مع أطباء مصر فى دارفور … بقلم: أسماء الحسينى

 


 

 

من القلب

 

alshareefaasmaa224@hotmail.com

    كانت درجة حرارة الجو في الخرطوم عند وصولي إليها هذه المرة تتجاوز-45- درجة مئوية-،- لكن حرارة وهمة أعضاء وفد الأطباء المصريين الذين كنت أرافقهم كانت تفوق حرارة الجو-....- كانوا حوالي-30- طبيبا من إتحاد الأطباء العرب-،- وقد سبقهم وفد آخر ضم-20- طبيبا من نقابة أطباء مصر-،- ولحق بهم وفد آخر من أربعين طبيبا من وزارة الصحة المصرية-،- وسيلحق بهم وفد رابع من أطباء العيون لإجراء نحو-1500- عملية عيون بدارفور-.- كانت دارفور هي وجهتهم جميعا-،- في محاولة من مصر الرسمية والشعبية لسد الفجوة الناجمة عن طرد السودان لعشر منظمات إغاثية أجنبية بتهمة القيام بأعمال إستخباراتية والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية وإنسحاب ثلاث منظمات أخريات-،- بعد صدور قرار المحكمة بإعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بدارفور-.- كان الاحتفاء السوداني بالأطباء المصريين كبيرا-،-وتم تسليط الضوء عليه إعلاميا بإعتباره مساندة للسودان في أزمته مع المجتمع الدولي-،- ولم يكن هذا الوفد هو الوحيد الذي يزور السودان أثناء أزمته الأخيرة مع المحكمة الجنائية-،- حيث توالت علي الخرطوم وفود عديدة من شتي أنحاء العالم بعضها مفيد-،- وكثير منها لا أهمية له-.- قال لي صديق سوداني-:- هذه الوفود أصبحت تضاعف أزمتنا في السودان-،- وتشكل عبئا على ميزانية الدولة التي تضررت كثيرا بسبب انخفاض أسعار البترول-.- ماجمع هؤلاء الأطباء المصريين هو إعلان صغير نشره اتحاد الأطباء العرب بجريدة الأهرام يطلب تطوع أطباء من مختلف التخصصات للمساهمة في علاج أشقائهم بدارفور-،- فكان أن تدافع العشرات من الأطباء إلي الاتصال وإبداء رغبتهم بالمشاركة-،- فاختار الاتحاد بعضهم-،- بينما بقي العشرات علي قائمة الإنتظار-.- وقد جاء هؤلاء الأطباء من محافظات مصر المختلفة ومن مشارب شتي-،- تدفعهم دوافع الخير والنبل والإخوة والإنسانية-،- مخلفين ورائهم أشغالهم وعياداتهم وكلياتهم وأسرهم-،- ولذهاب كل منهم لدارفور حكاية وقصة-،- أحدهم ترك العمرة التي كانت نفسه تتوق إليها-،- وآخر ترك الترتيبات لزواج كبري بناته-.- وآخر هو الدكتور سعيد حسين التطاوي اخصائي التخدير بمستشفي العبور بكفر الشيخ الذي غامر بحياته من أجل المشاركة في التخفيف عن أشقائه بدارفور-،- وهو الخارج لتوه من عملية زرع كبد-،- ومن يري عمله الدؤوب المتواصل في علاج المرضي كان يعجب لأمره-.- لم تكن هذه الوفود الطبية هي الأولى التي تدفع بها مصر إلى دارفور وإلي السودان عموما في جنوبه وشماله وشرقه-،- وإن كانت حظيت هذه المرة باهتمام إعلامي كبير بسبب الحديث العالمي عن الفجوة والفراغ الذي خلفه طرد منظمات الإغاثية الأجنبية والتي تتفاوت التقديرات بشأن ماكانت تقدمه من مساعدات ورعاية للنازحين في دارفور-،- حيث قدرتها الحكومة السودانية بنسبة-4.7%- بينما قدرتها الأمم المتحدة بنحو-50%- وأصدرت تحذيرا من أن انسحاب المنظمات يهدد نحو مليون سوداني-،- وقد أصبح الوضع الصحي لهؤلاء النازحين في دائرة الضوء بعد أن قالت واشنطن أنها تحمل الرئيس والحكومة السودانية المسئولية عن كل قتيل يسقط في دارفور-.