أبو الطيب المتنبي (1) أهو الضابط من الدفعة (18) الذي رقى نفسه حتى صار مُشيراً ولم يخض حرباً؟ أهو الضابط الذي يلاحقه شباب الثورة التي تقول " سلمية " حتى يغيب عن الصورة نهائياً؟ أوردت سيرة " الغول" في سِفر ( السيف والطغاة ) وهو كتاب ممنوع دخوله السودان، لأن شباب الثورة سيقرؤونه دون شك ويعرفون القصة البئيسة المحزنة؟
نرجع إلى الملف من مصدره، فأذكياء شباب الثورة سوف يعلمون كل شيء:
(2) أورد العميد أح ( معاش) "السر أحمد سعيد " نصاً توثيقياً خطيراً عن حادثة رهيبة. هو العميد (أح) الذي أحيل للصالح العام 1995، وقد أورد التوثيق ضمن سفره الأول( السيف والطغاة - القوات المسلحة السودانية والسياسة- في دراسة تحليلية 1971- 1995 ). ناشر السِفر: الشركة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع. الطبعة الأولى 2008 – ص ( 272- 273-274 ):
النص التوثيقي المقتبس : أولاً: إذا سمح حزب من الأحزاب السياسية لنفسه أن يخترق قواعد القوات المسلحة ويقوم بالتجنيد وسط الضباط والرتب الأخرى، فإن عليه أن يتوقع أن يحدث له أيضاً من الآخرين، أي الأحزاب الأخرى، ولا يحق له أن يمنعهم. إذ أن الأمر هذا بمنتهى البساطة تطبيق لقانون. لكل فعل رد مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه. ولنتصور أن القوات المسلحة أصبحت موزعة ومشتتة الولاءات بين التنظيمات السياسية والعقائدية، ألا يعني ذلك دعوة صريحة لحرب أهلية؟
ثانياً: إن الضابط - أي ضابط – متى ما تم تجنيده سيعيش حياة مزدوجة بين ضباطه وأفراده وزملائه، إذ أنه سيكون موزع الولاء ومشتت التفكير، وسيمارس نفاقاً لا حد له لكي لا ينكشف أمره. وكلما تدرّج في الرتب إلى أعلى، كلما ازداد توغلاً في ذلك السلوك، وسيمتد تأثيره للأفراد الآخرين حينما يحاول منعهم من التجنيد، خاصة أولئك الين يختلف معهم. وقد حدث أن كان بعض الضباط يبلّغ عن الآخرين ويراقبهم لمجرد شعوره أن لديهم تنظيم حزبي أو ربما بتوجيهات من قيادة حزبه ليفعل ذلك. وإذا أصبح الضابط المجند قائداً في منطقة منفصلة، أو كان عليه إدارة أو قيادة إحدى القيادات والتشكيلات، فإن ولاؤه الحزبي هو الذي سيملي عليه كيفية قيادته لضباطه، وحتى التقارير السرّية السنوية سيكتبها لهم وفق توجهاته الحزبية.
لقد كان من الثابت والمعلوم لدى قطاع عريض من ضباط القوات المسلحة، والمؤكد تماماً لدى عدد من ضباط إدارة الاستخبارات العسكرية، الذين كانوا يعملون في مجال الأمن خلال الثمانينات أن الضابط " عمر حسن أحمد البشير"، هو أحد كوادر الإخوان المسلمين، ثم الجبهة الإسلامية. وقد رُفعت تقارير عديدة بذلك. كان ذلك أيضاً معلوماً لبعض أعضاء هيئة القيادة داخل القوات المسلحة. وقد اعترف هو بنفسه بذلك في حديث لإحدى الدوريات العربية، ثم عاد وأكد بصورة وكأنه يفتخر بذلك بعد قرارات 4 رمضان 1999م. حينما انكشف أمره خلال النصف الثاني من الثمانينات، خاصة بعد الانتفاضة وفي سنوات الديمقراطية الثالثة، قررت هيئة القيادة آنذاك لظروف وأسباب غير معروفة، أن يتم نقله إلى خارج الخرطوم. وتم نقله إلى قيادة اللواء الثامن مشاه، الذي كان يعمل في منطقة جنوب كردفان و"المجلد". وهناك أقاويل عديدة إلى أنه كان تحت حماية أحد أعضاء هيئة القيادة آنذاك. إن عملية الإبعاد تلك، لم تكن سوى ترتيب خاص، حتى يتم الإعداد للانقلاب في يونيو حزيران 1989م، وأن ذلك النقل كفل له حرية الحركة باعتبار أنه قائد لواء، فيمكنه الحضور للخرطوم وقتما يشاء، وفي نفس الوقت توفر له أن يكون بعيداً عن المراقبة. على أي حال تحتاج هذه الجزئية لمزيد من التحقيق والتحري، والمهم في الأمر أن ما حدث قد حدث.. ولا تفسير سوى أن أصابع الجبهة كانت وراء ذلك، أي أنها قامت بإقناع أو اختراق بعض أعضاء هيئة القيادة لعمل تلك الترتيبات. لكنني على يقين أن الجبهة القومية الإسلامية قد عرفت منْ تختار، ووجدوا ضالتهم في الضابط الذي يمكن أن يحقق لهم سياستهم كاملة، حينما يتولى منصب القائد العام ومنصب القائد الأعلى.
(3) ونواصل الاقتباس: ويؤكد ذلك حادثة غريبة وقعت في منطقة " المجلد" في العام 1987م، كان بطلها الأوحد " العميد الركن " عمر حسن أحمد البشير"، وهي أنه أثناء حضوره حفل زواج في منطقة " المجلد"، وأثناء الغناء والطرب، نزل العميد إلى ساحة الرقص وهو يحمل بندقية " كلاشنكوف"، وراح يهزها بيمناه عالياً، ووسط ذلك الزحام وفي غمرة الابتهاج ذلك، انطلقت رصاصة من البندقية التي كان يحملها، واستقرت في صدر إحدى الفتيات اللائي حضرن للاحتفاء، وفاضت روح البنت المسكينة ، وفُتح بلاغ ضد سعادة العميد!!!! بعد ذلك تدخلت الأجاويد، وتم شطب البلاغ ، وتمت تسوية الديّة، واعتبر الأمر قضاء وقدراً .وانتهى الأمر على ذلك النحو ولم يظهر بعد ذلك أبداً !!!!
المثير في الموضوع هو أن القيادة العامة التي كان يتبع لها اللواء الثامن مباشرة، وبالتالي قائده العميد " عمر حسن " لم تخذ إجراء حيال تلك القضية، وكأنها لم تعلم بها أو تسمع بها أبداً، رغم أن الحادث قتل، وأن المتسبب فيه ضابط برتبة العميد!!!! إن مثل هذا التصرف الأخرق، أقل ما يمكن أن يعاقب به صاحبه هو الإبعاد من الخدمة، ولكن من سخريات الزمن ومن بدع العالم الثالث، أن يظل ذلك العميد (الأشتر) في الخدمة في صفوف القوات المسلحة، بل ويصبح قائداً عاماً وقائداً أعلى لها!!!!
