من الأشياء المعروفة عن العلامة عبدالله الطيب ، عطّر الله ثراه ، تمتعه بقدر كبير من روح الفكاهة و الدعابة . والشواهد على ذلك في كتبه ، خاصة الخفيـف منها ، و محاضراته و أحاديثه أكثر مما يمكن الإحاطة به. و لا ريب أنّ الذين كانوا يواظبون على محاضراته في القاعة الشهيرة ( 102) بجامعة الخرطوم – من طلاب الآداب و غيرهم - و لاحقاً في قاعة الشارقة وغيرها من المنابر العامة ، يذكرون من قفشاته و حكاياته الطريفة الكثيـــر . وكنت قد نشرت قبل بضع سنين في استراحة " الرأي العـــام " ، ومن بعد في هذه الصحيفة الإلكترونية " سودانايل " ، طائفة من الحكايات التي رأيت أنها تبين ما يتمتع به البروف من روح المرح و الفكاهة جمعتها من عدد من كتبه الخفيفة مثل( نوار القطن ) ، و ( من حقيبة الذكريات ) ، و ( بين النير و النور ) ، و ( من نافذة القطار ) . و بما أن بعض الأصدقاء اتصل بي من قريب راجيّاً إعادة نشر المقال .. هاأنذا أفعل عسى أن يتحقق به - مرة أخـــــــرى - الإمتاع و المؤانسة . • يقول البروف : الشرموط هو القديد و أكثر ما يصنع من لحم البقر و يجوز عمله من لحم الإبل. يقطع اللحم شرائح مستطيلة فيها سُمك " بضم السين " و تعرض من الظل للهواء حتى تجف و تبقى على ذلك الدهر الطويل و لا رائحة لها و لا أدنى تغيير و نزول المطر مما يفسدها . و يدق الشرموط و يوضع منه قليل مع الويكة المدقوقة و يسمى هذا ملاح الشرموط . و إذا كثر دقيق الشرموط و خلط ببصل محمّر مدقوق وويكة مدقوقة كان منه ملاح أحمـرثقيل الوزن ، لذيذ الطعم ، عظيم الغذاء يسمى ملاح التقليّة .. وأعلم يا صاح أنه إذا خلا ملاح الويكة من اللحم أو الشرموط فإنه يسمى ملاح أم شعيفة .. ومن هنا جاء المثل : " أم شعيفة كيّة المرأة الضيفة " ! • كان أهل مقرات كراماً ونما لنا معهم ود و كانت تجمعنا معهم صلة رحم .. وحدأة مقرات كاسرة . أذكر إذ أرسلت لأحضر لحماً وحملت ما أرسلت لأحضره ، لا أذكر فيم حملته ، وإذا بحدأة تلطمني بجناحها لطمات و سقط اللحم مني مراراً .. و أصررت على الاّ استسلم وقاتلت عليه الحدأة حتى أوصلته . • ووصلنا وترلو و إذا بنساء ضخمات يدفعن أمامهن عربات صغيرات قيل لنا هؤلاء " عتّالات " .. و الله لن يطلب من إحداهن أن تحمل له شنطته فيسمع أهله الشـوس في السودان أنه استأجر عتالة " ستاً " لتشيل له شنطته ! • و كان أحد الفقراء درويشاً فكلما أخبروه أن فلانة زوجوها قال : البنت الصفتها و صفتها ؟ فإن قالوا نعم قال : الله ! دي البنت ال كنا خاتين أيدنا عليها ! • و قالت إمرأة متشيطنة لصواحب لها وكنّ سائرات و رأينّ جماعة من " الفقراء " ثيابهم بيض و عليهم العمائم: سأغائظ لكنّ هؤلاء الفقراء و أريكنّ ضعفهم : " هوي يا فقرا .. أفعل بيكم .. و أفعل بيكم " و قالت كلاماً قبيحاً.. فأعرضوا متلثمين يكادون يتقطرون خجلاً وقال أجرأهم " هوي غلنا لك زي ما غلتي لنا " ( يقلب القاف غيناً مبالغة في التفاصح ) وقال الثاني - و كانوا ثلاثة - و أنا ياسيدنا كذلك ! وقال الثالث و أنا ياسيدنا أشدّ من ذلك ! • و قال المفتش الزراعي الإنجليزي: إنت هفيا " خفير " يركب همار " حمار " معاي و يمشي هواشة " حواشة " بتاء " بتاع " أبكر .. و يرد الخفير : جنابك أنا بمشي بي كرعيّ وما بركب معاك لكن كتّر خيرك على إذنك ! • و قال جده وهو يتحدث عن " محمودن " الشنقيطي وكان يدخن وكان عالماً فسألته: هل هذا الدخان الذي يدخنه حلال ؟! فيا سيدنا خلف رجلاً فوق الأخرى ثم قال: " والله يا ولدي حرام .. تالله حرام " ! • وقال مفتش التعليم الإنجليزي يخاطب الحفل الذي احتشد لوداعه في نهار قائظ جداً في بخت الرضا : " It is sad to leave this your lovely country ! " أي: إنه لمن المحزن أن يغادر المرء بلادكم الجميلة هذه.. وكان الخواجة يتصبب عرقاً !
• و قالوا رمت الثريا الجمرات بخاتم .. و عاتبها رجل صالح فأنشدت لإبن أبي ربيعة : من اللائي لم يحججنّ يبغين حسبة ولكن ليقتلـن البـريء المغفّـلا .. فدعا لها ألاّ يعذبها الله ! • و بصفتي أحد أبناء الدامر أختم هذه النماذج الطريفة بأبيات البروف التي قالها رداً على البيت المشهور للشاعر توفيق صالح جبريل :- ( أيا دامـر المجذوب لا أنت قرية * بداوتها تبـدو ولا أنت بنـدر ) و كان رد البروف حاضراً : بلى أنا حـقاً فوق ذلك كلـه * و دوني خرطوم و بارا و بربر و يا دامر المجذوب أنت مليحة * تذكـرتها يا بعـد ما أتذكـر وفيك بنو المجذوب أبناء بيرق * و أبناء عبدالله والفضل يذكـر ألا إن توفيق بن جبريل هاجني إلـى الشعر منه بيت شعـر محـبر و توفيق عندي شاعر ذو أصالة * مجيد شديد الوجـد عنه يعبـر ذكرني أيام دامـر و قبلهـا زمــان * لنا في جانب القاش أخضـر