- وفي الخرطوم-،- أكد لنا المسئولون السودانيون استقرار الوضع الصحي بدارفور وعدم تأثرهم بطرد المنظمات الأجنبية التي قال الدكتور عبد العظيم كبلو نقيب أطباء السودان-،- انها لم تكن تقدم شيئا إلا القليل وأنها جاءت إلي السودان بأجندتها الخاصة الواضحة وساهمت في فبركة قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق البشير ولامجال الآن لعودتها ثانية-.- ومن جانبه أكد الدكتور كمال عبد القادر وكيل وزارة الصحة السودانية أن السودان قادر علي سد الثغرة التي خلفها خروج المنظمات بعون إخوانه في مصر وأشقائه العرب-،- مؤكدا أن مشكلة دارفور مصطنعة وأن السودان كان غافلا بتركه هذه المنظمات تعيث فسادا في دارفور-،- بينما رأي الكاتب السوداني عثمان ميرغني أن الحديث عن مؤامرة في دارفور مخل لأن القصة سودانية والقاتل والمقتول سودانيان-.- لم يكن الأطباء المصريون يعرفون على وجه الدقة حقيقة الأوضاع بدارفور ولامبلغ الصعوبات التي يمكن أن يواجهونها-،- حيث لم يزر أي منهم السودان من قبل بإستثناء واحد فقط-،- وكانوا جميعهم علي مايبدو مستعدين لأسوأ الظروف-،- ورغم ذلك كانوا يستعجلون وهم في الخرطوم الذهاب إلى دارفور والشروع في العمل الإنساني الذي جاءوا من أجله-،- ومثلهم كنت أتوق إلى الذهاب إلى أرض دارفور التي زرتها من قبل وطفت بأرجائها جميعا في ذروة إشتعال الأزمة التي بدأت عام-2003،- وهاهي تدخل عامها السابع دون حل-،-بعد أن أدخلت السودان كله في متاهات لاقبل له بها-.- كانت الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور هي محطتنا الأولي كماهي بالنسبة لكل زائري الإقليم المهمين-،- وبعدها انقسمت المجموعة إلي ثلاث فرق-،- توجهت كل فرقة منها إلي ولاية من الولايات الثلاث لدارفور-،- وفي الفاشر أول مايستقبلك في مقر سكن الوالي الذي تحيط به حديقة أشجار جميلة باسقة بضع غزالات وطاووس-،- المنظر الجميل جلب لقلوب الاطباء المتوجسة بعض طمأنينة وهم من كانوا يعتقدون أنهم ذاهبون لمنطقة قتال عنيف-،- وقد بدا لهم أن الوضع في دارفور ليس بالسوء الذي كانوا يتصورونه-،- وهو نفس التعبير الذي استخدمه السيناتور الأمريكي جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي والذي تزامنت زيارته لدارفور مع زيارتهم-،-ثم استقبل الوفد والي شمال دارفور عثمان يوسف كبر الذي أصبح شخصية معروفة لوسائل الإعلام لكثرة ما أطل عليها طيلة فترة الأزمة بالإقليم-،- وقد ذكر لأعضاء الوفد المصري أنهم الوفد رقم-614- الذي يستقبله خلال ولايته بدارفور-،-وقد كان من هذه الوفود التي زارت دارفور كوفي أنان وكولين باول وأعداد لاتحصي من السياسيين ونجوم هوليوود وغيرها من الشخصيات العالمية المرموقة التي لم يكن كثير منها يعرف من قبل أين يقع السودان-،- فأصبحت دارفور الآن هي شغلهم الشاغل-..- ومن الفاشر توجهنا إلي الجنينة وقضينا فيها-8- أيام اجتهد خلالها الأطباء في بذل قصاري جهدهم-،- وواصلواالعمل ليلا و نهارا من أجل ذلك-،- كانوا يحاولون أن يسابقوا الزمن ويجتهدون في التغلب علي بعض العقبات التنظيمية-،- والتحقوا بمستشفي الجنينة التعليمي في أول الأمر-،- حيث شاركوا بتواضع وادب جم في مداواة المرضي وبعضهم قام بتدريب الأطباء والكوادر الطبية الأخري-،- وأصروا علي الذهاب إلي المعسكرات-،- وكانوا يقصدون في الفترة المسائية مستشفي التأمين الصحي لإستقبال المرضي بالمدينة-.