من أجل صنع وبناء السلام بيننا

 


 

 

كنت على يقين بأن أتفاق سلام جوبا واهي ولا يخدم القضايا الأساسية للحرب في دارفور وجنوب النيل الأزرق والشرق ولا يحقق لأهل الشمال أي نصر جديد في وضعيتهم التي تتمثل بالنخبة الحاكمة منذ الاستقلال وإدارة الموارد و صاغية نهضة شاملة ذات مشروع سياسي بمعايير تحمي مصالحهم الحالية دون انهيار الدولة ولكن جاء بمساراتها السبع غاية في مجاملة حملة السلاح وقصد منه تميع قضية هذه المناطق بمنحهم مناصب ومكاسب مالية دون الاشتراط عليهم بالتحول في البداية إلى كيانات سياسية مدنية كأحد متطلبات الانتقال الديمقراطي ومن المضحك أنهم يسمون سلوكهم وتمترسهم خلف هذا الاتفاق بالكتلة الديمقراطية والمعلوم عنهم أنهم لا يمارسون هذه الديمقراطية داخل حركتهم بل يبقي القائد قائد مدى العمر ويظل الاتكاء على القبلية هو رأس الرمح في الحشد والخطاب السياسي ويغيب المشروع السياسي الذي يخدم أهل هذه المناطق
ومن المفترض أن يركزوا على ثلاثة قضايا مهمة وهي خلق الوعي والفهم السليم لأهمية السلام والعمل القاعدي على مستوى المجتمع، بهدف جعل الناس يدركون قيمة السلام والعمل الوطني لبناء السلام غير أن الإشكالية الكبرى التي تواجه قادة الحركات والمليشيات تكمن في النهج القائم على القبيلة والبعد الاثني والعرق ، والتي لا تستند إلى قواعد منطقية ولا أنسانية دون الاستناد إلى دستور أنشاء كل حركة من هذه الحركات ، ولقد أسست هذه الجماعات لنزعة عرقية خطيرة لدرجة انتشار عمليات القتل والتطهير بناء على الهوية القبلية
وقد يبدو الأمر في ظاهره أنه صراع على الثروة وتحديدا الذهب بين العرب والزرقة ومع ذلك، أصبح من الواضح أن الهوية العرقية قد تم استغلالها على نطاق واسع للتعبئة من جانب الأطراف المتصارعة كافة, والتي تنطوي في بعض الأحيان على عنف مميت. وعليه فإن الأسباب الجذرية وديناميكيات الصراع العرقي في دارفور تبدو بالغة التعقيد والضبابية ومع ذلك، يمكن أن تساعد الأساليب الحوارية وقوانين القبائل لصنع وبناء السلام في إزالة الغموض عن الصراع ومن خلال بناء تحالف سلام وطني، لاسيما في مناطق الدجو والابله والفلاته ، يمكن تمهيد الطريق لتسوية دائمة وبناء سلام على أسس توافقية تشمل الجميع على قاعدة المساواة في المواطنة والحقوق ,ولكن علينا هنا أن نذكر الاستعانة بالقبائل الحدودية في هذا الصراع الذي أفضي نزوح رهيب من أجل أقامة مجتمعات لتوطين لهذه الجماعات الوافدة عن طريق سياسة الترويع والتهجير القسري والقتل بالهوية القبلية أن الطبيعة العنيفة والتوسعية لمليشيات الجنجويد هي أساس المخاوف بالنسبة للقبائل والإثنيات [zh1] المهمشة في دارفور الآن وهي لازالت ذات وضعية عسكرية على الأرض أقوي من كافة الحركات لذلك نجد الصراع الآن ينقلب لصالحهم في ظل غياب الدولة وسياسة غض الطرف عن التصفية العرقية من قيادات الأجهزة الأمنية الحالية لأسباب أهمها أفشل دور الحركات في الحياة العامة وسط المؤيدين لهم
أن التحديات جسام في هذا الإطار، ويمكن ملاحظة عدة تحديات أمام عملية السلام، والتي تقف خلف الاحتجاجات المناهضة لحكومة الانقلاب والتي تصل إلى حد حمل السلاح بالرغم من مناصرة الحركات المسلحة للانقلاب ظنا منهم بأن تحقيق السلام من خلال المشاركة في السلطة المطلقة يمكن ومنال المناصب أضحي واقع
أن قضية الموارد المتنافس عليها، تعد مسألة مركزية ولها معنى مهم لأجيال من النخب السياسية القومية. فعلى سبيل المثال حميتي هو الذي يهيمن على الأرض ، وكذلك وضع شعب دارفور بشكل عام
أن السياسات الإقصائية للأنظمة المتعاقبة، والتي أدت إلى ظهور حركات إثنية مسلحة على باعتبارهم المجموعات العرقية الأكثر عدداً في مناطق النزاعات ومع ذلك، على الرغم من التوحيد الظاهر لبعض الحركات خلال فإن الاختلافات بين مختلف الحركات والأحزاب السياسية، مثل حركة تحرير السودان والعدل والمساواة تُظهر أنه عندما يتعلق الأمر بالسياسة، لا توجد أجندة موحدة من شأنها توحيد الفصائل المختلفة في الصراع الدارفوري
