من قتل الإمام ومن قتل مهدى الحكيم !؟ …. بقلم: د . احمد خير / واشنطن

 


 

 

 

ما أن تحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل عن قضية ضرب الجزيرة أبا ومقتل الإمام الهادى المهدى إلا وأن قامت الدنيا فى السودان ولم تقعد ! وهذه كما يعلم الجميع ليست المرة الأولى التى يظهر فيها السودانى حساسيته تجاه كل ما يقوله أو يكتبه هيكل ! ففى عام 1964 وإبان الثورة الشعبية التى أطاحت بنظام إبراهيم عبود فى السودان ، خرج علينا الأستاذ هيكل بتساؤله :  ثورة فى السودان .. ثم ماذا بعد !؟ إتخذ البعض من عبارته تلك بأنه يعنى تقليلاً لما حدث فى السودان فهبت الجماهير ثائرة نحو السفارة المصرية فى الخرطوم محطمة واجهتها وحرقت العلم المصرى ثم تسلق البعض المبنى وقاموا بإنزال النسر النحاسى الرمز من على الواجهة وكان أن سقط النسر على  الجماهير الغفيرة وقتل أحدهم فى الحال . ثم جاءت حكايته فى الأسبوع الماضى ليروى ماقامت به مصر ودوره هو شخصيا فى أحداث الجزيرة أبا ، والأحداث التى إنتهت بمقتل الإمام الهادى المهدى " رحمه الله "  فى الكرمك .

هنا سأتناول ما أدلى به هيكل بتجرد وبدون حساسية الشئ الذى أريد به أن يكون تناولى موضوعياً وبدون أحكام .

عند إندلاع الثورة الشعبية فى السودان فى  21 أكتوبر 1964 ، نعم قال هيكل ثم مادا بعد !؟ وأعيد أنا نفس السؤال: ماذا حدث فى السودان منذ ثورة أكتوبر 1964 !؟ هل نجحنا فى أن نكذب مقولة هيكل التى رمى من ورائها بأن ماحدث فى السودان ماهو إلا تغيير فى الوجوه ، أى انه عمل إجرائى لافائدة من ورائه !؟ وماذا حققنا !؟ نرجو من القارئ أيضا أن يتوخى الموضوعية .

بعد إزاحة الحكم العسكرى بثورة كان فتيل شعلتها مبلل بدماء القرشى وعبد الحفيظ وشهداء عددا ،   تكالبت على السلطة جبهة الهيئات وسرعان مابدأ التناحر بين فئات جمعتها المصائب وماكان بينهم جامع من قبل ! إلى أن سارت الأمور لإنتخابات جاءت بحكومة قومية وجمعية تأسيسية ظنت معها الجماهير بأن حصادها سيكون السمن والعسل ! ولكن .. ثم ماذا بعد !؟ من  " قولة تيت " ظهر الخلاف عندما حان مؤتمر آكرا ! من سيذهب إلى غانا ممثلاً للسودان !؟ أهو رئيس مجلس السيادة " رأس الدولة " أم رئيس الوزراء !؟ ودب الخلاف إلى أن حسم الأمر بأن يحضر المؤتمر كل من إسماعيل الأزهرى ومحمد أحمد محجوب ! بعدها توالت الأحداث والخلافات إلى أن جاء قرار الجمعية التأسيسية بحل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان نتيجة إدعاء بأن أحد الطلاب كان قد وجه إساءة للرسول الكريم "ص" ! تلك الجمعية التأسيسية التى  كان يترأسها " إسبيكر " محمد إبراهيم خليل ، القانونى الذى لم يحرك ساكنا ، والأجدى منه كان أن  يتقدم بإستقالته إحتجاجاً على إدعاء رفضته المحكمة فيما بعد ! ونقول نحن ثم ماذا بعد !؟ ظلت الأحزاب فى تناحرها بدون إعطاء البلاد ماتستحق من رعاية مفضلة مصالحها الحزبية على مصلحة البلاد " مياه كثيرة مرت تحت الجسر " إلى أن غافلهم جعفر نميرى بإنقلابه فى 25 مايو 1969 ! هل توقف التناحر بعد ذلك !؟ بالعكس زادت حدة المناكفات وكانت التأميمات والمصادرات التى من جرائها فقدت البلاد رؤوس أموال وخبرات لاتعوض ،  حيث غادر ماسمونهم بالأجانب بالرغم من أن أولئك كانوا من المخلصين لسودان مابعد الإستقلال ! ثم ماذا بعد !؟ لما بلغ التناحر أشده بين من قاموا بالإنقلاب ، إنقلبوا على بعضهم البعض فكان إنقلاب يوليو 1971 الذى كان من نتيجته المذابح والمجاذر والإعدامات !؟  ثم ماذا بعد !؟ عاد النميرى فاقدا للبوصلة بحيث أنه قد جرب الشيوعيين ولم ينجح ، وجرب البعثيين ولم ينجح ولم يتبقى له إلا الناصريين فسلم رقبته لهم فأروه النجوم فى غز الظهر حيث كانوا يفبركون له الحكايات بأن فلانا يعمل ضد توجهكم وعلان يرغب فى بيعكم ، فكان يأتى بالوزراء لأيام معدودات ويغيرهم ليأتى بآخرين ثم يصدر القوانين تلو الأخرى مضيقاً الحلقة على كل منحى من مناحى الحياة ! ثم ماذا بعد !؟

