من رموز النضال الأفريقي ….. ستيف بيكو

 


 

محجوب الباشا
23 September, 2017

 

 

في منتصف السبعينات من القرن الماضي كانت الإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية "جلاتلي هانكي سابقاً" تضم عدداً من الدبلوماسيين الشباب الذين سعدت بالعمل بينهم. كنا مجموعة من شباب الوزارة في ذلك الزمان نلتقي يومياً في مكاتب الإدارة الأفريقية ونحن نتابع بالكثير من الفخر والإعزاز تطورات النضال الأفريقي ضد بقايا القوى الاستعمارية ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. كانت أسماء قيادات حركات التحرير في ذلك الزمان مثل أغستينو نيتو ، وسامورا ماشيل ، وأميلكار كابرال ، وستيف بيكو تتداول في مكاتب الإدارة ، وتلهب حماس الشباب فينا عندئذٍ ونحن نتابع باهتمام شديد نضال هؤلاء الرجال في المعركة الكبرى لتحرير القارة. لم نكن وقتها من المعجبين بالأسلوب السلمي للمناضل الكبير نلسون مانديلا إذ كنا نرى في ذلك الزمان أنه لا يفل الحديد إلا الحديد. ما كان الأمر مقتصراً علينا نحن العاملين في الإدارة الأفريقية ، بل كان زملاء لنا من إدارات الوزارة الأخرى يزوروننا خلال اليوم لنحكي لهم عن آخر تطورات النضال في مختلف أنحاء القارة ، ونجلس جميعاً لتحليل تلك التطورات ونتبادل الآراء حولها وحول أولئك الرجال الذين كانوا يشعلون حماسنا. ويبدو أن تقاريرنا التي كنا نرفعها لرؤساءنا عن هذه التطورات كانت تجنح أحياناً وهي تعكس بوضوح هذه الروح الشبابية إذ كثيراً ما كان رؤساؤنا يحاولون تهدئة حماسنا الذي كان يقود في بعض الحالات لتشويه صورة الواقع على الأرض.
عادت بي الذاكرة إلى ذلك الزمان البعيد والجميل في آن معاً عندما قرأت في الأخبار أن جنوب أفريقيا تحتفل بالذكرى الأربعين لوفاة المناضل الكبير ستيف بيكو وهو من القيادات الاشتراكية التي كانت تعمل في أوساط الجماهير من الطبقات الدنيا في مجتمع جنوب أفريقيا. كان بيكو من الذين يربطون ربطاً مباشراً بين النضال ضد نظام الفصل العنصري وتحقيق الاشتراكية التي كان يرى فيها الطريق الأقصر لتعويض مواطني بلاده عن المعاناة التي عايشوها تحت حكم الفصل العنصري "البغيض". كما كان يرى في نظام الحكم السائد في بلاده آنذاك تحالفاً غير مقدس ضد الأغلبية السوداء يتكون من الأقلية البيضاء والرأسمالية التي كانت هي الأخرى واقعة تحت قبضة هذه الأقلية. توفي ستيف بيكو في المعتقل في سبتمبر من عام 1977 عن عمر يبلغ 31 عاماً بسبب نزيف حاد في المخ جراء التعذيب القاسي الذي خضع له على أيدي زبانية نظام الفصل العنصري في ذلك الزمان. كانت وفاة ستيف بيكو المأساوية سبباً في ارتفاع نسبة شعبيته في كل أنحاء القارة الأفريقية ، وكان ذلك سبباً أيضاً في زيادة إعجابنا بالرجل الذي ضحى بحياته من أجل بلاده ومن أجل المبادئ التي كان يؤمن بها.
عندما ظهر ستيف بيكو على المسرح في جنوب أفريقيا كأحد القيادات الشبابية ، كان نلسون مانديلا وعدد من قيادات المؤتمر الوطني الأفريقي معتقلين في جزيرة روبين. ولا شك أن الفراغ الذي نتج عن اعتقال هذه القيادات كان سبباً في ظهور حركات شبابية أكثر تطرفاً من المؤتمر الوطني في مواجهتها لحكم الأقلية البيضاء ، خاصة وأن الأسلوب المسالم الذي كان يتبعه نلسون مانديلا وأتباعه كان يحتاج لسنوات طويلة حتى يحقق أهداف نضال الأغلبية الأفريقية. ، فضلاً عن أن هذا الأسلوب رغم سلميته الواضحة فإنه لم يمنع سلطات الفصل العنصري من اعتقال مانديلا نفسه وأتباعه ونفيهم إلى جزيرة روبن . كانت الظروف سانحة وقتها لظهور طالب الطب ستيف بيكو كأحد قيادات الحركة التي عرفت باسم "الوعي الأسود Black Conscience" ، وقد رأت الحركة في النظام الرأسمالي في جنوب أفريقيا العدو الأول للشعب الأفريقي. كان من الطبيعي لذلك ان تتبنى الحركة الاشتراكية منهجاً سياسياً واقتصاديا خاصة وأن البيض كانوا يسيطرون وقتها على كل مفاصل الإقتصاد في البلاد. ومما لا شك فيه أن توسع المد الثوري العنيف في مناطق الجنوب الأفريقي كأنجولا وموزمبيق ، والدعم المعنوي والمادي الذي وجدته هذه الحركات في الإقليم على المستويين الأفريقي والدولي كان سبباً في أن تجد الدعوة للنضال المسلح أذناً صاغية ودعماً مقدراً من داخل القارة وخارجها.
بالرغم من مرور كل هذه السنوات منذ وفاته ، فإن القكرة التي كان يحارب من أجلها ستيف بيكو لا زالت تحرك الكثير من المشاعر خاصة في أوساط الشباب. ولعل المقال الذي سطره قلم يوليوس ماليما رئيس حزب "المناضلين الاقتصاديين" يعكس هذه الحقيقة بوضوح. المعروف أن ماليما انشق عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لتكوين حزب معارض اختار له الإسم الذي أشرنا له آنفاً. ومع أن حزب "المناضلين الاقتصاديين" لم يحق النتائج المرجوة في الانتخابات الأخيرة التي فاز بها المؤتمر الوطني ، إلا أن الأفكار التي يطرحها تعكس خيبة أمل البعض في الحصاد الضئيل الذي حققته حكومات المؤتمر الوطني في مجال العدالة الاجتماعية منذ استقلال البلاد. ويتبنى الحزب أحد الأفكار التي ناضل من أجلها ستيف بيكو وهي ضرورة سيطرة الأغلبية السوداء على اقتصاد الدولة حتى يحقق الاستقلال مغزاه الحقيقي.

mahjoub.basha@gmail.com

 

آراء