معركة الجنائية: العرب والأفارقه…في مواجهة دبلوماسية الكبار … تقرير: خالد البلوله إزيرق

 


 

 

dolib33@hotmail.com

مهمة لم تكن نتائجها كما خطط لها، هكذا كانت جولة الوفد العربي الافريقي الذي أنهى إجتماعاته بنيويورك دون أن يظفر بما أراد من إيقاف إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد السيد رئيس الجمهورية، ولكن ما لم يحرزه العرب والأفارقه من رحلة نيويورك يبدو أنها ستفتح الباب لمزيد من الدبلوماسية المشتركة لتحقيق أهدافها بتعليق قرارات الجنائية الدوليه، فبعيد إنتهاء جولة الوفد المشترك أعلن أن نتائجه ربما تقود لترفيع الوفد لمستوي الوزراء وكذلك الرؤساء، في شكل يشبه الإصرار على تحقيق مع أتفق عليه في أروقة الإتحاد الأفريقي والجامعة العربية.
ما انتهى اليه الوفد العربي الافريقي المشترك بنيويورك سيضع الدبلوماسيه السودانيه على بداية مشوار جديد لا يقل إرهاقاً لها عما سبقه من خطى خطتها ناحية قضاياه الدولية بتعقيداتها الداخليه خاصة ما يجري منها داخل أروقة مجلس الامن الدولى والأمم المتحدة، فبعد أن وصفت بعض التقارير مهمة الوفد العربي والافريقي المبعوث من قبل القمة الأفريقية والجامعة العربية لإقناع مجلس الأمن بوقف اجراءات ملاحقة السيد رئيس الجمهورية من قبل المحكمة الجنائية الدولية بالفشل، وعودته ادراجه دون أن يحرز أى تقدم في مهمته بعد أن اصتدم بمواقف الدول الكبري بمجلس الأمن "الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا" يبدو أن تلك الخلاصة ستضع الدبلوماسية السودانية أمام تحد جديد ومشوار شاق تحفه الكثير من المخاطر وغير القليل من التنازلات إرضاء المؤثرين في المجتمع الدولى من جهة لبلوغ الغايات المحلية من جهة اخري.
وبرغم اعلان الحكومة عبر مندوبها الدائم في الأمم المتحدة السفير عبد المحمود عبد الحليم بأن قرار الجنائية لا يساوي الحبر الذي كتب به، إلا أن واقع الحال يشير الى أنه سيسبب الكثير من المتاعب الدبلوماسيه في وجه الخرطوم، فرغم الرفض الحكومى المسبق لقرار الجنائية المتوقع صدوره قبل نهاية الشهر الجاري، إلا أن ضغوط تمارس على الخرطوم من قبل اصداقائها "روسيا الصين مصر" لتعامل بواقعية وعقلانية مع القرارت الجنائية الدولية، على نسق ما ذهب إليه الامين العام للأمم المتحدة بان كى مون الذي دعا الرئيس البشير نهاية الاسبوع الماضي عقب اجتماعه بمدعي المحكمة الجنائية الدولية أوكامبو الى التعامل بإيجابية مع أى قرار يصدر من المحكمة الجنائية الدولية.
ويذهب مراقبون الى أن خلاصة ما انتهت إليه مهمة الوفد العربي الافريقي المشترك بنيويورك، والذي ووجه بموقف الدول الكبري بمجلس الأمن، والتى ترى بعكس ما ذهب إليه الوفد العربي الافريقي الداعم لموقف السودان والرئيس عمر البشير في قضية المحكمة الجنائية الدولية، أنها خلاصة ستضع الخرطوم أمام مهمة الدفاع عن نفسها في المحافل الدولية وداخل أروقة مجلس الأمن الدولى، وهى مهمة تدرك الخرطوم ثمنها والجهد المطلوب لأجلها، مما يلقي بأعباءاً أكثر عليها، وهى تواجه بأسوء السيناريوهات الدولية من خلال المحكمة الجنائية الدولية. وقال الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية لـ"الصحافه" إن فشل الوفد العربي الافريقي كان مسألة متوقعه، وقال إن فشل الوفد العربي الأفريقي في مهمته في مجلس الامن يرجع الى أن مطالب الوفد لم تنسجم مع المصالح "الفرنسية الأمريكية البريطانيه"  وأى جهود دبلوماسية لم تنسجم مع هذه المصالح سيكون مصيرها الفشل، لأن المنطق الآن للقوي الكبري فقط، وأضاف أن قضية الجنائية الدولية تتبناها فرنسا وهى الدولة المؤسسة للمحكمة الجنائية وحريصة على أن تنجح في كل مهامها، ولكنه عاد وقال "إنها تريد أن تستخدمها كواحده من آليات وسائل الضغط لتحقق بها تنازلات بشأن دارفور"، وقال حسين إن عدم مشاركة عبد الواحد محمد نور في مفاوضات الدوحة يتفق  تماماً مع النوايا الفرنسية في عدم انجاح المفاوضات، لأن تركيزها ينصب على صدور القرار من الجنائية الدولية، لأنه يمثل دليل مادى تريد أن تمسكه كوسيلة ضغط كبيرة للحكومة السودانية، ومن ثم تدفع بعبد الواحد محمد نور للمفاوضات لتحقيق مآربها".
