ممنوع التحدث مع السائق … بقلم: مجدي الجزولي

 


 

 

فينيق

 

Magdi Elgizouli [m.elgizouli@gmail.com]

من أخذته أرجله أمس الأول إلى موقف المواصلات "الجديد" عايش بالمباشرة "الغرق في شبر موية"، فساحة الموقف لعيب هيكلي فيها غدت بحيرة طامحة بأثر المطر الذي هطل على الخرطوم بعيد المغرب، على غاشيها أن يطوي ما يستره إلى منتصف الساق ويحمل أحذيته في يديه لبلوغ "الحافلات" المنشودة. هذا والموقف يتبختر بجدة ملونة، أكشاك منظمة حصرية الملكية إلا لأهل "العطاء" وساحة ممنوعة عن الباعة الجوالة، تشهد على نظامها صور السيد الرئيس المنصوبة بـ"التوالي". جدة أفسدتها مياه الأمطار ما اضطر القائمين عليها لتأجير ناقلات مزودة بموتورات تسحب المياه الآسنة من الأرض الأسفلت غير ذات المجاري.

لكن، أليس في آسن مياه الموقف درس سياسي، فهو صورة للفترة الانتقالية، مرتبة ومفصلة على ورق الاتفاقيات، وجديدة المؤسسات والهياكل، لجان مشتركة ومفوضيات حصرية العضوية – مؤتمر وطني وحركة شعبية، إلا أن عيبا هيكليا فيها يجعلها مستنقعا يفسد الانتقال على عابريه. هذا وصور المشير معلقة على أعمدة طوال بعيدة عن "درش" الأرض وسخامها تشع بضوء النيون الصناعي قد غسلتها مياه التكرار مما علق بها من غبار العهد مطلية البطن والظهر تبحلق في "العوام" بما بين الابتسامة والتكشيرة دون أفق للزوال. من يصف لصاحبه محلا للانتظار يشير إليه بالاتكاء على عمود الصورة بعد العشرين.

إذا سألت مهندسا محترفا صاحب نظر في عمران المدن عن مثالب الموقف الجديد ومطلوبات إصلاحه لنبهك إلى انخفاض أرضه وضيق مخارجه وازدحام تصميمه، ولنصح ربما بكباري تطير أو شوارع جديدة أو أساس أعلى مقاما. وإن كان ثوريا قد يقترح تصفيته وإعادة انشاء موقف آخر في بقعة أكثر اتساعا ذات منافذ أرحب ومخارج أوسع. وإن كان ممن يعرفون حق العموم قد يشير بضرورة "شيوع" ملكية منافعه وطرح فرصه لخلق الله دون تمييز فهو مرتب لخدمتهم لا لاستغلالهم. أما عن صور المشير فلا أدري أي مصير يختار لها أيتركها في سماءها تطل على خلاء مهجور أم يفكك زجاجها ونيونها لنفع عام أم يخزنها لعبرة ودرس. قبل ذلك كله لدبر لآسن الماء تصريفا أسرع من سحب بليل. ألسنا مرة أخرى أمام صورة الفترة الانتقالية، من يعبرها أصالة جمع السودانيين، فإن كانت غير رفيقة بالمستخدمين وجب تأهيلها بإرادتهم. أما المصمم والمقاول والمنفذ فأمرهم "حساب ولد" إن عجزوا وجب استبدالهم، وإن أساءوا وجبت محاسبتهم لا يعفيهم الاحتجاج ببيوت الخبرة الأجنبية والعمالة المستوردة.

في السنة دعاء عند السفر منه "اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل"، يصح كما هو على الفترة الانتقالية، وشعبنا لم يدفع نصف قيمة بل قيمة ونصف "راكب بحقو"، لن تسكته عبارة "ممنوع التحدث مع السائق".

24/08/09    

 

آراء