من كان وراء إقصاء الفريق/ عبد العزيز الحلو من جبال النوبة ولمصلحة من؟ (1)

 


 

 

أمين زكريا إسماعيل- أمريكا
amindabo@hotmail.com
لقد ترددت كثيرا منذ زمن بعيد فى الكتابة فى هذا الموضوع  رغم علمى بالكثير من تفاصيلة، مؤملا فى التنفيذ الصحيح لاتفاق السلام، و راجيا أن يعود القائد/ الحلو الى وضعه الطبيعى بعد عودته من الولايات المتحدة الامريكية عبر مبادرات قوية يقودها قيادات المنطقة داخليا وخارجيا، ولكن شيئا من هذا القبيل لم يحدث رغم عودة الحلو لأكثر من عام.                                             
وما دفعنى فى هذا التوقيت هو تعقيدات الوضع الحالى فى السودان بصفة عامة وبالأخص فى جبال النوبة/ جنوب كردفان والفراغ القيادى الكبير الموجود هناك، وضياع العديد من الحقوق المستحقة لشعب المنطقة وفقا لبرتكول جبال النوبة/ جنوب كردفان بالإضافة الى الوضع الأمنى المتردى، والتجارب التى عايشتها واقعيا منذ الحرب مرورا بالمفاوضات والمؤتمرات الى توقيع الاتفاق والعمل ميدانيا ومقابلة معظم القيادات العليا والوسيطة السياسية والعسكرية  والعديد من ومواطنى المنطقة داخليا وخارجيا، بالاضافة الى حساسية المرحلة و تأويل الاشياء فى غير موضعها الصحيح
 ورغم من اننى سبق ان كتبت مقالا ورسالة للرفقين القائد/ سلفاكير رئيس الحركة الشعبية وباقان أموم الامين العام أوضحت فيها كل الاوضاع بجبال النوبة، ولقد وجدت ردودا، ولقد أشرت فى تلك الرسالة الى الضرر الكبير للحركة الشعبية من جراء تواجد قيادات كبيرة خارج السودان  يصفهم الكثيرين بالدينمو المحرك للعمل السياسى وتنفيذ إتفاق السلام، باعتبارهم كانوا أساسيين فى التفاوض وفى إدارة العمل السياسى والعسكرى فى فترة الحرب وكنت أعنى القائد/ عبد العزيز آدم الحلو والقائد/ ياسر عرمان المتواجدان آنذاك بأمريكا بالاضافة الى القائد/ نيال دينق المتواجد آنذاك ببرطانيا، وقد تصادف تحقيق هذه الرغبة التى عبرت عن آمال العديد من جماهير الحركة الشعبية فى الداخل والخارج عبر مئات الاميلات والاتصالات وقد قصدت تبادل بعضها مع بعض هذه القيادات للتأكيد أن هذه رغبة جماهيرية وليست رغبة شخصية
 وقد تحققت تلك الرغبة والتى من المؤكد أنها لم تأتى إستجابة لرغبتى أو طلبى ولكن نتيجة مجهودات وقراءات لأهمية عودة هذه القيادات الذين يعرفهم عن قرب رئيس الحركة وأمينها العام حتى قبل معرفتى العامة بهم من خلال نضال مشترك إستمر لواحد وعشرين عاما، ولكنى يمكن أن أقول كانت محاولة تصادفت مع تلك المجهودات الداخلية لمؤسسة الحركة توجت بعودة عرمان فالحلو ثم اخيرا نيال
 بمعنى إذا كان هناك خطأ او سوء Do it once, fix it for everيقول أحد الأمثال الأمريكية
