مع مائدة رمضان السودانية: في البلائل وما إليها
د. خالد محمد فرح
15 April, 2023
15 April, 2023
Khaldoon90@hotmail.com
البلائل جمع بليلة وهي ضرب من الحبوب او الغلال او البقوليات، التي تُسلق بالماء حتى تنضج، ويضاف اليها قليل من الملح وتقدم لكي تؤكل هكذا، وقد يضاف اليها أحياناً شئ من السكر وبعض الزيت او السمن أو الكمّون الأخضر أحياناً، وربما رضخت فوقها بصلة او القيت عليها تمرات.
ونحسب انها انما سميت بليلة من البل بالماء لانها تُبل بالفعل، وربما نفعت حبوبها بالماء لمدة، قبل ان تسلق لكي يكون ذلك اسرع في نضجها.
والبليلة عموما، هي طعام الفقراء والمعوزين، ولكنها ارتبطت في الاعتقادات الطقوسية السودانية ، بالبركة وببعد روحي واضح، فهي ملازمة الكرامات والنذور ، والتعبير عن الفرح والسرور على الدوام. فمن لم يستطع ذبح بهيمة، استبشارا بعودة غائب، او نجاح ممتحن، او حمدا لله على شفاء مريض، فانه تجزيه البليلة عن الذبيحة. ومن امثال السودانيين قولهم: "البلا بكافوه بالبليلة ". لاعتقادهم انها تدفع البلاء. ومن أمثالهم أيضاً " مرق بكرامة البليلة "، أي نجا بأعجوبة !.
وعادة ما تتوخى الاسر السودانية صباح الجمعة ، وخصوصا وقت صلاة الجمعة لتقديم البليلة للغاشي والماشي كما يقال، ولجموع المصلين فور انفلاتهم من الصلاة، استمطاراً لدعواتهم الصالحات لان ذلك الموقف وتلك الساعة المباركة، هي مظنة الاجابة والقبول.
ولبليلة الجمعة السودانية بهذه المناسبة، أصل في الثقافة الاسلامية الجامعة العريقة فيما يبدو. فقد روى الامام البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قوله: كانت لنا عجوزٌ تأخذ أصول السلق فتطرحه في القدر، وتكرر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة وانصرفنا، نسلّم عليها فتقدمه إلينا. فهو أصل تخصيص كرامة البليلة بيوم الجمعة عندنا في تقديرنا.
هذا، وعطفاً على ما تقدم، فان البليلة قد ظلت من لوازم مائدة افطار رمضان في السودان منذ قديم الزمان، يستوي في ذلك الناس جميعهم، اغنياؤهم وفقراؤهم، وريفهم وحضرهم، في شتى بقاع السودان، على اتساع مساحته ،وترامي أطرافه ، وتنوع بيئاته، وتباين ثقافاته.
وكما تتنوع ثقافات السودانيين وبيئاتهم، فان بلائلهم تتنوع ايضا، وان اشتركت في كونها تتكون جميعها بشكل اساسي، من حبوب او غلال او بقول مسلوقة. فعلى سبيل المثال، بلغني أن بجنوب كردفان بليلة عجيبة لذيذة الطعم تصنع من حبوب وبقول مشكّلة تسمى " وُنُوونُو " وصفت لي ولم أذقها للأسف.
وجاء في اغنية شايقية هزلية أيضا:
البليلي ام حبّاً نضيف
حبّة لوبِي وحبّة عيش ريف
اليشوفك يحرن يقيف
ويا حلاتك في الشلاليفْ
واذا ما كانت موائد رمضان في العاصمة الخرطوم خصوصاً، تحتفي بنوعين فقط غالباً من أنواع البليلة هما بليلة الحمّص الذي يسمى " كبكبيه " في السودان، وبليلة البقل العدسي البنية اللون التي تعرف ب " العدسية "، ولا يكادون يتعدونهما الى ما سواهما من أنواع البليلة، فإنّ اقاليم السودان الاخرى وخصوصا غرب السودان، تنتشر فيها في الواقع، انواع ووصفات مختلفة لصنع البليلة، وما جرى بمجراها من الغلال المسلوقة والمطبوخة.
