من شك، أنهم يعولون على كتائب المستنفرين الشباب، أن ينضجوا على نار لاهبة، ويسدوا ثغرة قوات المشاة، التي فرّط فيها الجيش منذ ركونه على المليشيات الشعبية والإثنية، ناسين أن هنالك حملات إستتنفار مماثلة، لدى الطرف الآخر، قوات الدعم السريع، ورغم الفوارق في أحجام الحواضن الجهوية والإثنية للطرفين، فإن نتيجة هذا التحشيد صفرية، في أحسن الفروض، ناهيك عن الاستنفار القسري، من قبل الجيش وحزب المؤتمر الوطني، وأحياناً الشوفيني، بالإضافة لفوارق العقيدة القتالية، بين الطرفين المتحاربين، وانخفاض الروح المعنوية، بسبب فساد القيادة الحالية، للجيش وتخاذل ضباطهم في ميادين القتال، بصورة مريبة، بالإضافة إلى الفوارق البائنة في الكارزما التي تتمتع بها قيادات الدعم السريع.
وإن كان الجيش يراهن على الحصول على شريك دولي أو إقليمي، يوفر له السلاح النوعي الذي يقلب به الموازين على الأرض، فإن ذلك أيضا ليس في صالحهم، لارتباطهم بحزب المؤتمر الوطني، المعروف عالمياً بالفساد والتطرف، والطيش السياسي، الموصوم بالانتهاكات الجنائية والإنسانية، سيما وقد صدرت فتوى مؤخرا من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بوصم حركة الإخوان المسلمين بالإرهابية، وصدور هذه الفتوى، في هذا التوقيت، المقصود به إخوان السودان تحديدا، وليس سواهم، وقد جاء الموقف السعودي، متزامنا مع إلقاء القبض على عبدالباسط حمزة أمين سر أموال إخوان السودان، ورصد جائرة مالية مغرية لمن يدلي أو يساعد في القبض على أحمد هارون، أحد أبرز رموز نظام الإخوان المحلول، ولا يزال حبل الملاحقة على الجرار.
وإن كان التعويل على المسيرات الإيرانية، فإن إيران ليست غبية، لدرجة الرهان على رموز نظام متهالك، تعبت معه في عز شبابهم، وهم الآن، في الرمق الأخير، وحتى إن فعلت، فإن مسيرات "الدرون" الإيرانية، ليست لها ميزة نوعية، وإلاّ مكنت روسيا من حسم حربها مع أوكرانيا، رغم فوراق البنى التحية واللوجستية لروسيا، مقارنة مع الجيش السوداني، المحاصر في ولايات معزولة.
هل يراهن الفريق البرهان، ومن ورائه قيادات حزب المؤتمر الوطني، على نفاد معين قوات الدعم السريع من الإمدادات اللوجستية والأسلحة الثقيلة، وفل عزيمتهم في الاستعداد المستمر، والمعارك المتصلة، ليبدأ الجيش الكر المضاد، كما هو بائن في ميادين المواجهات في العاصمة وجبهاتها؟
بلا شك أن قوات الدعم السريع تدرك، إن تراجعت، أو تراخت قيد أنملة، فإن مصيرهم الفناء الزؤام، مما يعني، إن كسحها ليس ممكنا إلاّ من خلال إبادتهم عن بكرة أبيهم، ويرجح أن إعدادهم الآن يفوق أعداد الجيش السوداني ومستنفريهم بأضعاف مضاعفة، وخطوط إمداداتهم مفتوحة ومؤمنة برا وجواً، ولديهم حلفاء إقليميين ودوليين لا يستهان بهم. إذا، فالرهان على طول نفس الجيش السوداني، أيضا يبدو رهانا خاساً، وفق معظم المعطيات.
وإذا كانوا يراهنون على الفصل السابع، والتدخل الدولي، والذي ربما يبعدهم وخصمهم قوات الدعم السريع أيضا من المشهد، وبعدها، يعاد خلط أوراق اللعبة السياسية، فنظنهم يعلمون إن سلحفائية مجلس الأمن الدولي، ومماحقات مكوناته، ستمكن قوات الدعم السريع زمنياً، من فرض أمر واقع على ربوع البلاد، وتكون لها الكلمة الأخيرة، في قبول القوات الأممية المرتقبة أو رفضها.
ربما، رفض الجيش ومن ورائهم قيادات حرب المؤتمر الوطني، نداءات كافة قطاع الشعب السوداني لإيقاف الحرب، ووقف قتل المزيد من الأرواح، وإنقاذ ما تبقت من مقدرات البلاد، ريما دافعه الحسد الدفين، الذي يعز عليهم ترك غيرهم تولى السلطة من بعدهم، والاستمتاع بخيرات البلاد، وهم في غياهب الشتات، وربما أنهم يعتقدون، إن تعاظمت خسائر الحرب، وعم الدمار، يصرف الشعب السوداني، عن ملاحقتهم، وتتبع جرائمهم، وأنهم يعشمون الحصول على مقايضة بين جرائمهم ووقف الحرب، وهذا هو الاحتمال الأرجح، سيما وإن هنالك تسريبات بتلميحهم لهذا الخيار.
# لا للحرب.
ebraheemsu@gmail.com
//أقلا متّحدة ــ العدد ــ 135//

 

آراء