تفاهم فيجب ألا يطأطأ الناس رؤوسهم أو يتحدثون فيه من وراء او غياب الناس المعنيين بالامر أو يجاملون فيه أو يتعاملون فيه بردود أفعال أو بنظريات مؤامرة، بدلا عن مواجهته وحله حلا جذريا ( وهو أحد أسباب تعقيد مشكلة السودان وتطويل أمد الحروبات فلا يمكن أن تقول مشكلة دارفور كانت حول جمل ويستعصى على العالم جميعا التعويض عن جمل أو مراح جمال!)، لأن ذلك سيعقد المسألة ويستصعب حلها كلما مرت الأيام والشهور والسنين، لذلك فإن مبدأ الحرية والديمقراطية والمواجهة والشفافية والمحاسبة والاعتذار والتنازل والتشجيع والمحاسبة، هى جزء كبير من أسرار عظمة أمريكا فى كل مؤسسات الدولة الرسمية و غير الرسمية فحتى الاطفال ينتزعون حقوقهم و يسألون أسئلة مشروعة لماذا وكيف و أين ذاهب وما عليك إلا ان تجيبهم بصدق  وإن لم تفعل يقولون امامك أنت كاذب ولن تستطيع إلا أن تعتذر لهم حتى لو كانت أعمارهم دون الخامسة، ولقد تعلمنا من هذا المجتمع اسلوب التشجيع فإذا حاول احدهم مثلا رسمى كرة السلة وفشل فى تسديدها فيقولون له محاولة جيدة وإذا سددها يقولون عمل جيد. ولعل المتابعين للانتخابات الرئاسية الامريكية وفوز باراك أوباما رغم حملات النقد والتشويه اللا منطقى ضده سواء كانت داخلية فى الحزب الديمقراطى او من الحزب الجمهورى، ولكن لقناعة الشعب به قال رأيه فى صناديق الاقتراع، فمن فوز باراك أوباما هم البيض قبل السود إذ أن نسبة 65% من الذين صوتوا له كانوا من البيض و 23% من السود و 10% من الاصول الاسبانية 2% مجموعات أخرى، ولقد كنا حضورا وشاهدا فى إصطفاف الناس منذ الخامسة صباحا فى أجواء شتوية باردة ومثلجه وممطره لممارسة حرياتهم وحقهم الديمقراطى دون تأثير الزوج على الزوجة ولا الاب على الابناء ولا صاحب العمل على مستخدميه ...الخ. بالاضافة للشفافية فى المحاسبات والمحاكمات للمخطئين من وزراء و أعضاء مجلسى النواب والشيوخ وحكام الولايات، أو حتى شفافية الحديث عن الأزمة الاقتصادية والجهود الكبيرة لحلها. وهو ما يؤكد أن سر عظمة أمريكا تكمن فى الاتفاق حول قيم تصبح عقدا إجتماعا عبر الدستور ، ساهمت فى نجاحهم فى نواحى مختلفة
ولكن نجد ان الحكومات السودانية لا تعير إحتراما لحقوق مواطنيها وقضية دارفور وعدم الالتزام بتنفيذ بنود السلام، كما أن الصراع الدائر فى برلمان السودان هذه الايام ومراوغات المؤتمر الوطنى حول قوانين الصحافة والامن والحريات والتحول الديمقراطى وتقرير المصير والمشورة الشعبية و أبيى والحدود وغيرها هى نماذج تؤكد أن أطرافا فضلت مصالحها الخاصة على مصلحة الشعب عامة وربما تكون سببا فى تدمير السودان
قصدت من هذه المقدمة عكس أهمية هذا المثل الامريكى لاننا اذا لم نستفيد من سر تطور الشعوب فسوف لن نتطور الى الابد. وعلاقته بوضعنا فى السودان وعنوان مقالنا تكمن فى العبر والدروس التى يجب ان نستفيد منها فى حل كل القضايا على كافة المستويات.                        

