مفاصلة ومفاضلة بين كورونا.. والإنقاذ !!

 


 

 

 

هناك صحف وقنوات ومواقع معادية للثورة تتعمّد نشر الأخبار الكاذبة والمقالات والتقارير واللقاءات المفخخة.. وفيها ما فيها من تشكيك وفبركة ومفاريك و(كواديك)..وتحمل ما تحمل من السخائم ومن توهين العزائم ونشر اليأس والقنوط والتحريض والفتنة والفجاجة والفهاهة و(العباطة) والدعوة للخروج عن القوانين والمدافعة عن الباطل...! وهذا هو مجمل ما تنضح به مواعينها ويسيل به صديدها.. وعرض الرأي المأفون والتعبير عن الذوات المريضة لا مشكلة كبيرة فيه .. فيمكن دحضه عن طريق المنابر الوطنية المختلفة والحقائق الدامغة.. ولكن المشكلة في نشر الأخبار والوقائع الكاذبة التي تهدد أمن البلاد وسلامة المجتمع وتلهب الصراعات الدموية وتطلق الذعر بين المواطنين وتتلاعب بحياتهم ودمائهم.. وقد كان عهد الإنقاذ الأسود نموذجاً صارخاً للفوضى وصناعة الأخبار الكاذبة التي كان يفبركها أمن الإنقاذ ويرسلها للقنوات والصحف.. وكان بعض صحفيي الإنقاذ يزايدون ويكتبون (من رأسهم زلفى) الفبركات الكذوبة عن معارضي الإنقاذ وينشرون على هواهم بأن الحركة الفلانية هجمت على المنطقة العلانية وقتلت مئات الأشخاص ويأتي الغد ولا احد يسأل جهة الخبر عن هؤلاء القتلى وأين دفنوا وهكذا.. هذا بالإضافة إلى الأخبار الكاذبة عن قادة الإنقاذ الحرامية وتبرعاتهم (الفالصو) وقراراتهم و(ما أقاموه من مصانع) وما حصدوه من إشادات من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ومن قادة العالم.. وما قام به رئيس الإنقاذ من (صرف للبركاوي) للسفيرة البريطانية..الخ هذه هي تركة الإنقاذ في ميدان الصحافة والإعلام..!

ومن باب الطرائف الباكية أن الإنقاذ كانت قد أقامت مركزاً للخدمات الصحفية بديلاً موازياً عن وكالة السودان للأنباء..وهكذا كان شان الإنقاذ ..لا بارك الله فيها وفي عشاقها المدنفين ومن جاءوا إليها بالأجر أو (بتوافق الطبع) فقد كان من عادة الإنقاذ أن تجعل مقابل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة (جسماً موازياً) يتبع للمؤتمر الوطني..هو الذي يُحظى بالتمويل من مال الدولة وتُتخذ فيه القرارات بعيداً عن المحاسبة والمساءلة حتى تسهل السرقة والنهب والقتل والتآمر.. وقصة هذه الأجسام الموازية معلومة لا تحتاج إلى بيان...وكان أمن الإنقاذ هو صاحب هذا المركز الإعلامي المزيف..وما قصدته من الأمر (غير الطريف) أن بعض قادة المعارضة كانوا يدلون بتصريحاتهم لهذا المركز الأمني ويجرون فيه الحوارات المطوّلة وهم لا يعلمون أنهم في ضيافة أمن الإنقاذ...! لقد ساهم هذا المركز إسهاماً سيئاً في فترة طويلة من عمر الإنقاذ البذيء وربما يكون قد تم حله الآن ولكن لا احد يعلم عن مصير الأموال العامة التي كانت تُضخ لهذا الذراع الإنقاذي الذي عاث فساداً في ميدان الصحافة والإعلام .. فلماذا لا يكون ذلك الملف موضع مراجعة؟! لهذا ولغيره لا يستغرب احد أو يرفع من الدهشة حاجبه (المزجج) عندما يطالب الناس بحل مؤسسات إعلام المؤتمر الوطني بعد حل الحزب بالقانون.. فكيف بلع الإنقاذيون حل حزبهم واستغربوا المطالبة بحل صحفه وهيئاته الإعلامية؟