- وإلي معسكر كريندينق توجه الأطباء المصريون بعد الإتفاق مع شيوخ النازحين بمساعدة مدير عام الصحة-،- وهذا المعسكر هو في الواقع-3- معسكرات-،- أولها يضم-22- ألفا-،- والثاني-11- ألفا-،- والثالث-7- آلاف-،- وعندما تدخل هذه المعسكرات ستقابلك عبارات-- هدية من الشعب الأمريكي لأهل دارفور-،-أو-هدية من الشعب البريطاني- كتبت بالعربية والإنجليزية علي جدران بعض الغرف التي أقامتها بعض المنظمات المطرودة كوحدات صحية-،- وأقامت بها علي مايبدو عملا منظما-،-ولايزال يذكرها المتضررون بالمعسكرات بالخير رغم مضي أكثر من شهر علي طردها-.- وفي معسكرات النزوح والتشرد بدارفور ستقابلك أيضا وجوه كتب عليها البؤس والشقاء-،- وقد استطالت بها الإقامة في هذه الأماكن عاما بعد آخر-،- ولا أمل لها في العودة إلى مناطقها التي دمرت وخربت-،- وقد جلست معهم أتفرس في ملامح وجوههم وماتنوء به من ذكريات دامية-،- أتأمل في طريقة عيشهم وآثار المأساة التي حولتهم إلي حطام بشر-،- في مساكن كألأعشاش اقيمت من القش-،- تلهبهم حرارة الجو اليوم لايستطيعون لها دفعا-،- وغدا يأتيهم فصل الخريف وهوموسم الأمطار بمشكلاته العديدة-،- وهو ما تحذر المنظمات الدولية من خطورة تداعياته-،- بالكاد تكفيهم المعونات المقدمة ويتكبدون المشاق للحصول علي المياه-،- علي أي قد يكون هذا المعسكر القريب من المدينة أفضل من غيره من المعسكرات البعيدة عنها أو تلك التي تلاصق الحدود مع تشاد أومن المناطق التي يسيطر عليها المتمردون-،- وقد سأل زميلي الصحفي بجريدة الدستور عبد المنعم محمود إحدي النازحات-:- هل حاولت هذه المنظمات تنصيركم ؟ولمزيد من التوضيح أضاف-:- هل كانوا ياتون إليكم بالإنجيل؟ أجابت السيدة بكل حزم-:- كانوا يأتوننا بالعلاج والطعام-!- أما أنا فقد خجلت أن أسأل أيا ممن قابلت من هذه الألوف المؤلفة التي تسكن معسكرات النزوح بدارفور عن رأيهم في أمر اعتقال الرئيس البشير أوفي تصرفات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو أو في قرارات مجلس الأمن ومواقف المجتمع الدولي أو حتي في مدي تمثيل زعماء التمرد بالإقليم لهم-....- بدا لي أن لاشيء من هذه الأمور يعنيهم في شيء-..- كل ما استطعت أن أسألهم عنه هو أحوالهم-،- وواقع الحال كان يغني عن أي إجابة-....- والواقع أن أبناء دارفور المعذبين في معسكرات النازحين قد أصبحوا جميعا أسري ورهائن و أوراق ضغط في أيدي أطراف سودانية وإقليمية ودولية-،- وسيظل النازحون في حالة إنتظار إلي حين إشعار آخر-،-يحدث فيه تغيير في الأزمة التي تزداد تعقيدا-،- و يثبت فيه كل من يتباكي عليهم أو يتحدث باسمهم جديته في التوصل إلي حل سياسي عاجل يغير أوضاع العذاب والشقاء التي يعيشونها ويعيد لهم الأمن الذي يفتقدونه ويطلق سراحهم إلي مناطقهم الأصلية-،- ليعيد إليهم حياتهم الطبيعية التي افتقدوها والقدرة علي العمل والإنتاج والأمل في غد أفضل-.- وفي الجنينة الواقعة علي الحدود مع تشاد يرتفع التوتر هذه الأيام-،- حيث تتبادل كل من تشاد والسودان الإتهامات بحشد الحشود وإيواء المعارضين استعدادا للحرب-،-ولهذا الأمر حديث آخر-. آخر الكلام : يقول الشاعر : سابقى ماحييت بدار دنيا رفيقا-لايخون ولا يجافى وأحفظ عهدكم فى عمق قلبى ويروى حبكم نظم القوافى فإياكم أن تنسوا رفيقا إذا شطت عن الوصل المرافى

 

آراء