فكثيرين يدرون أن القائد/ عبد العزيز آدم الحلو قد ولد ونشأ فى جبال النوبة وهو ثقافيا وعرقيا ذو جذور أصيلة بالمنطقة وأمثلة المنطقة فى ان الولد خال تنطبق على شعب جبال النوبة فى الميراث والتقدم للزواج وغيرها.  وقد نال الحلو أكبر مجموع فى مدرسة الدلنج الوسطى  حينما جلس لامتحان الدخول للمرحلة الثانوية فى العام 1972م، وتزامن ذلك مع إنشاء مدرسة تلو الثانوية بكادقلى التى تخرج منها االكثيرين من القيادات على مستوى المنطقة وعلى مستوى السودان وخاصة منطقة أبيى، فكان التوزيع للمتفوقين أن يذهب اول الدفعة لكادقلى وثانيها لخور طقت وهكذا الثالث والرابع ..الخ، وكان نصيب الحلو ان يكون اول طالب يقبل فى تلو الثانوية، وبعهدها كان اول رئيس لإتحادها، وكان لحبه للمنطقة والاهتمام بقضايا منذ مطلع السبعينات سببا فى ان يعدل تنظيم كومولو السرى آنذاك فى دستوره ولائحته الداخلية للاستفاده من خبراته، وكان للقائه بالشهيد القائد/ يوسف كوه مكى بجامعة الخرطوم حينما كان يدرس الاقتصاد إضافة حقيقية لرابطة طلاب جنوب كردفان التى كان يرأسها كوه وتسلم رئاستها لاحقا الحلو. تفاصيل كثيرة عن حياة الحلو ونضالاته وكيفية تحريك العمل النضالى السرى فى فترة نميرى وكيف تبلور ذلك للحاق بالحركة والجيش الشعبى لتحرير السودان والعمل فى معظم جبهاتها فى جبال النوبة وجنوب السودان والنيل الازرق وشرق السودان، وهو حق يعرفه الاعداء قبل الاصدقاء وقد كتب فيه وتحدث فيه الكثيرين فى كتب ولقاءات ومؤتمرات وندوات من منظورات مختلفه.                                                        
ولكن الأهم فى كل ذلك لماذا أصر القائد الشهيد/ يوسف كوه بأن يكون القائد/ الحلو حاكما على جبال النوبة، رغم رغبة الشهيد د./ قرنق فى استمرار الحلو قائدا فى شرق السودان؟ الاجابة من دون تفاصيل هو ان للحلو قدرات تجعله الشخص المقبول آنذاك بالمنطقة لما تتميز به من تعقيدات مختلفة. فدون الخوض فى تفاصيل تلك المواقف التى لا نحتاجها فى مقالنا الاول هذا،  
أصبح الحلو قائدا  باجماع الغالبية العظمى من ابناء المنطقة عسكريين وسياسيين داخليا وخارجيا لما يتميز به من تاريخ نضالى واحتراما لتوصية القائد كوه والتى ظل يرددها حتى قبل يومين من وفاته بلندن
وبالتالى إلتف حول الحلو معظم ابناء جبال النوبة حتى الذين توجد اختلافات بينهم كان لديهم اجماع حول الحلو بمختلف اثنياتهم ودياناتهم ووجودهم الزمانى والمكانى فى الداخل والخارج، و من درجة المساندة الكبيرة للحلو كان يدخل الناس فى خلافات مع الذين حوله ويصفونهم باحتكارهم لبرامج الحلو ومقابلاته وعدم السماح للاخرين بل وذهب آخرين الى اتهام بعض المجموعات او الافراد بتشويههم عن قصد ولقد مارس الحلو فى داخل السودان وخارجه حكمة السماع لكل من تسمح له ظروف مقابلته دون تعليقات جارحة وقد نتعرض لذلك فى مقالات اخرى. وذكرنا ان معظم ابناء المنطقة كانوا يقفون حول قيادة الحلو، لأن هنالك أقلية لها رؤاها الخاصة التى يجب احترامها حتى لو اختلفنا معها فى طريقة طرحها ونقدها، وهو حال العمل العام ففيه لا يمكن ان تتصور أن يرضى عنك كل الناس وحتى فى البيت الواحد تكون هنالك بعض الخلافات، وحتى الانبياء والآلهه يختلف حولها الناس وهى ظاهرة طبيعية، فالكثيرين لديهم تحليلاتهم ومصالحهم الخاصة وقد تكون نابعة من تجاربهم الخاصة او اهواءهم او عدم معرفتهم ببعض الجوانب او استعجالهم او امراضا نفسية كالغيره والنرجسية والانانية او الاغتيالات الشخصة ..الخ، وهى أشياء يواجهها كل من يعمل فى العمل العام حتى لو كانت جمعية سكر فى الحى، فما بالك بالعمل السياسى بتعقيداته المختلفة والروح الانانية التى تظهر هنا وهناك لتدمير الاخرين وتشويههم على الرغم من انهم يؤدون رسائل وطنية صادقة تخدم حتى هؤلاء الذين يسئيون إليهم
 عموما جاءت اتفاقية السلام وبرتكول جبال النوبة/ جنوب كردفان بشكله المعروف بايجابياته وبعض سلبياته وبصعوبات وعقبات يعرف الجميع من تسبب فيها ونعلم تفاصيل ذلك بدقة لمشاركتنا واتصالاتنا المباشرة والمستمرة مع المتفاوضين سواء عبر الاتصالات او عبر المؤتمرات او الزيارات التى تتم فى امريكا بما فيها المقابلات الخاصة مع الدكتور الشهيد/ جون قرنق والوفود التى ترافقه