لما أصاب النميرى اليأس ، ظهرت الفئة التى تمكنت من تسخير ذلك اليأس لصالحها فزينت له أن طريق الخلاص هو فى أن يولى وجه شطر المسجد الحرام ويتمسك بالعروة الوثقى ! وبين عشية وضحاها صار شارب خمر الأمس من النساك ومحطمى زجاجات الخمر على ضفاف النيل ! وبالطبع ان فى خلقه شئون وان الله يهدى من يشاء .  ثم ماذا بعد !؟ وجاء النميرى  بقوانين سبتمبر 1983 التى إتخذ منها سيفاً شهره فى وجوه من لاحول لهم ولاقوة من الفقراء والمحتاجين ليطبق عليهم الحدود وكأن الشريعة السمحاء توقفت عند الحدود فى العصر النميرى- الترابى ! ثم ماذا بعد !؟

لقد تم إعدام شيخ فى السبعينيات من العمر بجريمة لم يرتكبها وهى جريمة " الردة " وكان الشهيد محمود محمد طه هو الدم الذى تطاير على وجه جعفر نميرى ولم يتمكن من الهروب منه برغم محاولاته الإختباء فى عباءة الإسلام ! ثم ماذا بعد !؟ أصبح ذلك الحاكم المتجبر " أبـ عاج " بين عشية وضحاها فى زفة فى شوارع البلاد تقول " حمارك عينه يابثينه " وكان أن أفل نجم النميرى مع الإنتفاضة الشعبية فى أبريل 1985 .

وقلنا أصبح الصبح ولنبدأ من جديد . ولكن ، ماذا حدث !؟ كان الحكم الإنتقالى برئاسة سوار الدهب ثم الإنتخابات ثم ماذا بعد !؟ إنتخابات ثم  تشكل حكم قومى جديد بلاجديد ، نفس الوجوه ونفس المسيرة وكأن عجلة التقدم التى تدور فى بقاع العالم قد توقفت عند حدود السودان ولم يؤذن لها بالدخول ! وتدهور الحال وبتنا فى نفس الشقاق وكأنه مكتوب علينا الشقاء تحت الحكم العسكرى أو الحكم المدنى ! وكأن عجلتنا تدور الى الوراء !؟ ثم ماذا بعد !؟

أصبح الصبح وهانحن مع الإنقاذ إلتقينا ! ففى 30 يونيو 1989 تشكلت دولة الخلافة فى السودان  !؟ فهل تعلمت دولة الخلافة الجديدة من سابقاتها !؟ دب الخلاف بين الحلفاء " الخلفاء " نتيجة التنافس فى أيهما أحق بالمشروع الحضارى !؟ وسارت الأيام  ثم ستسيرإلى مطلع العام القادم ليشهد السودان تطبيقاً عملياً لما حدث للشعب الذى قسم إلى طبقتين " الأغنياء والفقراء " لتقسم الأرض إلى جزئين " شمال وجنوب "

بعد كل ذلك ، ألازال أحدكم يستنكر على هيكل تساؤله : ثم ماذا بعد !؟

إذا قال هيكل أن الطائرات المصرية لم تشارك فى ضرب الجزيرة أبا بالرغم من أن الجزيرة كانت قد قصفت بالطائرات ، فلماذا لم يخرج علينا أحدهم ليطلعنا على مصدر الطائرات التى قصفت الجزيرة !؟ مصدر يؤكد أو ينفى الإدعاء! وبالطبع هناك ابو القاسم محمد إبراهيم كشاهد على العصر وكقائد لعملية الجزيرة أبا ، لماذا لايخرج ليقول الحقيقة !؟  

فى يناير 1988 حضر إلى الخرطوم المعارض العراقى الشيعى مهدى الحكيم بدعوة من الجبهة الإسلامية القومية لحضور مؤتمرها العام ، وقدر له أن قتل فى أحد فنادق الخرطوم وتمكن الجناة من مغادرة الخرطوم ! كيف فر الجناة إلى خارج السودان ؟

كل المقولات فى مقتل مهدى الحكيم تقول بأن الجناة بعد إرتكابهم للجريمة قد فروا وإستقلوا طائرة مدنية من مطار الخرطوم ! هل فى أضابير السلطة أو أقسام الشرطة أو فى دار الوثائق معلومة توضح الطريقة التى تمكن معها الجناة من مغادرة الخرطوم !؟ هل يملك أحد الإجابة !؟ دعونى أخبرك بخبر من مصدر عراقى موثوق أوضح بأنه كان يعمل مساعد طيار فى الطيران الحربى العراقى وقد تم تكليفهم بمهمة فى الخرطوم ! قال " ص " لقد كنا على إتصال مستمر مع من كلف بقتل مهدى الحكيم ، وعندما تمت العملية هبطنا على مدرج مطار الخرطوم بطائر نقل عراقية حربية وأبطأت الطائرة وفتحنا الباب الخلفى للطائرة فأسرع الجناة فى سيارة جيب إلى باطن الطائرة فأغلقنا الباب وإستدارت الطائرة على نفس المدرج وأقلعنا عائدين ! ونتساءل: كيف سمح للسيارة بالدخول إلى أرض المطار !؟ وأين كان برج المراقبة فى تلك اللحظة !؟ هل من أحد يوافينا بإجابة مقنعة ؟     

لقد ظل السودان مسرحاً لطائرات تحط وطائرات تقلع وطائرات تقصف بدون حسيب ولارقيب ولم نحرك ساكنا ! فماهو سبب تحركنا الآن بعد أن أدلى هيكل بتلك المعلومة التى تقول بأن الطيران المصرى لم يشارك فى ضرب الجزيرة أبا !؟ هل لحساسية تجاه الأستاذ محمد حسنين هيكل !؟ هل لحساسية تجاه مصر ؟ أم لأننا نملك معلومة تقول خلاف ما أدلى به هيكل !؟  إن كانت لدينا معلومة مخالفة فالنخرجها للعلن ، وإلا علينا مراجعة النفس .                     

 

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء