ملاحظات واقتراحات مكررة

 


 

 

في مبتدأ ندوة إسفيرية مساء الثلاثاء 21 مارس/آذار الجاري، طُلب مني أن أقدم ملخصا مركزا بوجهة نظري حول العملية السياسية الجارية في البلاد. ما قدمته كان تكرارا لما ظللت أردده طيلة الأشهر والأسابيع الماضية، وأدغمه في النقاط التالية:
أولا، لا مخرج من الأزمة السياسية الراهنة إلا بتوافق القوى السياسية والمدنية والعسكرية، ومعالجة الخلافات بين مجموعتي الحرية والتغيير، المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، لإزالة الاستقطاب السياسي الحاد في البلاد. والتوافق يعني مشاركة الجميع، بإستثناء حزب المؤتمر الوطني المحلول وعناصر الإنقاذ، في تشكيل أجهزة الفترة الانتقالية وصياغة برامجها.
ثانيا، لا أرى أي أساس موضوعي للخلاف حد التهاتر بين مجموعتي المركزي والكتلة الديمقراطية. فالإتفاق الإطاري ومخرجات ورشة القاهرة، تقريبا متطابقان. لذلك، الخلاف الحاد بين الطرفين، يعزز الشكوك بأن سببه الرئيسي هو الصراع على كراسي السلطة. وهناك بعدٌ آخر يتعلق بتلبية مصالح بعض الأطراف، الداخلية والخارجية، وهي مصالح قد يتعارض بعضها مع مصلحة الوطن. درء هذه الشكوك وتفنيدها لن يتم بمجرد الخطب الرنّانة وإبداء النوايا الطيبة، وإنما عبر إتفاق سياسي جديد يكون محتواه مشبعا بمهام الفترة الانتقالية الممكنة التنفيذ عمليا، تصحيحا لمسارها نحو تحقيق أهداف ثورة ديسمبر/كانون الأول العظيمة.
ثالثا، البعض من قوى الثورة يرفض العملية السياسية بصيغتها الحالية. أرى عدم النظر إلى هولاء باعتبارهم معوقين أو مخربين، بل يُنظر إليهم كمعارضين، ومن حقهم رفض الالتحاق بالعملية والإستمرار في معارضتها ماداموا يلتزمون بقواعد الممارسة السياسية السلمية. لكن، عند تعرض الثورة والوطن لأي هجوم مضاد، فإن الحس الوطني السليم يقول بتوحد المؤيدين والمعارضين للعملية السياسية لصده.
رابعا، أي اتفاق سياسي جديد لن يصمد كثيرا وسيعيد إنتاج الأزمة إذا لم تكن في قمة أولوياته: 1 ـ قضية العدالة والعدالة الانتقالية. 2 ـ دمج قوات الدعم السريع ومقاتلي كل الحركات المسلحة في الجيش السوداني وفق النظم واللوائح المتعارف عليها في القوات المسلحة السودانية. 3 ـ وضع برنامج اقتصادي إسعافي عاجل لتخفيف أعباء المعيشة، وإيقاف التدهور الإقتصادي. 4 ـ كشف وضرب مكامن الفساد في الدولة والمجتمع. 5 ـ مواصلة إزالة تمكين الإنقاذ، في إطار القانون ووفق أحكام القضاء وكفالة حق الإستئناف، وهدفها النهائي هو تحقيق قومية كل أجهزة وهياكل الدولة، المدنية والعسكرية، على أساس الإنتماء للوطن أولا، والكفاءة والنزاهة.
خامسا، أقترح أن تُعطى الأولوية لتشكيل آلية قومية متوافق عليها من كل الأطراف، وتضم ممثلين عن القوى السياسية والمجتمع المدني والقوى الشبابية والعسكريين والشخصيات الوطنية المجمع عليها، وذلك لاختيار قيادة الفترة الانتقالية، رأس الدولة ورئيس الوزراء، ثم تواصل الإطلاع بمهام التشريع والرقابة والمحاسبة. وتشكيل هذه الآلية القومية يعني التخلي عن الصيغة القديمة لتكوين المجلس التشريعي الانتقالي، والتي إتسمت بالمطاولات العقيمة، والاستفادة من الخلل الذي صاحب محاولات تشكيله آنذاك، حيث عمليا كان من الصعوبة، وربما الاستحالة، تشكيله بتلك الطريقة.