ولكن أثناء المراحل الاخيرة للمفاوضات وبعد التوقيع ظهرت أصوات هنا وهناك لتنتقص من الحقوق الادبيه للقائد/ الحلو وتصفه بوصفات سنذكرها لاحقا كأنه لم يكن هو نفس الرجل الذى أشرنا فى عجالة الى مساهماته و إنتماءاته التاريخية للمنطقة، وجعلت الكثيرين من المتابعين عن قرب يعتقدون ان هنالك مؤامرة داخلية تحيكها احزاب اخرى استغلت بعض ضعاف النفوس فى فترة وقف اطلاق النار و اثناء المفاوضات لتمرير اجندتها بحجج واهية هدفها الاساسى اضعاف الجانب القيادى وخلق ازمة لكى تتم السيطرة على المنطقة وتدميرها، وهذه الاشياء ليست من نسج الخيال وانما من واقع كان وراءه قلة بسيطة ومعزولة تعلم نفسها ويعلمها الحلو وشعب جبال النوبة وستتم مواجهتهم كما واجهت الحركة رموزا من اعضائها فى حكومة الخرطوم والجنوب
وبعد إطلاعى لتقرير مجموعة الازمات الدولية وما كتب فيه ان سفر الحلو للدراسة بامريكا كان بسبب الاختلاف مع القيادة، ولكننى مدرك جيدا ان ذلك لا يمكن تسميته بمفهوم الخلاف، فالحلو عرف بالعمل المؤسسى والدقة وهو ما افتقد فى المراحل بعد وفاة د. جون قرنق وعدم تحديد الاولويات سواء كان على مستوى دعم العمل السياسى او الاعلامى او اكتمال هياكل الحركة ديمقراطيا. ولكن ارادة قيادة الحركة متمثلة فى رئيسها وامينها العام مع إلحاح عرمان وعدد كبير من اعضاء الحركة وابناء المنطقة داخليا وخارجيا، بالاضافة الى العديد من التصحيحات الادارية داخل الحركة الشعبية وعوامل أخرى  كانت سببا فى عودته.                                 
و لكن السؤال الذى يطرح نفسه أين القائد الفريق/ الحلو من كل التخبطات التى تحدث فى جبال النوبة/ جنوب كردفان؟ ورغم معرفتى باحترام الحلو للعمل المؤسسى القائم هناك، وصعوبة تراجعه فى بعض المواقف الا ان اجابتنا حول ذلك حتى لو كانت اجتهادية سوف تاتى فى مواقع أخرى
ولكن اقول ان الزيارة التى قام بها الحلو فى ابريل 2008م الى الجبال/ جنوب كردفان، وما تمخض عنه اجتماع مجلس التحرير الاخير فى جاو فى ديسمبر 2008م  ورؤى القيادة العسكرية والسياسية المتطابقة حول الحلو أرجو أن تلين ذاك الموقف
خلاصة الرسالة التى أود ان ارسلها فى هذا المقال الاول هى أن المراجعة والتنازل والمواجهة والشفافية والمصلحة العامة لهذا الشعب هو قيادة حوارات جادة ومسئولة بين كل القيادات العسكرية والسياسية فى اسرع وقت ممكن، و ان يعتذر كل من اخطا فى حق هذا الشعب والافراد وان يتنازل من القيادة من يحس انه لا يستطيع خدمة وقيادة شعبه او تنقصه الكفاءة او ان الشعب لا يرغب فى قيادته وان يدفع بالذين لديهم قدرات على القيادة. أو ان يعمل الجميع بسياسة تقسيم العمل وكل يقوم بمهمتة، وذلك لن يتم الا عبر وحدة حقيقية واحترام متبادل لقدرات الاخرين وتمليك الجماهير كل صغيرة وكبيرة، هذه هى الحالة الوحيدة التى سيبذل فيها اعضاء الحركة والجيش الشعبى ما بوسعهم للوقوف حول ومع قياداتهم بدلا عن نقدهم وسيقدمونهم فى حالة التحول الديمقراطى، أو سيكون مصيرهم مذبلة التاريخ عبر الابعاد المؤسسى ولقد قطعنا شوطا فى هذا الامر مع قيادات عليا فى الحركة الشعبية وسوف لن نوقفها الى ان نصحح اوضاعنا بانفسنا او سيكون مصير البعض شبيه لما حدث لبعض رموز الحركة الشعبية الذين كانوا يتبوؤن مناصب قيادية سياسية ودستورية فى حكومة الخرطوم وجنوب السودان، أو سيتعرضون لعزلة جماهيرية سياسية لا تسمح لهم ان يكون قيادتها فى المرحلة القادمة
مقالاتنا القادمه ستكون أكثر تفصيلا وتحميلا للمسؤليات وسنسمى الاشياء بمسياتها وسيكون بعد فترة معقولة لكى نسمح لقياداتنا بمراجعة أنفسها ومحاولة لم الشمل وتصحيح الاخطاء قبل فوات الاوان
ورغم علمنا بشخصية القائد الحلو واصراره على مواقفه وهو ما ذكرته قيادات عليا فى زيارتها لامريكا اخيرا، وحتى عدم اباحته مطلقا عن اقصائه رغم نقشاتنا التى كانت تستمر احيانا 10 ساعات متواصلة، الا اننا ندرك كل كبيرة وصغيرة ونعلم انه لا شئ يصعب حله، طالما تحارب الناس 21 سنة وجلسوا بعدها فى طاولة المفاوضات لسنين وتوجت باتفاق السلام، فاننا نريد اسبوعا واحدا او اقل لكى تعود المياه الى مجاريها. وما اعاد الحلو من امريكا للعمل مع قيادة الحركة حتما سيعيده الى المشاركة الفاعلة فى جبال النوبة/ جنوب كردفان. فالحلو الذين شاهدناه مع النوبة فى امريكا و فى جوبا نتساءل ما الذى يبعده عن من هم احوج اليه فى المنطقة

ولنا لقاء

أمين زكريا اسماعيل/ أمريكا                            
11/1/2009م.                                      


 

آراء