لبس لهم تأثر الحراك القومي وذلك لوجود عنصرية في الطرح وخلافات فكرية أعمق، بين النخب المقيمة في الخارج والنخب السياسية والفكرية في الداخل ومن الواضح أن الجهات الفاعلة المختلفة لديها مقاربات مختلفة لمفهوم الهوية العرقية الغير المنصوص عليها في كافة دساتير السودان
إن الصراع بين الحكومة الفيدرالية ومقاتلي الحركات وأن كان بالنسبة لموقعي أتفاق جوبا سياسي وغيرهم من الجماعات التي تحمل السلاح في وجه الدولة، لم يحدث أي تغيير على واقع الحال في دارفور , إن بناء السلام المستدام يحتاج إلى رؤية شاملة وتنسيق جيد بين كافة القوي السياسية ممكن إذا توافرت الرغبة والإرادة السياسية لدى كل الأطراف الفاعلة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين في مناطق الصراع كلها ، لاسيما وأقاليم الجوار التي قبائل حدودية ، بما في ذلك النخبة و وسائل الإعلام والذين في بلاد المهجر و يجب أيضاً إشراك المفكرين ورجال الأعمال والأحزاب لأنهم قاموا بدور مهم في تحالفات الحرب الأهلية بين الأطراف المتصارعة لكي تنتصر أدارة أهل هذه المناطق
أن ممارسة قادة الحركات المسلحة والمليشيات في هذه الفترة تؤكد خلو عقلهم عن هموم وقضايا أهل مناطق النزاع بدليل أعداد القتلى والفوضى المسلحة التي بهذه المناطق بل هم جزء أصيل منها ولا يمكن نلقي اللوم علي الجنجويد وننادي بنزع سلاحهم والأخرين لديهم السلاح ويمارسون القتل والنهب في مناطق خارج دائرة الصراع بل الآن نجد خطاب الكراهية السائد في الطرح الإعلامي لهم وخير دليل زيارة وزير مالية الانقلاب القيادي بالعدل والمساواة للكنابي وما قال هناك
أن حالة الاستقطاب المجتمعي، التي أصبحت تسيطر على مناطق النزاعات بعد الأحداث الدامية ، حيث باتت سمات الانشقاق والانقسام تسيطر على المناخ السائد وتجعل الرأي العام أكثر قبولاً لتبني مقولات تفسيرية تلقي باللائمة على الآخر، لاسيما إذا كان في المعسكر المضاد، ما يجعل الخطاب التبريري الذي تتبناه بعض الحكومات ويُعاد إنتاجه عبر وسائل تمتلكها أو تتحالف معها بشكل مباشر أو غير مباشر أكثر قبولاً لدى الفريق المؤيد للحكومة حتى وإن تضمن الأمر مهاجمة ضحايا أو حتى قتلى فقدوا أرواحهم ونجد الحركات مشاركة في هذا الطرح المفضي للفتنة المسلحة الأكثر عنفا وانتشار
ونجد تصاعد مخاوف الانهيار، إذ إن حالة الاضطراب العام التي شهدتها هذه المناطق، خلقت حالة من الهلع العام حال الاعتراض أو الانتقاد أو المطالبة بالتغيير وباتت تلك المخاوف تدفع الجمهور العام إلى تقبل السيئ خوفاً من الأسوأ، والسكوت عن الذرائع الحكومية بل والدفاع عنها خوفاً من مصير مظلم وهي الفوضى المسلحة الشاملة
أن غياب المعلومات، التي تفنيد المقولات الحكومية وتدحض تبريرات المسؤولين والدفاع عن حقوق الضحايا يتطلب معلومات كافية عن حجم الكارثة أو الأزمة وأبعادها وسوابقها ومدى وجود أو غياب خطط مسبقة لمواجهتها، وغيرها من البيانات اللازمة للرد بالنقد والتفنيد
وعلى الرغم من تلك العوامل التي تحفز انتشار الخطاب الذرائعي لتبرير سوء تعامل بعض الحكومة مع الأزمات، فإن التجربة أثبتت بدائية مثل هذه الأساليب وفشلها، بل وإثارتها رأياً عاماً مضاداً غاضباً، خاصةً مع انتشار وسائط الإعلام الجديد التي ساهمت في خلق مساحات للنقاش المجتمعي البديل بعيداً عن عوامل الملكية والانتماء التي تحدد سياسة وخطاب وسائل الإعلام التقليدية والمؤسسية وتدفع بالترويج لخطاب لوم الضحايا وإعادة إنتاج مقولاته أنها مؤامرة إقليمية تخدم أجندة دولية