ففي كردفان على سبيل المثال، تصنع البليلة من أيٍّ من حبوب الدخن، واللوبياء، والذرة الشامية، والذرة الرفيعة المحمصة أو الفريك، وهي حبوب تستخرج من سنابل الذرة الرفيعة، تقطف قبيل نضجها بقليل، ثم تدفن في الثرى الحار تحت النار او ما تسمى ب " المَلّة " ، ومن هنا جاء اسم " المَلِيل " الذي يطلقه الناس هناك على تلك الحبوب التي تصنع منها اشهى انواع البليلة على الاطلاق في نظري الخاص، وحب الناس مذاهب، وخصوصا عندما يضاف اليها خيطٌ من سمن " دار الريح " الاصلي، وأكليل من التمر الجيد.
ولكن أين السبيل الى المليل في الخرطوم ؟ كان ذلك سؤال ظل يؤرقني دائما ولرمضانات عديدة، حتى عثرت عليه في حانوت عطارة وأعشاب وحبوب بسوق " العُشرة " المسوّر ذات يوم قبل بضعة اعوام، ونحن نتجول في عرصات ذلك السوق الشعبي النموذجي حقاً، بغرض شراء بعض احتياجات رمضان، فطرتُ به فرحا، وانطلقت به الى منزلي. وقلت حينها في نفسي، لان كانت اسواق الخرطوم الشعبية قد عرفت مؤخراً طبق " أم جنقر " الرمضاني بامتياز هو الآخر، المصنوع من منقوع الدخن والعرديب واللبن الرائب والسكر، فانها سوف تتعرف لا محالة ولو بعد حين، على بليلة الفريك أو المليل، التي سوف يكون لها شأن عظيم في المائدة الرمضانية السودانية بصفة عامة قريباً كما نتوقع، مع تمنياتنا للجميع بصيام مقبول وإفطار شهي.
البلائل جمع بليلة وهي ضرب من الحبوب او الغلال او البقوليات، التي تُسلق بالماء حتى تنضج، ويضاف اليها قليل من الملح وتقدم لكي تؤكل هكذا، وقد يضاف اليها أحياناً شئ من السكر وبعض الزيت او السمن أو الكمّون الأخضر أحياناً، وربما رضخت فوقها بصلة او القيت عليها تمرات.
ونحسب انها انما سميت بليلة من البل بالماء لانها تُبل بالفعل، وربما نفعت حبوبها بالماء لمدة، قبل ان تسلق لكي يكون ذلك اسرع في نضجها.
والبليلة عموما، هي طعام الفقراء والمعوزين، ولكنها ارتبطت في الاعتقادات الطقوسية السودانية ، بالبركة وببعد روحي واضح، فهي ملازمة الكرامات والنذور ، والتعبير عن الفرح والسرور على الدوام. فمن لم يستطع ذبح بهيمة، استبشارا بعودة غائب، او نجاح ممتحن، او حمدا لله على شفاء مريض، فانه تجزيه البليلة عن الذبيحة. ومن امثال السودانيين قولهم: "البلا بكافوه بالبليلة ". لاعتقادهم انها تدفع البلاء. ومن أمثالهم أيضاً " مرق بكرامة البليلة "، أي نجا بأعجوبة !.
وعادة ما تتوخى الاسر السودانية صباح الجمعة ، وخصوصا وقت صلاة الجمعة لتقديم البليلة للغاشي والماشي كما يقال، ولجموع المصلين فور انفلاتهم من الصلاة، استمطاراً لدعواتهم الصالحات لان ذلك الموقف وتلك الساعة المباركة، هي مظنة الاجابة والقبول.
