وازدَرَيتُم كلِّ ما تَقَدّمنا بِهِ لإصلاحِ الأجهزة الأمنية

 


 

 

مشهدٌ أوّل مؤلِم :
فيديو مُصَوّر من بُعد. شارعٌ يَغلُبُ عليهِ الهَرَج الناتجُ عن قُوّاتٍ في أزياءٍ مختلفه أساسُها الكاكي الرسمي ومسمياتُها مختلفه. كانوا يغُذّون السير وبعضهم يُهرول والبعض يتكدّسون في بكاسي تُذَكّرُ بما كُنّا نراهُ في صحاري دارفور. يغلُبُ على الجميع الهرجله ولا علاقةَ للمشهد بأي توصيف يمكن أن يجمَعَهُ بكلمة ( نظاميّه ) أو ( إنضباط ) فهو فقط يُذَكّرُ بقواتٍ في حالةِ إنسحابٍ عشوائي إثر تلقيها لهزيمةٍ مُرّه. سياره مدنيه تعامل معها بعض الأفراد وذهبوا في طريقهم وعند وصول فوجٌ آخر يظهَرُ صاحب السياره يتحدّثُ الى بعض افراده كما لو انّهُ يشكو نهباً حدث لهُ ثم ( يتبعهم ) للحاق بالفئةِ الأولى. في تعليقٍ مصاحبٍ للفديو قيل ان الرجل لواء.
عندما يستهتر قادة القوات النظاميه بشعبهم ويسعوا خلف مصالحهم ويتركوا مصلحة الوطن الذي يدفع لهم مقابل جلوسهم العاطل على كرسي المسؤوليه. عندما يهيئ القاده انفسهم وقواتهم للدفاع عن الأنظِمَه الشموليه ويوالونها ويهملون قواتهم وتربيتها العسكريه.. عندما يهملون محاسبتها او عندما يعجزون عن ذلك .. وعندما يكون همهم قمع الشارع بكل السبل بترك الحبل على القارب للقوات لتتصرّف كيفما ترى. عندما تُصَوّر الكاميرات وتوثق ( لنهبٍ )تقومُ به قوات نظاميه وعندما يوَثّق البعض أنّهُم نُهبوا ولا يثير ذلك ايّ تحركٍ في القيادات ولا اعتراض ولا يتقدم منهم أحدٌ باستقالته فإنّ النار الحتميه الناجمه عن كلّ هذا الخراب والتي ستلتهم الوطن والشعب فإنها ستطال هذه القيادات نَفسَها وكل مَن ينتمي إليها أي أنّها لن تستثني أحداً.
مشهَدٌ ثانٍ - أكثَرُ إيلاماً - :
تتناقل الوسائط خبر قائد الانقلاب وقادة بعض الاحزاب في دولة الامارات لغرض إعادة السيد حمدوك لمنصِبِه وإيجادِ حلٍّ للأزمه الحاضره وهنالك للأسف من أسعدهم الخبر إذ يبدو أن عسكر الانقلاب حين انسَدّ الافق أمامهم ونحنُ قد انفتحت شهيتنا لتقديم المزيد من الشهداء سارعوا إلى الأسياد ومعهم حاضنتهُم لضمان بقائهم كجزءٍ من المشهد القادم ومعهم حمدوك حتى تكتمل نفس الصوره التي بدأت عند تشكيل الحكومه الأولى وجرّتنا جرّاً لما نحنُ فيه اليوم بعد أن إضاعوا ثلاثة أعوامٍ في العبَثِ بأقدار هذا الوطن والشعب.
