مع الأحياء ساكت محسوب … بقلم: د. عزت ميرغني طه

 


 

 

izattaha@yahoo.com

 

و أنصرم رمضان و فرحنا بفطورنا و عاودنا من استطعنا متمنين لهم كل اليمن و البركات و أن يتقبل منا و منهم صالح الأعمال و في واحدين شايف أتبعوها بصوم أيام من شوال كايسين صيام الدهر... ربنا يجزيهم خيرا و أن يعمروا الأرض لتنتج قمحا و وعدا و تمني مش يبقوا زي ديل.....

 

ما أن توهطت في مقعد البص السياحي المكيف الذي يقدم بجانب توصيلك الى شندي حاجة باردة و قطعة حلاوة و كميات من الغناء و الزعيق عبر الفيديو و التلفزيون و الرادي، فالمشوار كان بغرض "عقد قران ولائي" و لأنني عقدت العزم أن أرجع بعد العقد مباشرة توكلت على الحي الذي لا يموت و ركبت البص السياحي لأن القيادة في ذلك الطريق الذي سمي بالتحدي كناية عن القيادة في شارع عرضه ستة متر بجانب البطاحات و اللواري مما يجعل من مشوارك تحدي دائما للموت و حملت "جزلاني" و بطاقتي ربما تمتد خدماتها الى أي مكان يكون فيه معازيم و مأذون و تربيزة ناقصة شاهد و سبحان الله نقشني "عمي" من بين جميع الأعمام لأجلس في منصة الشهود فهل يا ترى وصلته شهرة بطاقتي و ترددها في دفاتر المأذونين  فدمغت قسيمتهم بامضائي متمنيا لهم "بيت مال و عيال" و عدت مباشرة بعد العقد و جلست في بص مماثل باااااارد و لكن....

 

فالبص الأول الذي ركبت أخذ سائقه منا "جنيه" زيادة حتى اضطر مفتش البصات أن ينبه الركاب بأن سعر التذكرة "أربعتاشر جنية فقط" حاثا الركاب بأن يستلم كل راكب من السواق جنيها متبقي الخمستاشر جنيه التي "لهفها" وسط تذمر السواق و معارضته بأنه شال الجنيه لأنو "جا فاضي" من شندي و يريد أن يعوض من ناس عزت دون وجه حق بالرغم من شريطه الذي شغله لنا بعد ذلك..... و الذي كانت مادته عن "أكل مال الناس بالباطل" بجانب "الموت" فقد كان الشريط بصوت احدى الشيوخ الذين يتحدثون بصوت عالي جدا بالرغم من الساوند سيستم كأنما يتحدث الى كفار من أتباع "أبو جهل".... ابتدأ الشريط بمقدمة جاء فيها ان هذا الشريط من تسجيلات منو كدا في السوق العربي و انه تذكرة للناس في هذا الزمان الذي استشري فيه الفساد، و أكل مال الناس بالباطل، و القتل و الكذب و شنو شنو فلم يترك مزمة الا و ذكرها فجاءت مقدمة الشيخ بعد أن سلم و حوقل بأن تدافع الناس في هذه الدنيا و جريهم لا يجوز وسط "عنوان موعظته" التي شبه فيها تكالب الناس ك"ميتا يشتري بيتا من ميت" بما معناه أن الدنيا فانية و مافي داعي ان يسعى العبد و يعمر فيها فهل يا ترى لم يمر عليه حديث الرسول صلى الله عليه و سلم بما معناه "اذا قامت الساعة و كانت بيد بن آدم فسيلة فليغرسها" أي شتلة صغيرة و كذلك يبدوا أنه قد دك الجزء الذي يقول "أعمل لدنياك كأنما تعيش أبدا"... فما الداعي لتك الموعظة التي بثها السائق عندما اعتزم مسبقا أخذ "جنيه" بغير وجه حق من الركاب و ما الداعي لتذكيرهم بالموت و هو يتهادى في شارع التحدي أولا يجوز الرحمة بالركاب و عدم تخويفهم بتلك الصورة....

 

و أنا راجع اعتقدت بعد أن حضرنا العقد و تمنينا للعرسان الجدد رحلة مفعمة بالحيوية و الرزق الوفير و البنون و البنات أن تتغير الموجة و لكن كان لمسلسل الموت أن يستمر عندما أصر سواق البص بتاع الرجعة أن يبث لنا حديثا من اذاعة اف ام 92 و لقاء مع كاتب متعهد بالزج بكلمات المديح وسط ألحان الأغاني قائلا بأن أجمل ما كتب في هذه السنة قصيدة عن القبر "أي و الله" و تلى قصيدته العصماء متغزلا في القبر و نحن نسمع... فاستغربت هل يا ترى ذلك الشعور المتعاظم و الذي دون شك تساهم فيه "حكومتنا السنية" بأن تصرف الناس عن فتيش الشغل الذي انفرد به محاسيبهم و تقنع من عرس "الطيبات" الذين انفردوا بهم مثني و ثلاث و أن توجه الشباب نحو تلك الغاية... و الغريبة حسين شندي ذاتو الذي شنف السواق أذاننا بصوته العالي عبر اغنيات متصلة من الفيديو بتاع البص لم تخلو اغنياته من تلك الثقافة فقال بعد قنع من خيرا في محبوته التي "فتحت ليهو" بأنو "مع الأحياء ساكت محسوب"....!!!

 

آراء