(4) نواصل الاقتباس: في رأيي أن الجبهة القومية الإسلامية قامت بالتغطية اللازمة من خلال بعض القادة داخل القيادة العامة، ومن ثم نجحت في توصيل عميلها العميد " عمر حسن" إلى منصب القائد العام ، صاحب السلطات المطلقة، ليصبح بعد ذلك أداة طيّعة في يدها، وينفذ لها ما تريده بحذافيره بأسلوب أدهش حتى قادة الجبهة أنفسهم، والأمثلة على ذلك:
أولاً: كيف نفسر إعدام الضباط الـ 28 في حركة رمضان، بلا محاكمات ولمجرد محاولة انقلاب، لم تنجح ولم يقتل فيها فرد. ثانياً: كيف نفسر إبعاد الآلاف من الضباط إلى المعاش وتشريدهم وإذلالهم، ومعظمهم في سن (30-40) سنة. ثالثاً: كيف نفسر إحالة عشرات من الضباط القادة ذوي الكفاءات المقدرة، والأخلاق الرفيعة والشخصيات القوية، من أمثال اللواء الركن مهندس "أحمد النميري عبدالرحمن"، اللواء الركن " عبدالله عثمان"، اللواء الركن " الطيب حامد" ، اللواء الركن " إبراهيم الرشيد".... وأعتذر للكثيرين الذين لا يسع المجال لذكرهم، وقد ذكرت هؤلاء لأن المقارنة تستحيل بينهم وبين القادة الحاليين، خاصة أنهم الأقرب إليهم في الأقدمية العسكرية. رابعاً: كيف نفسر إحالة وإبعاد ضباط صغار برتبة الملازم والنقيب وهم لا يزالون في العشرينات من أعمارهم، وقد صرفت الدولة عليهم ما صرفت، ولم تتعد خدمة بعضهم (2-3) سنوات فقط. خامساً: كيف نفسر الإذلال المتعمد للضباط بالمعاش، ويطالبون عند سفرهم للخارج بتقديم شهادة مخالصة من التجنيد الإجباري ( صغار الضباط) وقد تم إبعادهم من الخدمة ويحملون أوراقاً من القيادة العامة تثبت أنهم قد عملوا كضباط في القوات المسلحة. سادساً: كيف نفسر الإذلال المتعمد للضبط الذين يحالون للمعاش والذين تتم ملاحقتهم ومتابعتهم ، وتُحصى كل تحركاتهم وسكناتهم، وإذا أراد أحدهم السفر مثلاً ( لأداء عمرة للأراضي المقدسة ) تمنع عنه تأشيرة الخروج، ويطلب منه ملء إرانيك وبيانات لمعرفة أين سينزل في المملكة العربية السعودية، ومتى يرجع؟ كل ذلك دون سند قانوني أو تشريع. سابعاً: كيف نفسر إبعاد وإحالة الضباط، الذين كانوا مع قادة القوات التي دخلت " توريت" في 13 يوليو تموز 1992م، ثم أحيلوا للمعاش وهم داخل " توريت"، ولم يصبروا عليهم حتى يعودا للشمال. انتهى النص التوثيقي المقتبس.
(5) ماذا نفعل مع المتأسلمين، الذين شبّوا بجهالتهم؟ لقد صبر الشعب السوداني الطيّب ثلاثة عقود، عاس فيها الجهلة تشريداً للكفاءات، وهدماً لمشاريع الدولة وسرقة و فساداً ورشوة. وباعوا كل الذي بين أيديهم، كأن الدولة والبشر فيئاً، يستمتعون بتفريقه بين بعضهم. من المهم كشف الحقائق الغائبة، والتي تكشف المقدرة الحقيقية لأعضاء الإخوان المسلمين. وضعف كفاءتهم وخفة عقولهم.
(6) نبذة قصيرة عن العميد (أح) السر أحمد سعيد : 1. هومن خريجي الدفعة (23) في الكلية الحربية السودانية، وقد ألحقت الدفعة كجزء من التدريب بكلية القوات المسلحة بمصر للتدريب. 2. تلقى درجة (أح) من كلية القادة والأركان بالسودان. 3.ابتُعث لتقى دراسات عليا في العلوم العسكرية بدولة باكستان. 4. تسلم قيادة مدرسة المشاة. 5. عمل في القوات العسكرية التي أقامتها الجامعة العربية في جنوب لبنان. 6. عمل في جنوب السودان عدة سنوات، وهو من أبطال معركة " جبل بوما" التي تم فيها تحرير أجانب مُحتجزين لدى الجيش الشعبي. 7. أحيل للمعاش في العام 1995م. 8.أهم أسفاره التوثيقية عن القوات المسلحة السودانية: ( السيف والطغاة)،( السودان نحو الجمهورية الثانية – دعوة لتأسيس جيوبوليتكا للسودان النيلي). 9. عمل خبيراً في إحدى الدول العربية، ومدرساً في الكلية العليا للعلوم العسكرية ( 1995-2017) وبعدها أحيل للتقاعد لبلوغه السن.