يُنادي البعض بضرورة ان ننسى خلافاتنا لنواجه الواقع متناسين أن الواقع الآن أمَرّ مما مضى وأنّ إضافة من تسببوا في إيصالنا لهذا الواقع لا يجب أن يكونَ جزءاً من الحل هكذا يقولُ منطق الأشياء. فبقدرِ رفضنا للعسكر نحنُ نرفضُ حمدوك ونحنُ نرفض حاضنتهُ السياسيه إذ أنّهُ لا فرق بين الأطراف الثلاثه وما نحنُ فيهِ ناجمٌ عن أفعالِهِم المشتركه وبُعدِهِم الواضح عن نبض هذا الوطن وشعبِهِ. إن التبرير الذي سيق بان العسكر هم من فرضوا سيطرتهم على فترة الانتقال تبريرٌ رديئٌ وساذج فأنتُم لم تكونوا تحكمونَ قُطعانٌ من الماشيه.
لن نتفهّم تبريرِكُم بأن العسكر فرضوا إرادتهم فنحنُ ، شعب السودان ، مَن قد جِئنا بكم بثورتِنا فاستحبيتُم المُلك وازدَرَيتُم الثوار والشواهد كثيرَةٌ على ذلك وارتضيتُم عن طيب خاطرٍ كلّ ما فعَلَهُ العسكَر وازدَرَيتُم كلّ ما تقدّمنا به لإصلاح المؤسسات الأمنيّه وتفريغها من سدنةِ النظام البائد ورَفدِها بمن سيتقدّمون بها للأمام تأميناً للثورةِ ومكتسباتها.
القوات النظاميه والمليشياويه التي تقتل وتنهب الان صُنِعَت إبّانَ حُكمِكم وترعرعت تحت بصركم ورعايتكم. دخلت المليشيات بسلاحها تحت بصركم واقيمت الاحتفالات بدخولها المنتصر الى عاصمة البلاد ولم تخرُج كلِمَة ( هلُمّوا ) واحِده وكل ذلك يحدُث.
إنني أتعجّبُ من الذين يُنادون بعدم إقصاءِ أيّ أحَدٍ ويُبَرّرون لذلك بأننا أمام عدوٍّ مُشترك بجبُ أن نتكاتَفَ لِدَحرِهِ لِنَقعَ في نفس الأخطاء مرّةً بعد الأخرى ببصائر مغلقه. إنتي اتعجّب من الداعينَ إلى عودةِ حمدوك الرجل الذي تماهى مع العسكر ومع الجنجويد وترك كل مصائر البلد الجوهريه في أيديهِما وأقَرّهُما على ما قاما به وابتعَدَ عن نبض الشارع ومنحَهُما القدرةَ على الإستمرار مراراً وهاهُم يُسرِعون إليهِ الآن والأسافير تسندهُم بشكراً حمدوك المُخَلّص وشُهداؤنا يتململون في قبورهم ونحنُ في متاهاتِ مفقودينا وجرحانا ونهبِ نظاميينا وقمعِهم وسلبِ مواردِنا وارتِهانِ قراراتِنا لدول الخليج ولإسرائيل.
الكلِمةُ الآن ليست للقيّمينَ على الشارع والذين اعتادوا القَوَامَةُ عليه منذ الأزَل. ليست للذين اعتادوا الإستثمار في موتانا وجرحانا ومُعّوّقينا. ليست للذين اعتادوا المراقبةَ مِن عليائهِم الآمِنَه ثُمّ النزول بربطات أعناقِهِم وقفاطينِهِم ليحكُموا بعد أن يُنَظّف الشعبُ لهُم الشوارع مِن بقايا أشلاءِ أبنائهِ والدّماءِ ( المؤذيه ) لهُم.
لن يُدار السودان من ابو ظبي ولا من القاهره ولا من الرياض ولا إسرائيل. الكلمه الآن لهؤلاء الشباب نقولُها ونحنُ مطمئنون. أنا لو كُنتُ مشارِكاً في ( كارثةِ ) الإنتِقال لَكُنتُ انزويتُ سائلاً اللّه لي الغُفران للأداء الباهت الذي تسبّبَ في أنهار الدماء الجاريه الآن.

melsayigh@gmail.com
////////////////////////////

 

آراء