لعل مسألة الترتيبات الأمنية، ولا سيما نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، يمثل الجانب الأصعب العصيّ على التنفيذ في اتفاق سلام جوبا وربما يتعين على مخططي البرامج والمسؤولين عن التنفيذ ضرورة تحدي المقاربات السائدة حاليًا، من خلال التشخيص السليم بيئة ما بعد الصراع ، جنبًا إلى جنب مع التنفيذ مشروع القوات المشتركة، مع الرصد والتقييم وكلها أمور ضرورية لتحقيق نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الفني الناجح لقد ظهرت مؤلفات كثيرة على مدى العقدين الماضيين لوصف الدروس المستفادة، وأفضل الممارسات في نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج, وقد قام البنك الدولي بجهدٍ كبيرٍ في أعقاب عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج الناجحة في إفريقيا وبحلول أواخر التسعينيات، أنشأت إدارة عمليات حفظ السلام وحدة أفضل الممارسات، وبدأت مع معاهد التدريب والبحث في جميع أنحاء العالم في إعداد كتيبات عن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وتحقيق ما يكون استقرار مدعوم بالمتابعة والتصحيح المستمر وبالفعل أقرّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وإدارة عمليات حفظ السلام مجموعة من المبادئ التوجيهية، ومعايير نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج المتكاملة، لضمان تحسين التنسيق والاتساق بين وكالات الأمم المتحدة
ويكمن التحدي الأكبر الذي تعكسه الخبرة السودانية هو أن الجماعات المسلحة الموقِّعة على اتفاق السلام تعمد إلى تضخيم عدد أفرادها، والسعي نحو تجنيد المزيد من الأفراد في صفوفها، وذلك لتحقيق أهداف ثلاثة, أولًا المطالبة بحصة أكبر من المناصب داخل الأجهزة الأمنية، والتي يرون أنها حق مشروع لهم بعد أن كانت تهيمن عليها تقليديًا النخب النهرية (من الشمال والوسط) وقد نص اتفاق أكتوبر للسلام على استيعاب الجماعات المسلحة، إما في أجهزة المؤسسة العسكرية (الشرطة والمخابرات العامة والقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية)، أو نزع سلاحها وتسريحها وإعادة دمجها في الحياة المدنية. ثانيًا كلما زاد عدد مقاتلي الجماعات المسلحة زادت مكاسبهم النقدية والمادية التي سوف يحصلون عليها عن طريق المشاركة في عملية التسريح والدمج وأخيرًا يُعد التجنيد وسيلة للجماعات المسلحة للتأكد من أن لديها مخزونًا احتياطيًّا دائمًا في متناول اليد إذا انهار الانتقال السلمي في السودان وهذا الامر مرفوض
ونتيجة لذلك، قد ينشأ عددٌ من المخاطر من عمليات التسريح والإدماج من حيث الكلفة المالية، إذا تضخّمت الأجهزة الأمنية بعد استيعاب المزيد من المقاتلين السابقين، فإن الميزانية العامة لن تستطيع مواجهة ضغوط الإنفاق على الخدمات العامة الأخرى وربما يُساهم عدم تقديم هذه الخدمات في إثارة حالة من الاضطراب العام، وهو ما يحدث الان وقد يعرض الانتقال الديمقراطي للخطر بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الأجهزة الأمنية أكبر عددًا وأكثر قوة، و من الصعب على الحكومة المدنية إجراء إصلاحات في القطاع الأمني بشكل يكبح جماح مصالح منظومتها المالية وشركاتها والتي تشمل السيطرة على العديد من المجالات الحيوية ولها تأثير علي الأوضاع الاقتصادية
ولعل من أبرز المخاطر الكبرى المرتبطة بتزايد حجم الجماعات المسلحة وعسكرة المجتمعات المحلية ووجودها في المدن الكبرى، أنه يمثل حالة لتأخير أو فشل برامج التسريح، فقد يفقد قادة التمرد سيطرتهم على قواتهم المتضخمة من حيث العدد والعتاد، وهو ما يشكل تهديدًا محتملًا في المستقبل إذا انهار الاتفاق, ربما يكون التهديد حادًا بشكل خاص في دارفور كما رأينا في الأحداث الدامية التي وقعت ، بسبب انتهاء تفويض (يوناميد)، مما يعني عدم وجود آلية رئيسية لمنع وردع العنف وبالرغم تشكيل قوة أمن دارفور المشتركة التي نص عليها اتفاق السلام لا تزال الأوضاع في الإقليم مضطربة.
________________________________________
[zh1]

zuhairosman9@gmail.com

 

آراء