الخلاصة في هذا الأمر أن طول عهد الإنقاذ في السلطة أضرّ بالساحة الصحفية ضرراً بليغاً وكاد يذهب بتقاليدها في المسؤولية والأمانة المهنية؛ وقد نافح الخلصاء من الصحفيين المنتمين لشعبهم طوال عهد الإنقاذ منافحة باسلة وأضاءوا الكثير من القناديل وكشفوا الكثير من أهوال الفساد وعانوا الكثير من الشظف والإملاق حتى كان يتعسّر عليه مجرد الحصول على طبق (فول بالزيت)؛ لأنهم عصموا أنفسهم من عطايا الإنقاذ..هذا النظام الذي قام على الكذب (من يومه الأول) وتغذي الإنقاذيون بالكذب ورضعوه من عرّابهم ومن دهاقنتهم (حاخاماً بعد حاخام)...وعاقروه وساروا عليه واستطعموه واستلطفوه واعتمدوه وشرّعوا له، ثم أصبحوا لا يخجلون منه، بل أضحوا يتباهون به، ثم أمسوا يتنافسون فيه، ثم عادوا يدعون له ويبشرون به.. ثم عدّوه من المباحات ومن (الفضائل) المطلوبة لتمكين أنفسهم وإبعاد الآخرين وكل من ليس من عضوية حزبهم وحركتهم؛ لقد كانت الصحف وقنوات الأخبار الكذوبة تعلن موت أحد معارضي الإنقاذ أو قتلى حرب الجنوب ثم لا تعتذر غداً بعد أن يتضح انه (حي يسعى ويُرزق)..كما كانت الصحف تقول إن الإنقاذ تكرّمت بإطلاق سراح فلان من غير أن تقول متى تم اعتقاله ولماذا..!..لهذا تحتاج البيئة الصحفية والإعلامية إلى تطهير نفسها بعد أن تختفي منابر المؤتمر الوطني ويتم إرساء القيم الصحفية والإعلامية في الحرية والمهنية.. ولكن عندما تتحدث طحالب (قعور الأزيار) عن الإقصاء والحرية المؤودة بعد الثورة وتدافع عن الإنقاذ وتطالب بان تكون لها حرية هدم الثورة بالكذب والإفك فأعلم أن الكورونا هي (الشقيقة الأخف ضرراً) في عائلة فيروس الإنقاذ..!

وبهذه المناسبة كنا قد تقدمنا للتلفزيون القومي ولمن شاء من القنوات الفضائية بـ(فكرة مجانية) لإعداد برنامج أسبوعي عن بيوت الأشباح لتناول هذه الظاهرة المُجرمة التي كان للإنقاذ (شرف) التمرغ في رذيلتها.. وليس هناك فيما نرى بيت في السودان لم يسمع ببيوت الأشباح.. فأما أن يكون قد مرّ بتجربتها العصيبة فردٌ من الأسرة أو الحي أو العشيرة أو القرية أو البلدة أو الجوار أو زميل المهنة والدراسة أو بالسماع.. وهي تجربة مخذية لا يمكن أن تنمحي عن إخلاد السودانيين وذاكرتهم ..وقد اعترفت.. بل تباهت بها قيادات مسموعة الكلمة في الإنقاذ.. وهي بيوت رعب لم يكن يتصوّر أحد وجودها في العقود الأخيرة من حياة البشرية.. وبيوت الأشباح هذه (وصمة غائرة) في الذاكرة السودانية؛ وهي وصمة معروفة المنشأ و(معلومة المصدر) والناس تعلم من كان يقف خلفها من أهل السبق في الشرور، وتعلم من شاركوا (في عمرانها) ومن صمتوا عنها، ومن مدوها بالضحايا والجلادين والسياط والأقماع والخوازيق وآلات القتل والترهيب والتدريب على أكثر الوسائل خسّة؛ ومعلوم من كان يزورها (للأنس والاستمتاع) بالتعذيب. ومعلوم من كان يأمر فيها بدق المسامير على رؤوس المحتجزين أو بالتهديد بالحرق والإغراق والاغتصاب للمحتجزين العزّل والأقرباء..وشهادات الضحايا متوفرة والتجارب النفسية محفورة في أعماق النفوس ولا بد أن يعرف المجتمع من كانوا جلاديها والمآلات التي انتهى إليها ضحاياها حتى يتم إغلاق هذا الباب الذي سيظل يؤرق الضمير الوطني السوداني.. وليس فقط الضحايا وأهاليهم..!
سبق وأشرت إلى ضرورة قيام (متحف خاص ببيوت الأشباح) يكون في أحد عقارات الدولة التي كانت مسرحاً لأحد هذه البيوت.. وفكرة هذا المتحف تشبه ما تصنعه دول العالم التي تريد أن تتعافى من الممارسات الوحشية التي مرّت بها.. كما حدث في جنوب إفريقيا وبريطانيا وفرنسا وشيلي وغيرها.. والحقيقة أن صاحب هذه الفكرة كما أشرنا إليه حينها.. هو دكتور عبد الرحيم بلال الذي كان ولا يزال بمثابة عمدة منظمات المجتمع المدني.. متعه الله بالصحة والعافية..

هذه من مهام الفترة الانتقالية..لا بد من قيام هذا المتحف حتى ترتبط ذكرى الإنقاذ الكريهة في عقول الأجيال بالوباء الذي يتعوّذ الناس من تكراره....الله لا كسب الإنقاذ..!

murtadamore@gmail.com

 

آراء