ويبدو أن الدول الممانعه للوصول لتسوية بشأن الجنائية الدولية في الوقت الراهن، أنها تضع بيضها في سلة فرنسا التى تتبني موضوع المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس البشير، وكانت فرنسا قد ذهبت في قضية المحكمة الجنائية الدولية الى فرض أربعة شروط، على الخرطوم تنفيذها كشرط لتأجيل إجراءات المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس عمر البشير حال صدورها وفقاً للمادة "16" من ميثاق روما الذي يتيح لمجلس الأمن استخدام سلطاته بموجب الماده "16" لتعطيل اجراءات المحكمة الجنائية الدولية متى ما رأى في ذلك ضرورة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام الدوليين. وكانت فرنسا قد تقدمت بأربعة شروط للحكومة السودانية مقابل تجميد اجراءات الجنائية الدولية تمثلت وقتها في تسليم أحمد هارون وزير الدولة بالشئون الإنسانية المطلوب لدى المحكمة الجناية الدولية لذات التهم، وعلى كوشيب القائد بالدفاع الشعبي، وشملت الشروط الفرنسية كذلك تحقيق السلام في دارفور وتحقيق المصالحة والعدالة في الإقليم، وتطبيع العلاقات مع تشاد. ويبدو أن تلك الشروط التى رفضتها الخرطوم هى ما قادت قبل ثلاثه ايام لتبلور موقف الدبلوماسيين الامريكيين والبريطانيين والفرنسيين في مجلس الأمن الدولى الذين أبلغوا مندوبي الاتحاد الافريقي والجامعة العربية أنهم يعارضون تعليق تحركات المحكمة الجنائية بشأن اصدار قرار فى طلب أوكامبو بتوقيف الرئيس البشير، وقال جان بيير لاكروا نائب سفير فرنسا لدى الامم المتحدة "في هذه المرحلة لسنا مستعدين لتأييد مبادرة لتنفيذ المادة .16". وكانت تقارير صحفيه قد أوردت أن بعض الدول تعارض تعليق تحركات المحكمة الجنائية فى المرحلة الحالية، لكنهم لا يعارضون تعليق أى قرار يصدر بحق البشير من المحكمة الجنائية، لأن ذلك باعتقادهم يضع الخرطوم أمام ضغوط مما يدفعها الى الاستجابة لمطالب المجتمع الدولى لإحداث تسوية سريعة لأزمة دارفور، وملاحقة المتهمين بارتكاب انتهاكات فى الاقليم، وتغيير سلوك الحكومة. ولكن بروفيسر حسن الساعورى أستاذ العلوم السياسيه بالجامعات السودانية قال لـ"الصحافة" إن الجهود التى قادها الوفد العربي الافريقي المشترك لم تصل بعد لم رحلة الفشل، لأن العرب والأفارقه إتفقوا على تأجيل القرار، وقال إن الدبلوماسيه السودانية نجحت في إقناع كل دول العالم الثالث لموقفها، والامر أمام السودان أصبح إما ان يستجيب للقرار إذا صدر أو يتجاهله، وهو يمضي الآن بإتجاه التجاهل لأن هامش المناورة إنتهى، مشيراً الى إمكانية حشد الدعم الذي وجده السودان في مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة لتعليق القرار، وقال إن الصين حتى الآن لم تثبت تبنيها الكامل لقضايا السودان وأحد الكروت التى يجب استغلالها بالكامل، رغم أنه كرت متنامى لم يصل لمرحلة النضوج، وأشار الساعورى الى أن ربط التأجيل بصدور القرار يعتبر مناورة لممارسة ضغوط على السودان من الدول الكبري، إما أن ينسجم مع مطالبهم أو تمارس عليه هذه الضغوط، والحكومة رافضه لهذه المناورات، واصفاً قرار الجنائية الدولية بأنه قرار سياسي وليس قانونى وبالتالى أصبح القرار يخص أمريكا ولم تعد  دارفور هي القضية".
لكن برغم التأييد الذي يجده السودان من الاتحاد الافريقي والجامعة العربية المسانده لموقفه، فإن مراقبين يتوقعون أن تستجيب الحكومة السودانية في النهاية إلى نصائح من اصدقائها، خصوصاً الصين وروسيا ودول عربية بالتعامل بحكمة مع أي قرار يصدر من المحكمة الجنائية الدولية، للتجنب مواجهة المجتمع الدولى.
إذاً مهمة أولى إنتهت للعرب والأفارقه في نيويورك بنتيجة غير مرضية، ولكن وفود أخري يرتب لها للقيام بجولات الى مجلس الأمن والأمم المتحده، فهل تفلح المساعي العربية الأفريقيه في إختراق مواقف الدول الكبري المتمسكه بموقفها من الجنائية الدوليه، أم أنها ستعود أدراجها وتترك الخرطوم في موجهة المجتمع الدولى؟!!.

 

آراء