مع اقتراب الاقتراع: الانتخابات.. هواجس الفوضى والتأمين … تقرير: خالد البلوله إزيرق
28 March, 2010
: «الفوضى» هاجس يؤرق مضاجع المواطنين ويسيطر على تفكيرهم كلما دنا موعد الاقتراع على الانتخابات التي تبقى لها اسبوعان، في وقت غدت فيه كرت إتهام تقذف به القوى السياسية بعضها البعض، وتلوكه ألسنة قادتها كثيراً، وما بين خوف المواطن من «الفوضى» التي يحتفظ في ذاكرته بكثير من مشاهدها في طرقات العاصمة المختلفه منذ احداث الإثنين والى هجوم حركة العدل والمساواة مايو 2008م، وإتهام المؤتمر الوطني للقوى السياسية المعارضة بمحاولة احداثها عبر الانتخابات، تظل هواجس المواطن وظنونه معلقة بين صراع احزاب سياسيه لم يعد يعرف حقيقتها، وواقع ملغوم يدرك خطورته في ثلاثة ايام تبدأ بعد العاشر من ابريل المقبل.
وما بين خوف الشارع وتقافز الساسه، اعتبر نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية الدكتور نافع علي نافع، دعوة احزاب المعارضة لتأجيل الانتخابات والمطالبة بحكومة قومية محاولة لإحداث فوضى وبلبلة بالبلاد بهدف تغيير النظام، واضاف «من يفكر في هذا معتوه أو أعماه ظمأ السلطة» وسرعان ما يأتي رد المعارضه من القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل علي السيد، الذي رأى في ذلك تهديدا واساءة لقوى المعارضة. إذاً إتهام ونفي بالسعي «للفوضى» بين القوى السياسية، يقابله هاجس خوف يتملك المواطن مع حالة ترقب تسود الساحة السياسية، وسؤال «الفوضى» يبحث عن من المستفيد منها، وهل بمقدور الفوضويين ان يحدثوا فوضى في الانتخابات!!.
من واقع الحراك السياسي الذي اكسب العملية الانتخابية أهميتها كون أن معظم المشاركين فيها من الأحزاب السياسية لديها شقان خلفية سياسية وعسكرية، فيما لايزال بعضها يحتفظ بمليشات مسلحة وإن لم تبدُ للعيان، ومع ضعف ثقافة قبول الآخر التي تتسم بها العملية الديمقراطية، وعدم قبول نتائج العملية الانتخابية، ربما قاد بعض المتنافسين في الانتخابات الى استخدام العنف في عدد من المناطق والدوائر المتباينة بيئياً وجغرافياً ومناخياً في السودان، قد تكون مدخلاً للفوضى التي يخشاها المواطنون في ظل مناخ انتخابي ملبد بكثير من غيوم التوتر وآليات الإقصاء، وقد وصف العميد «م» حسن بيومي في حديثه لـ»الصحافة» البيئة الانتخابية بالمأزومة، وقال لا مفر من العنف في هذه الانتخابات ولكن الخشية ان تقود لحرب أهليه في ظل وجود القوات الدولية، والتدخل الدولي الماثل، مشيراً الى أن الاجواء العامة للانتخابات غير مريحه تماماً، والخوف كذلك ان تشهد المرحلة المقبلة عملية اغتيالات سياسية في ظل التصعيد الاعلامي، مشيراً الى أن العنف اللفظي الممارس بين القوى السياسية قد يقود للفوضى، خاصة وأن هذه الانتخابات الواقع القبلي فيها كبير والتحمس لها اكبر، وأضاف «ان تكالب المراقبين والمجتمع الدولي على هذه الانتخابات، وأجهزتنا ليست لديها الخبرة الكافية في الانتخابات والتأمين، فإن هذا التكالب يعطي آحساساً بان هناك شئ سيحدث» وقال ان المؤتمر الوطني بعد عشرين عاماً من الحكم لن يرضى ان يتخلى عن السلطه بسهولة».
وفي الوقت الذي يتخوف فيه مراقبون من ضعف قرني استشعار الدولة التي تنبه المواطنين لمكامن العنف ومصادره قبل وقوعه، وسرعة الأجهزة في اتخاذ التدابير الوقائية التي تقي من مهالك الاحداث، قبل أن تترك المفاجأة تسيطر على حياة المواطنين. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت اكثر من مرة ما وصفته بسيناريوهات عنف من المحتمل أن تصاحب الانتخابات، فيما لم يستبعد خبراء أمنيون وقوع بعض الاضطرابات التي قد تزعزع الاستقرار، وسبق لوزارة الداخلية ان أطلقت من داخل قبة البرلمان منتصف اغسطس الماضي في «ورشة تأمين الانتخابات» بالبرلمان، تحذيرات من تهديدات تكتنف العملية الإنتخابية، وذلك حينما كشفت عن سيناريوهات منها تهديد سلامة وأمن بعض الشخصيات المؤثرة سياسياً واجتماعياً ووطنياً، ومهاجمة البعثات الدبلوماسية والأممية الى جانب حرمان بعض المرشحين من ممارسة حقوقهم القانونية في الدعاية الإنتخابية، وقال الفريق د.عادل عاجب نائب المدير العام لقوات الشرطة، إن من المخاطر التي تهدد العملية الإنتخابية استهداف العاملين في الانتخابات، وخلق حالة من الفوضى الى جانب إثارة الفتنة التي إعتبرها أكبر مهدد إضافة الى إثارة الكراهية بين بعض الطوائف والكيانات السياسية وجرها لمواجهات دموية.
