مصر التى فى قلبى وعيونى .. (1) … بقلم: تاج السر حسين

 


 

تاج السر حسين
24 November, 2009

 

 – royalprince33@yahoo.com

انا لا أعرف النفاق ولا أجيده ولا يتناسب مع شخصيتى ونشأتى وبيئتى (ألأم درمانيه) وان قال أديبنا وشاعرنا الراحل البروفسير العلامه عبدالله الطيب مبتسما على طريقته التى يعرفها الناس جميعا :-

 (أن النفاق أكثر ما يحبه الناس هذه الأيام) .. وذلك فى رده على شاب اماراتى انتقد بأدب واحترام قصائد المدح فى الشعر العربى بصورة عامه أو التى تكتب عن الزعامات والشخصيات القياديه خلال هذه الأيام، وأوضح البروف الراحل اذا كان المديح صادقا وحقيقيا ونابعا من القلب فانه لا يعد نفاقا !

رغم ذلك فان نفسيتى لا تميل لمدح وتكريم الزعماء وأن اجادوا، فهؤلاء لديهم اجهزتهم الرسميه التى تقوم بالواجب وزياده، وانما اهتم بالشعوب والشخصيات العامه والبسطاء ملح الأرض الذين يؤثرون فى حياتنا اليوميه ونتعامل معهم بصورة عاديه.

وعن هؤلاء اكتب هذه السلسله فى وقت أصبح فيه الجو مغطى بالضباب والغيوم، وأكتب عن مصر التى فى قلبى وعيونى مترفعا عن الصغائر ودون النظر الى النصف الفارغ من الكوب مثلما فعل بعض الأعلاميون من هنا وهناك خلال الأيام الماضيه، فما اروع وأجمل النصف الممتلئ!

فمصر التى فى قلبى وعيونى اراها فى مواقف الأطباء الذين ياتيهم المرضى السودانيون وحالتهم ميئوس منها فيعودون اصحاء بفضل من الله وكرمه.

مصر التى فى عيونى اراها فى صرح شامخ اسمه جامعة القاهرة فرع الخرطوم، مصر التى فى قلبى وعيونى اراها فى البروف طلبه عويضه وفى جامعة الزقازيق وعشرات الألاف من السودانيين الذين تخرجوا منها ومن بينهم ابن اختى وهو الآن احد كبار الأطباء السودانيين.

مصر التى فى عيونى وقلبى هى التى اراها فى الأطباء الذين يعملون فى معسكرات النازحين فى دارفور ويجرون مئات العمليات الجراحيه للبسطاء.

مصر التى فى عيونى وقلبى ليست هى مصر التى تغضبنى وتحزننى احيانا واعتب عليها جهرا وسرا!

لكن رغم كل ذلك لا املك الا ان انسى واعود لمصر التى فى قلبى وعيونى بمواقفها الشامخه التى تستحق الأحترام والتقدير .. ومن (لا يشكر الناس لا يشكر ربه).

 وفى هذا الباب ، اتذكر موقفا قد يبدو بسيطا فى عيون البعض، لكنى لا يمكن أن انساه مطلقا وسوف يبقى عالق بذاكرتى رغم انه حدث فى منتصف السبعينات وكنا وقتها طلبه ندرس فى مصر.

قدم الينا صديق وزميل دراسه هوالان من كبار رجال الأعمال فى السودان، وكان وقتها مسافر للسويد عبر القاهرة التى قرر ان يقضى فيها معنا ثلاثة ايام.

ومنذ ان وصل للمطار اضاع جواز سفره وتذكرته وشيكات سياحيه، وذلك بوضعه لحقيبته الكبيره على (ضهرية) عربة الأجره، ونسى حقيبته الصغيره دون ان يحملها فى يده، واظنها وقعت على الأرض بعد أن تحركت السياره.

فوصل الينا وهو يضحك كعادته فى مثل هذه المواقف رغم  ما حدث له.

المهم فى الأمر انه تقدم ببلاغ فى احد اقسام الشرطه واصبح يوميا يتابع متنقلا بين السفاره وشركة الطيران الأثيوبيه متسائلا اذا جاء احدهم بتلك المفقودات، وبعد اسبوع فقد الأمل وقرر أن يستخرج وثيقة بدل سفر اضطراريه من مجمع التحرير بالقاهرة حتى يعود للسودان.

واثناء ما هو واقف فى طابور بالمجمع لمح  الى جانبه امراة واضح من زيها وثوبها الذى ترتديه انها سودانيه، فسلم عليها وسالها عن سبب قدومها للمجمع.

فشرحت له وهى حزينه انها متزوجه من سودانى من ابناء الأقليم الجنوبى يعمل معلما، وجاءا معا لمصر بغرض الذهاب لليبيا والأستقرار فيها ووقتها كان يطلب من كل سودانى ان يبرز مبلغ 40 جنيه استرلينى حتى يمنح تاشيره للدخول لليبيا.