سادسا، اختيار قيادة الفترة الانتقالية على أساس التاريخ الوطني والنزيه، والأهلية والكفاءة والقدرة السياسية والتنفيذية، وبعيدا عن أي ترضيات أو محاصصات سياسية. أما قيادات وكوادر الأحزاب والقوى السياسية، فأقترح أن تبتعد عن الجهاز التنفيذي وتكتفي بمراقبة أدائه ومتابعة تنفيذ البرنامج الانتقالي من خلال تواجدها في الآلية القومية المشار إليها أعلاه.
سابعا، تشكيل المفوضيات القومية المستقلة فور بدء الفترة الانتقاليىة، وبالتزامن مع تشكيل رأس الدولة ومجلس الوزراء الانتقاليين.
ثامنا، إنتظام حوار سوداني سوداني عبر مؤتمر مائدة مستديرة، قبل أو مباشرة بعد إختيار رئيس الوزراء الانتقالي، تشارك فيه كل قوى الثورة، من السياسيين والتكنوقراط والمجتمع المدني والعسكريين والشخصيات الوطنية المجمع عليها، بهدف الخروج برؤية موحدة حول المشروع الانتقالي الذي من الممكن أن ينتشل البلاد من أزمتها الراهنة. ويمكن أن يكون المؤتمر بتيسير وتسهيل من الآلية الثلاثية.
تاسعا، ثلاث قضايا يجب وضعها على قمة أولويات البرنامج الانتقالي: 1 ـ مواصلة جهود التوصل لسلام مع الحركة الشعبية شمال على أساس الإتفاق الإطاري الموقع بين البرهان والحلو، ومع حركة تحرير السودان/ عبد الواحد محمد نور. 2 ـ البدء فورا في التحضير للمؤتمر القومي الدستوري حتى ينعقد وينجز أعماله قبل نهاية الفترة الانتقالية. يخاطب المؤتمر جذور الأزمة السودانية، ويخرج بمشروع وطني لإعادة بناء الدولة السودانية وفق ثوابت دستورية عليا مجمع عليها، تكون أساسا لمواد الدستور الدائم. وبحكم المهام التأسيسية التي سيتصدى لها المؤتمر، فإنه في دلالاته سيكون أقرب لأن يختط السودان بتعدد كياناته القومية والعرقية، ومعتقداته الدينية المتعددة وجذوره الثقافية الحضارية المتنوعة، منهجا لحل معضلاته المزمنة كيما يستقر دولة حداثية جديرة بأهله، ورقما ينتزع الاعتراف به في عالم اليوم. 3 ـ التوافق في بدايات الفترة الانتقالية على قانون انتخابات جديد يتجاوز سلبيات التجارب الديمقراطية، ليحقق ممارسة سياسية صحية تستند على صيغة سودانية للديمقراطية التعددية، توائم بين القيم العالمية المطلقة للديمقراطية التعددية والسمات الخاصة ببلادنا، وتربط الديمقراطية بتوفير لقمة العيش ومياه الشرب وخدمات العلاج والتعليم وغير ذلك من الخدمات الأساسية. على أن تبدأ التحضيرات للانتخابات العامة فور إجازة القانون، لتُجرى في نهاية الفترة الانتقالية.
عاشرا، الاستفادة من حوارات ومناقشات الورش التي نُظمت عقب التوقيع على الإتفاق الإطاري، وتضمين نتائجها في البرنامج الانتقالي.
أحد عشر، الإبتعاد عن المحاور في السياسة الخارجية، والعمل على تحسين علاقات السودان، إقليميا ودوليا، وفق مبدأ مصالح السودان أولا وعدم التدخل في شؤون الغير، وإعلاء قيم التكامل الاقتصادي، مع مراعاة خصوصية العلاقة مع دول الجوار الأفريقي، أثيوبيا ومصر ودولة جنوب السودان وتشاد.
إثنا عشر، أقترح أن يشارك رأس الدولة في إدارة السياسة الخارجية وذلك بالتنسيق مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وأن توكل له أيضا مهمة تشكيل المفوضيات القومية المستقلة وفق ما سيقرره الدستور الانتقالي.
نقلا عن القدس العربي

 

آراء