ولبليلة الجمعة السودانية بهذه المناسبة، أصل في الثقافة الاسلامية الجامعة العريقة فيما يبدو. فقد روى الامام البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قوله: كانت لنا عجوزٌ تأخذ أصول السلق فتطرحه في القدر، وتكرر حبات من شعير، فإذا صلينا الجمعة وانصرفنا، نسلّم عليها فتقدمه إلينا. فهو أصل تخصيص كرامة البليلة بيوم الجمعة عندنا في تقديرنا.
هذا، وعطفاً على ما تقدم، فان البليلة قد ظلت من لوازم مائدة افطار رمضان في السودان منذ قديم الزمان، يستوي في ذلك الناس جميعهم، اغنياؤهم وفقراؤهم، وريفهم وحضرهم، في شتى بقاع السودان، على اتساع مساحته ،وترامي أطرافه ، وتنوع بيئاته، وتباين ثقافاته.
وكما تتنوع ثقافات السودانيين وبيئاتهم، فان بلائلهم تتنوع ايضا، وان اشتركت في كونها تتكون جميعها بشكل اساسي، من حبوب او غلال او بقول مسلوقة. فعلى سبيل المثال، بلغني أن بجنوب كردفان بليلة عجيبة لذيذة الطعم تصنع من حبوب وبقول مشكّلة تسمى " وُنُوونُو " وصفت لي ولم أذقها للأسف.
وجاء في اغنية شايقية هزلية أيضا:
البليلي ام حبّاً نضيف
حبّة لوبِي وحبّة عيش ريف
اليشوفك يحرن يقيف
ويا حلاتك في الشلاليفْ
واذا ما كانت موائد رمضان في العاصمة الخرطوم خصوصاً، تحتفي بنوعين فقط غالباً من أنواع البليلة هما بليلة الحمّص الذي يسمى " كبكبيه " في السودان، وبليلة البقل العدسي البنية اللون التي تعرف ب " العدسية "، ولا يكادون يتعدونهما الى ما سواهما من أنواع البليلة، فإنّ اقاليم السودان الاخرى وخصوصا غرب السودان، تنتشر فيها في الواقع، انواع ووصفات مختلفة لصنع البليلة، وما جرى بمجراها من الغلال المسلوقة والمطبوخة.
ففي كردفان على سبيل المثال، تصنع البليلة من أيٍّ من حبوب الدخن، واللوبياء، والذرة الشامية، والذرة الرفيعة المحمصة أو الفريك، وهي حبوب تستخرج من سنابل الذرة الرفيعة، تقطف قبيل نضجها بقليل، ثم تدفن في الثرى الحار تحت النار او ما تسمى ب " المَلّة " ، ومن هنا جاء اسم " المَلِيل " الذي يطلقه الناس هناك على تلك الحبوب التي تصنع منها اشهى انواع البليلة على الاطلاق في نظري الخاص، وحب الناس مذاهب، وخصوصا عندما يضاف اليها خيطٌ من سمن " دار الريح " الاصلي، وأكليل من التمر الجيد.
ولكن أين السبيل الى المليل في الخرطوم ؟ كان ذلك سؤال ظل يؤرقني دائما ولرمضانات عديدة، حتى عثرت عليه في حانوت عطارة وأعشاب وحبوب بسوق " العُشرة " المسوّر ذات يوم قبل بضعة اعوام، ونحن نتجول في عرصات ذلك السوق الشعبي النموذجي حقاً، بغرض شراء بعض احتياجات رمضان، فطرتُ به فرحا، وانطلقت به الى منزلي. وقلت حينها في نفسي، لان كانت اسواق الخرطوم الشعبية قد عرفت مؤخراً طبق " أم جنقر " الرمضاني بامتياز هو الآخر، المصنوع من منقوع الدخن والعرديب واللبن الرائب والسكر، فانها سوف تتعرف لا محالة ولو بعد حين، على بليلة الفريك أو المليل، التي سوف يكون لها شأن عظيم في المائدة الرمضانية السودانية بصفة عامة قريباً كما نتوقع، مع تمنياتنا للجميع بصيام مقبول وإفطار شهي.