فرغم التحوطات الشرطية واحزمة التدابير والاجراءات الوقائية التي تقوم بها الشرطة، فإن المنعطف الذي تمر به البلاد لا يستبعد مراقبون له أن يحمل في طياته عنصر المفاجأة، خاصة وأن الدولة تفتقر الى مؤسسات التنبيه المسبقه للاحداث وقراءة مؤشراتها «مراكز الدراسات» فالانهماك في العمل اليومي لأجهزة السلطة الرسمية بحسب مراقبين لم يدع لها فرصة إلقاء نظرة للمستقبل وما يحمله واسبوعان فقط تفصلنا عن الحدث الأكبر. ولكن الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات، قال لـ»الصحافة» انه يتوقع اذا حدث عنف أو فوضى ان تكون محدودة وجزئية، لأن الاجهزة الأمنية متحسبة لمثل هذه الأعمال، وقال ان الخوف الذي يسيطر على المواطنين من احداث الفوضى يرجع الى السلوك الاقصائي وعدم القبول بالآخر وعدم احترام رأي الاغلبية، الذي تمارسه القوى السياسية منذ الاستقلال، ومحاولة بعض الاحزاب استخدام الأسلحة غير النظيفة لمنع المواطنين من الاقتراع، واضاف «ان العشرين سنة الماضية كانت عبارة عن صراع مستمر بين الانقاذ والاحزاب، فالانقاذ ارادت ان تقصي كل الاحزاب ولم تستطع، والاحزاب عملت لإسقاط المؤتمر الوطني ولم تستطع» وقال حسين ان ما يعقد المشهد الانتخابي ان الاحزاب المعارضة حاولت ان تقصي المؤتمر الوطني قبل نتيجة الانتخابات في مؤتمر جوبا وبمظاهرات الإثنين، داعياً الى احترام خيار الديمقراطية بين القوى السياسية بعيداً عن العنف والاقصاء».
ويرجح مراقبون ان تكون هناك اعمال عنف وفوضى من واقع الانتشار الكثيف للسلاح خارج القنوات الرسمية والذي يصعب السيطرة عليه من قبل القوات النظامية، حيث كشف تقرير أمريكي صدر قبل اربعة اشهر ان بجنوب السودان «3» مليون قطعة سلاح ستنعكس على الوضع الأمنى هناك، فيما أشارت تقارير صحافية الى وجود كذلك أكثر من «3» مليون قطعت سلاح بالشمال. وسبق لكبير مساعدي الرئيس مني اركو مناوي قد قال في أول زيارة له لولايات دارفور قبل تقلده المنصب، أن بدارفور «كل شخص يقابله ثلاثه قطع من السلاح» وكان وزير الداخلية قد أقر سابقاً إبان اندلاع المواجهات المسلحة بين المسيرية والرزيقات قبل عدة اشهر بعدم قدرة قواته على جمع السلاح بدارفور، واعترف بأن مقتل رجال الشرطه في احداث المسيريه والرزيقات بجنوب كردفان يرجع الى ان قدراتهم القتالية والهجومية أسرع من الشرطة.
وكان اللواء احمد التهامي مسئول تأمين الانتخابات بوزارة الداخلية قال في ندوة «المهددات الخارجية للانتخابات» التي اقامها المركز العالمي للدراسات الافريقية قبل ثلاثه اسابيع، بأن وزارة الداخلية لديها خبرة متميزة وثرة في مجال التأمين، وقال ان الشرطة منذ مارس 2008 وضعت خطة اطارية ووزعتها لخطط تفصيلية في الولايات المختلفه، وانها قامت بتدريب الكادر البشري للانتخابات وسير الانتخابات والتعامل مع الجمهور، مشيرا الى انهم دربوا «55» ألف شرطياً داخلياً وخارجياً، وأضاف «ندرك هناك بعض الشخصيات في الاحزاب معرضة لمخاطر ونحن نراقبها، وقال ان هذه الانتخابات تحدٍ للسودان يكون او لا يكون، وأضاف «من ابرز المخاطر التدخل الدولي التي تم رصدها من قبل الدول والمنظمات العاملة والحركات المسلحة، الدعم المالي واللوجستي لبعض المجموعات، والسعي عبر عناصر وطنية لخلق فوضى، والحديث عن انتخابات غير نزيهة لإحداث العنف، وتقديم معلومات مغلوطة عن ما يجري بالبلاد، وشن حملات تشويه انتقامية ضد الشرطة واشانة سمعتها بإساءة معاملة المواطنين، وإثارة الفتنة والكراهية والتحريض عليها من بعض المجموعات، وتوفير التسليح عن طريق بعض الوسطاء لتقوية مجموعة ضد أخرى، وتشجيع تنظيمات ومجموعات للقيام بأعمال تخريبية بالبلاد أثناء الانتخابات.
khalid balola [dolib33@hotmail.com]