مفاوضات الدوحة للسلام الضرورة والتحديات (3 ) بقلم: حاج علي
21 February, 2009
" الانفلات الأمني المصاحب "
نختتم سلسلة مقالاتنا هذه التي أصدرناها بهذا العنوان والدوحة تختتم اللقاء الأول لمفاوضات السلام بشأن دارفور والتي انتهت بالتوقيع على ما يعُرف باتفاق النوايا الحسنة والذي يعتبر اتفاق تهدئة تمهيدي لاتفاق شامل سيقره الطرفان ـ حكومة السودان والعدل والمساواة ـ في الأشهر القادمة , وما نحن بصدد مناقشته هو ما سيصاحب هذا الإجراء الثنائي من تصعيد عسكري متوقع في الإقليم المتأجج ستنتهجه الحركات الأخرى المقاتلة وغير الموقعة على هذا الاتفاق , مما لا شك فيه أن هنالك حلقة مفقودة منذ البداية في هذه المفاوضات أو يمكنك القول أنها عدد من الحلقات المفقودة نعني تحديداً بذلك أولاً: عدم إشراك الحركات الأخرى المقاتلة أو عدم توجيه الدعوة إليها بشكل واضح , ثانياً: عدم تمثيل حركة تحرير السودان الموقعة على اتفاق أبوجا ولست أدري إن كان الرفض من جانبها أو بعدم توجيه الدعوة لها , ثالثاً: عدم إشراك دول الجوار ذات الاتصال المباشر بجغرافيا التمرد والمتأثرة به ( شاد تحديداً ) , رابعاً : عدم تمثيل القوى السياسية السودانية ( الأحزاب ) تحديداً تلك التي في المعارضة , ومن المؤكد أن غياب هذه الأطراف كلها أو بعضها له تأثيراته السالبة على المنظورين القريب والبعيد وذلك لِما لها من دورها الفاعل الذي يمكن أن تلعبه في إرساء أي عملية سلام مزمعة , ولعل الدولة الراعية للمفاوضات قد فطنت لذلك ـ لا أقول أخيراً ـ ولكن على الأقل بعد توقيع اتفاق النوايا الحسنة حيث جاء على لسان رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جبر آل ثاني الإشارة إلي دور شاد وحركات دارفور الأخرى وأهمية إشراكهما لضرورة إكمال عملية السلام , كما أنَّ الحركات الأخرى المقاتلة كل قد عَبَرَ بطريقته الخاصة عما يجري في الدوحة , وبنفس الكيفية سيكون للأحزاب كلمتها و لشاد كلمتها والتي ربما كانت في غير ما يخدم عملية السلام وهي التي تعاني معاناة مزدوجة من نيران ما يجري من صراع من حيث أنها مأوى للفارين من جحيم الحرب في دارفور وملاذاً لبعض المقاتلين ومن جهة أخرى فإنَّ نفس الناحية هي قاعدة انطلاق الجبهة المعادية للنظام في أنجمينا , والذي يعنينا هنا من هذا التشابك الإجرائي النظري هو ما سيتمخض عنه عملياً على الأرض : هل بتوقيع الاتفاق النهائي ستضع الحرب أوزارها ويعم السلام ؟ و هل ستلحق الحركات غير الموقِعة بركب القافلة وتبارك الوساطة القطرية وتقول عفا الله عما سلف ؟؟ , وإن حدث ذلك أي لو أن التأم شمل تلك الحركات هل ستكون كلها أم أن بعضها سيتمسك بمواقفه المبدئية ضد هيمنة حزب المؤتمر الوطني بل ويضيف إليه عدواً جديداً هو حركة العدل والمساواة بوصفها قد أصبحت شريكاً في صنع القرار ؟ أم من سيضمن انسلاخ حلفاء كانوا بالأمس جزءاً في الحكومة ؟ وإذا افترضتنا أن شيء من هذا أو ذاك لم يحدث من ذا الذي يجزم بأن لا تَستَفرِخُ حركات جديدة ؟ وخصوصاً إن الواقع الذي يحيط بالشباب الذين نشئوا في المخيمات كله يؤكد ذلك , وحتى لو أن عملت الحكومة على تفتيت تلك المخيمات هل بوسعها أن تفتت أفكار أولئك الفتية ؟ فضلاً عن الانتشار السرطاني للسلاح في ربوع الإقليم الأمر الذي أشارت إليه أكثر من جهة موثوق بقراءتها الإستراتيجية للنزاعات الإقليمية , كل هذه المعطيات التي عددناها وغيرها ربما الكثير لا تمثل واقعاً يدعو إلي التفاؤل في تقديرنا , لكن بالمقابل يمكننا أن نطرح جملة من الأسئلة عسى أن تكون الإجابة عليها بين طيات صفحات السلام القادم : هل أنّ الطريق إلي السلام يبدو مستحيلاً ؟ وهل أنه كلما وَقَعَت إحدى الحركات المقاتلة في دارفور اتفاقاً للسلام وقعت في فخ تجاذب جديد؟ أم هل أننا نتشكك في مقدرة حركة العدل والمساواة في قيادة عملية السلام و إعادة صياغة الخارطة البنيوية اقتصادياً وسياسياً وبالضرورة أمنياً للإقليم المتلظي ؟ , ربما ليس هنالك من أحد يمتلك ـ الآن ـ الإجابات القاطعة عن كل هذه التساؤلات التي عددناها لكن حسبنا أن نشير إلي الحقائق التالية علها تقودنا أو تهدينا إلي بداية الطريق : أولاً : حتماً سيكون هنالك تصاعداً عسكرياً في دارفور قبل وبعد توقيع الاتفاق النهائي أياً كان الذي سيقوده الحركات القائمة أو أخرى ستخرج من تحت سطح الأحداث , ثانياً : حركة العدل والمساواة التي ستدخل الحلبة السياسية الرسمية للدولة تمتلك منهجية متميزة للدولة السودانية , لكن أليس من المحتمل أن تتصادم رؤيتها المثالية تلك بصخرة الواقع الذي يوجِه دفته حزب المؤتمر الوطني ؟ , ثالثاً : بالنسبة للطرف الأول في اتفاق السلام القادم " الحكومة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني " أليس هو نفسه الطرف الذي وَقَّع اتفاق أبوجا و أدعى وقتها أنه قد وقع الاتفاق مع أكبر أطراف النزاع الدارفوري ـ جناح مناوي ـ وأنّ من عداه قُطاع طرق أو عبارات بنفس الدلالة ؟ ثم ماذا ؟ ثم أليست النتيجة هي أن قلب ظهر المجّن لحليف أبوجا وحشره في أضيق الزوَّايا غير مأسوفاً عليه ؟ رابعاً : هذه الحقائق التي نسلط الضوء عليها لا لأجل إشاعة اليأس والقنوط في نفوس القراء ولكن لقناعتنا التامة بأن العقلية التي أنتجت الأزمة ليس بمقدورها أن تتجاوزها إلا بمبضعٍ يستأصلها من جذورها لتنبت مكانها حياة جديدة وهذا في تقديرنا لا يتأتى إلا ببرنامج متكامل تشترك فيه جميع القوى السياسية السودانية بمنهجية واضحة لبناء الدولة بإعادة هيكلتها ومحاسبة كل من أجرم في حق الشعب السوداني عموماً وفي حق مواطني دارفور على وجه أخص وهذا بالطبع لا يتم إلا في ظروف معافاة تسودها ديمقراطية مسنودة بكل الروح الثورية التي تقاتل بها الحركات المسلحة في دارفور الآن , وأعتقد أن حركة العدل والمساواة كانت مرشحة لقيادة هذا الدور بما طرحته من منهج نظري مميز كما أشرنا في مكان آخر بل وما زالت الفرصة أمامها بشرط واحد هو أن تسعى لجمع الصف الدار فوري في إطار واحد بدلاً عن تعميق روح الخلاف التي لا تفضي إلا إلي مزيد من الانفلات الأمني في الإقليم المكتوي أصلاً بجراحه ؟! , أمرٌ أخير نشير إليه حيث أننا وعدنا بمناقشته ضمن التحديات التي ذكرنا أنها ستكتنف عملية السلام القادم ألا وهو موضوع المحكمة الجنائية الدولية والتي من المتوقع أن تصدر قرارها خلال الأسبوع الأخير من فبراير الجاري أو أول مارس على الأكثر , وفي حال صدور القرار بحيث كان قاضياً بالقبض على الرئيس فهذا يعني أنَّ أمور كثيرة سوف تتغير بمعنى أوضح فإن حزب المؤتمر الوطني سوف لن يصمت هكذا كما أتفق وينصب سرادق لتقبُل العزاء بل سيشعلها حربا عاصفةً لا تبقي ولا تذر وهو قد أعد العدة لذلك ومنذ زمن بعيد من حيث الترتيبات الأمنية والعسكرية المتجسدة في مليشياته التي تمت تهيئتها نفسياً ولوجستياً لمجابهة هذا الحدث , وعندها أي عند صدور القرار القاضي بطلب الرئيس سترتفع أصوات كثيرة مستبشرة بذلك ليس شماتةً ولا نكاية بل أنها قد ظُلمت وتبحث عن عدالة , ومن المؤكد أن من بين تلك الأصوات هناك أصوات دار فورية بل هي الغالبة حيث أنها الأكثر نكبةً وأنّ القضية المتعلقة بالرئيس هي قضيتها بالدرجة الأولى , ثم هل لنا أن نتخيل رد الفعل الذي سيقوم به حزب المؤتمر الوطني ؟ هل لنا أن نتخيل الاعتقالات , الاغتيالات وتصفية الحسابات ؟ وهل لنا أن نتصور حجم الانفلات الأمني الذي سيعم أرجاء البلاد ؟ وهنا يبرز السؤال المهم و بتحدٍ صارخ أين هو موقع حركة العدل والمساواة ؟ مع مَنْ ستقاتل ؟ وهي الحليف الملتزم بميثاقه المكتتب وهي التي أعلن زعيمها الدكتور خليل إبراهيم وبكل شجاعة و من داخل طاولة التفاوض في قطر وقوفه مع العدالة ونصح البشير بتسليم نفسه حال صدور القرار ؟؟؟
حاج علي
hajalijuma@yahoo.com