وكانت و زوجها يقيمان مع شقيقه الطالب فى احدى الكليات بشبين الكوم، ريثما يكملان اجراءات السفر لليبيا.

لكن المبالغ التى كانت معهما  نفذت واصبحت لا تكفى الا لواحد منهما فقط  لكى يحصل علىالتأشيره والمشكله انهما يرتبطان معا بجواز سفر واحد.

فاتفقت هى وزجها فى حل عملى وان يسبقها الزوج أولا وأن تبقى هى فى شقة شقيقه الذى غادر للسودان بعد انتهاء امتحاناته، وبعد ايام قلائل يرسل لها الجواز ومبلغ يمكنها من الحصول على التأشيره واللحاق به.

وفعلا ارسل الزوج الجواز ومبلغ من المال لكنها لم تصل للزوجه أو ربما ضاعت فى الطريق على اى صورة من الصور هذا ليس مجالها.

وانفقت الزوجه السودانيه كلما عندها من مال حتى اصبحت لا تملك قيمة ائجار الشقه أو حتى ما تسد به رمقها، فاوتها اسرة  مصريه بسيطه مكونه من رجل كبير فى السن وزوجته وكانا يسكنان فى شقة امام الشقه الصغيره التى تسكن فيها ولهما متجرا صغيرا تعودت ان تشترى منه حاجاتها اليوميه.

المهم فى الأمر اوتها تلك الأسره  وهى حامل فى شهورها الأولى وقررت ان تعود للسودان بالقطار لذلك قدمت  للمجمع لأستخراج وثيقة سفر اضطراريه مثل صاحبنا، الذى كان محظوظا وحصل على اغراضه الضائعه بعد ذلك ، لكن قرر ان يبقى فى مصر لفترة ثم يعود للسودان دون ان يواصل رحلته للسويد، لا ادرى ربما تشاءم من تلك الرحله.

لكن صديقنا  عمل خيرا فاخبرها بأنه يعيش مع اصدقائه فى القاهرة وانهم جميعا سوف يدبرون لها ثمن التذكره ومصاريف الطريق وعليها ان تاتى يوم الأربعاء القادم لتستلم التذكره والمصاريف.

فشكرته وعادت لشيبين الكوم وابلغت الرجل العجوز وزوجته بتفاصيل ما حدث.

وفى اليوم المحدد  للسفر جاءت شقيقتنا السودانيه وبرفقتها المرأة العجوز لتتأكد بنفسها وتطمئن من صدق اهلها السودانيين ومن انهم جادون فيما التزموا به، وتركت زوجها فى محطة القطار ومعه شئ من الزاد (فطير وفراخ وبيض) وخلاف ذلك مما يؤخذ خلال السفر.

وفعلا وجدت التذكره جاهزه وذهبنا معها لمحطة السكك الحديديه فى رمسيس وودعناها ولم يتحرك الرجل العجوز وزوجته من مكانهما نحو القطار المتجه الى شبين الكوم الا بعد ان تحرك قطارها المتجه نحو اسوان اولا.

هذا الموقف كلما اتذكره ازرف الدموع وأنسى تفاهات اعلامى مثل (عمرو اديب) وغيره، لكن هل يعى مثل هذه المواقف من يتشدقون بحب مصر الآن او من يسئيون للسودان ومصر خلال هذه الأيام وان اظهروا خلاف ذلك؟

آخر كلام:-

ابيات للشاعر الرائع (فاروق جويده).

كم عشتُ أسألُ: أين وجــــــــهُ بــــلادي

أين النخيلُ وأيـن دفءُ الــوادي

لاشيء يبدو في السَّمـَــاءِ أمـامنـــــــــ ـا

غيرُ الظـلام ِوصــورةِ الجــلاد

هو لا يغيبُ عن العيــــــــون ِكأنــــــــه

قدرٌٌ .. كيوم ِ البعــثِ والميــــلادِ

قـَدْ عِشْتُ أصْــــرُخُ بَينـَكـُمْ وأنـَـــــادي

أبْنِي قـُصُورًا مِنْ تِـلال ِ رَمَـــادِ

أهْفـُـو لأرْض ٍلا تـُسـَـــاومُ فـَرْحَتـِــــي

لا تـَسْتِبيحُ كـَرَامَتِي .. وَعِنَــادِي

أشْتـَـاقُ أطـْفـَـــــالا ً كـَحَبــَّاتِ النـَّــــدَي

يتـَرَاقصُونَ مَـعَ الصَّبَاح ِالنـَّادِي

أهْـــفـُــــو لأيـَّـام ٍتـَـوَارَي سِحْــرُهَـــــ ا

صَخَبِ الجـِيادِ.. وَفرْحَةِ الأعْيادِ

اشْتـَقـْــــتُ يوْمـًا أنْ تـَعـُــودَ بــِــــلادِي

غابَتْ وَغِبْنـَا .. وَانـْتهَتْ ببعَادِي

 

آراء