من تيد كنيدي إلى قطبي المهدي

 


 

 

mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]

يذكرنا رحيل البرلماني الأمريكي المعمر تيد كنيدي ببعض العبر السياسية الباهرة التي نرجو أن نسطر أبرزها في هذا المقال.

فهذا الشاب الذي جاء في مطالع ستينيات القرن المنصرم إلى واشنطون، قدم على إثر خطى قدمي أخويه جون وروبرت كنيدي، وسار مقتفيا آثار خطى أفراد عائلته الكبيرة، عائلة آل كنيدي، التي يحلو لبعض الأوساط أن تسميها بالعائلة المالكة الأمريكية.

ولكنه لم يستند إلى أمجاده أخويه، ولم يستنم إليها، ولا إلى بريق أسرته التي تعد من أسر الأشراف في الولايات المتحدة،لأنها من أوائل الأسر التي هاجرت إلى أمريكا، وجاهدت في بنائها.

سياسة خط الجماهير:

ولم يتصرف تيد كنيدي كما يتصرف أبناء الأسر الطائفية عندنا في السودان، وإنما برز كعصام التراثي العربي الذي سودته نفسه وعلمته الكر والإقدام.

بدأ تيد كنيدي حياته السياسية بالعمل الجاد المرهق في خدمة الجماهير الأمريكية، عموما، وخدمة أبناء دائرته في بوسطن، على وجه الخصوص، وذلك ضمن موجهات السياسة التي كان يسميها بطل الشرق الزعيم ماو تسي تونغ سياسة خط الجماهير.

 وهي سياسة مؤداها أن يتلقى السياسي توجيهاته اليومية من الجماهير، وأن يسعى إليها إن لم تسع إليه، ليتفحص رغباتها، ويسعى في تنفيذها.

أسد الليبرالية الكاسر:

وعلى المستوى القومي عرف تيد كنيدي بالمبدئية المثابرة الصادقة في إصدار التشريعات الإصلاحية النافعة لصناعة الحياة الاجتماعية وتحسينها.

وقد أسهم في صياغة وتمرير أهم القوانين الفيدرالية التاريخية مثل قانون الحقوق المدنية في عام 1964م، وقانون حقوق حق التصويت في عام 1965م، وقانون حقوق المعاقين في عام 1990م، وقانون حقوق الإجازات المرضية والأسرية في عام 1993م.

وظل يناضل في الآونة الأخيرة من حياته في سبيل إصدار قانون التأمين الصحي لحوالي 46 مليون أمريكي فقير لا يملكون المال الكافي للحصول على الخدمات الطبية المناسبة.

وذلك غير قوانين كثيرة شارك في صياغتها مثل قوانين احتواء الأسلحة النووية، وقوانين تحديد قواعد بيع السلاح، وقوانين مساعدة الطلاب على تأمين تكاليف الدراسة.

كيف حافظ على مقعده لخمسين عاما؟

وبهذا الجهد الدائب في إصدار التشريعات الصائبة، وتحقيق المكاسب الجمة للمواطنين، استحق النائب تيد كنيدي أن يحافظ على مقعده عضوا بمجلس الشيوخ الأمريكي لزهاء نصف قرن.

ولم يسع يوما إلى إعادة تجديد انتخابه بوسائل الدعاية الانتخابية البراقة، ولا بوسائل الخداع السياسي، ولا المؤامرات، ولا التحالفات المشبوهة مع اللوبيات ومراكز الضغط  والمصالح المشبوهة.

لم يستغن تيد كنيدي عن تلك الوسائل التعبوية المعهودة عند غيره لأنه كان يملك جماهير طائفية جاهزة تصوت له بالإشارة سواء أقدم لها إنجازا أم لا.

وإنما لأنه كان مستيقنا أنه قد بذل جهده كله، ولم يستبق شيئا، وتفانى في خدمة ناخبيه، وتحقيق مطالبهم وأمانيهم، وبالتالي فهم أحوج ما يكون إليه ليبقى في منصبه ليخدمهم في دورة برلمانية قادمة، فيصوتون تلقائيا لصالحه أو لصالحهم سيان.

وبهذا فإن هذا القطب البرلماني الأمريكي اللامع يصلح، بلا حرج، أن يكون قدوة طيبة لنوابنا البرلمانيين في عهد قادم، نرجو أن يكون للبرلمان فيه دور أكبر مما له الآن، في افتراع السياسات، وصنع التشريعات، ومراقبة الجهاز التنفيذي مراقبة حازمة.

 وهو عهد نرجو أن يبدأ من بعد الانتخابات القادمة في إبريل القادم بإذن الله.

من كتب برنامج قطبي المهدي؟

وفي مدى مشابه فقد سمعت قبل أعوام من لسان سياسي سوداني مبدئي طليعي هو المجاهد قطبي المهدي أنه صنع صنيعا يصلح في تقديري أن يكون أيضا قدوة للآخرين.

ولم يكن قطبي يتفاخر بما صنع عندما قال ما قال، وإنما جرت مناسبة عابرة دعته لكي يحدثنا بما قال.

وملخص ما قال هو إنه طلب من جماهير الدائرة التي فاز فيها أن يكتبوا له برنامجه الانتخابي.

هذا الشخص الذي تخرج من الجامعات الأمريكية الراقية، وعمل بالتدريس فيها، وفي الجامعات الكندية، وعمل صحفيا منذ أوائل سبعينيات القرن المنصرم، وظهرت كتاباته في عدة صحف، من لدن عهد مجلة (المجتمع) الكويتية، إلى عهد صحيفة (الانتباهة) السودانية، يعرف بالتأكيد كيف يكتب، ولكنه تنازل عن ممارسة فن الكتابة لمن يهمهم الأمر، وهم جماهير دائرته الانتخابية، فأوكل إليهم كتابة برنامجه الانتخابي بلغة بسيطة، غير طنانة، اكتفوا فيها بتسجيل مطالبهم الانتخابية، أي ما يريدونه أن ينفذه لصالحهم، إذا نال ثقتهم.

واكتفى المرشح قطبي بأن قام بتنقيح البرنامج الانتخابي، الذي خطته أنامل القوم، وحذف منه ما لا يستطيع تنفيذه، وبالتالي لا يستطيع أن يعد به، فزاده ذلك مصداقية  على مصداقية عند من انتخبوه.

 ذكرى سيد القوم:

وهو في هذا لم يشبه إلا شهيدنا الكريم الدكتور أحمد بشير الحسن، الذي ترشح في دائرتنا الانتخابية في انتخابات عام 1986م ولم يوفق. ومع ذلك أجهد نفسه في تحقيق بعض مطالب الجماهير.

 وقد فوجئوا به وهو يفعل ذلك، واستعجبوا لذلك، وقالوا: إن من فاز لم يفعل شيئا مثل هذا، ولم نره منذ أن فاز، فكيف بمن لم يفز؟!

وهم لم يدروا أن هذا الخلق الكريم  هو من الخلق الكريم الذي فطر عليه بعض كرام الإسلاميين النادرين من أمثال الشهيد العزيز.

وهو خلق نرجو أن يستهدي به اليوم بقايا القوم في المؤتمر الوطني.

 أما من شاء منهم أن يستكبر ويجانف هذا الخلق الآسر، فإنا لن نبالي، بإذن الله تعالى، أن نقف في وجه، وأن نشجبه، ونفضحه في وجوه العالمين.

 

آراء