مفاهيم في قواعد أخلاقيات مهنة العمل الصحافي (1- 3)
i.imam@outlook.com
من نافلة القول، الحديث عن أهمية المزاوجة بين المهنية والأكاديمية، وأنهما لا فكاك منهما، ان أردنا صحافة متطورة، تسابق الزمن وليس الزمن يسبقها، كل ذلك من أجل مواكبة المستجدات المتسارعة والتطورات المتلاحقة في الفنون الصحافية التي يشهدها هذا الحقل الحيوي. ولا ينبغي بأية حالٍ من الأحوال، أن تكون الصحافة السودانية بمنأى عنها، لا سيما أن الصحافة تُسهم اسهاماً فاعلاً في تشكيل الراي العام حول قضايا بعينها، تشغل دوائر اهتمام المتلقي للرسالة الاعلامية من الوسائط الصحافية والاعلامية. ورأيت من الضروري، أن نستعرض من حينٍ الى آخر بعض الجوانب الأكاديمية التي تدعم العمل الصحافي، وتعمل على ترقيته، خاصة بين أواسط شباب الصحافيين والصحافيات، المأمول منهم احداث هذه المزاوجة بين المهنية والأكاديمية. وسأستهل هذا العمل بتكريس عُجالات مقبلات حول مفاهيم في قواعد أخلاقيات مهنة العمل الصحافي، وضرورات التزام الصحافي بسلوكيات مهنية في أدائه الصحافي والاعلامي. والتأكيد على بلورة موجهات السلوك المهني للعمل الصحافي ومبادئ أخلاقيات المهنة الصحافية التي ينبغي أن يلتزم بها الصحافيون طواعية لدرء المخاطر التي تواجهها الصحافة السودانية كافة، في الوقت الراهن من بنيها وبناتها قبل الآخرين.
وأحسب أنه من الضروري، تقديم تعريف جامع للأخلاقيات التي نحن هنا بصدد دراستها دراسة علمية. الأخلاقيات جمع لكلمة الأخلاق، وأخلاق جمع لكلمة خلق، والخلق يعني السجية لأن صاحبه قد قدر عليه، الطبيعة أو الطبع. وفي القرآن الكريم "وانك لعلى خلق عظيم"، ومنه خبر عائشة تصف خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما سئلت عن خلقه، "كان خلقه القرآن". وقال عبد القاهر الجرجاني: "الخلق صورة الانسان الباطنة وهي نفسه، وأوصافها ومعانيها المختصة بها حسنة كانت أو قبيحة".
والخلق العادة، يقال للذي ألف شيئا صار له خلقا أي مرن عليه، وفي القرآن الكريم "ان هذا الا خلق الأولين". وفي الحديث النبوي: "خلت القصواء وما ذاك لها بخلق"، وعند عبد الله بن محمد بن زياد بن الأعرابي: "الخلق المروءة".
وفي اللغة الانجليزية تعد كلمة Ethics مأخوذة من الكلمة اليونانية Ethos وتعني الشخصية أو ما يقوم به الفرد الصالج لتكون شخصيته جيدة. ويتم التعامل مع الكلمة بشكل عام على أساس الاختيار بين البدائل الجيدة والسيئة التي تكون أمام الفرد، وبهذا فهي توضح ما نلتزم به وما يجب علينا، وهذه الالتزامات أو المسؤوليات تجاه الآخرين تجعل العالم أفضل.
وقد عرف قاموس ويبستر Webster Dictionary الأخلاقيات بأنها أولا: دراسة مستويات السلوك والأحكام الأخلاقية، وهي ثانيا: النسق الخلقي لشخص محدد أو دين أو جماعة. وبالرغم من ايجاز التعريف الا أنه يمتاز بالتفرقة بين دراسة الأخلاق من جانب، وموضوع هذه الدراسة وهو السلوكيات الأخلاقية من جانب آخر، الا أن التعريف لم يحدد أي قواعد للسلوك ينبغي اتباعها ولا كيفية التعرف عليها، اضافة الى أن التعريف بعيد عن كون الأخلاقيات ضابط لممارسة مهنة معينة. وفي الاطار نفسه، يعرف قاموس أكسفورد Oxford Dictionary كلمة أخلاقيات Ethics بأنها المبادئ الأدبية وقواعد السلوك، وأنها تحمل معنيين، أولهما علم الأخلاق أو الأدب، وثانيهما مضمون وعمق الأخلاق أو الأدب.
