من مشاهد الوضع الراهن .. بقلم د. أحمد عبدالله

 


 

 

من الطبيعي أن يتصدر المشهد الحالي بصمات وإفرازات الحرب الدائرة بأطرافها المتناحرة بكل مسمياتها ومن يقف وراءها والموقف منها ومن يصطف إلى طرف منها إضافة لما يلزم من لغة المخاطبة بما في ذلك من استحداث مفردات بحسب خطى واتجاهات دورة الاقتتال. وقد أخذت هذه الحرب نصيبها من ذلك، بل وربما بكثافة لافتة للتماهي مع حجم ويلات ومأساوية هذه الحرب بالذات بما فاق كل ما هو مسطور في تأريخ الحروب ألبشرية، مما جعل منها - أي الحرب - ذات اتجاه واحد، أي أنها هي الصوت الوحيد المسموع مقابل شلل تام لكل ما عداها إذ ابتلعت الحرب الوطن برمته ومعه المواطن مع اغتيال وطمس لكل مقومات وضرورات ومعانى ألحياة - ولو فى حدها الأدنى- وازداد الموقف كيل بعير ليصطحب فقدان الحياة شلل تام للتفكير إيذاء ضياع البوصلة وبصفة خاصة مع استطالة أمد الحرب وتغبيش الحقائق حول أغراضها وتعريفها وأطرافها وهل هى الحرب بالمعنى المتعارف عليه أم احتلال أم نزاع حول كراسي السلطة!؟ أم أنه - ولعله الأصح - صراع بين قوى التغيير التي تروم لانتشال الوطن من وهدته والفئة الموازية التي تبغى استحواذ السودان بأجندتها الخاصة !

بكلام آخر هناك من يبنى ويعمر فى مقابل حملة السلاح الذين يهدفون لإعادة عقارب الساعة؛ ويعنى ذلك أنه فى خضم هذه المعارك يتضح جليا أن هناك كتلتين فقط لأغير فئة بناء الوطن وفى الجانب الآخر فئة من يسعى لعرقلة ذلك ! و لتسمية الفئتين بمسمياتهما الصحيحة ينظر إلى أهداف الحرب الجارية تحت مظلة ثورة ديسمبر العملاقة بين أنصار الثورة وبين من يريدون عرقلتها.

هذه الدعوة للنظر للحرب بمنظار الثورة يستند على خلفية تاريخية تطغى عليها مفردة واحدة اسمها "البندقية" أكرر "البندقية" ذلك بأنه منذ رزء السودان بهذه البندقية ظلت هي العامل المؤثر في سياسة ومجريات ألأمور بعد سنوات فليلة عقب الاستقلال ٥٦ وظل دورها يتمدد تدريجيا عبر الحكومات المتعاقبة لتكتمل قبضتها منذ انقلاب ٨٩ لتستحوذ على كل شئون الدولة وتكون هي بمفردها: دستور البلاد والقانون والقضاء وأداة التشريع - والترويع - وهذه الأخيرة مثلت أهم دور في سجن (بفتح السين) البلاد والشرفاء من ابناء الوطن مكملة بذلك القبضة الشمولية التي نعيشها منذئذ إلى يومنا هذا -باستثناء تلك الأيام النضرة من ثورة ديسمبر العظيمة؛ وما يجرى الآن ما هو إلا محاولة إعادة البلاد لبيت ديكتاتورية "البندقية"!

من الشواهد لذلك ومع الانغماس الكلى فى الحرب والدمار ودخول البلاد فى غياب القانون نحو 'حكم الغاب' وإزهاق الأرواح بشكل يومي ممنهج وجثث الضحايا الشهداء تملأ الشوارع إضافة لاستباحة الأعراض وضياع ممتلكات العمر و انتقال الجريمة والنهب من قبل حملة الكلاشنكوف "لا يهم بأي زي يتدثرون أو يختفوا" ناهيك عن المهددات والمخاطر بانزلاق الوطن بما فيه نحو قاع المجهول! وكأنما واجب ال(لا) حكومات هو العمل على فناء والفتك بشعوبها بدلا مما هو مناط بها من دور معلوم فى ضمان سلامة الوطن ومواطنيه بما يحفظ لهم عيش كريم، بل وأن الحكومات المتحضرة قد فرغت من كل ذلك وتعمل الآن على رفاهية شعوبها! أما وضعنا الخاسر هذا تحت نيران هذا السفك للدماء فهو مما يصدق عليه القول:" من أراد العيش في الخرطوم فلا بأس أن تكون أكفانه في معيته"! وبالرغم من كل ذلك -آه - لم يعدم حملة البندقية وجود الوقت والمزاج للتضييق ومطاردة الثوار !!؟ بل وتهديد من يقول 'بغم'! وغريب فى هذا السياق أنه وبسلطان البندقية أن يتشدق حملتها في الفضائيات بما لا يؤمنون به من شعارات "ديمقراطية، الثورة، حرية، الحكم المدني" بينما يلوح جنودهم فى الخلفية بالبندقية مصحوبة ببسمات الفرح ومستبشرين تكبيرا وتهليلا بنصر مزعوم؛ !بينما في وأقع الأمر تبنى شعارات للاستهلاك مردود على قائله لأنه لا ينطلي على المشاهد من ناحية كما أنه يفضح قائله بأنه يعلم تماما أن ما قاله رئاء هو الحق ! وكذلك لا ينسون التحدث بإسم "الشعب" وأنه معهم صفا واحدا؛ وبالطبع لا ندرى إن كان المقصود هو هذا الشعب الواحد ده الذى زلزل كراسي السلطة تحت أقدامهم !! وبالقطع لا يجرؤون ويصعب عليهم ذكر ملامح حقيقية للثورة مثل الترحم على أكارمنا من شهداء العظمة ممن سددوا فواتير الدم والمهج والأرواح ببسالة أسطورية لبناء مداميك الأساس لسودان الغد، تاركين ما تبقى أمانة ومسئولية وطنية أخلاقية في رقابنا، ندعو أن تغشاهم رحمة عزيز مقتدر، ويهيئ لنا - نحن من تخلفنا ورآءهم - حمل تكاليف ترميم وإعمار الوطن. خلاصة ما أوصلتنا إياه سياسة البندقية هو ما نحن عليه الآن، وكفى !

حرام والله وطن يهز ويرز ويفيض خيرا وثراء (ماديا وبشريا) أن تصل بنا العقول الجبارة التي أدارته بسبب أن كلمة "وطن" ما كانت إطلاقا في مفردات قواميسهم؛ بل على النقيض تماما، راحوا يتبارون في هدم أركانه وإذلال شعبه، بدلا من وضعه الطبيعي الطليعي المستحق في مصاف الأمم المتقدمة.
وبعد يتبقى لنا الجانب الشعبي وهو المناط به - في هذا المنعطف بالغ الخطورة من تأريخ السودان - وعلى اختلاف التوجهات الانصهار لبناء جبهة موحدة متراصة ذات غرض واحد محدد للاستجابة لإغاثة وطن يئن من ثقل ما تم إلحاقه به من أذى ودمار، ولا نزيد، والله المستعان.

ودمتم سالمين

 

آراء