حتى وقت قريب، كانت المعلومة السائدة في وسائط الإعلام ، أن السودان لا يستفيد من( 4) مليارات متر مكعب من حصته في مياه النيل بموجب اتفاقية 1959، قبل أن يصححها وزير الري الأسبق كمال علي محمد ــ ويرفع الفاقد إلى(6 ) مليارات ــ في سجاله والخبير سلمان محمد أحمد مستشار قوانين المياه في البنك الدولي، قبل عامين، حول استخدامات السودان من مياه النيل.
يوم الأربعاء الماضي ــ وفي معرض محاولاته لإظهار حسن نوايا الخرطوم تجاه القاهرة ــ أكد وزير الدولة بوزارة الإعلام ياسر يوسف ، من مقر وكالة أنباء الشرق الأوسط بالعاصمة المصرية ، الرقم الأخير بقوله"نحن حسب الاتفاقيات حصتنا من مياه النيل (18.5) مليار متر مكعب نستهلك منها فقط (12.4) مليار متر مكعب، ولم نذكر هذه الحقيقة فى وسائل الإعلام قبل ذلك".
في اليوم ذاته ، خفض وزير الموارد المائية والكهرباء معتز موسى ــ من داخل البرلمان وعلى بعد أمتار من ملتقى النيلين ــ الكمية المهدرة من حصتنا إلى 5 مليارات متر مكعب ، مؤكداً أن "السودان لم يستفد حتى الآن إلا من( 13.5) مليار متر مكعب" من حصته المعروفة، جازماً " لن نتنازل عن متر واحد ــ وفي رواية أخرى قطرة ــ من حقنا وليس من حق أية دولة أن تمنع السودان من استغلال حقه". وذهب إلى أن "الحكومة تعمل على بناء السدود الكافية لتمكنها من استغلال حصتها كاملة من مياه النيل".
ومع تضارب الأرقام ــ الذي يشي بأننا لا نعرف مقدار ثرواتنا (السائلة) دعك أن نخطط لاستغلالها بالصورة المثلى ــ فالثابت أن هناك ما بين( 5 ـ 6 )مليارات متر مكعب مهدرة سنوياً، وما بين (275 ـ 330) ملياراً، لم يستفد منها السودان منذ توقيع الاتفاقية قبل 55 عاماً ، ولا يعرف على وجه الدقة ، إن كنا سنستفيد منها مستقبلاً أم لا؟ في ظل الإفادات المتضاربة للمستشار والوزير السابق، ففي حين يذهب الأول ــ في السجال المشار إليه ــ إلى أن هذه الكميات عبرت حدود السودان وذهبت إلى مصر، يؤكد الثاني على أن هذه الكميات لا تذهب إلى مصر ، وأن الحديث عن أنها أصبحت أو ستصبح حقاً مكتسباً غير وارد ، لأن جزءاً من حصة مصر من مياه النيل ينساب إلى البحر.
ويعيدنا تسليط الضوء على مليارات الأمتار المكعبة المهدرة من المياه ، إلى اجترار الحديث عن إمكانيات السودان المهدرة وثرواته الكامنة والظاهرة ، التي جعلت دبلوماسياً عربياً يهمس في أذن أحد رؤساء التحرير "سيجازي الله السودانيين خيراً كثيراً، لسبب بسيط ومدهش، وهو أنهم من فرط أمانتهم، سيعيدون إليه كل الثروات التي منحها لهم في باطن الأرض وظاهرها، كاملة وسالمة دون أن يأخذوا منها شيئاً".
واقع الحال أن ماهمس به الدبلوماسي العربي في الخرطوم ، يكاد يكون رأياً عاماً ، يجاهر به الأشقاء العرب أحياناً ويلمحون في أحايين أخرى، إلى عجز السودان عن استغلال موارده الهائلة ، التي جعلت منظمة الأغذية والزراعة العالمية ( الفاو) ترشحه في العام 1974 لسد نقص الغذاء عالمياً مع كندا وأستراليا ، فإذا بنا ــ بعد 40 عاماً من عمر التقرير الأممي ــ نستورد غذاءنا ونعاني بين الفينة والأخرى من فجوات غذائية، ونحن المرشحين لسد فجوة الغذاء عالمياً!! وتطل صفوف الخبز من حين لآخر على امتداد البلاد، ونستورد 1.920 طناً من القمح بما يعادل قرابة المليار دولار ــ حسب رئـيس غرفة الصادر ــ ولا ننتج سوى (280) ألف طن من استهلاكنا ، رغم تمزيق الحكومة لفاتورة القمح مطلع التسعينيات، ورفعها شعار "نأكل مما نزرع"، ويتجلى عجزنا في أوضح صورة ،عندما نعرف من وزير الدولة للزراعة أن صادرات القطاع الزراعي في التسعة أشهر الماضية من العام الحالي ، لا تتجاوز 437 مليون دولار، وهو رقم لا يتناسب مع بلد يرقد على 175 مليون فدان صالحة للزراعة ( بعد انفصال الجنوب) ، وفي رواية أخرى تصلح جميع أراضيه للزراعة ما عدا مراقد المياه ، ولا يستغل منها إلا 50 مليون فدان ، أكثر من 70% منها في القطاع المطري.
وغني عن البيان ، أن عدم استفادتنا من كامل حصتنا في مياه النيل، قد تضعف موقفنا التفاوضي في أية قسمة جديدة لمياه النيل، في ظل تذمر دول حوض النيل من اتفاقية 1959 .
abahmed2001@hotmail.com