واهتم المختصون بالعلوم الانسانيه المختلفه باعطاء أهمية كبري للأخلاقيات المهنية على أساس أن لكل مهنة أخلاقياتها وتأتي في مقدمة هذه المهن، مهنة الصحافه، ولعل مفهوم الاتصال الجماهيري الذي يرتبط بعموم الناس ووسائل الاعلام يعرض بشكل ملح تبني بعض الاخلاق والآداب من طرف المهنيين، في ما يسمى ب"اخلاقات مهنة الصحافة". وتعتبر أخلاقيات الصحافة أحد أفرع الأخلاقيات التطبيقية، وهي تطبيق وتقويم (تقييم) لمبادئ العمل الصحافي مع منح اهتمام خاص لأهم مشاكل المهنة. وتضم أخلاقيات العمل الصحافي، التحليل والتطبيق العملي.
ويمكننا تعريف أخلاقيات مهنة الصحافة بتلك المجموعة من القواعد والمعايير والسلوكيات التي ينضبط لها الصحافي في أداء مهامه الصحافية، حيث تهدف الى التزام الممارس حدوده بالشق الموضوعي دون الانتقال الى التجريح أو التشويه أو الانتقاص من حقوق الآخرين، كما أن المفهوم عرف عبر التاريخ عدة مخاضات شكلت تراكمات جمة في عصرنا الحديث، فمنذ عام 1915 شكل المهنيون الأميركيون في ولاية تكساس أولى مبادئ أخلاقيات المهنة، عن طريق اصدار ميثاق شرف يحكم عمل الصحافي، انطلاقا من حرية التعبير والرآي التي يجب أن يتوخى فيها عدم المساس بالحريه الشخصيه للآخرين، وعدم الخوض في ما يشينهم. ثم تبع هذا الميثاق، ميثاق الشرق السويدي عام 1966، ثم الفرنسي عام 1918، وبعدها تم محاولة الربط بين هذه المبادئ التي تضمنها كل ميثاق علي حده، من خلال بلورتها في مواثيق ذات طابع دولي والاتفاقيات الجماعية.
الأخلاقيات هي"الدراسه النظاميه لما يجب ان تكون عليه المبادئ والأسس المتعلقة بالسلوك المقبول وغير المقبول. وكما أنها ليست مجرد شئ يمارسه الآخرين، ولكنها عبارة عن قيم مدركة يشارك فيها المجتمع كله، فهي عبارة عن العادات والتقاليد التي تسود المجتمع والآخرين والعائلات ووسائل الاعلام والحكومات والمؤسسات". وعرفت دائرة المعارف البريطانيه الأخلاقيات بأنها النظام الموضوع لتوضيح القواعد المتعلقه بممارسة مهنة معينة، بما يحقق مصلحة المجتمع، ويحقق الممارسة الصحيحة لهذه المهنة، ويساعد في تحقيق أهدافها الرشيدة، ويشمل ذلك مواثيق الشرف التي تنظم الممارسة وحدودها بين الصواب والخطأ.
وينبغي الاشارة الى أن ظهور المفاهيم الجديدة في الفكر الليبرالي أدى الى تكوين لجنة هاتشنز Hutchins Committee في الولايات المتحدة الأميركية عام 1947، الى دراسة موضوع حرية الصحافة ومسؤوليتها نحو المجتمع. وقد خرجت هذه اللجنة بتوصيات حول المسؤولية الاجتماعية للصحافة، ويمكن تلخيص هذه التوصيات على النحو الآتي:
(1) اعطاء تقرير شامل وذكي عن الأحداث اليومية.
(2) توضيح قيم وأهداف المجتمع.
(3) أن تعمل على اعتبار الصحافة منبرا لتبادل الآراء والأفكار.
(4) أن تعبر الصحافة عن التيارات والجماعات المختلفة في المجتمع.
وكان لتوصيات لجنة هاتشنز صداها الواسع في العالم الغربي، وزادت من نمو الاحساس بمسؤولية الصحافة نحو المجتمع. ونشأ في بريطانيا على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي مفوضية شكاوي الصحافة Press Complain Commission الذي أوكلت اليه المهام التالية:
(1) التنديد بالأعمال الصحافية التي توصف بالانحراف، وتوجيه اللوم الى هذه الأعمال.
(2) التحقيق في الشكاوي التي يقدمها الجمهور ضد الصحف.
(3) انصاف المظلومين من الصحافيين.
(4) الرد على الشكاوي التي لا تثبت فيها ادانة للصحافة.
ووجد بفضل هذا الوعي الجديد اهتمام أكبر بتدريس طلاب كليات الصحافة والاعلام المبادئ التي تمكنهم من الأداء المهني الرفيع، وبعد أن كان الطلاب يدرسون أن عناصر الخبر هي: القرب والوقت والصراع والأهمية والندرة والشهرة والتغيير والحركة، أصبح من الممكن اضافة عوامل أخرى جديدة مثل الدراما والمغامرة والغموض، ومثل هذه العناصر يمكن أن تساعد في تجويد عمل الصحافيين، الا أنها ربما لا تفيدهم كثيرا في معرفة المعيار الأخلاقي للأخبار.